أزمة جديدة تصاعدت معالمها بين المغرب والجزائر، هذه المرة بسبب المياه الحدودية المشتركة، إذ تتهم الجزائر جارتها المغرب بالاستغلال غير المشروع لوادي الكير، أحد الأودية الموسمية التي تنبع من جبال الأطلس في المغرب وتخترق الحدود لتصب في ولاية بشار الجزائرية.
بالإضافة إلى المياه الجوفية المشتركة في وادي الكير، يمتلك المغرب والجزائر أحواضًا جوفية على طول الشريط الحدودي من الشمال إلى الجنوب، يصب بعضها في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ويتم استغلالها وفق اتفاقيات ينص عليها القانون الدولي للمياه.
ومما زاد من صراع البلدين على مياه وادي الكير هو حاجتهما لمياهه، فالمغرب بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لنحو 15 ألف نسمة، يستغل مياه وادي الكير في تأمين الري لحوالي 5000 هكتار.
أما الجزائر فَتَعتبر وادي كير شرياناً مائياً حساساً، فهو الذي يوفر مياه الري لسكان ولاية بشار التي تقع في نطاق صحراوي، كما أن الماء المتجمع في سد جرف التربة، الذي يصب فيه الوادي، يُستغلّ في منجم غار الجبيلات، أحد أكبر مناجم الحديد الخام في الجزائر.

أزمة وادي الكير
يعتبر وادي الكير من الأنهار الموسمية الكبيرة في المغرب، ينبع من جبال الأطلس الكبير بإقليم فكيك والراشيدية، ثم يتجه نحو الجنوب الشرقي للمملكة ويعبر الحدود المغربية الجزائرية ثم يصب في ولاية بشار الجزائرية.
بدأت الأزمة عندما قرر المغرب سنة 2015 إنشاء سد قدوسة بإقليم الراشيدية وبدأ تشغيله سنة 2021، وهو السد الذي تتخزن فيه مياه وادي الكير قبل عبورها الحدود المغربية الجزائرية.
تقول الرباط إن الهدف من عمل سد قدوسة هو حماية واحات التمور المحيطة بوادي الكير من الفيضانات، وتأمين مياه الري لحوالي 5000 هكتار، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لساكنة تقدر بحوالي 15 ألف نسمة.
مقابل ذلك، ترى الجزائر أن المغرب أساء استغلال المياه العابرة للحدود، وببناء سد قدوسة، قلص حصة الجزائر من صبيب وادي الكير وتدفق المياه إلى سد جرف التربة في الجزائر، الأمر الذي تسبب في كارثة بيئية بولاية بشار جنوب قرب الجزائر.
وحسب اتفاقية هلسنكي التي يؤطرها القانون الدولي للمياه، فإن السدود التي تستغل المياه العابرة للحدود يجب أن تُبنى بتشاور واتفاق بين البلدين المعنيين، وفي هذه الحالة كان من المفروض أن تفتح الحكومة المغربية حلقة تشاور دبلوماسية قبل بناء السد سنة 2015.
مصدر مقرب من الحكومة المغربية قال لـ"عربي بوست" إن العلاقة المتوترة بين المغرب والجزائر حالت دون التشاور قبل بناء السد، وفعلاً المغرب بنى السد لكن لم يتم تشغيله إلا بعد 6 سنوات.
وأضاف المتحدث، الذي رفض كشف هويته، أن الجزائر لم تبدِ أي اعتراض عن بناء السد سنة 2015 سواء رسمياً أو عبر الإعلام، لكن عند تشغيله سنة 2021 صعدت من احتجاجاتها التي وصلت إلى المحافل الدولية في سنة 2024.
واعتبر المصدر نفسه أن "احتجاجات الجزائر خلفيتها سياسية كالعادة ولا علاقة لها بصبيب مياه وادي الكير"، مؤكداً أن الوادي يلتقي مع روافد بعد سد قدوسة كلها تصل للجزائر وتُعوض المياه التي يخزنها المغرب في السد الجديد.
وقال المتحدث إنه قبل بناء السد، كانت الواحات المغربية تستغل فقط 8 مليون متر مكعب سنويًا، ومع السد من المتوقع أن يقتطع 30 مليون متر مكعب من أصل 60 مليون تمر عبر وادي الكير.
وأضاف أن هناك روافد إضافية تنضم للوادي داخل الجزائر، مما يعوّض بعض النقص، وحسب الأرقام فإن الخسارة الجزائرية لا تتعدى ثُمن الكمية المعتادة، وهي ليست كبيرة حسب المعايير الدولية لتقاسم المياه.
وأشار المصدر نفسه إلى أن الجزائر نفسها أقامت 5 سدود على طول مسار نهر وادي مجردة الذي ينبع من منطقة سوق أهراس في الجزائر، ويمتد إلى تونس حيث يُعتبر أهم نهر فيها.
في المقابل يرى مصدر حكومي جزائري أن بلاده ستستمر في الاحتجاج داخلياً وخارجياً حتى تستعيد حصتها من وادي الكير، الذي ينبع من المغرب ويصب في الجزائر، ومن حق البلدين الاستفادة من مياهه بشكل عادل ومنصف.
وقال المصدر نفسه في حديثه مع "عربي بوست" إن الأرقام تؤكد أسباب الاحتجاجات الجزائرية، ونسبة ملء سد جرف التربة تراجعت منذ بدء اشتغال السد الجديد، رغم وجود روافد، بالإضافة إلى عوامل الجفاف التي ضربت المنطقة.
وأشار المتحدث إلى أن القانون الدولي يحتم على الدول التي تشترك في مصادر مائية توزيعها بشكل عادل ومنصف، لكن سد قدوسة حرم ساكنة ولاية بشار من المياه، كما أنه أثر على نسبة المياه التي كان يحصل عليها مصنع الجبيلات.
وأضاف المصدر نفسه أن الرباط تسعى إلى "تجفيف منهجي ومتعمّد" لمناطق حدودية، وهذا الأمر له تأثيرات بيئية خطيرة ظهرت في المنطقة، منها نفوق الأسماك وانخفاض منسوب المياه.

ماذا يقول القانون؟
رغم غياب اتفاقيات ثنائية بين البلدين بسبب التوتر السياسي المستمر، إلا أن المغرب والجزائر يخضعان معاً للقانون الدولي للمياه الذي ينظم الموارد المائية المشتركة بين الدول، ويضمن الاستخدام العادل للمياه العابرة للحدود، ويمنع النزاعات بين الدول.
وتلزم كل من المغرب والجزائر بمبادئ القانون الدولي العرفي، الذي يؤكد على عدم الإضرار المتعمد بالمياه المشتركة، التفاوض قبل بناء مشاريع مائية قد تؤثر على الدول الأخرى، والاستخدام العادل والمنصف للموارد المائية.
ولفهم الوضعية أكثر، تواصل "عربي بوست" مع حسين الرحيلي، الخبير التونسي في التنمية والموارد المائية، والذي أكد أن التغيرات المناخية في كل من المغرب والجزائر، وتوالي الجفاف في البلدين لسبع سنوات، دفعت المغرب إلى مواجهة الشح المائي والتصدي للتحولات المناخية وتنويع مصادر المياه، من خلال إنشاء سد قدوسة على وادي كير.
وقال الخبير المائي إن القانون الدولي لا يلزم الدول أو يحظر عليها بناء سدود داخل حدودها في الأودية التي تنبع من أحواضها المائية، ومع ذلك، إذا كانت هناك تأثيرات كبيرة على المواقع الرطبة أو البيئية، فإنه من الضروري أن يتفق البلدان على الحد الأدنى من المياه اللازمة لاستمرار النظم البيئية الحدودية.
وأضاف المتحدث أن هذا السد يضم حوضاً مائياً غالبيته في المغرب، بمساحة تقدر بحوالي 12 ألف كيلومتر مربع، وبذلك، يجد المغرب نفسه في هذا الصراع مطالباً بإنجاز السد وقطع تدفق المياه نحو الجزائر.
وقال المتحدث إن هذه الأودية عبر التاريخ كانت طريقًا ومكانًا مفضلاً لإنشاء العديد من المدن والأنشطة الفلاحية، وبالتالي، فإن بناء هذا السد سيكون له تداعيات اجتماعية واقتصادية على دولة المصب، وهي الجزائر، مما يعمق الخلافات بين البلدين.
وبالتالي، حسب المتحدث، فإن الموضوع في غاية التعقيد، ولا يقتصر على المغرب والجزائر فقط، بل امتد ليشمل صراعًا بدأ منذ بداية التسعينيات بين الجزائر وتونس حول الأودية العابرة بين الدولتين، بسبب بناء الجزائر لأكثر من أربعة سدود على وادي مجردة، الذي ينبع من الجزائر ويصب في البحر الأبيض المتوسط عبر تونس.
وقد تأثرت تونس بشكل كبير من بناء هذه السدود، خاصة على مستوى استدامة سيلان وادي مجردة عبر الأراضي التونسية التي تمتد على طول 450 كيلومترًا. في المقابل، قامت تونس باتخاذ نفس الإجراءات، كما نجد اليوم صراعًا بين إثيوبيا والسودان ومصر حول نهر النيل وتداعيات سد النهضة.
وأشار الخبير التونسي في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن القانون الدولي عاجز عن فرض التنسيق بين الدول في هذا الشأن، والحلول ستكون ثنائية، إذ يجب على الجزائر والمغرب الجلوس إلى مائدة الحوار لمحاولة تقليص تداعيات السدود، سواء كانت في صالح أحد الطرفين أو ضد الآخر، وتقاسم الموارد المائية المشتركة بشكل عادل.
المياه الجوفية المشتركة
لا يعتبر وادي الكير الوحيد ضمن الأنهار العابرة للحدود المشتركة بين المغرب والجزائر، أبرزها وادي درعة، وهو أطول نهر في المغرب ينبع من جبال الأطلس الكبير في المملكة، ويتوفر على 5 سدود كبيرة.
المجرى الكامل للوادي يقع داخل الأراضي المغربية، باستثناء الجزء الذي يقترب من الحدود الجزائرية على تماس مع منطقة تندوف، ولا يصل الماء للأراضي الجزائرية إلا في حالة الفيضان أو مواسم الأمطار الاستثنائية.
جزء كبير من المياه يحتجزها المغرب في السدود ويستغلها في الزراعة وتوليد الطاقة.
ورغم ذلك، فإن وادي درعة يوفر مياه جوفية صحراوية مشتركة بين جنوب شرق المغرب ومنطقة تندوف الجزائرية، لذا، يعتبر وادي درعة جزءًا من منظومة مائية ذات أبعاد حدودية.
من الأنهار العابرة للحدود بين المغرب والجزائر نجد وادي كيس الذي ينبع من جبال مدينة بركان في الشمال الشرقي للمغرب، ويصل إلى مدينة السعيدية في المغرب ثم مدينة مرسى بن مهيدي الجزائرية، ثم يصب في الأخير في البحر الأبيض المتوسط.