سعي لبقاء طويل الأمد.. بالخرائط كيف تتحرك إسرائيل في سوريا؟ وما هي المحاور الأربعة لاستراتيجيتها هناك؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/22 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/22 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تسعى إسرائيل من خلال تدخلها في سوريا إلى زيادة المساحات التي تحتلها وخلق واقع أمني جديد - عربي بوست

منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سارعت إسرائيل إلى استغلال حالة الفراغ الأمني، والتحوّل المفاجئ في السلطة داخل سوريا، لتبدأ في رسم معادلة أمنية جديدة في الجنوب الغربي لسوريا من خلال استراتيجية ترتكز على 4 محاور، وتهدف إلى تعزيز نفوذها وتوسيع المساحات التي تحتلها، وتحديداً في المناطق المحيطة بهضبة الجولان المحتلة.

ورغم مزاعم تل أبيب وتصريحات كبار المسؤولين عقب سقوط النظام، أن تدخل إسرائيل في سوريا سيكون مؤقتاً، فإن تحركاتها الأخيرة تكشف عن نوايا لبقاء طويل الأمد، فيما تثير هجماتها وتوغلاتها في الأراضي السورية تنديداً من الإدارة السورية الجديدة، إضافة إلى تنديد من دول عربية وبعض الدول الأوروبية.

وتعتمد استراتيجية إسرائيل في سوريا، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024 وحتى اليوم، على:

توسيع احتلال المناطق: من خلال السيطرة على المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، والتوغل داخل الأراضي السورية، بما في ذلك الخارجة عن حدود المنطقة العازلة.

تعزيز الوجود العسكري: عبر إنشاء قواعد ونقاط عسكرية داخل حدود المنطقة العازلة وخارجها.

فرض ما تسميه إسرائيل "مناطق أمنية": ويتمثل ذلك في مسعى إسرائيل إلى فرض ثلاث مناطق تمتد حتى تخوم العاصمة دمشق، تكون بمثابة "حزام أمني" خالٍ من أي تهديدات لإسرائيل.

تكثيف القصف: من خلال تصعيد الهجمات الجوية لتدمير المزيد من القدرات العسكرية للبلاد، وإضعاف الإدارة السورية الجديدة عسكرياً.

وفي هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذه التحركات عبر الخرائط والمصادر المفتوحة، إذ تشكّل هذه التحركات تحولاً لافتاً في السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا.

احتلال المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل

لم تمضِ سوى ساعات على هروب بشار الأسد من سوريا وسقوط نظامه، يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، حتى بدأت إسرائيل توغلها في المنطقة العازلة، أو ما تُسمى بـ"المنطقة الفاصلة" بينها وبين سوريا، وذلك في أول توغل إسرائيلي في المنطقة منذ 50 عاماً، لتنتهك بذلك اتفاقية فك الاشتباك.

أُنشئت المنطقة العازلة بموجب الاتفاقية التي وقّعتها سوريا وإسرائيل عام 1974، والتي جاءت عقب "حرب تشرين 1973″، وكان الهدف من المنطقة الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين السوري والإسرائيلي.

تُعرف حدود المنطقة العازلة بخطين، هما: "خط ألفا"، وهو من جهة الأراضي التي تحتلها إسرائيل في الجولان، و"خط برافو"، ويقع في الجانب السوري من المنطقة العازلة.

وتنتشر في المنطقة العازلة قوات من الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، المعروفة بـ"أوندوف- UNDOF"، ويبلغ طول المنطقة حوالي 80 كيلومتراً، في حين أن عرضها يتراوح من 10 كيلومترات في وسطها، ويصل إلى أقل من كيلومتر في بعض المناطق. 

تبلغ مساحة المنطقة العازلة 235 كيلومتراً مربعاً، وبسيطرة إسرائيل عليها، يكون الاحتلال قد أضاف هذه المساحة إلى نحو 1170 كيلومتراً مربعاً تحتلها إسرائيل في هضبة الجولان السورية، والتي تُقدَّر مساحتها الكلية بـ 1860 كيلومتراً مربعاً.

وتوجد في المنطقة العازلة مدينة القنيطرة وعدد من القرى، إضافة إلى تضاريس جبلية يهيمن عليها جبل الشيخ، الذي يقع بين سوريا ولبنان، والذي سيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي بعد ساعات من سقوط النظام في سوريا.

تشير تعزيزات إسرائيل العسكرية في المنطقة العازلة، وتصريحات مسؤوليها، إلى أنها لن تغادر المناطق الجديدة المحتلة في الأمد القريب.

تدخل إسرائيل في سوريا
بعد سقوط نظام الأسد سيطرت إسرائيل على المنطقة العازلة متجاوزةً بذلك اتفاق فك الاشتباك – عربي بوست

بناء مواقع وقواعد عسكرية لإسرائيل في سوريا

سارعت إسرائيل إلى استغلال احتلالها لمزيد من المساحات السورية داخل المنطقة العازلة، وعملت على فرض واقع أمني جديد، من خلال إقامة قواعد ومراكز عسكرية، غالبيتها موجودة داخل حدود المنطقة العازلة.

ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2024 وحتى 21 مارس/ آذار 2025، أنشأ الاحتلال الإسرائيلي 9 قواعد عسكرية، 7 منها داخل حدود المنطقة العازلة، وتمتد من شمالها عند جبل الشيخ وصولاً إلى الجنوب.

أما القاعدتان الأخريان، فتم إنشاؤهما خارج حدود المنطقة العازلة، الأولى: عند التل الأحمر القريب من قرية "كودنة" (شرق المنطقة العازلة)، والثانية: قرب قرية معربة، وبجوار أقصى جنوب المنطقة العازلة.

تدخل إسرائيل في سوريا
مواقع القواعد العسكرية التي أقامتها إسرائيل في سوريا – عربي بوست

ولم تقتصر التحركات العسكرية الإسرائيلية على بناء قواعد، بل ترافقت أيضاً مع تحركات ميدانية متصاعدة، شملت عمليات عسكرية مختلفة مثل الإنزال والتوغل البري.

ونفّذت تل أبيب ما لا يقل عن 34 عملية عسكرية داخل المنطقة العازلة وخارجها، خلال الفترة من ديسمبر/ كانون الأول 2024 وحتى مارس/ آذار 2025، وفقاً لبيانات من "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي".

ورصد "عربي بوست" أماكن حدوث العمليات العسكرية الإسرائيلية خارج المنطقة العازلة، ووصلت التحركات العسكرية إلى خارج حدود المنطقة بمقدار 7 كيلومترات، حيث نفذت إسرائيل إنزالاً جوياً يوم 4 مارس/ آذار 2025، على تل المال الواقع في ريف درعا الشمالي، وأجرت خلاله قوات الاحتلال عملية تفتيش مواقع عسكرية.

يقع تل المال على بُعد 7 كيلومترات من أقرب نقطة لحدود المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، ويبعد التل عن الجولان المحتل نحو 16.2 كيلومتراً، ما يجعله أبعد نقطة وصلت إليها عمليات التوغل الإسرائيلي في العمق السوري حتى تاريخ 22 مارس/ آذار 2025.

توغل إسرائيل في سوريا
مواقع القواعد العسكرية لإسرائيل في سوريا وتحركاتها العسكرية في الجنوب السورية – عربي بوست

إقامة منطقة أمنية جنوب سوريا

وتشير جميع التحركات الإسرائيلية في جنوب سوريا منذ سقوط نظام الأسد إلى أن إسرائيل تنوي البقاء لفترة طويلة في الأراضي السورية، وهو ما أكّده وزير الدفاع يسرائيل كاتس خلال زيارته إلى جبل الشيخ في 11 مارس/ آذار 2025، حيث تحدّث عن رؤية إسرائيل للمنطقة الأمنية التي تسعى إلى فرضها في سوريا.

أوضح كاتس أن المنطقة الأمنية في جنوب سوريا تتكوّن من قسمين رئيسيين: 

الأول: المنطقة العازلة التي سيطرت عليها إسرائيل بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، ويُقدَّر عدد السكان السوريين في المنطقة العازلة بـ 40 ألفاً، وعملت إسرائيل على تأمين المنطقة من خلال إقامة قواعد عسكرية فيها.

وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم 11 مارس 2025، أن الجيش الإسرائيلي، يتجهز لبناء المزيد من المواقع العسكرية على طول المنطقة العازلة. 

القسم الثاني: منطقة تمتد إلى مسافة 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية انطلاقاً من السياج الحدودي، وتمنع إسرائيل دخول أفراد من الجيش السوري إليها. وهذه المنطقة شهدت، ولا تزال، قصفاً عنيفاً من قبل الاحتلال، يستهدف خلاله قواعد ومقارّ عسكرية، ويُدمّر فيه مخازن أسلحة.

وإلى جانب هاتين المنطقتين، هنالك منطقة أمنية ثالثة تُسميها تقارير الصحافة الإسرائيلية بـ"منطقة نفوذ"، ويسعى الاحتلال إلى تحويلها لأمر واقع في الجنوب السوري، وبحسب المعلومات الإسرائيلية المتوفرة، فإن هذه المنطقة سيكون لها ترتيبات أمنية مختلفة، يُمنع فيها انتشار الجيش السوري، أو نشر أي أسلحة بعيدة المدى مثل منصات الصواريخ، بينما يُسمح بوجود الشرطة السورية فقط. 

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أكّد في فبراير/ شباط 2025، بأن الاحتلال "لن يتسامح" مع وجود أي من القوات السورية في جنوب سوريا، وطالب بأن تكون محافظات القنيطرة، ودرعا، والسويداء "منزوعة السلاح"، وتبلغ مساحة المحافظات الثلاثة 11140 كيلومتراً مربعاً.

منطقة أمنية لإسرائيل في سوريا
تهدف إسرائيل إلى فرض مناطق أمنية في في الجنوب السوري – عربي بوست – الصحافة الإسرائيلية

تكثيف القصف لإضعاف سوريا

تشكل الهجمات الجوية ركيزة في استراتيجية إسرائيل الحالية في سوريا، إذ تعتمد تل أبيب على الضربات الجوية كوسيلة فعالة لتقويض القدرات العسكرية السورية، ومنع أي إمكانية لإعادة بناء القوة في المدى المنظور، وتعزيز فرض المناطق الأمنية في الجنوب السوري.

وتُظهر بيانات مفتوحة المصدر من "مجموعة بيانات مواقع النزاع المسلح"، و"مجموعة الأزمات الدولية"، وSami-r Map، أن وتيرة الغارات الإسرائيلية شهدت تصاعداً غير مسبوق منذ سقوط نظام الأسد.

في يوم 8 ديسمبر 2024 وبعد ساعات من سقوط الأسد، شنت إسرائيل واحدة من أعنف هجماتها الجوية على سوريا، إذ دمّرت خلال 48 ساعة التي تلقت انهيار النظام، ما يُقدّر بين 70% إلى 80% من القدرات العسكرية الاستراتيجية لسوريا وفقاً لإحصاء "مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها" (ACLED).

كان شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024 الأعلى خلال العام الماضي من حيث عدد الغارات الإسرائيلية على سوريا، وبحسب ACLED فإن أكثر من ثلث الغارات التي شنّتها إسرائيل على سوريا في عام 2024 كانت بعد سقوط النظام مباشرة.

فمثلاً شهدت الساعات الـ48 التالية لسقوط نظام الأسد، تنفيذ إسرائيل ما لا يقل عن 500 غارة جوية على سوريا، وفق توثيق "مجموعة الأزمات الدولية"، وكانت نحو 350 منها بواسطة طائرات مأهولة ونفذت هجماتها في دمشق، وحمص، وطرطوس، واللاذقية وتدمر، بحسب ما أعلنه حينها الجيش الإسرائيلي. 

منذ ذلك الحين، توّسع نطاق الغارات ليشمل جغرافيا أوسع من الجغرافيا السوريةن واستهدفت الهجمات الإسرائيلية دمشق ودرعا وحلب.

ويتركز القصف الجوي الإسرائيلي في سوريا، على قصف مخازن للأسلحة، وضرب مطارات وقطع عسكرية ورادارات، وسفن حربية وموانئ، ومراكز للأبحاث، واستهدفت بعض الغارات مدنيين سوريين وقوات من الجيش السوري وتسببت في مقتل عدد منهم. 

وتشير التحركات الميدانية المستمرة لإسرائيل في الجنوب السوري، إلى أن تل أبيب لا تتحرك بدافع "المخاوف الأمنية" المزعومة فقط، بل تنفذ مشروعاً أوسع لإعادة رسم الخارطة الأمنية في الجنوب السوري، بما في ذلك توسيع رقعة احتلال الأراضي، وتثبيت وقائع جديدة على الأرض.

علامات:
تحميل المزيد