تعويم الجنيه ورفع الدعم خلال ستة أشهر.. ماذا قدمت الحكومة المصرية مقابل الدفعة الجديدة من صندوق النقد؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/13 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/13 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
السيسي-عربي بوست

قالت مصادر مصرية مطلعة في مجلس الوزراء إن صندوق النقد الدولي وافق على تمرير الشريحة الرابعة من القرض المخصص لمصر، والتي كانت بقيمة 1.2 مليار دولار، بعد أن "حققت" القاهرة كل مطالب الصندوق، والتي تضمنت الموافقة على تعويم جديد للجنيه المصري ورفع الدعم عن المحروقات، بالإضافة إلى طرح بعض شركات الجيش في البورصة.

المصادر المصرية المتطابقة قالت لـ"عربي بوست" إن نقاشات مصر مع صندوق النقد الدولي من أجل الانتهاء من المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد لمصر، والتي تأجلت مرتين في ديسمبر/كانون الأول 2024 وفي فبراير/شباط 2025، تضمنت ضغوطاً كبيرة على القاهرة لتمرير المطالب التي يريدها الصندوق في المجال الاقتصادي.

المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست" قالت إن القاهرة كانت تحاول تأجيل الإصلاحات المطلوبة في المجال الاقتصادي، خاصةً المتعلقة بتعويم العملة من جديد، وكذلك رفع الدعم عن سلع هامة وطرح شركات الجيش المصري في البورصة، لكن صندوق النقد الدولي تمسك بكل مطالبه دون أي تنازل.

وقالت المصادر إن صندوق النقد الدولي قد طالب القاهرة بتنفيذ كل المطالب التي طرحها في مفاوضاته مع القاهرة في الشهور الماضية، وقد حاولت القاهرة "القفز على هذه المطالب" لكنها لم تستطع.

شريحة جديدة من قرض صندوق النقد

كان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قد قال في بيانه يوم الأربعاء 12 مارس/آذار 2025 إنه استكمل المراجعة الرابعة لاتفاق "تسهيل الصندوق الممدد" لمصر، مما سمح للسلطات بسحب ما يعادل نحو 1.2 مليار دولار أمريكي.

وقال تقرير صندوق النقد الدولي إن المراجعة الرابعة تتيح للسلطات سحب حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي (922.87 مليون وحدة حقوق سحب خاصة) على الفور، ليصل إجمالي مشتريات مصر بموجب تسهيل الصندوق الممدد إلى حوالي 3.207 مليار دولار أمريكي (2.420.22 مليون وحدة حقوق سحب خاصة أو 119% من حصتها).

وقد تمت الموافقة على اتفاق تسهيل الصندوق الممدد لمدة 46 شهراً لمصر في 16 ديسمبر/كانون الأول 2022.

بالإضافة إلى ذلك، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على طلب السلطات للحصول على اتفاق بموجب تسهيل المرونة والاستدامة (RSF)، مع إمكانية الوصول إلى حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي (مليار وحدة حقوق سحب خاصة). كما اختتم المجلس التنفيذي مشاورات المادة الرابعة لعام 2025 مع مصر.

في الوقت نفسه، كشف مصدر في مجلس الوزراء أن وزارة المالية أدارت "تفاوضاً صعباً" مع الصندوق على مدار الشهور الأربعة الماضية منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، بسبب محاولة القاهرة تأجيل بعض مطالب صندوق النقد في الملف الاقتصادي.

ورغم أن القاهرة كانت تتعلل في مفاوضاتها مع الصندوق بحرب غزة وتأثيرها على الاقتصاد المصري، فضلاً عن البحر الأحمر وما يحدث فيه من اشتباكات عسكرية تديرها جماعة الحوثي، وأثر ذلك على قناة السويس، فإن الصندوق رفض كل هذه "الحجج".

وأوضح المصدر أن مصر حاولت إرجاء المطالب المتبقية من برنامج "الإصلاح الاقتصادي" مع صندوق النقد الدولي إلى العام المقبل، خاصةً وأن الوضع الاقتصادي في مصر "يضغط بشكل كبير على المواطن في ظل تضخم مستمر مع انهيار في قيمة العملة"، لكن الصندوق رفض.

كان "عربي بوست" قد نشر تقريراً يوم الخميس 27 فبراير/شباط 2025، أشار فيه -على لسان مصادر في مجلس الوزراء- إلى أن خلافات بين القاهرة وصندوق النقد تسببت في تأجيل شريحة القرض الجديدة التي كان يجب أن تستلمها مصر في يناير/كانون الثاني 2025، لكنها تأجلت إلى فبراير/شباط 2025.

وقالت المصادر إن ملف تعويم العملة المصرية من جديد لكي يصل الدولار الأمريكي إلى ما يوازي 60 جنيهاً مصرياً، وكذلك طرح شركات تتبع الجيش المصري بشكل مباشر في البورصة للاكتتاب أو للبيع للأجانب، كانا ملفين أساسيين في الخلاف بين الصندوق والقاهرة.

قلق من تعويم الجنيه

وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن معدل النمو في الاقتصاد المصري شهد تباطؤاً إلى مستوى 2.4% في عام 2024، بمعدل انخفاض 3.8% عن العام السابق، كما اتسع عجز الحساب الجاري إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة الزمنية.

البرلماني المصري محمد علي عبدالحميد، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب المصري، لا يرى في هذه المؤشرات أي خطورة على الاقتصاد المصري، ويرى في حديثه لـ"عربي بوست" أن موافقة صندوق النقد الدولي على الشريحة الجديدة من القرض هي شهادة ثقة في الاقتصاد المصري، الذي يتعافى ويسير نحو مسار صحيح، على حد قوله.

وأشار إلى أن البرلمان المصري يتابع تطورات التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، وعلى اطلاع بكل التفاهمات بين الطرفين، و"لا يرى أي أزمة في حصول مصر على أي قروض من جهات خارجية ما دام ذلك سيصب في صالح الاقتصاد المصري، وبالتبعية سوف يشعر بذلك المواطن المصري".

تقدم في المفاوضات

مصدر آخر في البرلمان المصري قال إن القاهرة "قلقة" من الذهاب إلى تحريك سعر الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي مرة أخرى، وكانت ترى أنه من الأهمية تأجيل تعويم الجنيه المصري على الأقل إلى العام المقبل، لكن الصندوق رفض وأصر على أن يتم تعويمه مجدداً.

وأشار المصدر في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن القاهرة تفاهمت مع صندوق النقد الدولي على أن تقوم بتحريك سعر الجنيه أمام الدولار، ولكن بشكل هادئ وبطيء في الأيام المقبلة، حتى لا يشعر المواطن المصري بالتغير في سعر الجنيه أمام الدولار بشكل مفاجئ، مما سيؤثر بالتبعية على كافة جوانب الاقتصاد المصري.

وأوضح المصدر أن سعر الدولار سوف يصل إلى 60 جنيهاً مصرياً في الأسابيع القليلة المقبلة، وفق الاتفاق الذي حدث بين القاهرة وصندوق النقد الدولي قبل أيام، وهي المعلومة التي سبق أن توصل لها "عربي بوست" ونشرها في تقريره السابق، حول أن صندوق النقد الدولي يريد وصول الدولار إلى 60 جنيهاً، بينما القاهرة ترفض وتريد تأجيل هذه الخطوة.

لكن محمد علي عبدالحميد، عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري، قال لـ"عربي بوست" إن اللجنة الاقتصادية في البرلمان ليس لديها تفاصيل تخص خطوة تعويم الجنيه خلال الأيام المقبلة، لكنه أوضح أن الحكومة "تعرف ما يجب عليها أن تفعله في الملف الاقتصادي وفق توجهات الرئيس"، على حد قوله.

رفع الدعم

في سياق متصل، قال المصدر بمجلس الوزراء إنه منذ اليوم الأول، كان هناك اتفاق مع صندوق النقد الدولي على رفع الدعم بشكل كامل عن بعض الخدمات والسلع الأساسية، وإن من ضمن هذه البنود رفع الدعم عن الوقود.

وأشار إلى أن القاهرة طلبت أن يكون هناك تدرج في رفع الدعم عن الوقود، خوفاً من أي رد فعل شعبي، ومع إصرار صندوق النقد الدولي على الانتهاء من ملف رفع الدعم عن الوقود وبعض الخدمات الأخرى، تنازلت مصر عن طلبها الخاص بأن يتم رفع الدعم عن الوقود في نهاية 2026، واتفقت مع الصندوق على أن يتم الانتهاء من الدعم على الوقود بشكل كامل خلال ستة أشهر من الآن.

في حين قال محمد علي عبدالحميد، عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري، إن هناك خدمات في مصر تحصل على جزء كبير من الميزانية العامة للدولة على شكل دعم مالي، ومنها ملف الوقود، مشيراً إلى أن الحكومة اتخذت قراراً منذ سنوات، حتى قبل أن تذهب للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، بخفض الدعم المقدم على الخدمات المختلفة، على حد قوله.

وأشار إلى أن أزمة الدعم تكمن في أنه يصل إلى "غير مستحقيه"، وبالتالي فإن الحكومة تسعى لضبط ملف الدعم على الخدمات في الفترة المقبلة تجاوباً مع طلبات صندوق النقد الدولي، وبما يتماشى مع مصلحة المواطن المصري كذلك، على حسب وصفه.

بيع شركات الجيش

في المقابل، فإن الملف المتعلق بشركات الجيش وطرحها في البورصة يمثل نقطة خلاف رئيسية في مصر، حيث ترفض السلطة المصرية الخوض فيه بقوة، بينما لا يبدي الجيش استجابة إيجابية تجاهه. ويعتبر هذا الملف من القضايا الشائكة، خاصة مع الضغوط المتزايدة من صندوق النقد الدولي، الذي يصرّ على ضرورة إدخال هذه الشركات إلى السوق الاستثماري كجزء من شروطه لمنح القرض الجديد، وفق ما قال مصدر في مجلس الوزراء لـ"عربي بوست".

وكان "عربي بوست" قد نشر أن أحد أسباب تأجيل الشريحة الرابعة من القرض هو الخلاف حول كيفية وشكل بيع شركات الجيش في البورصة. وقد قالت مصادر وقتها إن الخلاف ما زال قائماً حول إدراج شركات الجيش المصري في البورصة، وإتاحة المجال أمام المستثمرين المحليين والأجانب للمشاركة فيها.

وقد شدد الصندوق في كل اجتماعاته مع الحكومة المصرية على ضرورة حسم هذا الملف كشرط أساسي للمضي قدماً في منح القرض الجديد. وقد نقلت المصادر أن السلطات المصرية أبلغت الصندوق خلال الاجتماعات الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول 2024 بأنها قد توافق على طرح بعض الشركات التي لا تلعب دوراً استراتيجياً في اقتصاد الجيش، لكنها ترفض بشكل قاطع المساس بالشركات الكبرى.

في حين قال المصدر بمجلس الوزراء إن القاهرة توصلت إلى تفاهم حول ملف الشركات التابعة للجيش، وإن الأيام المقبلة، بعد عيد الفطر، سوف تبدأ الحكومة المصرية في الإعلان عن طرح بعض المشروعات التي يمتلكها الجيش المصري للاستثمار في البورصة للأجانب.

أما محمد علي عبدالحميد، عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري، فقد قال إن الحكومة والبرلمان متفقان على ضرورة بيع بعض، وليس كل، الشركات التي تخص الجيش المصري، وطرحها للقطاع الخاص، مشيراً -على حد قوله- إلى أن القوات المسلحة المصرية تتفهم ذلك وتتعاون مع الحكومة في هذا المسار.

في حين قالت المصادر المصرية إن من بين الشركات التابعة للجيش المصري والمرتقب طرحها في البورصة خلال أسابيع ، هي "وطنية" و"صافي" و"سايلو فودز" و"شيل أوت".

صورة سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش/ رويترز

جولات التفاوض مع صندوق النقد

جدير بالذكر أن مصر شهدت في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي عدة جولات تفاوضية مع صندوق النقد الدولي، بدأت عام 2016 بحصولها على قرض بقيمة 12 مليار دولار ضمن برنامج إصلاح اقتصادي شامل. تضمن البرنامج تحرير سعر الصرف عبر تعويم الجنيه المصري، وإصلاح منظومة الدعم، وخفض التضخم، وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات.

أما المرحلة الثانية، فكانت في الفترة ما بين عامي 2021 و2022، وقد حصلت مصر على قرضين بقيمة 5.4 مليار دولار و3 مليارات دولار على التوالي، لمواجهة الأزمات الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وخروج الاستثمارات الأجنبية.

فيما استمرت المفاوضات مع الصندوق في الفترة الثالثة، حيث تم التوصل إلى اتفاق جديد في مايو 2022، وصُرفت شريحة تمويلية بقيمة 820 مليون دولار في مايو 2023.

وفي مارس/آذار 2024، زادت قيمة البرنامج المالي إلى 8 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري في ظل التحديات العالمية. شملت الإصلاحات تطبيق نظام سعر صرف مرن، وخفض الإنفاق على مشروعات البنية التحتية غير الضرورية، وتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.

تحميل المزيد