رغم تقليص “الحبس الاحتياطي”.. جدل حول تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بمصر بسبب “التنصت والمراقبة”

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/02 الساعة 19:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/02 الساعة 19:13 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

أثارت مصادقة البرلمان على تعديلات قانون الإجراءات الجنائية في مصر الجدل بين أحزاب المعارضة والنقابات والمنظمات الحقوقية من جهة، ومن جهة أخرى الأحزاب الموالية للحكومة التي لم تستجب لتعديل بعض المواد المثيرة للجدل.

ومن أبرز المواد التي أثارت الجدل المواد المرتبطة بمراقبة واعتراض اتصالات الأشخاص وأنشطتهم عبر الإنترنت، إلى جانب إتاحة مزيد من الضمانات التي بمقتضاها يتم تقديم التعويضات للمحبوسين احتياطياً في حال حصولهم على البراءة.

في المقابل، حقق قانون الإجراءات الجنائية بعض المكاسب، إذ إنه قلص مُدد الحبس الاحتياطي، ونص صراحة على أن للمنازل حرمةً لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها، أو التنصت عليها.

كما نص على تقييد سلطة إصدار أوامر المنع من السفر أو الإدراج على قوائم ترقب الوصول، ليكون ذلك من اختصاص النائب العام أو من يفوضه، أو قاضي التحقيق المختص، مع اشتراط أن يصدر أمر المنع مسبباً ولمدة محددة.

صدام الأغلبية والمعارضة

كشف عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالبرلمان المصري، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن النصوص الخاصة بمواد الحبس الاحتياطي أخذت حيزاً واسعاً من النقاشات داخل البرلمان خلال الفترة الماضية، وأن البرلمان استجاب لمطالب تقليص مدد الحبس بالنسبة إلى التهم المختلفة.

وأضاف المتحدث في حديثه مع "عربي بوست" أن من بين المواد التي أثارت الجدل مسألة تعويضات المحبوسين، كاشفاً عن صدام حدث داخل البرلمان بين عدد من نواب المعارضة والموالاة بسبب هواجس من إفراغ هذه المكاسب من مضمونها.

وأضاف أن فلسفة القانون دارت حول تعويض المحبوسين احتياطياً ممن ثبت أنه لا يوجد وجه لإقامة دعاوى قضائية ضدهم من الأساس، وأنهم حصلوا على البراءة، وهو ما نصت عليه التعديلات التي جرت الموافقة عليها بشكل مبدئي أثناء تشكيل لجنة إعداد القانون.

وقال المصدر إن البرلمان اشترط حصول المحبوس احتياطياً على تعويض بإثبات أنه لم يشارك بأي شكل من الأشكال في التهمة التي حصل بمقتضاها على البراءة، وهو أمر غير منطقي ويصعب إثباته.

وأشار إلى أن نواب المعارضة طالبوا بحذف عبارة "عدم صحة الواقعة"، بحيث ينطبق التعويض على كل الحالات التي صدر فيها أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، غير أن ذلك واجه رفضاً من نواب الأغلبية والحكومة.

وأشار إلى أن اعتراضات النواب السابقة على مواد "التنصت على المواطنين" أيضاً واجهت رفضاً من الحكومة، وأن ما جرت الاستجابة له على نحو أكبر هو المواد ذات العلاقة بالمسائل الإجرائية داخل المحاكم، حيث تم التجاوب مع مطالب نقابة المحامين في هذا الشأن.

ويرى النواب المحسوبون على الحكومة أن الدستور لم يحصر حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي، وأن نصوصه فوضت المُشرع في تنظيمها، ويعتبرون أن حذف الضوابط قد يؤدي إلى تعويض في جميع حالات عدم إقامة الدعوى، حتى لو كان ذلك لأسباب تتعلق بعدم كفاية الأدلة، بينما ينبغي أن يكون التعويض عن الوقائع غير الصحيحة يقيناً.

وحددت المادة 523 من قانون الإجراءات الجنائية حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي، إذ ينص القانون على أنه "إذا كانت الواقعة محل الاتهام معاقباً عليها بالغرامة، أو جنحة معاقباً عليها بالحبس مدة تقل عن سنة، وكان للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم في جمهورية مصر العربية"، فإن الخزانة العامة للدولة تتحمل التعويضات.

وبحسب النائب البرلماني ذاته، فإن نواب الموالاة رفضوا أيضاً الاستجابة لمطالب نواب المعارضة بشأن عدم التوسع في إجراءات المحاكمة عن بعد، والتي لا تضمن للمتهم البيئة الكافية للدفاع عن نفسه.

وقد اتخذت الحكومة من مسألة التطور التكنولوجي سبيلاً لتمرير رؤيتها، في حين أن الواقع يشير إلى أن كثيراً من المتهمين عانوا بسبب فرض هذا النوع من المحاكمات عليهم لأسباب أمنية تتعلق بصعوبة نقلهم إلى مقر المحكمة.

مكاسب ناقصة

تجاهل البرلمان المصري أثناء مناقشة قانون الإجراءات الجنائية اعتراضات عدد من النواب على النصوص المنظمة لإجراء المحاكمات عن بعد، كما رفض فرض غرامة 500 جنيه على الاستشكال الثاني على الأحكام، بالإضافة إلى ضوابط التحفظ على الأموال.

ورفض البرلمان أيضاً طلبات المعارضة باعتماد الأسورة الإلكترونية كإجراء احترازي بديل للحبس الاحتياطي، ومنح المواطنين حق إقامة الدعوى الجنائية ضد الموظفين العموميين.

وأعلنت 12 منظمة حقوقية دعمها لدعوات الاستعراض الدوري الشامل الرابع لمصر، الذي عُقد في مجلس حقوق الإنسان بداية السنة، لحث الحكومة على ضمان امتثال قانون الإجراءات الجنائية لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

كما رفضت المنظمات الحقوقية مسوّدة القانون المقترحة أمام البرلمان، معتبرةً أنها "تُضفي الشرعية على المراقبة التعسفية وغير القانونية إزاء المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمعارضين".

وبحسب هذه المنظمات، فإن عدة أحكام في مشروع القانون تضفي الشرعية على المراقبة التعسفية وغير القانونية، لا سيما تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ تمنح المادتان 79 و80 من مشروع القانون سلطات تقديرية غامضة وواسعة لقضاة التحقيق لإصدار أمر لمدة لا تتجاوز 30 يوماً (يمكن تجديده إلى أجل غير مسمى بزيادات قدرها 30 يوماً).

وتسمح هاتان المادتان للسلطات بضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والصحف والمطبوعات والطرود، ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية للأفراد وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك المحتوى الخاص.

وتمنح المادة 116 النيابة العامة بعض الصلاحيات الخاصة بإصدار أمر باعتراض ومراقبة الاتصالات عبر الإنترنت، مما يمنح وكلاء النيابة العامة سلطات واسعة لا ينبغي منحها إلا للقضاة، تماشياً مع مبدأ الفصل بين وظائف النيابة ووظائف القضاء.

وأكدت المنظمات الحقوقية أن منح هذه الصلاحيات للنيابة العامة دون رقابة قضائية يعد سابقةً في تاريخ قانون الإجراءات الجنائية في مصر.

وبحسب قيادي بحزب الوعي المصري، فإن الحكومة المصرية لم تستطع إرضاء المعارضة أو المجتمع المدني، الذي كان يعوّل على إصدار قانون عصري للإجراءات الجنائية ينعكس إيجاباً على الحالة السياسية في مصر.

وأضاف المتحدث، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن تقليص مدد الحبس الاحتياطي وإقرار التعويضات، رغم أنها جاءت منقوصة، لم يكن كافياً لتمرير القانون دون اعتراضات سياسية وحقوقية، بخاصة أن القانون السابق كان يحدد مدد الحبس الاحتياطي، لكن دون الالتزام بها.

وأشار إلى أن هناك توافقاً بين الحكومة والمعارضة بشأن تعديل مواد الحبس، وهو ما ظهر في جلسات الحوار الوطني، التي انتهت بتوجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعديل القانون، غير أنه مع الدخول في التفاصيل، ظهرت نوايا سلبية للإصرار على ألا تكون المكاسب كاملة.

القانون يهدد استقرار منظومة العدالة

في السياق نفسه، قال المتحدث إن الأزمة بدأت مع تأسيس لجنة فرعية تولت مهمة مراجعة مواد قانون الإجراءات الجنائية، إذ لم يُسمح للجزء الأكبر من المعارضة بإبداء آرائهم، وتكونت غالبية اللجنة، التي ضمت 30 عضواً، من الموالين للحكومة.

وأضاف المتحدث أن القانون يحتوي فعلاً على مكاسب حقيقية، لكن من الممكن تحقيق هذه المكاسب بتوافق سياسي ومجتمعي، رغم تصاعد المطالب الداعية إلى إجراء حوار مجتمعي حول القانون، بدلاً من الاكتفاء بالنقاشات التي جرت داخل الجلسات بمشاركة أعضاء اللجنة.

ولفت إلى أن القانون سيظل عقبة في طريق بناء جسور الثقة بين المعارضين، لا سيما السياسيين الذين يخشون من نصوص مواد الحبس الاحتياطي، وبين الحكومة. وبالنظر إلى القانون القديم، فإن الجهد الذي بُذل للخروج بقانون جديد لا يتناسب مع المكاسب التي كان يُؤمل تحقيقها.

وقال إن القانون من المفترض أنه أُقر في أوضاع لا يمكن وصفها بالاستثنائية، في ظل حالة الاستقرار الداخلي على المستويين السياسي والأمني، مشيراً إلى أن الأوضاع غير العادية التي نتجت عن الإرهاب قد زالت الآن.

وحسم مجلس النواب بعض المواد المعلقة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية في الجلسة الأخيرة من المناقشات، وانتهى المجلس إلى النص على أن "لجهات التحقيق والمحاكمة المختصة اتخاذ ما تراه مناسباً لتسجيل وحفظ الإجراءات التي تتمّ من خلال وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة عن بُعد، وتفريغها في محاضر، ولها أن تستعين بأحد الخبراء في ذلك، وتودع ملف القضية".

ووافق مجلس النواب المصري أيضاً على مادة مستحدثة في مشروع القانون ضمن مواد الإصدار، استجابةً لطلب وزير العدل عدنان فنجري، وتنصّ على أن "وزير العدل (يصدر) القرارات اللازمة لتنفيذ الأحكام المنفذة للقانون، وإلى حين صدورها، يستمر العمل بالقرارات المعمول بها، بما لا يتعارض مع أحكامه".

وجرى استحداث مادة ثالثة تمنح "المدعي العام العسكري والنيابة العسكرية الاختصاصات والسلطات ذاتها المقررة للنائب العام والنيابة العامة في القانون"، ورفض المجلس مقترح النائب عاطف مغاوري حذف المادة، لتعارضها مع الدستور. وقال وزير الشؤون النيابية محمود فوزي إنّ "الغرض من المادة هو عدم حدوث فراغ تشريعي، والحكومة لا توافق على مقترح حذفها".

الموالون للحكومة: القانون يحل جملة من المشكلات

من جهته، أكد أحد نواب حزب "مستقبل وطن" (الظهير السياسي للحكومة المصرية) أن قانون الإجراءات الجنائية حقق الهدف الأهم، والمتمثل في أن مصر أصبحت تمتلك قانوناً يعالج أوجه القصور في القانون الذي جرى إقراره منذ خمسينيات القرن الماضي.

وقال المتحدث، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن العبرة تبقى في النهاية بمدى الالتزام بتطبيق ما جاء في القانون من نصوص، كما أنه من المتوقع أن يحل جملة من المشكلات، مثل أزمة تشابه الأسماء، من خلال إلزام كل أمر قضائي بذكر اسم المتهم ولقبه ومهنته ومحل إقامته ورقمه القومي أو رقم وثيقة سفره.

وأضاف أن القانون منح من حصلوا على البراءة بعد حبسهم احتياطياً مكاسب معنوية مهمة، فإلى جانب التعويض، ألزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطياً، وكذلك كل أمر صادر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده، وذلك في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار وعلى نفقة الحكومة، مشيراً إلى أن تطبيق السوار الإلكتروني كبديل للحبس الاحتياطي واجه مشكلات تقنية.

وشدد على أن القانون منح مزيداً من الضمانات الإجرائية للمتهمين، مثل حق المتهم في أن يعلم التهم المنسوبة إليه، وأن تُسمع أقواله، وأن يُحيط بحقوقه كتابةً، وأن يتمكن من الاتصال بذويه ومحاميه.

ومن المكاسب التي حققها القانون، وفقاً للمتحدث، النص صراحةً على أن للمنازل حرمة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها، أو التنصت عليها، إلا بأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض منه.

تحميل المزيد