تعيش العلاقات المصرية الإسرائيلية توتراً غير مسبوق بسبب الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن.
وتعتبر مصر أن شبه جزيرة سيناء هي الهدف من خطة الرئيس الأمريكي، التي تبنتها إسرائيل، وبدأ ساستها يدافعون عنها، بالإضافة إلى تبني الإعلام الإسرائيلي الترويج لفكرة الوطن البديل للشعب الغزاوي.
وطالب وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد المجيد صقر، الأسبوع الماضي، قوات الجيش الثالث الميداني "بالحفاظ على أعلى درجات الجاهزية القتالية، لتظل القوات المسلحة قادرة على الوفاء بالمهام والمسؤوليات المكلفة بها تحت مختلف الظروف".
وتتجلى مهام الجيش الثالث الميداني في الجيش المصري في تأمين مدن قناة السويس، ومحافظة شمال سيناء، وحدود مصر المتاخمة لقطاع غزة.
الإيحاء بالقوة
كشف مصدر مقرب من دوائر صنع القرار داخل الجيش المصري لـ"عربي بوست" أن تاريخ العلاقة بين مصر وإسرائيل، والوضع الحالي لكل من إسرائيل ومصر يجعلهما بعيدين عن إمكانية الانخراط في حرب مباشرة، على الأقل في الوقت الحالي.
وأضاف المصدر نفسه أن إسرائيل التي انكشفت قدراتها العسكرية أمام تنظيمين (حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان) واتجهت إلى توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار يصعب عليها الدخول في حرب مباشرة مع دولة بحجم مصر.
وقال المتحدث إن الحكومة اليمينية المتطرفة لم تلجأ إلى التهدئة إلا تحت ضغط القوة، وهناك إدراك إسرائيلي بأن تصعيد تصريحاتها الإعلامية سواء كان ذلك عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أو بعض السفراء أو الوزراء السابقين هدفه الإيحاء بالقوة وعدم التركيز على مواضع الضعف.
وأشار إلى أن إسرائيل تدرك تماماً بأن مصر دولة غير عدوانية، وفي حال لم تصطدم بها مباشرة فإنها لن تلقى تهديداً، كما أن تصريحاتها تأتي من منطلق الاستقواء بالخارج وهو جزء رئيسي في عقيدة دولة الاحتلال.
وتابع: "تصور مصر للصراع هو تصور دبلوماسي بالدرجة الأولى، لكنه لا يخلو من تجهيز القدرات العسكرية تحسباً لأي غدر إسرائيلي بما يتيح القدرة على التعامل مع الأزمات المفاجئة، وبالتالي فإن كلا الطرفين يظهران قدراتهما وفقاً لأهداف توازن الردع فقط".
وبحسب المصدر ذاته فإن التواجد الإسرائيلي في محور فيلادلفيا وفي معبر رفح من الجهة الفلسطينية هو خرق واضح لاتفاق السلام، غير أن مصر تعتبره خرقاً غير مباشراً، وفي حال صعدت إسرائيل نبرتها بشأن انتقاد تواجد قوات الجيش المصري في سيناء فإن مصر ستحرك هذه الورقة لصالحها.
رفض مصر لاستقبال الغزاويين على أرضها اعتبره سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر بـ"انتهاك خطير للغاية" لمعاهدة السلام المبرمة معها، معتبراً أن تل أبيب متخوفة من التعزيزات العسكرية التي تحشدها القاهرة.
وقال سفير الاحتلال في واشنطن إن "هناك قواعد بُنيت، ولا تُستخدم إلا في العمليات الهجومية والأسلحة الهجومية، وظلت هذه القضية ولفترة طويلة طي الكتمان".
وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها مسؤول إسرائيلي مصر علناً بخرق اتفاقية السلام من خلال توسيع وجودها العسكري في شبه جزيرة سيناء، والتي جاءت بالتزامن مع تصريحات أطلقها الوزير الإسرائيلي السابق يوفال شتاينتز.
في المقابل حذر المسؤول السابق الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة من تنامي القدرات العسكرية المصرية، وشدد على ضرورة أن تراقب إسرائيل التطورات عن كثب.
الجاهزية القتالية
في نفس السياق قال مصدر "عربي بوست" إن التوترات على الحدود تستدعي أن يبقى الجيش المصري على أقصى درجات الاستعداد والجاهزية القتالية في ظل تهديدات أضحت تطال الأمن القومي المصري بشكل مباشر.
بالإضافة إلى محاولات تحويل شبه جزيرة سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين، وأن الاستعداد لا يحمل رسائل تهديد مباشرة بقدر كونه يؤكد على الجاهزية في التعامل مع أي سيناريوهات تتعرض فيها مصر للاعتداء المباشر.
وأشار إلى أن الرسالة المصرية يبدو أنها وصلت إلى تل أبيب، التي أدركت بأن هناك إدراكاً مصرياً لخطورة الموقف، وأن الجيش المصري يطبق درجة الاستعداد المناسبة للموقف الراهن، وأن التواجد بكثافة في شبه جزيرة سيناء يهدف التعامل مبكراً مع أي عدوان أو قلاقل.
وقال إن القوات المتواجدة الآن في سيناء تنتشر منذ اندلاع طوفان الأقصى وبعد أن كشفت مصر مخططات إسرائيل بالتهجير، وكان هناك حواجز مصرية تمنع من دفع الفلسطينيين للوصول إلى الأراضي المصرية.
ولفت إلى أن وقوف مصر أمام الخطط التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهدف تصفية القضية الفلسطينية يستوجب تذكير المجتمع الدولي بوجود قوة مسلحة قوية يمكن أن تؤثر في معادلة الوضع الراهن دون أن يكون لدى مصر رغبة في التصعيد أو الاعتداء.
وقال إن مصر تهدف لتوصيل رسائل لإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة بأنهما قد يتلقيان ردود أفعال غير منضبطة، وأن خطط التهجير لن تمر بسلام وترحيب، خاصة وأن الأمن القومي المصري في تلك الحالة سيتعرض للتهديد المباشر وسيكون هناك حالة من السيولة الأمنية في البلاد.
وأكد أن مهمة الجيش الأساسية منع أي أخطار واستباقها، وهناك رسائل لإسرائيل بأن تجاوز الخطوط الحمراء والتي تتمثل في دفع المواطنين الفلسطينيين للهروب خارج أراضيهم سيقابل بإجراءات حماية مصرية وفقاً لتطورات الأوضاع على الأرض في ذلك الحين وبالصورة التي تراها الدولة المصرية مناسبة لحماية أمنها القومي ومن خلفها حماية الأمن القومي العربي.
وذكر أن مصر لا تسعى للمساس باتفاقية السلام، وهي تعمل على تأمين الحدود وتمنع احتلال أراضيها، لكن في حال تمادت إسرائيل سيكون هناك تعامل آخر، خاصة وأن تقويض الاحتلال للسلام سيكون له ارتدادات على المنطقة بأكملها.
نبه السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر ديفيد غوفرين إلى خطر توسع البنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء، وتحدث عن توسيع المطارات العسكرية شرق القاهرة، بما في ذلك في سيناء ورفيديم والعريش.
وقال إن مصر شيدت خنادق محصنة، ومستودعات ذخيرة، وضاعفت احتياطات الوقود، وشيدت 7 أنفاق تحت قناة السويس – 4 منها قرب مدينة الإسماعيلية و3 قرب مدينة بورسعيد، ووسعت الطرق الرئيسية في سيناء وتحويلها إلى طرق سريعة، رغم انخفاض حركة المرور المدنية في تلك المناطق.
فيما استخدمت الخارجية المصرية بيانات بلغة حادة وصارمة تتهم فيها الاحتلال بـ"بنسف أسس السلام"، و"التصريحات الإسرائيلية المنفلتة"، و"التصريحات المستهترة"، وذلك بعد تزايد الحديث في إسرائيل في نقل بعض سكان غزة إلى مصر والأردن.
وقبل تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، انتقد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش الموقف المصري حيال الحرب في غزة قائلاً إن مصر "مسؤولة بشكل كبير" عما حصل في السابع من أكتوبر، وهي التصريحات التي وصفتها مصر بـ"التحريضية" و"غير المسؤولة".
ولأول مرة يتساءل مسؤول إسرائيلي رفيع، وهو مندوب إسرائيل لدى المنظمة داني دانون عن أسباب اقتناء الجيش المصري معدات عسكرية حديثة رغم عدم مواجهة البلاد أي تهديدات.
لم تتأخر القاهرة في الرد على هذه التساؤلات، حيث أوضح مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة، أسامة عبد الخالق، أن بناء جيش قوي يعد ضرورة استراتيجية لدولة بحجم مصر.
وقال عبدالخالق في مقابلة تلفزيونية: "إن الدول الكبرى مثل مصر تحتاج إلى جيش قوي قادر على حماية الأمن القومي بمختلف أبعاده عبر تسليح متطور ومتعدد".
الحلول العسكرية أم الدبلوماسية؟
مصدر آخر تحدث لـ"عربي بوست" قال إن رد الفعل المصري هو منهجية دبلوماسية نحو الالتزام باتفاق السلام مع إسرائيل، والتصرف بموجب القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة، وتتحرك في ملف تسوية القضية الفلسطينية مع المجموعة العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي ومجموعة عدم الانحياز، وتأمل في أن تأتي جهودها بنتائج إيجابية بعيداً عن التصعيد العسكري.
وقال المصدر نفسه إن تواجد إسرائيل في محور فيلادلفيا ومعبر رفح يعد انتهاكاً صارخاً لاتفاق السلام، وكذلك الوضع بالنسبة للدفع بالفلسطينيين نحو التهجير، بل إن التهديدات الأميركية بسلاح العقوبات يدخل في إطار السعي نحو تخريب الاتفاق.
وقال إن مصر ستواجه بالطرق الدبلوماسية مع تسريع دخول المعدات لإعادة الإعمار ووضع خطة يتم التوافق عليها عربياً وإسلامياً ودولياً بشأن منع التهجير، وتأتي التحركات العسكرية في خلفية هذا المشهد للتعامل مع تنفيذ تصريحات نتنياهو وترامب بشأن خلق وجه جديد للشرق الأوسط ستقف مصر أمامه لا محالة.
وأوضح أن مصر لن تسمح بالوصول إلى شرق أوسط جديد بقوة السلاح في ظل انتهاك واضح للقوانين الدولية وأسس النظام الدولي والشرعية الدولية، وفي حال حدث ذلك فإن العلاقات ستأخذ في توتر متصاعد وسيكون لمصر حق الدفاع عن أمنها القومي بالطريقة التي تراها مناسبة.
وذكر أن استخدام خطاب دبلوماسي تصعيدي بالتزامن مع تصريحات ترامب تزامن معه بنفس القدر تحرك عسكري في شبه جزيرة سيناء، لكن في حال هدأت الأوضاع فإن ذلك سينعكس أيضاً على استعدادات الجيش، والمؤكد أن مصر سوف تمضي في طريق رفض خطط ترامب ونتنياهو لأن المستهدف هنا شبه جزيرة سيناء.
ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، مؤخراً عن مسؤولين مصريين، قولهم إن "القاهرة أوضحت لإدارة الرئيس الأميركي ترامب وإسرائيل أنها ستقاوم أي اقتراح من هذا القبيل (التهجير)، وأن اتفاق السلام مع إسرائيل، الذي استمر لمدة نصف قرن تقريباً، معرض للخطر."
وفى مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مؤخراً، قال المحلل الإسرائيلي يوسى ميلمان: "هناك خطر حقيقي لنشوب حرب بين إسرائيل ومصر فى المستقبل القريب".