أثار إعلان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي استعداد الحكومة المصرية لطرح سيناريوهات تُساير "السيناريو الأسوأ" في الفترة المقبلة، تساؤلات عديدة حول ماهية هذه الإجراءات وأسباب الرؤية القاتمة التي تظهر بشكل دائم في تصريحات رئيس الوزراء المصري.
وقال مدبولي في لقاء عقده مع أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني إن هناك حزمة إجراءات تستهدف الحماية الاجتماعية ستبدأ قبل شهر رمضان، بجانب إجراءات استثنائية خلال فترة رمضان والعيد، دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل.
وقبلها، تحدث رئيس الوزراء المصري عن أهمية أدوار وسائل الإعلام المحلية في توعية المواطنين بترشيد استهلاك الطاقة، بما يخفف الضغط على الموارد الدولارية وتقليل الفاتورة الاستيرادية.
قال رئيس الوزراء المصري إن تطورات الملفات السياسية الحالية تؤكد ضرورة التحضير والاستعداد للسيناريو الأكثر تشاؤماً، مؤكدًا أن السيناريوهات والخطط "جاهزة" بالفعل.
وأضاف أن الحكومة قد وضعت الحسابات اللازمة لهذا الأمر ليطمئن المواطن المصري، خاصة في ظل الوضع الإقليمي المتغير، وأضاف أن المواطن يجب أن يكون على دراية بحجم التهديدات والتحديات التي تواجه المنطقة بشكل عام والدولة المصرية بشكل خاص.
استعدادات وسط مخاوف من عقوبات اقتصادية
وكشف مصدر في مجلس الوزراء لـ"عربي بوست" أن "الاستعداد للسيناريو الأسوأ بدأ مع النصف الأول من العام الماضي، والحكومة هدفت في ذلك الحين لأن يكون الاحتياطي الاستراتيجي من السلع يكفي لفترة تصل إلى ستة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر".
وأضاف المتحدث المطلع على الملف الاقتصادي بالحكومة أن هذا التوجه جرى البدء في تنفيذه بعد إدراك القاهرة بأن حركة الملاحة في قناة السويس من الصعب أن تعود إلى سابق عهدها على المدى الزمني القريب، وبدأ هناك توقع لإمكانية حدوث مشكلات تتعلق بسلاسل الإمداد والتوريد.
وقال المصدر نفسه إن "الحكومة كانت تهدف إلى توفير مصادرها الدولارية، وحاولت أن تعتمد على إنتاجها المحلي من الطاقة دون استيرادها من الخارج، وهو ما تسبب في أزمة كهرباء متفاقمة الصيف الماضي، قبل أن تضطر لاستيراد كميات من الغاز لتشغيل محطات الكهرباء".
وأضاف المصدر ذاته أن الاستعدادات للسيناريوهات الصعبة تضمنت تقليص فاتورة استيراد الدواء من الخارج والاعتماد على الصناعة المحلية، وقاد ذلك أيضاً لمُشكلات على مستوى توفير بعض الأدوية، واضطرت الحكومة لأن توافق على مطالب المصانع المحلية بإعادة تسعير غالبية أصناف الدواء.
وأشار إلى أن هذه الخطوات قادت في النهاية لتوفير غالبية أصناف الأدوية التي شهدت شحاً، مع التنسيق مع الشركات المحلية لتوفير الأدوية والبدائل بقيمة 10 مليارات جنيه تحسباً لأي عارض خارجي وبما يهدف في الوقت ذاته لإعادة التوازن إلى السوق.

وشدد المصدر على أن هذه الحزمة من الإجراءات تستهدف تحقيق هدفين رئيسيين:
- الأول: تحقيق حالة من الرضا المجتمعي عن أدائها، مع عدم إتاحة مساحات واسعة لانتقادها خاصة وأن هناك اعتراضات شعبية على سياساتها الاقتصادية.
- الثاني: يتمثل التمهيد لزيادة أسعار الوقود، والتي بسببها جرى إرجاء صرف الدفعة الرابعة من قرض صندوق النقد الدولي، وتحاول مصر أن ترفعه بمعدلات بسيطة في شهر يونيو/حزيران 2025 بما يساعد على تدفق مليار و200 مليون دولار ضمن الشريحة الرابعة التي جرى مراجعتها منذ شهرين دون صرفها حتى الآن.
وتهدف هذه الشريحة لتفويت الفرصة على أي حجج تقوّض استمرار برنامج الصندوق في ظل مخاوف من عقوبات اقتصادية قد تلجأ إليها الولايات المتحدة حال الإصرار على الموقف من رفض تهجير سكان غزة، على حد قوله.
وقبل أيام قالت جولي كوزاك، المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي في مؤتمر صحفي، إن المجلس التنفيذي للصندوق سيناقش المراجعة الرابعة لمصر على برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يدعمه بقرض بـ8 مليارات دولار خلال الأسابيع المقبلة.
اعتماد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة الرابعة سيتيح لمصر استلام 1.2 مليار دولار من إجمالي القرض وفق البرنامج المتفق عليه، وفي وقت سابق توقع أحمد كجوك، وزير المالية استلام مصر الشريحة الرابعة من صندوق النقد الدولي في يناير الماضي، وهو ما لم يتم حتى الآن.
وأكد المصدر الحكومي ذاته على أن زيادة رواتب موظفي الحكومة ستتراوح ما بين 10% إلى 13% إلى جانب زيادة المعاشات بنسبة 16%، إلى جانب صرف حافز إضافي تحت بند غلاء المعيشة، وكذلك تقديم صرف العلاوة الدورية بنسبة 10%.
وقد يتم تقديم علاوة استثنائية للعاملين بقانون الخدمة المدنية في المؤسسات الحكومية، وتصل قيمتها إلى 600 جنيه، إلى جانب زيادة معاش تكافل وكرامة بنسبة لم تتحدد بعد، إلى جانب إضافة 100 ألف أسرة جديدة يمكن توصيفهم بأنهم يعيشون تحت خط الفقر.
الخيارات محدودة
وأصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية دراسة ترصد تقييم تأثير الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد المصري، وناقشت الدراسة تفاقم نقاط الضعف القائمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري نتيجة الحرب التجارية وتأثير ذلك على مختلف القطاعات، واقترحت أن تقوم مصر بتخفيف هذه الآثار السلبية، من خلال تنويع شركائها التجاريين، وتحسين القدرة التنافسية للصادرات، والاستفادة من موقعها الجغرافي.
من جانبه، كشف مصدر حكومي آخر لـ"عربي بوست" أن الأوضاع على المستوى السياسي والأمني مع الإصرار الأميركي على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يحاط بها قدر كبير من الارتباك والغموض على مستويات مختلفة.
وأضاف المصدر المطلع على هذا الملف أنه أمام أكثر من 110 ملايين مواطن لابد أن تعبر الحكومة عن أنها لديها خطط للتعامل مع السيناريوهات السيئة، لكن في المقابل فإن الوضع الاقتصادي الصعب يجعل الخيارات محدودة أو غير كافية للتعامل مع منطق اقتصاد الحرب الذي يتطلب تقشفاً على مستويات مختلفة.
المصدر أوضح أن الحكومة تتعامل حالياً مع مختلف السيناريوهات، بينها وجود إمكانية لتوجيه الموازنات إلى النواحي الأمنية بل وحتى المجهود الحربي، مبيناً أن الحكومة المصرية لم تضع هذا السيناريو موضوع التنفيذ حتى هذه اللحظة، لكن مجلس الوزراء يفكر في كل الأطروحات حتى تلك المستبعدة نسبياً.
وأضاف أن مصر تضع في حسبانها احتمالات التوتر الذي يحيط بها في المنطقة العربية دون أن يلمسها بشكل مباشر، وهو ما يقصده رئيس الحكومة من تصريحاته، وهناك قناعة بأن مصر ستكون في قلب الدول المتضررة في حال جرى استئناف القتال مرة أخرى في قطاع غزة.
بالإضافة إلى سيناريوهات تهجير الفلسطينيين، أو حتى في حال ضم الضفة التي سوف يترتب عليها اضطراب الأوضاع في المنطقة، وتضع في حسبانها إمكانية هروب الأموال الساخنة التي ترتب عليها أزمة اقتصادية متفاقمة قبل ثلاث سنوات أو سحب بعض الاستثمارات الأجنبية نتيجة مخاوف من أن تطالها حالة الاضطراب أو مزيد من انخفاض العوائد الدولارية نتيجة لاستمرار عزوف شركات الملاحة العالمية الكبرى من المرور عبر قناة السويس.
وشدد على أن اتجاهات الحكومة نحو السيناريو الأسوأ يعترضها مشكلات جمة في مقدمتها عدم وجود آليات يمكن من خلالها السيطرة على الأسواق والمحافظة على انضباطها، لأنه في حال تراجع الجنيه أمام الدولار وهو أمر متوقع في حالة العقوبات الاقتصادية فإن الأسواق سوف تشهد حالة من الاضطراب قد يترتب عليها غضب شعبي.
وأضاف أن اعتماد الحكومة خلال السنوات الماضية على مواجهة السوق عبر اتخاذ إجراءات تدشين أسواق الحكومة لبيع السلع بأسعار منخفضة دون ردع التجار يضعها الآن أمام مأزق، وستكون بحاجة إلى إصلاح منظومتها التموينية والمحلية بشكل كامل.
هذا الإجراء، حسب المتحدث، من الممكن أن يحقق نجاحاً على المدى البعيد لكن من الصعب تنفيذه الآن وفي غضون أيام أو أسابيع قليلة، بخاصة وأن الحديث عن اقتصاد الحرب في أكتوبر الماضي صاحبه اتجاه بعض التجار لتخزين السلع للاستفادة من وراء بيعها بأسعار مرتفعة.

خطة للتعامل مع مشكلات نقص الوقود
من جهة أخرى، كشف مصدر مسؤول بوزارة البترول والثروة المعدنية لـ"عربي بوست" أن هناك خطة للتعامل مع مشكلات نقص الوقود تمثلت أولاً في تسديد متأخرات شركات التنقيب عن البترول، والتي عادت بشكل جزئي للعمل خلال الأسابيع الماضية، ثم زيادة فاتورة استيراد المواد البترولية من الخارج دون الوضع في الاعتبار مسألة الضغط على العملة الصعبة.
وحسب المتحدث، كان الهدف هو أن يتم توفيرها أولاً، وثالثاً نحو التنقيب عن الاكتشافات البترولية الجديدة، وإرجاء سداد مديونيات وزارة الكهرباء إلى البترول بما يضمن عمل محطات الكهرباء وإن كان ذلك ترتب عليه زيادة المديونية من 150 مليار جنيه العام الماضي إلى 205 مليار جنيه وفقاً لإحصائيات تم الإعلان عنها هذا الشهر.
وكان رئيس الوزراء المصري قد أكد على جهود توفير احتياجات الطاقة خلال الصيف المقبل وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة الكهربائية، في اجتماع عقده بحضور المهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، وتحدث فيه عن بدء خطوات تنفيذ مشروع الربط الكهربائي الجاري العمل به حالياً مع المملكة العربية السعودية.
كما تطرق الاجتماع لزيادة الإنتاج من الغاز الطبيعي لتلبية احتياجات محطات الكهرباء من الوقود، بالإضافة إلى الخطوات الخاصة بتوفير الغاز المُسال بما يلبي احتياجات الدولة المصرية من الغاز الطبيعي لمختلف الاستخدامات خلال الصيف المقبل.
وقبل أيام أعلن رئيس الحكومة المصرية عن اكتشاف بترولي جديد يتميز بوجود النفط والغاز معاً في منطقة كينج مريوط شمالي البحر المتوسط، من قبل شركة "بريتيش بتروليوم"، واصفاً الكشف بأنه "واعد" وتفاصيله الكاملة ستُعلن خلال الفترة المقبلة.
تخزين ملايين الأطنان من القمح
من جهة أخرى، كشف مصدر مطلع بوزارة التموين المصرية أن الاستعداد للتوترات الأمنية على الحدود المصرية تمثل في توفير كميات كبيرة من القمح تفوق احتياجات المواطنين طيلة الأشهر الستة المقبلة، والتي يتخللها تسلم كميات القمح المزروع محلياً من المزارعين.
وأضاف المتحدث في حديث مع "عربي بوست" أن الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي كانت حاسمة في أن تصل الكميات المستوردة بزيادة تصل إلى 30% عن كميات استيراد القمح في العام 2023، وأن مصر تتعامل مع هذا الملف باعتباره أمناً قومياً وهناك قناعة بأن توفير الخبز فقط يمكن أن يغطي على أي شح قد تواجهه السلع الأخرى، هذا بالإضافة إلى زيادة إنتاجية الأراضي الزراعية بشكل عام وزيادة مساحات القمح المزروعة على وجه التحديد.
وأضاف المصدر ذاته أن مصر تضع في اعتباراتها أن توترات الأوضاع الأمنية سوف تنعكس مباشرة على حركة التجارة العالمية، تحديداً في ظل الحرب التجارية التي قد تأخذ مدى أكبر بين الولايات المتحدة والصين.
كما أن اتجاه روسيا مؤخراً لفرض رسوم إضافية على صادرات القمح الروسي كان متوقعاً من جانب الدولة المصرية منذ عدة أشهر، ولجأت إلى تنويع مصادر الاستيراد ولا ترى غضاضة في زيادة الفاتورة الدولارية مقابل توفيره خشية من الوصول إلى مرحلة تجد فيها صعوبة في استيراده من الأساس، وهو ما جعلها تلجأ إلى تخزين ملايين الأطنان والحفاظ عليها لاستخدامها وفقاً لظروف العرض والطلب المحلية.
وقفزت واردات مصر من القمح لأعلى مستوى منذ 10 سنوات خلال عام 2024، لتصل إلى 14.2 مليون طن مقابل 10.8 مليون طن في 2023، بزيادة بلغت 31%، ولم تشهد البلاد استيراد مثل هذه الكميات الكبيرة من القمح منذ 10 سنوات.
حيث كانت أكبر كمية استوردتها مصر في 2014 حين اشترت نحو 14.9 مليون طن، وارتفعت واردات مصر من القمح شهر ديسمبر الماضي بنسبة 58.7% لتصل إلى 900 ألف طن عبر الموانئ المصرية، وذلك مقابل 567 ألف طن في الشهر المماثل من عام 2023.
تُعد مصر أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، كما أن مشترياتها تُتابع عن كثب كمؤشر عالمي، وهي تشتري عادةً من الخارج ما يصل إلى 12 مليون طن سنوياً للقطاعين الحكومي والخاص، لكن خلال العام الماضي رفعت وارداتها بشكل كبير، متجاوزة متوسط معدل استيرادها السنوي المعتاد.
وفي خطوة مفاجئة خلال شهر ديسمبر الماضي، نقلت مصر مسؤولية مشتريات القمح من هيئة السلع التموينية، وهي الجهة الحكومية المعتادة لشراء الحبوب، إلى "جهاز مستقبل مصر" كمستورد حصري.
تعتمد الحكومة المصرية على واردات القمح لتوفير الخبز المدعم لحوالى 70 مليون مواطن، وواجهت أخيراً تحديات في استيراد الحبوب، فيما تضاءلت احتياطياتها الاستراتيجية.