جرائم قتل واعتداءات وحشية.. ضعف القانون وتفشي الفقر وتقصير الأمن يرفع معدل الجريمة في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/10 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/10 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
أرتفاع معدل الجريمة في مصر * رويترز

شهدت مصر في الأيام الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث العنف والجرائم، ما أثار مخاوف واسعة بشأن انعكاساتها الأمنية والاجتماعية. ويرى مختصون أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والنفسية قد يكون أحد العوامل الرئيسية التي تدفع بعض الأفراد إلى اللجوء للعنف، سواء بدافع الجريمة أو كرد فعل على ضغوط المعيشة.

كما أثارت وقائع العنف المتكررة في مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية جدلًا واسعًا حول النتائج المترتبة على انتشار مثل هذه الجرائم، في ظل غياب حلول فعالة للحد منها.

ولا تتوفر بيانات دقيقة حول معدلات الجريمة وانتشار العنف في مصر خلال السنوات الماضية، لكن وفقًا لمؤشر قياس الجريمة في قاعدة البيانات العالمية (نامبيو)، بلغت نقاط مصر في مؤشر الجريمة 47.3 نقطة في عام 2024، ما جعلها تحتل المركز السادس عربيًا بعد دول مثل سوريا، اليمن، والصومال، التي تعاني من نزاعات عنيفة.

وعلى المستوى الإفريقي، جاءت مصر في المركز الثامن عشر من حيث معدلات الجريمة، كما احتلت المرتبة الخامسة والستين عالميًا، وذلك نتيجة ارتفاع معدلات ارتكاب الجرائم بأنواعها المختلفة.

سلسلة جرائم

شهدت العديد من المحافظات المصرية وقوع أربع جرائم مروعة حظيت باهتمام واسع في الفترة الماضية، بين القتل والتعذيب ومحاولات الانتحار، واتسمت جميعها بدرجة عالية من العنف والبشاعة التي أثارت صدمة واسعة في المجتمع.

كان أبرزها ما وقع في منطقة أبو الجود بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، حيث قام شخص، بسبب خلاف عادي، بذبح جاره بطريقة وحشية ونهش جسده بشكل همجي، ثم تجول في الشارع حاملاً رأسه وسكينه التي ارتكب الجريمة بها.

وفي محافظة الفيوم، قتل مواطن يبلغ من العمر 36 عاماً عقيد شرطة داخل فرع بنك مصر، وأصاب ثلاثة آخرين بجروح. وتبين أن الجاني حاول الاعتداء على مدير الفرع بعد مشادة مع الموظفين، حيث كان يطالب بصرف فوائد حسابه قبل موعدها المحدد.

وفي محافظة القاهرة، وقبل أيام قليلة من هذه الحادثة، قتل متسول أمين شرطة في منطقة عابدين، بعد أن حاول الأخير إيقاظه من النوم. أما رابع هذه الوقائع، وهي أيضاً تتسم بالغرابة، فتمثلت في تحرير الأمن لسيدة في منطقة البدرشين بمحافظة الجيزة، بناءً على بلاغ من والدتها. وتبين أن أفراد عائلتها، بما في ذلك والدها المتوفى وعمها وشقيقها، قاموا بحبسها وربطها بالسلاسل في غرفة مظلمة لمدة ست سنوات بعد طلاقها من زوجها.

ولم يكن أبناء الذوات أو قاطنو المناطق الراقية بعيدين عن حوادث العنف، إذ شهدت منطقة التجمع الخامس بشرق القاهرة مشاجرة عنيفة بين مجموعة من الفتيات داخل مدرسة دولية، كانت ضحيتها طالبة بالمرحلة الابتدائية (الصف السادس)، تعرضت للإصابة بكسور في الأنف وكدمات بالوجه، استدعت نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم.

عنف اقتصادي

كشفت خبيرة مصرية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) لـ"عربي بوست" أن الواقع يشير إلى وجود معدلات عنف مرتفعة خلال السنوات الثلاث الماضية، واللافت هو نوعية الأسباب التي تقود إلى العنف والقتل، كونها لا ترقى بالأساس إلى أن تكون مشكلات كبيرة، بل يمكن التعامل معها بشكل مغاير، على عكس ما تولد عنها من حالة عنف كبيرة. بمعنى آخر، فإن المسببات المقبولة والمبررة للعنف الحاد لم تعد حاضرة في كثير من الجرائم التي تحدث.

وأضافت أن ما يحدث في مصر لا ينفصل عن حالة العنف العالمي والحروب والانتهاكات وتكرار مشاهد الدم والتعود عليها وعدم القدرة على مواجهتها. ولم يعد لدى الأفراد الطبيعيين الفرصة لرفض أو مواجهة العنف حتى بالطرق السلمية، ويدركون أنهم واقعون تحت تأثير مخدر التعود على تلك الممارسات التي تولد طاقة سلبية وضغوطاً نفسية كبيرة.

وتقول المتحدثة إن الخطاب الإعلامي يرسخ العنف من خلال الدراما ومواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الأغاني التي يتم فيها استخدام ألحان صاخبة إلى الدرجة التي أضحى فيها تعامل الشخص مع الآلة يتسم بالعنف، وكذلك لغة الخطب الدينية التي تبالغ في تصوير العذاب وتنسى الرحمة والمغفرة والتراحم بين الناس.

وأشارت إلى أن تلاحق أزمات ومشكلات المواطنين، مع عدم قدرتهم على اتخاذ مواقف أو أفعال يمكن أن تحسن من واقعهم الحالي، يجعلهم يتكيفون مع مسألة العنف لعدم امتلاك أدوات الرد، وأن تفريغ شحنات الغضب في العنف يبدو واضحاً في كثير من الحوادث.

بالإضافة، حسب المتحدثة، إلى تزايد هموم المواطنين وصعوبات توفير التعليم الجيد والصحة ولقمة العيش، ومع تراجع الأمل في تحسن الأوضاع، يتراكم مخزون من التوتر يؤدي إلى العنف، ويظهر ذلك بشكل أكبر في حوادث العنف الأسري، والتي تتزامن مع مشكلات أخرى على مستوى صعوبات الكلام والفضفضة نتيجة الانشغال بالعمل المتواصل طوال اليوم.

وذكرت أن المواطنين في مصر يعانون مما يمكن وصفه بصعوبة الاستيعاب الاجتماعي، بمعنى أن التراجع الاقتصادي الذي حدث بشكل متسارع خلال السنوات الماضية لم يجعل المواطنين يدركون إن كانوا ما زالوا في الطبقة المتوسطة أم أنهم أضحوا فقراء. وهو ما يجعل هناك حالة من العزلة الاجتماعية لدى الكثيرين، وتغيب فرص الفضفضة والصداقات والمناسبات الاجتماعية التي تراجعت بشكل كبير، وأضحى الجميع يدورون في فلك البحث عن إمكانية الحياة. ونتيجةً لكل هذا الكبت، أصبح العنف أداة طبيعية مع تراكم الضغوطات.

ورصد مرصد العنف، في تقريره الشهري الصادر عن مركز التنمية والدعم والإعلام، 143 حالة عنف خلال شهر يناير/كانون الثاني 2025، منها 46 جريمة قتل بطرق عنيفة ووحشية، من بينها 18 واقعة في المجال الخاص بالأسرة.

وتلك الأرقام ليست حصراً متكاملاً بكل وقائع العنف، بل هي عينة لكشف الواقع في المحافظات، وهو عنف اقتصادي دليل على تأثر المجتمع بالأوضاع الاقتصادية المتدنية، حيث تسبب الضغط المادي والخلافات المالية داخل الأسرة الواحدة، وعدم قدرة الأزواج على الإنفاق، في انتشار العنف بين شركاء الحياة.

تأخر العدالة وضعف المؤسسة القانونية

ووفق تصنيف موسوعة قاعدة البيانات العالمية (NUMBEO)، التي تهتم بتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان في دول العالم، ارتفع معدل الجريمة في مصر إلى 60.64% خلال السنوات الثلاث الماضية، وتشير الإحصاءات إلى أن ما يقرب من ثمانية ملايين امرأة وفتاة تتعرضن للعنف سنوياً في مصر.

نسبة كبيرة من هذا الإحصاء تقع تحت بند العنف الأسري، بينما تدخل النسبة الأخرى في إطار العنف المجتمعي، ويُظهر المسح الصحي للأسرة المصرية، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2022، أن نحو ثلث السيدات اللاتي سبق لهن الزواج في الفئة العمرية 15-49 عاماً قد تعرضن لصورة من صور العنف من قبل الزوج.

الملفت بعد تلك التقارير والإحصائيات أن الرواية الرسمية تقول إن معدل الجريمة في مصر انخفض، وفي تصريحات جاءت احتفالاً بعيد الشرطة الـ73 العام الماضي، أكد وزير الداخلية محمود توفيق انخفاض معدل الجريمة بنسبة 14% عن العام الذي سبقه.

وحسب ما أكده محامٍ لـ"عربي بوست"، فضل عدم ذكر اسمه، فإن هناك بُعداً آخر يقود إلى تفشي العنف يتمثل في تأخر العدالة الناجزة وضعف المؤسسة القانونية، التي تعاني تحديات كبيرة نتيجة الضغط عليها، وهو ما لم يعد يتماشى حالياً مع الإمكانيات المتاحة لها، الأمر الذي يجعل تنفيذ القانون بطيئاً للغاية، ما أثر على ثقة المواطنين في القضاء.

وبالتالي، قاد ذلك إلى شيوع البلطجة، وبات هناك تسعيرة لعمل البلطجية يومياً، وهناك وظيفة يلتحق بها الأشخاص بهذا المسمى ويتم التدريب والتأهيل عليها، وأضحى المواطنون على قناعة بأن من لديه حق يمكنه أخذه عبر دفع أموال لا تضاهي تكاليف المحاماة والتقاضي ولا تأخذ زمناً طويلاً في حسم قضايا قد لا تأتي في صالح من لديه الحق، لتبقى البلطجة حلاً سريعاً ومضموناً مقابل القانون.

وأضاف المصدر ذاته أن تأخر حسم القضايا والفصل فيها يعود في الأغلب إلى صعوبات استكمال مستندات أساسية، مثل تحريات المباحث حول الواقعة للتأكد من صحتها، وأن التأخير يختلف حسب ملابسات كل قضية، لكنه يظل سبباً رئيسياً في إطالة أمد التقاضي، رغم أن القانون في حد ذاته يواجه بحسم جرائم الاحتيال والعنف والاعتداءات الجسدية.

ولفت إلى أن الحكومة المصرية أدركت متأخرة أن هناك مشكلات في تأخر الفصل في القضايا تحتاج إلى تدخل، وقررت قبل عامين تطبيق النظام الرقمي الموحد لوزارة العدل وربط المحاكم ببنية رقمية متكاملة لتقليل الفجوة الزمنية بين القضايا الجنائية والمدنية.

لكن، حسب المتحدث، تظل هناك تحديات في تنفيذ الأحكام، خصوصاً مع الجرائم التي يتقن مرتكبوها التخفي عن السلطات، كما أن زيادة رسوم التقاضي بنسب تتراوح بين 100 و1000% أثرت سلباً على اتجاه المواطنين إلى المحاكم، كما أن هذه الرسوم أضرت بعمل المحامين، الذين قاموا بمضاعفة أتعابهم التي تشمل رسوم القضية، والتي تصل الآن إلى 14% من رسوم القضية بدلاً من الضريبة القديمة التي كانت تتراوح بين 20 و100 جنيه.

انشغال الأمن بمهام أخرى


وفقاً للتقرير السنوي لمؤشر سيادة القانون، الصادر عن مؤسسة "مشروع العدالة العالمية"، تحتل مصر المركز 136 من أصل 142 دولة، مما يجعلها من بين آخر ست دول في العالم تتذيل القائمة من حيث سيادة القانون.

وبحسب مصدر أمني تحدثنا إليه، فإن ما يعانيه الشارع المصري من ازدحام وفوضى مرورية في أحيان عديدة يخلق بيئة داعمة لانتشار العنف والبلطجة، كما أن الأمن المصري تأثر خلال السنوات الماضية بالانشغال بمهام أخرى، منها مواجهة الإرهاب، على حساب انضباط الشارع، ورغم التحسن الملحوظ على مستوى التعامل الأمني، فإنه غير كافٍ لتحقيق الانضباط الكامل.

وأضاف أن أكبر العقبات التي تواجهها الأجهزة الأمنية الآن هو انخراط أشخاص جدد غير مسجلين كسوابق في سجلات وزارة الداخلية، وهؤلاء ينخرطون في أعمال البلطجة، التي تنقسم إلى استخدام العنف بالإكراه، كما في السرقات بالإكراه والاغتصاب وغيرها مما يرتبط بالإيذاء.

والنوع الآخر الأكثر شيوعاً يتعلق بتحول الأشخاص العاديين إلى مرتكبي جرائم عنف نتيجة تدني الأخلاق وتأثرهم بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، مشيراً إلى أن هناك أشخاصاً يمارسون البلطجة، لكن دون أن يتم عقابهم قانونياً، مثل "سايس السيارات"، الذي يفرض الإتاوات على ركن السيارات في الشوارع العامة، ورغم أن هناك قانوناً لعمل السايس يتطلب الحصول على رخصة، فإنه لا يتم تطبيقه، بالإضافة إلى ذلك، تبرز عوامل أخرى، مثل تعاطي المخدرات والبطالة ومشكلات الصحة العقلية.

وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الصحة في 2018، يعاني 25% من المصريين من مشكلات نفسية، وهي قضية ترتبط بشكل مباشر بالوضع العام.

وبحسب مصدر خبير في علم الاجتماع السياسي، فإن العنف الناتج عن أزمات المصريين يظهر تأثيراته على العلاقة بين الزوج والزوجة، التي يغلب عليها التوتر والرغبة في السيطرة، وأن المواطنين أضحوا أسرى لمدخلات قيمية يشاهدونها على المنصات الرقمية مع فقدان الثقة في الإعلام التقليدي، وأن النتائج الاجتماعية تشير إلى ذوبان القشرة الخارجية التي كانت توفر الحماية في المجتمع، والتي تتمثل في الطبقة الوسطى، التي تسلحت بالأخلاق فيما قبل، وحلت محلها طبقة من الفقراء يغلب عليها العشوائية، والتي أضحت سلوكياتها مؤثرة على مختلف الطبقات الأخرى.

وأشار إلى أن الحل يكمن في عودة الأخلاق، وهي مسؤولية الدولة عبر الوعي والمحاسبة، مع ضرورة وجود خطط قومية لإقناع المواطنين بها، مع أهمية إقرار العقوبات الرادعة بشكل مستمر، بعيداً عن حالة الانتقائية التي تظهر في الحوادث التي تثير الرأي العام فقط، دون أن يُطبق ذلك على مختلف الجرائم، حيث يتأخر البت فيها لسنوات.

موضحاً أن الحكومة دائماً تبحث عن الحلول الأسهل، ويظهر ذلك في قرارها بإضافة مادة التربية الدينية للمجموع في مختلف الفصول الدراسية، ويبقى القرار له بعد شكلي بأنها تدعم ترسيخ القيم والأخلاق، لكن قد لا يتحقق ذلك بفعل مشكلات تعليمية عديدة، تتعلق بتوفير معلمين مدربين لهذه المواد، أو لأنه سيتم التعامل معها كمادة علمية بهدف تحصيل المجموع، وليس تحسين الأخلاق.

تحميل المزيد