ذكرت مصادر مطلعة بوزارة التربية والتعليم المصرية لـ"عربي بوست" أن نظام البكالوريا الجديد الذي طرحه وزير التعليم المصري محمد عبداللطيف والخاص بالثانوية العامة، ليس من أفكاره الخاصة، بل إن الوزير السابق لوزارة التربية والتعليم، رضا حجازي، هو الذي اقترحه، لكن الوزير الحالي قام بتغيير بعض البنود الخاصة به.
أشارت المصادر إلى أن الوزير الحالي التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرتين: الأولى في يوليو/تموز 2024 بحضور أشرف سالم زاهر، مدير الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك لمناقشة النظام الجديد للثانوية العامة ومناقشة آليات تأهيل سوق التعليم في مصر من خلال توفير الدورات المطلوبة التي سيحتاجها المعلمون في مصر من أجل تطبيق نظام البكالوريا الجديد.
أما اللقاء الثاني بين وزير التعليم والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فقد كان في ديسمبر/كانون الأول 2024، وقد تناول فيه الوزير المصري – وفق المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست" – ملفين هامين: الأول النقاش حول نظام البكالوريا من أجل اعتماده من "القيادة السياسية"، والاستماع لكل الملاحظات من جانب السيسي، فضلاً عن تخوفات الوزير المصري من ردود فعل الأسر المصرية على البرنامج الجديد الذي كان مرتقباً طرحه على الرأي العام. أما الملف الثاني الذي تناوله الوزير المصري في اجتماعه مع السيسي، فكان يتعلق بتقليص عدد المدرسين على مستوى المحافظات في ضوء البرنامج الجديد.
في هذا التقرير "نكشف كواليس خروج نظام البكالوريا المصري" للرأي العام في مصر وأسباب لجوء الوزير المصري إلى الإعلان عن طرح المشروع للمناقشة الاجتماعية من خلال عرضه على نواب مجلس الشعب المصري في الأيام المقبلة.
ما هو برنامج البكالوريا؟
حسب البرنامج الجديد للثانوية العامة الذي اقترحه وزير التربية والتعليم في مصر محمد عبداللطيف، تشمل شهادة البكالوريا الصفين الثاني والثالث الثانوي، بعد أن كانت تقتصر الثانوية العامة على الصف الثالث فقط. وسوف يتم تطبيق البرنامج الجديد على طلاب الصف الأول الثانوي العام الذين يدرسون حالياً في الصف الثالث الإعدادي. وتعتمد فلسفة النظام الجديد على منح فرص متعددة للطالب يتمكن من خلالها من تحسين مجموع درجاته في الصفين الثاني والثالث الثانوي. ولذلك، لن يكون هناك علمي وأدبي في ثانوية البكالوريا المصرية.
في سياق متصل، سوف يتم تطبيق البرنامج على طلاب المدارس الرسمية والرسمية للغات، أي أن الطلاب الذين يحصلون على شهادة مصرية فقط سيطبق عليهم نظام البكالوريا المصرية.
تنقسم سنوات الدراسة في البكالوريا المصرية إلى 3 سنوات: الصف الأول الثانوي، والصف الثاني الثانوي، والصف الثالث الثانوي. يتضمن نظام البكالوريا المصرية 4 مسارات علمية وهي: مسار الطب وعلوم الحياة، ومسار الهندسة وعلوم الحاسب، ومسار الأعمال، ومسار الآداب والفنون.
المواد الدراسية في الصف الأول الثانوي العام تشمل:
- التربية الدينية.
- اللغة العربية.
- التاريخ المصري.
- الرياضيات.
- العلوم المتكاملة.
- الفلسفة والمنطق.
- اللغة الأجنبية الأولى. بالإضافة إلى مادتين خارج المجموع، وهما: اللغة الأجنبية الثانية، والبرمجة وعلوم الحاسب.
المواد الدراسية في الصف الثاني الثانوي في نظام البكالوريا المصرية تتضمن:
- 4 مواد، منها 3 مواد أساسية وهي: اللغة العربية، والتاريخ المصري، واللغة الأجنبية الأولى.
- مادة تخصص يختارها الطالب وفقاً للمسار، كالتالي:
- الطب وعلوم الحياة: يتم الاختيار بين مادتي الرياضيات أو الفيزياء.
- الهندسة وعلوم الحاسب: يتم الاختيار بين الكيمياء والبرمجة.
- الأعمال: يتم الاختيار بين المحاسبة أو إدارة الأعمال.
- الآداب والفنون: يتم الاختيار بين علم النفس أو اللغة الأجنبية الثانية.
مواد الصف الثالث الثانوي تشمل:
- 3 مواد أساسية، وتعتبر التربية الدينية مادة أساسية.
- المواد التخصصية:
- الطب وعلوم الحياة: تشمل (الأحياء – مستوى رفيع) و(الكيمياء – مستوى رفيع).
- الهندسة وعلوم الحاسب: تشمل (الرياضيات – مستوى رفيع) و(الفيزياء – مستوى رفيع).
- الأعمال: تشمل (الاقتصاد – مستوى رفيع) و(الرياضيات).
- الآداب والفنون: تشمل (الجغرافيا – مستوى رفيع) و(الإحصاء).
تفاصيل نظام المحاولات:
- يُسمح للطالب بأكثر من محاولة: 4 محاولات في الصف الثاني الثانوي، ومحاولتين في الصف الثالث الثانوي العام.
- يحصل الطالب على أعلى الدرجات في هذه المحاولات.
- المحاولة الأولى مجانية، وبعدها يدفع الطالب 500 جنيه لكل مادة.
- الامتحانات تُعقد مرتين سنوياً: في شهري مايو ويوليو لمواد الصف الثاني الثانوي، وفي شهري يونيو وأغسطس لمواد الصف الثالث الثانوي.
تطوير المناهج:
- سيتم تطوير كافة المناهج الدراسية، مع تدريس مستويات متقدمة في الرياضيات، والفيزياء، والجغرافيا، والاقتصاد.
- أضيفت مادتا التربية الدينية واللغة الأجنبية الثانية إلى المجموع في حالة اختيار الطالب اللغة الثانية ضمن تخصص الآداب والفنون.
تفاصيل المجموع والنظام:
- يقضي الطالب في مرحلة البكالوريا 4 سنوات بحد أقصى.
- تُحسب درجة كل مادة من 100 درجة.
- يكون المجموع النهائي للطالب بجمع الدرجات التي حصل عليها لكل مادة.
- تُرصد كافة محاولات الطالب، مع تحديد العام الدراسي لكل محاولة، وترسل البيانات إلى مكتب التنسيق لإجراء اللازم.
تأجيل أو تعديل المشروع
كشف مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم لـ"عربي بوست" أن طرح شهادة البكالوريا على مجلس الوزراء المصري مؤخراً كان مفاجئاً لغالبية القيادات داخل الوزارة. وأضاف المصدر أن وزير التربية والتعليم ادعى تشكيل لجنة من وزارة التعليم العالي لدراسة المقترح، إلا أن وزارة التعليم العالي فوجئت بالمقترح، ولديها اعتراضات عديدة عليه. ذلك لأن المشروع قد يؤدي إلى العودة للمجاميع المرتفعة، وهو ما يتعارض مع التوجه السائد نحو تفكيك ما يسمى "كليات القمة".
قد يتم إدخال تعديلات على المقترح أو إرجاء المشروع برمته، خاصةً وأنه ليس هناك ضرورة لتطبيقه من العام القادم، حيث إن الطلاب الذين جرى تطبيق منظومة جديدة عليهم لن يصلوا إلى المرحلة الثانوية إلا بعد ثلاث سنوات.
في حين قال أحد الخبراء بمركز البحوث التربوية التابع لوزارة التربية والتعليم، في تصريحات لـ"عربي بوست"، إن المقترح سبق أن جرت عليه نقاشات داخل المركز قبل عدة أشهر، لكن منذ تولي الوزير الجديد لم يتم طرحه للنقاش مجدداً. ولم يكن المقترح يتضمن وجود مادة التربية الدينية ضمن المجموع الأساسي، ولا أحد يعرف الهدف من وضعها. وأشار إلى أن إجابات الوزير تتعلق بالرغبة في تحسين سلوكيات الطلاب، دون أن يدرك أن ذلك قد ينعكس سلباً على سلوكياتهم لأنهم سيتعاملون مع المادة من منظور علمي وليس روحي. وفي حال فشل أحد الطلاب في دخول كلية ما بسبب درجته في تلك المادة، فإنه سيكون ناقماً عليها وعلى ما تحتويه من مقررات تتضمن المعتقدات الدينية للمسلمين والأقباط.
وأشار الخبير إلى أن مصر بها طوائف مسيحية مختلفة، أبرزها الأرثوذكس، والإنجيليون، والكاثوليك، ولا يعرف أحد ما إذا كانت المناهج ستُخصص لتلك الطوائف أم لا، خاصةً أن الطالب في هذه الحالة سيدرس منهجاً تخصصياً يجب أن يتماشى مع معتقداته.
خلاف حول التربية الدينية
أوضح مصدر وزاري أن نظام البكالوريا الجديد يرسخ لأن تكون مادة الدين مادة يكرهها أو يحبها الطلاب، طالما أن التعليم في مصر يرتبط أساساً بمشاعر الحب والكره، وأحياناً بالقمع. وأشار إلى أن دفاع وزير التعليم عن مقترحه، رغم الإجماع المجتمعي على رفض وجود مادة الدين في المجموع، يشير إلى محاولات لتمرير المقترح. كما أضاف أن الحوار المجتمعي يغلب عليه الطابع الشكلي، وأن الحكومة المصرية تؤجج الفتن بدلاً من تهدئتها، خاصة مع النقاشات الحادة حول صعوبة مقررات مادتي التربية الدينية للمسلمين والأقباط.
وأمام الجدل المثار، أعلن محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، أن مادة التربية الدينية ستكون مضافة للمجموع بدايةً من الصف الأول الابتدائي العام المقبل، وستكون مضافة أيضاً في نظام البكالوريا المصرية، وذلك خلال لقائه مع صحفيي التعليم ضمن جلسات الحوار المجتمعي حول شهادة البكالوريا المصرية.
وأوضح الوزير أن تغيير المسارات سيكون متاحاً في مقترح شهادة البكالوريا، بحيث يستطيع الطالب الذي درس في الصف الثاني الثانوي مسار الطب وعلوم الحياة أن يدرس مادة التخصص في مسار الهندسة وعلوم الحاسب أو الأعمال أو الآداب والفنون. وأشار إلى أن هناك 3 مواد أساسية مشتركة بين جميع التخصصات، وهي اللغة العربية، واللغة الأجنبية الأولى، والتاريخ المصري، بالإضافة إلى مادة التخصص، بإجمالي 4 مواد دراسية. وأضاف أن مواد التخصص في المسارات الأربعة ستكون وفق ميول الطالب، وأنه لن يكون هناك دور ثانٍ في نظام البكالوريا المصرية، بل توجد فرص امتحانية متعددة في شهور مايو ويونيو ويوليو وأغسطس.
بيزنس تسعى الوزارة للتربح منه
قال مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، فضل عدم ذكر اسمه، إن البكالوريا الجديدة تخالف المادة رقم (21) من الدستور، والتي تنص على أن "تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها". وأوضح أن فرض مبالغ مالية نظير خوض الامتحان يمثل مخالفة صريحة، كما أن هذا النظام قد يساهم في زيادة الدروس الخصوصية بدلاً من كبحها، لأن المقتدر مادياً يمكنه دخول الامتحانات مرات عديدة، مما يؤدي إلى غياب الحيادية.
وشدد المصدر على أن الإصرار على تطبيق النظام الجديد مع تحميل أولياء الأمور مزيداً من الأعباء يعد بمثابة "بيزنس" تسعى الوزارة للتربح منه، وليس بهدف تطوير نظام شهادة البكالوريا. وأضاف أن خلفية وزير التعليم، الذي كان يدير مجموعة مدارس خاصة قبل توليه منصبه، تطغى على تفكيره مع وصوله إلى منصب حكومي في بلد يضم 25 مليون طالب في مراحل التعليم المختلفة.
وأشار إلى أن "النوايا الخبيثة" تبدو حاضرة في طريقة وتوقيت عرض المنظومة الجديدة، خاصة بعد الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني للتعليم الذي ستكون مهمته وضع سياسات تعليمية طويلة الأجل دون تعديلات تعسفية. وأكد أنه كان من الممكن انتظار تشكيل المجلس خلال شهر أو أكثر قبل الحديث عن تعديل نظام الشهادة الثانوية المصرية.
جدل حول البرنامج
وصلت أزمة نظام البكالوريا إلى البرلمان المصري، حيث قال النائب محمد عبدالله زين الدين، أمين حزب مستقبل وطن بمحافظة البحيرة شمال العاصمة المصرية القاهرة، في تصريحات خاصة، إن إعلان الحكومة المصرية عن برنامج البكالوريا تسبب في حالة من الجدل الواسع، لا سيما مع غياب وضوح الرؤية والتفاصيل بشكل كامل عن النظام الجديد.
وأضاف أن الثانوية العامة تعد أحد الملفات المهمة لكل الأسر المصرية، نظراً لأنها تتعلق بتحديد مستقبل أبنائهم، مما يخلق حالة من التوتر والقلق دائماً، خاصة مع موسم الامتحانات. وطالب بضرورة الحوار مع جميع طوائف الشعب المصري قبل تطبيق نظام البكالوريا الجديد، لتقييم مدى توافقه مع الأسر والمجتمع المصري، قبل إحالته لمجلس النواب لدراسته ومناقشته في إطاره التشريعي والقانوني تمهيداً لتطبيقه.
في حين أشار بعض خبراء التربية والتعليم في مصر إلى أنه لا يوجد وضوح بخصوص البرنامج الجديد. وقال محمد فتح الله، أستاذ علم النفس التربوي بالمركز القومي للامتحانات، إن الوزارة قد تجاهلت مناقشة البرنامج الجديد قبل طرحه على الرأي العام، مما تسبب في جدل كبير.
وحذر فتح الله في تصريحات خاصة من أنه لا يجب "استنساخ برامج تعليمية" من دول أخرى لتطبيقها في مصر، مشيراً إلى أن نجاح أي برنامج تعليمي مستورد من الخارج ليس منطقياً في بيئة مثل بيئة التعليم المصري، لأن لكل دولة خصوصياتها.
بلغ إجمالي طلاب الثانوية العامة في مصر 2.39 مليون طالب في العام الدراسي 2024/2023، منهم 1.77 مليون طالب في المدارس الحكومية بنسبة 79٪ من إجمالي الطلاب، فيما بلغ عدد الطلاب في المدارس الخاصة في نفس المرحلة 468.3 ألف طالب، بنسبة 21٪.
يدفع طلاب المدارس الحكومية في المرحلة الثانوية مصروفات سنوية في العام الدراسي الحالي 2025/2024 قيمتها 527 جنيهاً، بينما تبلغ مصروفات المدارس الرسمية لغات 850 جنيهاً، وتصل مصروفات المدارس الرسمية لغات المتميزة إلى 2300 جنيه.
وفي عام 2021، شهدت الثانوية العامة تغيراً جذرياً، حيث تم تطبيق نظام الثانوية العامة "البابل شيت" مع استخدام أجهزة التابلت والتصحيح الإلكتروني لأوراق الإجابة. كما عُقدت الامتحانات بنظام "الأوبن بوك"، حيث تُسلم كراسة بسيطة للطلاب قبل كل امتحان.
وخاض امتحان الثانوية العامة في العام السابق 2024 أكثر من 750 ألف طالب وطالبة في الشعبتين الأدبية والعلمية بشعبتيها (العلوم والرياضة). وتعد شهادة الثانوية العامة محطة مفصلية في المسار التعليمي للطلاب، وتحظى باهتمام شديد من معظم الأسر المصرية.