مشروع عفو عام “سريع” في الأردن وسط ضغوط لتضمين معتقلين سياسيين

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/04 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/04 الساعة 20:17 بتوقيت غرينتش
العفو العام في الأردن يتم إقراره من خلال البرلمان/ رويترز

بعد أقل من سنة، يستعد البرلمان الأردني لتبني مشروع قانون عفو عام جديد في البلاد، وذلك بالتوازي مع المتغيرات الإقليمية التي عصفت بالشرق الأوسط، والتي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى تعالي أصوات داخلية تطالب بإصدار عفو عام جديد. 

وكشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن إصدار عفو عام جديد في الأردن مرتبط بالمتغيرات الإقليمية ومنها ما حدث في سوريا، لذلك عمدت الدولة إلى تقديم مبادرة سياسية ذاتية ودفعها بترجمتها عبر مجلس النواب.

وكان آخر عفو عام صادق عليه البرلمان الأردني في أبريل 2024، والذي شمل عددًا من الجنح والمخالفات إلى جانب الإعفاء من الغرامات المالية المترتبة على مخالفة نصوص قانونية جزائية، وفي مقدمتها مخالفات السير.

 قبله، صدر عفو عام في عام 2019 تضمن الإعفاء من قضايا جزائية وغرامات مالية عديدة، كما صدرت الإرادة الملكية السامية في عام 2021 بمنح عفو خاص لعدد كبير من المحكوم عليهم في قضايا جزائية تتعلق بجرم إطالة اللسان."

كواليس إقرار العفو

وكشف عضو مجلس النواب الأردني محمد خليل عقل أن تحركات المجلس تزامنت مع الاعتصام الشعبي الكبير الذي نفذه أهالي السجناء على خلفيات مختلفة؛ منهم من يطالب بعفو عن قضايا جديدة، ومنهم من يحتج على العفو السابق لأنه لم يشمل بعض القضايا الهامة.

وكان أهالي السجناء والمعتقلين قد نظموا وقفة احتجاجية يوم الاثنين 23 كانون الأول 2024 أمام مجلس النواب للمطالبة بعفو عام شامل، مناشدين الملك والحكومة إصدار عفو عام عن أبنائهم، على أن يشمل الموقوفين إداريًا والقضايا التي فيها صلح وإسقاط للحق الشخصي.

وقال النائب البرلماني لـ"عربي بوست" إن بعض أعضاء المجلس التقوا مع المواطنين، وتمخض عن ذلك طلب إصدار عفو عام، وتم إصدار مذكرة تم التوقيع عليها، مؤكدًا أن هذا العفو العام هو قانون في مجلس النواب.

ويشير عقل إلى أن العفو العام هو قانون تحدده الحكومة مثل جميع القوانين، حيث يتم تحديد بنوده والفئات المستهدفة منه، ثم يُدفع إلى مجلس النواب، ومن ثم يُحال إلى اللجان المختصة ويتم مناقشته، وبعدها تقوم كل كتلة بتقديم رؤيتها الخاصة لهذا الأمر.

وأكد المتحدث أن مساعي كبيرة تبذلها كتلة جبهة العمل الإسلامي داخل مجلس النواب بالتعاون مع الأحزاب والكتل الأخرى، بحسب ما يكشفه عقل، مشددًا على أن تحركات أعضاء المجلس معنية بكل السجناء باستثناء بعض الحالات والقضايا المستثناة التي يتفق عليها الشعب الأردني.

وقال إن القضايا التي تتعلق بسجناء الرأي وسجناء دعم المقاومة الفلسطينية تعد من أهم المطالب بالنسبة لجبهة العمل الإسلامي، معتبرًا أنه يجب ألا يتم توقيف هؤلاء ابتداءً، لأن إبداء الرأي حق، ومقاومة المغتصب حق أيضًا.

وأكدت مصادر برلمانية تواصلت معها "عربي بوست" أن سقوط نظام بشار الأسد قد سَرَّعَ من إقرار مشروع القانون الجديد، ووضعت الحكومة إقراره في سلم الأولويات بعد مرور ثمانية أشهر فقط من إصدار آخر عفو.

قضايا دعم المقاومة

وتسعى التحركات الأخيرة إلى الضغط على الحكومة الأردنية لإصدار قانون عفو عام عبر مجلس النواب، يشمل سجناء الرأي والقضايا الأخرى التي يُتهم بها كثير من المعتقلين بالإرهاب، مثل قضايا دعم المقاومة.

وفي هذا الصدد، يؤكد النائب الأردني محمد عقل في حديثه مع "عربي بوست" أنه توجد آليات للضغط على الحكومة عبر تبني غالبية أعضاء مجلس النواب تمرير هذا المشروع القانوني.

وفي سياق متصل، تؤكد النائبة في مجلس النواب راكين أبو هنية في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن المذكرة وقع عليها عدد كبير من نواب المجلس، مشيرة إلى أن نواب جبهة العمل الإسلامي عند إقرار قانون العفو سيتم وضع محددات بحيث ينتفع منه فعليًا الفئات المتضررة التي تحقق العدالة.

وقالت إن فتح مسألة العفو العام في الأردن يعد قضية حساسة، لأن هناك حقوقًا للناس، وهناك جوانب مالية واقتصادية وأنواع مختلفة من الجرائم لكثير من السجناء الموقوفين عليها.

وأكدت المتحدثة أن تحركات أعضاء مجلس النواب لإصدار قانون العفو العام كانت مستمرة قبل سقوط نظام بشار الأسد، لكن سرعة تحقيق إصدار مثل هذا القانون، بحسب النائبة أبو هنية، ترتبط بالشأن السوري، على اعتبار أن هناك الكثير من المعتقلين على خلفيات سياسية، مثل التعبير عن الرأي ودعم المقاومة الفلسطينية.

وطالب مجموعة من النواب في مذكرة نيابية موجهة إلى رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، بإقرار قانون عفو عام جديد تحت اسم "قانون العفو العام لسنة 2025".

وأكدت المذكرة أن مثل هذا القانون سيعزز من الثقة بين المواطنين والدولة، ويسهم في دعم التماسك الاجتماعي، خصوصًا مع استمرار الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة.

محاولة تهدئة

من جهته، يؤكد الناشط السياسي عطا ارحيل العيسى في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن "النظام السياسي يسعى إلى تهدئة الشارع الأردني على خلفية ما حدث في سوريا، قبل حدوث أي انفجار شعبي"، على حد قوله.

وقال المتحدث إن العفو العام الذي صدر قبل أقل من عام لم يلق رضا في الأوساط الشعبية والسياسية الأردنية، حيث شمل أصحاب القضايا الإجرامية والسوابق والسرقات، ولم يشمل أيًا من النشطاء السياسيين.

وأضاف أن هذا الأمر جعل النظام الأردني يدرك أن المرحلة الحالية مختلفة، ويجب أن يتم استباق الأمر بعفو عام جديد يكون مختلفًا عن سابقه، ويمتص احتقان الشارع الأردني نتيجة لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.

وفي هذا السياق، تجري تحركات كبيرة داخل مجلس النواب ليشمل العفو القادم المعتقلين السياسيين، وذلك حتى لا يقتصر الأمر فقط على العفو السابق الذي ركز على القضايا المتعلقة بالنصب والاحتيال والتعهدات والشيكات المرتجعة.

لكن تلك التحركات تأتي في ظروف بالغة التعقيد، خصوصًا وأن ملفات السياسيين غالبيتها تصنف كقضايا إرهاب في محاكم أمن الدولة، مما يشكل تحديًا كبيرًا لصياغة قانون عفو جديد يتلاءم مع طبيعة هذه القضايا والمرحلة المقبلة.

الفئات المستهدفة من القرار

واستثنى قانون العفو العام الذي صدر في أبريل/نيسان 2024 38 جريمة، أبرزها تلك المتعلقة بأمن الدولة، والإرهاب، والأسلحة والذخائر، والمفرقعات، والمخدرات، وجمعيات الأشرار غير المشروعة، والإخلال بواجبات الوظيفة العامة، وتزوير أختام الدولة.

كما تم استثناء التزوير الجنائي، والاغتصاب، والتسبب بالوفاة، والإيذاء، وإضرام الحريق، والسرقة، والإفلاس الاحتيالي، فضلاً عن جرائم التجسس، والاقتصادية، والرق، والاتجار بالبشر، وغسل الأموال، إضافة إلى استثناء غرامات ضريبة الدخل والمبيعات والجمارك.

وقال رئيس لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي عبدالقادر الخطيب في تصريح لـ"عربي بوست" إن تحركات أعضاء مجلس النواب مرتبطة بالدرجة الأولى بما يدور من متغيرات سياسية.

وأضاف أن المذكرة التي قدمها أعضاء مجلس النواب إلى الحكومة الأردنية تتناسب مع الأحداث التي تعيشها المنطقة، وخاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، وكذلك ما يحدث في غزة من جرائم إبادة بحق سكان القطاع، والاحتقان الشعبي في البلاد، يضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.

وقال إن قانون العفو العام كان منقوصًا، ولم يشمل قضايا الرأي العام والتعبير السياسي، والتي تصنف جميعها ضمن إطار "الجرائم الإلكترونية"، وقضايا دعم المقاومة الفلسطينية المصنفة على أنها قضايا إرهاب.

ويكشف الخطيب أن العفو العام في الأردن هو عادة متكررة تأتي بين فترة 3-5 سنوات مرة واحدة، لكن هذه المرة الأمر مختلف بسبب المتغيرات الجديدة في سوريا. مشيرًا إلى أن العفو العام الأخير في عام 2024 استثنى القضايا السياسية وقضايا الرأي العام والجرائم الإلكترونية، والقضايا المصنفة على أنها إرهاب، مثل دعم المقاومة وتهريب السلاح لها.

وأشار إلى أن تسليط الضوء على العفو العام في وسائل الإعلام يعكس رغبة الدولة الأردنية في إصدار العفو.

تحميل المزيد