“ضغط على الرجل، ودمار للأسرة”.. لماذا يرفض علماء دين ودعاة في المغرب تعديلات “مدونة الأسرة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/26 الساعة 11:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/26 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
العاهل المغربي خلال عرض تعديلات مدونة الأسرة/ وكالة المغرب العربي للأنباء

ما زال النقاش حول التعديلات التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى (دار الإفتاء) بشأن مدونة الأسرة في المغرب محتدماً بين رجال الدين في المملكة والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جاءت أغلب المواقف رافضة للمقترحات التي وافق عليها أيضاً العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وكشفت اللجنة التي عُهد إليها تعديل مدونة الأسرة في المغرب عن تفاصيل التعديلات في جلسة عمل ترأسها العاهل المغربي يوم الإثنين 23 ديسمبر/كانون الأول 2024. واشتملت التعديلات على شروط التعدد، وحضانة الأبناء بعد الطلاق، واقتسام الثروة، بينما رفض المجلس العلمي مقترحات مثل إلغاء التعصيب في الإرث.

ورغم تأكيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، خلال حديثه عن مستجدات مدونة الأسرة في المغرب، أن التعديلات لم تخالف الثوابت الدينية والنصوص الشرعية، فإن الكثير من العلماء سواء من التيار المحافظ المعتدل أو السلفي، عبروا عن استيائهم وحذروا من تبعات هذه التعديلات على المجتمع المغربي.

"التضييق والضغط على الرجل"

من أبرز المواقف المنتقدة لتعديلات مدونة الأسرة في المغرب، ما صدر عن الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، الذي قال إن الاختيارات الفقهية والقانونية التي "تم اعتمادها تقع ضمن ما يسوغ فيه النظر والاجتهاد والتعديل".

ووفقاً للفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، كما نشره مركز المقاصد للدراسات والبحوث الأربعاء 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، فإن "الاتجاه العام للاجتهاد الرسمي المعتمد هو التضييق والضغط على الرجل: قبل زواجه، وأثناء زواجه، وفيما بعد الطلاق وبعد الممات..!".

وتضمنت إحدى التعديلات التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى جعل عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، ووجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، وإيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة.

وحذر الريسوني من أن يخلف هذا التوجه "آثاراً سلبية على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى، وذلك من خلال دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج، وإلى الخوف منه، في مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة المتاحة لحياة العزوبية والعلاقات الحرة".

وأوضح الريسوني أن المرأة "ستجد أمامها مزيداً من الحقوق والمكاسب والصلاحيات، لكن وجود الزوج نفسه سيصبح عسيراً أكثر فأكثر، وربما سنحتاج في النهاية إلى الحل الهندوسي، وهو أن المرأة تدفع للرجل مهراً كبيراً حتى يقبل الزواج!!".

وفقاً لآخر التقديرات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، بلغت نسبة النساء المغربيات اللواتي ما زلن في مرحلة العزوبة 40.7%، بينما وصلت نسبة الرجال في نفس الفئة العمرية إلى 28.3%. كما كشفت دراسة سابقة عن وجود نحو 8 ملايين فتاة مغربية عانس.

مدونة الأسرة في المغرب "دمار شامل"

تعليق الداعية المغربي محمد الفزازي على تعديلات مدونة الأسرة في المغرب كان حاداً ومليئاً بالسخرية، حيث قام بتوزيع التهنئات للنساء المطلقات وللعوانس وللرجال العازفين عن الزواج، وفق ما نشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وقال الفزازي في تدوينته: "هنيئاً للمطلقة بالحضانة المستمرة، وبالنفقة ولو بعد زواجها برجل آخر، وهنيئاً لها ببيت زوجها الذي لا يُقسم مع التركة بعد وفاة الزوج، وهنيئاً لها بحمايتها من الضرات، لا ضرة بعد اليوم إلا في أحوال خاصة جداً".

وأضاف الداعية المغربي: "هنيئاً للرجال بنعمة العزوبة، وهنيئاً للعوانس بعنوستهنّ، فلن يجرؤ على الزواج أحد بعد اليوم! بل من يجرؤ من المتزوجين على الطلاق أصلاً حتى إن دعا الداعي واقتضى الحال…؟ وهنيئاً أكثر وأكثر للنسويات والحداثيين والتقدميين على هذا النصر المبين".

الداعية المغربي محمد الفزازي
الداعية المغربي محمد الفزازي

أما الداعية حسن الكتاني، فقد عبّر عن موقف أكثر "تطرفاً"، إذ كتب على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الأربعاء 25 ديسمبر 2024: "المدونة الجديدة هي دمار شامل للأسرة المغربية".

وانتقدت رابطة علماء المغرب العربي، التي يُعد حسن الكتاني أحد أعضائها، تعديلات مدونة الأسرة في المغرب. وأكدت في بيانها أنها "تضمنت مخالفات صريحة للمجمع عليه من شريعة رب العالمين، في مخالفة صريحة لما أعلنه الملك محمد السادس من حدٍّ واضح للاجتهاد المطلوب، الذي لا يمس ثوابت الدين".

في بيانها، شككت الرابطة في أن يكون المجلس العلمي الأعلى هو المصدر الحقيقي لهذه التعديلات، مشيرةً: "لو ثبت ذلك لكان في هذا إسقاط لهذا المجلس من أساسه، وهدم للأساس الذي بُني عليه، من حماية للإسلام والدفاع عن أحكامه في المملكة المغربية التي قامت على أساس الإسلام والمذهب المالكي".

وحسب الرابطة، فإن من التعديلات المخالفة لإجماع المسلمين أن عقد الزواج "لا يتم إلا بشهادة شاهدين مسلمين، وإسقاط هذا الشرط مبطل لأصل النكاح. فلا ينعقد العقد وإن صدر عن المحاكم ودُوِّن في الوثائق، فالانعقاد الشرعي لا يقع إلا بما أقرته الشريعة الإسلامية".

كما أكدت أن ولاية الأب ثابتة على أبنائه بعد الطلاق وقبله، وأن تخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية ظلم للزوج وحرمان له من حقوقه الثابتة. وأضافت أن ديون الزوجة منفصلة الذمة عن ديون الزوج، ولا يجوز تحميل أحد الزوجين ديون الآخر إلا بقبوله.

من جهته، قال الباحث الأكاديمي المغربي إدريس الكنبوري، رغم أن النص النهائي لمدونة الأسرة لم يظهر بعد، "إلا أن التعديلات التي تحدث عنها وزير الأوقاف ووزير العدل تبين أن هذه التعديلات ظهر عليها الاضطراب والتفكك وغياب التنسيق. ومرجع هذا هيمنة روح التوافق وترضية المعسكر العلماني، مما نتج عنه التسرع وغياب الواقعية".

فيما يتعلق بالتعدد، قال الكنبوري: "نص التعديل على اشتراط الزوجة في العقد عدم التزوج عليها، مع وضع استثناءات، منها ظهور عقم الزوجة. لكنه لم يضع حلاً للمشكلة إذا ظهرت بعد الزواج مع وجود الشرط في العقد. أما الشروط الأخرى للتعدد فقد جعلته شبه مستحيل تماماً".

واعتبر الأكاديمي المغربي، في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك، أن التعديلات "لم تأتِ لبناء أسرة بل لهدم الأسر ومنع ظهور أسر جديدة. وبعد أن أظهر الإحصاء العام للسكان في المغرب تراجعاً في عدد السكان بما يعني تراجع نسبة المواليد، سنرى تراجعاً أكبر للسكان خلال العقد المقبل، مما يعني شيخوخة المجتمع لنصبح مثل أوروبا".

تأثير المدونة على الأجيال المقبلة

من جهته، دعا وزير العدل السابق مصطفى الرميد إلى التريث في اعتماد التعديلات المقترحة بخصوص مدونة الأسرة. وأكد أن هذه التعديلات "يجب أن تُصاغ بعناية، وبطريقة تُسهم في الحد من التراجع الديمغرافي بدلاً من تكريسه".

وأشار الرميد، في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إلى أنه "من الملائم أن نراجع حساباتنا، وأن نفكر عميقاً وبُعد نظر في مستقبل المغرب، مغرب الأجيال القادمة التي لربما قد تضيع في أهم مقوماتها بسبب حساباتنا الصغيرة وقصور نظرنا".

ونبّه الوزير المغربي السابق إلى معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى الأخير، والذي كشف عن انخفاض معدلات الخصوبة بشكل مثير للقلق، حيث تراجع المعدل الوطني من 2.5% سنة 2004 إلى 1.97% سنة 2024. وأوضح أن استمرار انخفاض هذا المعدل "قد يؤدي إلى أوخم العواقب على المستقبل الديمغرافي للبلاد".

وزير العدل المغربي السابق مصطفى الرميد
وزير العدل المغربي السابق مصطفى الرميد

كما أشار إلى أن هذا الانخفاض انعكس على حجم الأسر المغربية، الذي تقلص من 5.3 أفراد سنة 2004 إلى 3.9 أفراد سنة 2024، وفقاً للإحصائيات ذاتها. وأكد أن هذا التراجع لا يقتصر على الجانب الاجتماعي فقط، بل يهدد التوازن المجتمعي على المدى البعيد.

واستشهد الرميد بمدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 التي كانت أكثر وعياً بأهمية العامل الديمغرافي، حيث نصت على أن الزواج "ميثاق ترابط وتماسك غايته العفاف وتكثير سواد الأمة". وأكد أن هذا الوعي هو الذي غاب عن مدونة الأسرة منذ سنة 2004.

وشدد الوزير السابق على أن معالجة الإشكالية الديمغرافية يجب أن تكون جزءاً أساسياً من أي تعديل تشريعي يخص الأسرة. كما دعا إلى أن تكون الإصلاحات التشريعية وسيلة لمعالجة الإشكاليات الاجتماعية والديمغرافية، بما يضمن استدامة التوازن المجتمعي ويراعي مصلحة الأجيال القادمة.

تحميل المزيد