“ثروات” صناع المحتوى بالمغرب تحت رقابة الحكومة.. سيخضعون لأول مرة للضريبة وعقوبات ستطال المتهربين

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/23 الساعة 15:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/23 الساعة 15:46 بتوقيت غرينتش
صناع المحتوى الرقمي في المغرب سيخضعون لأول مرة للضريبة/ رويترز

بدأ "المؤثرون" من "أثرياء السوشل ميديا" يتحسسون حساباتهم البنكية في المغرب، إذ يُرتقب أن يخضع صناع المحتوى الرقمي في المغرب لضريبة، عندما يدخل النظام الجبائي والضريبي الجديد حيز التنفيذ اعتباراً من فاتح يناير/كانون الثاني 2025.

وحمل مشروع قانون المالية للعام المقبل، الذي صادق عليه مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى من البرلمان) بالأغلبية، يوم الجمعة 06 ديسمبر/كانون الأول 2024، تدابير جبائية تستهدف تضريب الأرباح والعائدات المتأتية من صناعة المحتوى المثير على الإنترنت.

وتنامى بشكل واسع في السنوات الأخيرة نشاط صُنّاع المحتوى ومحترفي "التأثير" على منصات التواصل الاجتماعي، مع ارتفاع في قيمة مداخيلهم، من إعلانات مدفوعة وعقود الإشهار والتعاون، موقعة مع شركات ومحلات تجارية ومطاعم.

ضريبة على دخول محتويات رقمية

أرجأ المغرب منذ مدة طويلة إدخال تعديل على قوانين الضريبة، لكي تواكب المستجدات على مستوى المهن والمداخيل المالية التي تتأتى بشكل كبير من أعمال تنجز على المستوى الرقمي أو الإنترنت.

يقول الباحث في السياسات الجبائية، مهدي إدريسي، إن "المادة 70 مكررة في مشروع قانون المالية 2025 تحت مسمى الدخول والمكاسب الأخرى، تنص في فقرتها الثالثة على مداخيل تُطبَّق عليها الضريبة على الدخل غير واردة في التصنيفات المحددة بالمادة 22 في الوثيقة ذاتها، وتشمل الدخول والمكاسب المتأتية من عمليات هادفة للحصول على ربح، والتي لا ترتبط بصنف آخر من الدخول".

وأوضح إدريسي في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "جميع الأنشطة المُدِرّة للربح، وجميع الدخول المتأتية من مزاولة أنشطة مُدِرّة للدخل أصبحت ضمن نطاق الفرض الضريبي؛ ومن ضمنها دخول وأرباح صُنّاع المحتوى، أو ما يُطلَق عليهم اسم المؤثرين بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي وممتهني التجارة الإلكترونية".

لهذا، يضيف الباحث في السياسات الجبائية: "يمكن القول إن الأساس القانوني أصبح أكثر وضوحاً اليوم لإخضاع هؤلاء المشتغلين على المستوى الرقمي، على الرغم من أنه كان بإمكان إدارة الضرائب إخضاعهم للضريبة في السابق، بالاستناد إلى تفسير مقتضيات متفرقة من قبيل المادة 22 الخاصة بأصناف الدخول، أو المادة 30 في فقرتها الثانية (الدخول التي تكتسب طابع التكرار)".

وحدات مراقبة ودراسة ثغرات التهرب

قبل أن يدخل القانون الجديد حيز التنفيذ، فتحت منذ مدة المصالح المالية المختصة في المغرب دراسات داخلية لمتابعة هؤلاء "المؤثرين" وصناع المحتوى في المغرب، إلى جانب دراسة الثغرات التي يستغلونها من أجل التهرب الضريبي، وأيضاً التهرب من المساءلة حول مصدر الأموال التي يتعقبها القانون المغربي.

في هذا السياق، عزّز مكتب الصرف (تابع لوزارة المالية ويتكلف بسن تدابير لتنظيم الصرف وإعداد إحصائيات المبادلات الخارجية وميزان المدفوعات) وحداته لمراقبة التحركات والأرباح التي يحققها صُنّاع المحتوى على مستوى مختلف منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً.

ويؤكد مصدر من المكتب، رفض الكشف عن هويته، أنه "يوجد في مكتب الصرف قاعات لوحدات تتبع المعاملات الرقمية، إذ تتمثل مهمة فرق الوحدات في مراقبة جميع المعاملات الرقمية عن طريق مراقبة العمليات المالية، خصوصاً أن المكتب يتوفر على قاعدة بيانات لجميع المعاملات المالية بين الخارج والمغرب".

وكشف المصدر ذاته في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "هذه التحويلات المالية التي تأتت عن طريق التعاملات الرقمية بلغت 3 مليارات درهم ما بين 2018 و2022، حققها أشخاص ذاتيون يشتغلون عبر الإنترنت".

لكن، يستطرد المتحدث: "الرقم الفعلي لهذه المعاملات يفوق ما ذُكر، بالنظر إلى وجود عدد من مخالفي قانون الصرف؛ والذي يعني بشكل مباشر مخالفة القانون الضريبي في المغرب".
ولفت المصدر إلى أن "مكتب الصرف أجرى عدة تكوينات لموظفيه على مستوى التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية، مكنت الوحدات المعنية من مسايرة التطور السريع الذي يعرفه المجال الرقمي، وبالتالي تطوير وسائل المراقبة والتتبع".

البرلمان صادق على قانون المالية الذي يفرض الضرائب على صناع المحتوى في المغرب
البرلمان صادق على قانون المالية الذي يفرض الضرائب على صناع المحتوى في المغرب

ثروات بعيداً عن القانون

تتبع هؤلاء "المؤثرين" و"صُنّاع المحتوى" يبدو سهلاً، بالنظر إلى أن البعض، ممن يخلقون عادةً جدلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، راكموا ثروات مالية مهمة انعكست على حالتهم الاجتماعية في ظرفية وجيزة.

ويفضل هؤلاء الاشتغال على مواقع التواصل الاجتماعي، بعيداً عن العمل المُهيكل أو المنظم بقوانين ضريبية، ضمن ما يُعرف بنظام المقاول الذاتي أو نظام الشركات، بهدف التهرب من أداء ضريبة على الدخل.

وتفرض هذه الضريبة على دخول وأرباح الأشخاص الذاتيين والمعنويين، الذين لم يختاروا الخضوع للضريبة على الشركات. ويحدد القانون الضريبي الحالي عدة أصناف من الدخول والأرباح المعنية، من بينها الدخول المهنية، والدخول المعتبرة في حكمها، والدخول والأرباح الناتجة عن رؤوس الأموال المنقولة.

"صناع المحتوى" استبقوا فرض القوانين

هذا الأمر امتثل له بعض صُنّاع المحتوى، خصوصاً الذين "يشتغلون بشكل منظم، سواء تعلق الأمر بنظام المقاول الذاتي أو نظام المساهمة المهنية الموحدة أو حتى في بعض الأحيان نظام المحاسبة"، يبرز الباحث في السياسات الجبائية، مهدي إدريسي.

وقال إدريسي لـ"عربي بوست": "هؤلاء يصرحون برقم أعمالهم وأرباحهم، وبالتالي يوجدون في وضعية سليمة تجاه إدارة الضرائب، خلافاً لكثير ممن يشتغلون وراء الستار، ويحققون مداخيل وأرباحاً مهمة دون أن تستفيد خزينة الدولة منهم".

على هذا الأساس، ومن أجل "مبدأ المساواة أمام الضريبة، وتوسيع الوعاء الضريبي، مع تكثيف عمليات محاربة الغش والتهرب الضريبي، جاءت التدابير الجديدة للضريبة المقترحة في مشروع قانون المالية 2025، تنزيلاً لتوصيات المناظرة الوطنية للجبايات عام 2019، وتفعيلاً للقانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي 2021″، يردف المتحدث ذاته.

تحميل المزيد