بينما كان يحتفل المغاربة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بإعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بشكل رسمي استضافة المغرب كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، خرجت بعض الأصوات تحذر من الأموال الضخمة التي سيكلفها ذلك الحدث العالمي.
إذ يغطي الحديث اليوم عن تنظيم المغرب كأس العالم 2030، بشكل مشترك مع جارتيه الشماليتين، على أي مشاريع أخرى باشرتها البلاد بالرغم من أهميتها. إذ تسعى المملكة إلى تسريع وتيرة إنجاز أوراش متعددة ترتبط أساساً بهذا الاستحقاق الرياضي العالمي.
وراود حلم تنظيم "المونديال" الجماهير المغربية والحكومات المتعاقبة منذ نهاية التسعينيات، خصوصاً أن المغرب سبق أن ترشح لاحتضان البطولة العالمية للمستديرة في أربع مرات سابقة، قبل أن يتحقق الهدف أخيراً في نسخة 2030.
لكن كم ستكون تكلفة احتضان المغرب لنهائيات كأس العالم 2030؟ وهل سينجح في توفير السيولة اللازمة من أجل تشييد المشاريع العملاقة التي وعد بها "فيفا" في ملف ترشحه؟ وكيف سينعكس ذلك على مستقبل الأجيال المقبلة؟
استدانة من أجل المونديال
لكي يكون المغرب في مستوى الحدث، خصوصاً على مستوى البنيات الرياضية والسياحية، تحتاج المملكة لاستثمار ما يناهز 52 مليار درهم (5 مليارات دولار)، وفق دراسة صدرت عن "SOGE CAPITAL GESTION" حول الآثار المترتبة على تنظيم المغرب نهائيات كأس العالم 2030.
توضح الدراسة ذاتها، التي أُنجزت عام 2023، أن ميزانية الدولة ستعمل على تأمين 25 مليار درهم (نحو 2.5 مليار دولار أمريكي) لبناء ملاعب كأس العالم 2030، من المصروفات الإجمالية في ميزانيات الدولة للسنوات الممتدة من 2024 حتى 2030.
ويتوقع أن تلجأ المؤسسات الحكومية للقروض المصرفية أو سوق الدين الخاص للحصول على 17 مليار درهم لأغراض النقل والبنية التحتية، على أن تُوَفّر 10 مليارات درهم المتبقية عبر مساعدات من الدول أو قروض خارجية.
بينما يرفض المسؤولون الحديث عن المشاكل التي قد تتسبب بها الديون لتمويل مشاريع كأس العالم، فإنهم يعددون المكاسب التي ستحصل عليها المملكة من خلال هذا التنظيم المشترك لكأس العالم مع إسبانيا والبرتغال.
إذ قال الوزير المغربي المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، إن كأس العالم 2030 "لن يكون مجرد منافسة رياضية فحسب، بل فرصة لتقوية دينامية نمو الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة وخلق المزيد من فرص العمل".
تخوف من تفاقم المديونية
صادق الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بشكل رسمي على تنظيم المملكة المغربية كأس العالم 2030، لكي تكون بذلك المملكة ثاني بلد عربي وإفريقي، بعد قطر وجنوب إفريقيا، يحتضن هذا الحدث الرياضي الكبير.
ويتوقع أن يجني المغرب من تنظيم كأس العالم 2030 عدة مكاسب على المستويين السياسي والإشعاعي بشكل أساسي، إلا أن الأمر يعزز من جهة أخرى بشكل كبير التخوفات من تفاقم مديونية البلاد التي ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
إذ بلغت نسبة المديونية وفق معطيات البنك الدولي 153 في المائة خلال 13 عاماً الماضية، لتصل إلى 69.2 مليار دولار، وهو ما يعادل نصف الدخل القومي الإجمالي للبلاد.
وتمثل الديون طويلة الأجل حصة الأسد من ديون البلاد بنحو 70 في المائة، أغلبها في ذمة الحكومة ومؤسساتها وشركاتها، في حين تصل الديون القصيرة الأجل إلى نحو 10 مليارات دولار، علاوة على 3.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
أرقام "تدعو للخوف"
يرى المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن الأرقام فعلاً تدعو للخوف، ولكن في المقابل توجد قاعدة يستند عليها؛ وهي أن المديونية الموجهة نحو الاستثمارات لا تخيف، إذ سيكون هناك مردودية وقيمة مضافة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن مجموعة من المشاريع، وعمليات البناء، وتقوية البنيات التحتية، التي تحتاج فعلاً إلى قروض.
وفي غياب دراسة دقيقة حول المساهمة المرتقبة اقتصادياً من تنظيم المغرب كأس العالم 2030، تبقى الآراء مركزة بالأساس على الانتعاش المحتمل لقطاع السياحة، الذي يساهم حالياً بنسبة 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، باستقبال نحو 26 مليون سائح في أفق 2030.
يقول ساري في حديثه لـ"عربي بوست": "هذا الورش له آثار إيجابية على السياحة، إذ أصبحت عائدات القطاع أكبر مما كانت عليه وهو أمر جد مهم، إضافة إلى جاذبية الاستثمارات الخارجية التي بدأ يستعيدها المغرب عام 2024 بعدما كانت الحصيلة كارثية في السنوات الأخيرة".
ويتوقع المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن "يرتفع الناتج الداخلي الخام في أفق 2029 إلى 200 مليار دولار، ويبلغ الناتج الداخلي الخام حالياً نحو 144 مليار دولار".
تكلفة تنظيم كأس العالم 2030
من المتوقع أن تبلغ تكلفة كأس العالم 2030، التي تستضيفها المغرب وإسبانيا والبرتغال بشكل مشترك، ما بين 15 و20 مليار دولار أمريكي. وتشبه هذه التكلفة تكلفة كأس العالم 2026 في أمريكا الشمالية، لكنها أقل بكثير من 220 مليار دولار التي أُنفقت على كأس العالم 2022 بقطر.
وستغطي حصة المغرب من التكاليف، والتي من المتوقع أن تتراوح بين 5 و6 مليارات دولار، تنظيم 30 مباراة في ست مدن، إلى جانب استثمارات في البنية التحتية وتجديد الملاعب، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية مغربية.
وقدّر الاتحاد الدولي لكرة القدم التكلفة المتوسطة لكأس العالم 2030 بنحو 1.97 مليار دولار لكل دولة مضيفة، مع توقعات بتكاليف إضافية لتحديث الملاعب ومرافق التدريب والبنية الأساسية للنقل. وستساهم الحكومة المغربية بمبلغ 25 مليار درهم، مع تمويل إضافي من المؤسسات العمومية ومصادر أخرى.
وفي إسبانيا، من المتوقع أن تدر كأس العالم نحو 5.12 مليار يورو للاقتصاد، مع إنفاق سياحي يتجاوز 5.5 مليار يورو. وفي حين من المتوقع أن تصل تكاليف إسبانيا إلى 1.43 مليار يورو، فإن البلاد ستستفيد من انخفاض النفقات بسبب التنظيم المشترك.
وتقدر تكاليف كأس العالم 2030 بالنسبة لإسبانيا بنحو 1.43 مليار يورو، وتشمل النفقات الرئيسية حقوق البث (320 مليون يورو) ورواتب اللاعبين (240 مليون يورو).
ومن المتوقع أن تساهم البرتغال، باعتبارها واحدة من أصغر الدول المضيفة، بنحو 350 مليون يورو في التكاليف. ومع ذلك، فإنها ستستفيد من التأثير الإيجابي على ناتجها المحلي الإجمالي، والذي من المتوقع أن يتراوح بين 800 مليون إلى مليار يورو.
ومن المتوقع أن يبلغ عدد الزوار للمهرجان ما بين 300 ألف و500 ألف زائر، وأن يصل الإنفاق المحلي إلى ما بين 500 و660 مليون يورو. كما يُتوقع أن يخلق المهرجان 20 ألف فرصة عمل وأن يشهد تأثيرات إيجابية في السياحة وجودة القوى العاملة.
بينما كشف تقرير صدر مؤخراً عن شركة "فالوريس" للأوراق المالية، وهي شركة تحليل مالي ووساطة في البورصة المغربية، أن استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال يمكن أن يضخ 1.2 مليار دولار في الاقتصاد المغربي.
وبحسب التقرير، إذا استضاف المغرب ثلث إجمالي المباريات البالغ عددها 104، فقد يضيف ما بين 850 مليون دولار و1.2 مليار دولار إلى اقتصاده، حيث تساهم كل مباراة بما يتراوح بين 25 مليون دولار و37.5 مليون دولار.
ليس كل استثمار مربح
رشح المغرب 6 ملاعب لاستضافة مباريات نهائيات كأس العالم 2030، تتوزع على مدن طنجة وفاس ومراكش وأكادير والرباط والدار البيضاء. في هذه الأخيرة يُشيد ملعب "الحسن الثاني" الجديد، الذي انطلقت أشغال بنائه منذ يونيو الماضي بقدرة استيعابية تبلغ 115 ألف مقعد، ويكلف ميزانية قدرها 5 مليارات درهم.
يذهب أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، عمر الكتاني، إلى أن "البنيات الرياضية التي ينجزها المغرب والمحافظة عليها مكلفة. وبناء ملعب بحجم كبير جداً في بنسليمان (ضواحي الدار البيضاء)، لا يتناسب مع حجم السكان في المغرب، ولا مع حجم الطاقة الشرائية للشباب المغربي لتذاكر مشاهدة المباريات في الملاعب".
وأضاف الكتاني في تصريحه لـ"عربي بوست"، أنه "إذا أضفنا صيانة الملاعب الأخرى في الرباط وفاس وطنجة ومراكش وأكادير، فهي طريقة تدبير غير مبنية على تقييم للكلفة والإمكانيات والأولويات والضروريات ومصادر التمويل".
لهذا، "فكلمة الاستثمار التي يتم ترديدها يجب تدقيق محتواها، لأنه ليس كل استثمار مربح، وليس كل استثمار يمكن أن تكون كلفته أقل من مردوديته، وليس كل استثمار له أرباح طويلة المدى"، يردف أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط.
نموذج استغلال فاشل
وسبق لعدد من المتدخلين الحكوميين وغير الحكوميين أن نبهوا إلى ضرورة الاشتغال على تقوية المنظومة الاقتصادية الرياضية، خصوصاً بعد ملاحظات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (هيئة رسمية)، بكون الرياضة لا تحتل حتى الآن المكانة الجديرة بها في إطار السياسة التنموية للبلاد.
المجلس أوصى في رأيه حول اقتصاد الرياضة، إلى ضرورة تطوير منظومة الرياضة من مجرد قطاع ذي صبغة اجتماعية، والانتقال بها إلى قطاع قابل للاستمرار اقتصادياً ومنصف اجتماعياً. لذلك، تحتاج الصناعة الرياضية إلى بيئة منظمة تحكمها قواعد واضحة تتيح جذب الاستثمارات.
وسجل مدير مرصد العمل الحكومي (غير حكومي)، محمد جدري، أن "الاستثمارات المتعلقة بالمونديال ستعود بالنفع على المغاربة، ولكن المشكل على مستوى الملاعب، باعتبار النموذج الاقتصادي لاستغلال هذه البنيات الرياضية فاشل، خصوصاً أن الملاعب لا تُفتح في وجه العموم سوى مرة في الأسبوع أو مرتين في الشهر على أبعد تقدير".
يضيف جدري في اتصاله بـ"عربي بوست"، أن "هذه الملاعب تحتاج إلى إمكانيات مالية مهمة من أجل صيانتها والمحافظة عليها وعلى ديمومتها، ما يتطلب أن تتحول إلى فضاءات تتوفر على خدمات ترفيهية وتسويقية تستقطب الزوار طيلة أيام الأسبوع".
ما يعني أن "المطلوب اليوم أن تخلق الاستثمارات قيمة مضافة كبيرة، وبالتالي يجب اختيار استثمارات لها مردودية مرتفعة، لأن الإشكال الأساسي الذي نواجهه مرتبط بالفعالية والمردودية المحدودة في مجال الاستثمارات. والمغرب متأخر عن المعدل العالمي، بالاستناد إلى مؤشر ICOR الخاص بفعالية الاستثمارات العمومية"، يوضح المتحدث ذاته.