خلافات بين الأجهزة الأمنية المصرية مهدت له.. كيف أشعل حزب العرجاني الجديد الخلافات داخل أحزاب السلطة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/11 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/11 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني/ الموقع الرسمي للعرجاني

أحدث الاجتماع الذي عقده "اتحاد القبائل والعائلات المصرية" منذ أيام بهدف إنشاء حزب سياسي جديد يقوده رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، حالة من الغليان في أوساط الأحزاب السياسية، خاصة تلك الموالية للحكومة المصرية.

وجاءت مخاوف تلك الأحزاب بعد أن ظهرت معالم تشكيل ظهير سياسي جديد للحكومة بدلاً من القائم حالياً، والذي يقوده حزب "مستقبل وطن" صاحب الأغلبية بالبرلمان، ومعه حزب "حماة وطن" وعدد من الأحزاب الأخرى الضعيفة. وهو ما قاد إلى انقسامات وانشقاقات علنية وأخرى خفية كشفت عنها مصادر "عربي بوست".

شهد الاجتماع الذي عقده العرجاني طرح فكرة إنشاء حزب جديد يضم عدداً من الوزراء والمسؤولين السابقين، إلى جانب عدد من نواب البرلمان الحاليين والسابقين، وكذلك بعض الشخصيات التي لديها حضور شعبي وقبلي في المحافظات والأقاليم المصرية المختلفة.

ومن أبرز الأعضاء الذين سيضمهم الحزب الجديد: رئيس البرلمان المصري سابقاً علي عبد العال، ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، ووزير التنمية المحلية الأسبق عادل لبيب، ووزير البيئة الأسبق خالد فهمي، ووزير الزراعة السابق السيد القصير، ووزيرة التضامن الاجتماعي السابقة نيفين القباج.

أحد أبرز الأسئلة التي ظهرت على خلفية هذا الاجتماع كان عن السبب وراء الإعلان عن تأسيس هذا الحزب الآن تحديداً، وهو ما سعت "عربي بوست" للإجابة عنه من مصادر مختلفة.

حالة ضبابية لـ"مستقبل وطن"

قال مصدر مطلع بحزب "مستقبل وطن"، لـ"عربي بوست"، إن نواب الحزب بمجلسي النواب والشيوخ تلقوا عروضاً للانضمام إلى الحزب الجديد، وأن ذلك حدث تحديداً في محافظات الصعيد والمحافظات الحدودية البعيدة عن العاصمة القاهرة.

وحسب مصدر "عربي بوست"، فإن عروض الانضمام إلى الحزب الجديد شملت أيضاً قيادات الحزب ممن لم ينجحوا في الانتخابات الماضية أو كان لديهم تمثيل برلماني سابق ولديهم شعبية في مناطقهم، وهو ما أحدث أزمة كبيرة داخل حزب "مستقبل وطن".

وأوضح المصدر أن النواب بدأوا منذ منتصف 2024 تحركاتهم نحو الحصول على دعم حزب "مستقبل وطن" في الانتخابات المقبلة، وذلك بإدراجهم على قوائم الحزب. والآن هناك حالة من الضبابية حول مستقبل الحزب، وهو ما سرّع من وتيرة اتجاه عدد من النواب البارزين للتنسيق مع الحزب المزمع تأسيسه خلال العام المقبل.

وأشار المصدر ذاته إلى أن النواب يطالبون بالحصول على تطمينات تتعلق بمشاركة الحزب باعتباره ظهيراً سياسياً للحكومة في الانتخابات المقبلة من عدمه. ولا توجد إجابات حتى الآن من الجهات الحكومية حول شكل الانتخابات أو مدى الاعتماد على أي من الأحزاب التي تبقى قريبة منها.

وشدد المتحدث على أن ما يفاقم المشكلة وجود توقعات بخوض الانتخابات عبر القائمة النسبية لكي تمثل ثلث المقاعد والقائمة المغلقة المطلقة لتمثل الثلث الثاني، إلى جانب المقاعد الفردية. وبالتالي فإن مهمة وصول عدد من نواب الحزب إلى البرلمان ستكون أكثر صعوبة مع الاعتماد على القائمة المطلقة والمقاعد الفردية فقط خلال الانتخابات الماضية.

وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن العديد من النواب هددوا بالانسحاب المباشر من الحزب حال تلقوا عروضاً أكثر إيجابية لخوض الانتخابات عبر الحزب الجديد، خاصة أن الكثير منهم دفع ملايين الجنيهات كتبرعات لكي يحظى بدعم الحزب.

وأكد المتحدث أن التأخر في الإعلان عن الحزب الجديد تسبب في حالة من الارتباك، لأن كثيراً من النواب قد وفقوا أوضاعهم بشأن خوض الانتخابات على قوائم "مستقبل وطن".

وقال: "هؤلاء مقتنعون بأنه في حال حدثت هناك تحالفات حزبية بين الكيان الجديد المزمع تشكيله وبين حزب 'مستقبل وطن' وغيره من أحزاب الموالاة، فإن ذلك سوف يقلص من فرص تمثيلهم، في مقابل فتح الباب أمام وجوه جديدة أو أخرى قديمة للعودة مجدداً إلى المشهد البرلماني".

الرئيس المصري مع رئيس حزب
الرئيس المصري مع رئيس حزب "مستقبل وطن"

وذكر المصدر أن بعض النواب والأعضاء يفكرون في تقديم استقالاتهم من الحزب أملاً في الحصول على عروض بالترشح على قوائم الحزب الجديد، كما حدث خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مع عدد من الوجوه التي جرى استبعادها من مشهد برلمان 2020، وهو ما قد يؤدي إلى هزة كبيرة داخل الحزب قد تكون كفيلة بتراجعه وصولاً إلى اختفائه من المشهد العام بشكل نهائي أو استبداله بالحزب الجديد.

تأسس حزب مستقبل وطن في العام 2014، وذلك قبل عام واحد من إجراء الانتخابات البرلمانية في العام 2015 التي سيطر على أغلبية المقاعد داخلها، وخرج بصورة شبيهة لحزب "اتحاد مصر الوطني"، وهو الاسم المزعوم للكيان الجديد الذي يعمل العرجاني على تدشينه حالياً.

واعتمد الحزب على الجانب القبلي وكبار العائلات وقيادات الصفوف الثالث والرابع والخامس في الحزب الوطني الذي تم حله في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وكانت انتخابات مجلس النواب السابقة التي أُجريت في العام 2020 قد شهدت تصدر حزب "مستقبل وطن" للنتائج وحصده الأغلبية داخل البرلمان. وطبقاً لنتيجة الانتخابات، حصد الحزب 315 مقعداً، تلاه المستقلون بـ93 مقعداً، حيث فاز مستقبل وطن بـ145 مقعداً بنظام القائمة المُغلقة، بجانب 171 مقعداً بنظام الفردي.

وعلى مدار السنوات الماضية، لم ينجح الحزب في تحقيق جماهيرية تجعله ظهيراً للسلطة في مصر. وبالتالي، لم يرتبط بها بشكل مباشر ولم ينضم إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، مما دفع للاستعانة بحزب "حماة وطن" ليكون بجانب "مستقبل وطن".

صراع الأجهزة الأمنية

مصدر مقرب من أحد الأجهزة الأمنية في مصر أوضح لـ"عربي بوست" تفاصيل وكواليس ما يحدث في المنظومة السياسية والحزبية الحالية.

فقد كشف المصدر عن وجود "خلافات بين الأجهزة الأمنية والسيادية على أداء مستقبل وطن، وأنه فقد كثيراً من شعبيته وسط الناس"، وهو ما يعني ضرورة إيجاد بديل ملائم يمثل السلطة الحالية في مصر، ويتمتع بحضور وشعبية أكبر في الشارع.

كما أوضح المصدر كذلك أن "بعض أعضاء مستقبل وطن لهم صلات وثيقة بأحد الأجهزة الأمنية، وأن هناك جهات أخرى لا توافق على ذلك"، مشيراً إلى أن تلك الأجهزة "مقربة جداً من النظام الحاكم"، مما دفعها إلى قرار تدشين حزب جديد ولاؤه للنظام، وأعضاؤه يتمتعون بشعبية كبيرة لإعادة تسويق السلطة بين قطاع واسع من الناس.

حزب العرجاني.. الأقرب للسلطة

مع تأسيس الحزب الجديد، فإنه من المتوقع أن يكون أكثر ارتباطاً بالسلطة، لأن اتحاد القبائل والعائلات المصرية، الذي تم تسجيله كجمعية أهلية وينبثق عنه الحزب الجديد، اختار الرئيس المصري ليكون رئيساً شرفياً للاتحاد.

ونشرت وسائل إعلام محلية أخباراً عن نية الحزب الجديد تشكيل مجلس رئاسي له من 5 شخصيات سياسية، إلى جانب وزراء ومحافظين سابقين وبرلمانيين حاليين وشخصيات عامة. فيما يعود للواجهة مجدداً رئيس مجلس النواب المصري السابق، المختفي عن المشهد لنحو 4 سنوات، علي عبد العال.

كما يضم الحزب الجديد أحد قيادات الطرق الصوفية وهو السيد الإدريسي، شيخ الطريقة الأحمدية الإدريسية، وذلك على غرار ضم منافسه الأقدم في السلطة، الذراع السياسي للنظام حزب "مستقبل وطن"، لشيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادي القصبي، ممثل الهيئة البرلمانية للحزب بمجلس النواب، ورئيس "ائتلاف دعم مصر" في انتخابات 2020.

وضم الحزب الجديد نواباً في البرلمان الحالي بينهم مجدي مرشد، وهشام مجدي، ومارجريت عازر، وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان، إلى جانب عضو مجلس النواب عن مرسى مطروح والقيادي باتحاد القبائل المصرية والعربية أحمد رسلان.

تأزم الأوضاع في أقدم الأحزاب المصرية

تسبب الحزب الجديد في أزمة قد تتفاقم في الأيام المقبلة داخل حزب الوفد، وهو أقدم الأحزاب المصرية، والذي لديه مواقف مؤيدة للحكومة المصرية. فقد فصل رئيس حزب الوفد، عبد السند يمامة، نائبه سليمان وهدان الذي شارك في الاجتماع الذي دعا إليه العرجاني.

وقال عبد السند يمامة: "إن قراره بفصل عضو مجلس النواب ونائبه في الحزب سليمان وهدان جاء في أعقاب ظهوره بمؤتمر اتحاد القبائل والعائلات المصرية"، موضحاً أن النائب البرلماني خالف قانون الحزب الذي يحظر الجمع بين عضوية حزبين سياسيين، وأنه طالب نواباً برلمانيين تابعين لحزب الوفد بالانضمام للحزب الجديد.

بينما يصر سليمان وهدان على أن حديث رئيس حزب الوفد حول انضمامه للحزب الجديد غير واقعي، مؤكداً أن قرار الفصل لا يستند إلى أسباب وجيهة، وأن وجوده بالمؤتمر جاء لكونه عضواً مؤسساً في اتحاد القبائل.

وكشف مصدر مطلع بحزب الوفد لـ"عربي بوست"، أن الحزب يعاني أزمة قد تقضي على ما حققه من نجاحات خلال الانتخابات البرلمانية الماضية، حيث تمثَّل بـ36 نائباً. وأوضح المصدر أن ما يقرب من 20 نائباً قد استُقطبوا حتى الآن للحزب الجديد، وأن النائب سليمان وهدان قاد عملية التفاوض.

البرلمان المصري - رويترز
البرلمان المصري – رويترز

وأضاف المتحدث أن إبعاد وهدان عن الحزب سيترتب عليه فصل مجموعة أخرى من النواب ممن يثبت تنسيقهم للانضمام للحزب الجديد، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع داخل الحزب.

وأوضح المصدر ذاته أن عدداً من أعضاء حزب الوفد يتواصلون مع القائمين على قيادة الحزب الجديد لجس نبضهم بشأن إمكانية الانضمام إليه، شريطة أن يدعمهم الحزب في الانتخابات المقبلة. وذكر أن النقاشات داخل أروقة الحزب في الأيام الماضية أظهرت رغبة متزايدة في الانسحاب منه بسبب تفاقم الخلافات بين الهيئة العليا ورئيس الحزب الذي يقود الحزب بشكل منفرد.

وشدد مصدر "عربي بوست" على أنه إذا صدر حكم قضائي بحل الهيئة العليا لحزب الوفد نتيجة الدعوى المنظورة أمام القضاء ببطلان انتخابات الهيئة العليا، فإن الحزب سيدخل في موجة من عدم الاستقرار الداخلي، مما يؤثر على تكوين اللجان وأسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية المقبلة.

وأشار المصدر إلى أنه في حال صدور الحكم القضائي قريباً، فإن النتيجة الطبيعية ستكون اتجاه العديد من الأعضاء الذين لديهم رغبة في الترشح للبرلمان المقبل إلى الانضمام للحزب الجديد، خاصة بعد استقالة أحد أبرز الأسماء داخله، الإعلامي محمد مصطفى شردي، الذي لديه جذور عائلية قديمة في الحزب، دون أسباب معلنة حتى الآن.

غداء عمل أم استقطاب؟

من المقرر إجراء انتخابات مجلس النواب المصري (البرلمان) في نهاية عام 2025، قبل 60 يوماً من انتهاء مدة المجلس الحالي في يناير/كانون الثاني 2026، تطبيقاً لنص المادة 106 من الدستور المصري.

ويشترط قانون الأحزاب المصري تقديم إخطار للجنة شؤون الأحزاب (لجنة قضائية) مصحوباً بتوكيلات 5000 عضو من المؤسسين على الأقل، على أن يكونوا من 10 محافظات على الأقل، بما لا يقل عن 300 عضو من كل محافظة. ويُعتبر الحزب مقبولاً بمرور 30 يوماً على تقديم إخطار التأسيس دون اعتراض اللجنة.

وتسبب الحزب الجديد في أزمة أيضاً داخل حزب الوعي، بعد أيام قليلة من عودته للحياة السياسية بعد تجميده لسنوات، حيث شاركت إحدى أعضاء الهيئة التأسيسية الجديدة للحزب، النائبة السابقة مارجريت عازر، في الاجتماع الذي دعا إليه اتحاد القبائل العربية لمناقشة تأسيس الحزب الجديد.

وكشف مصدر مطلع بحزب الوعي أن قيادة الحزب لم تكن تعلم بمشاركة عازر في الاجتماع، وأن تحقيقاً داخلياً تم معها للتعرف على أسباب حضورها. وأشارت عازر إلى أنها لم تكن تعلم أن الاجتماع خُصص للتشاور بشأن الحزب الجديد، وأن الدعوة التي تلقتها كانت لحضور "غداء عمل". وأوضح المصدر أن الواقعة أثارت جدلاً داخل الحزب الجديد، لكن قيادته فضلت عدم معاقبتها لتجنب تشويه صورته مبكراً أمام الرأي العام.

وأضاف المصدر ذاته أن عازر أقنعت قيادة الحزب بأن جهات حكومية لديها رغبة في الاستفادة من خبراتها السياسية، لكنها لن تكون ضمن مؤسسي الحزب، مما ساهم في تهدئة الأزمة، خاصة أن حزب الوعي لديه صلات مع جهات حكومية وتوجهاته قريبة منها.

واعتمدت لجنة شؤون الأحزاب قبل أيام قرارات عودة حزب الوعي للحياة السياسية بعد سنوات من التجميد. وقد تأسس الحزب عام 2011، برئاسة المهندس محمود طاهر، رئيس النادي الأهلي السابق. ووفق بيانه الأول، يسعى الحزب إلى "إعادة الروح لليبرالية التي استهدفتها تيارات الإسلام السياسي بالتشويه لعقود".

تحميل المزيد