علمانية الدولة تثير الجدل في المغرب.. تفاصيل رسائل “عتاب” متبادلة بين وزير الأوقاف وبن كيران

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/04 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/04 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (يمين الصورة) إلى جانب العاهل المغربي/ أرشيف

نقاش نادر يدور حالياً في المغرب بين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض، عبد الإله بن كيران، على خلفية تصريح مثير للجدل للوزير المغربي في البرلمان قبل أيام، تحدث فيه عن العلمانية في المغرب.

إذ تسببت جملة "لأننا علمانيون" التي صدرت عن الوزير المغربي، وكانت خلال لقاء سابق جمعه بوزير الداخلية الفرنسي، في سجال على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً بين بعض رجال الدين المغاربة، قبل أن يدخل بن كيران على الخط منتقداً تصريحات التوفيق.

فما حقيقة ما صدر عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي بخصوص العلمانية في المغرب؟ وكيف تفاعل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية معها؟ وما الذي دفع التوفيق للرد على تصريحات بن كيران في رسالة "شكوى" خلفت ردوداً متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

جدل العلمانية في المغرب

بداية، لا بد من الرجوع إلى أصل تصريح الوزير المغربي الذي قال فيه "إننا علمانيون"، وهو التصريح الذي أدلى به في جلسة بمجلس النواب يوم الإثنين 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عندما كان يجيب الوزير المغربي على سؤال لأحد النواب المغاربة.

كشف التوفيق، أنه قال لوزير الداخلية الفرنسي، أثناء حديث جمعهما على هامش زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة إلى المغرب، إن "هم (يقصد الفرنسيين) مقتنعون أن الإسلام المغربي المعتدل في صالح الجميع"، ليرد عليه الوزير الفرنسي "العلمانية تصدمكم"، وهنا أجاب التوفيق قائلاً: "فقلت له: لا، لأننا علمانيون".

تحدث التوفيق عن تفاصيل لقائه بالوزير الفرنسي في سياق الحديث عن الصعوبات التي يواجهها المغرب في التأطير الديني لجاليته في أوروبا، ولفت إلى أن التعامل مع الوضع "ليس سهلاً، وطلب التأشيرات للمؤطرين الدينيين يبدأ 4 أشهر قبل رمضان".

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق

وبعد الجدل الذي أثارته تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطر التوفيق لتوضيح ما صدر عنه من تصريحات، في محاولة منه لتخفيف حدة الانتقادات التي طالته من قبل مواطنين ورجال دين وحتى بعض السياسيين.

ونقلت وسائل إعلام مغربية عن التوفيق قوله: "إن مخاطبي الوزير الفرنسي هو الذي قال لي ونحن نتحدث عن الإسلام في فرنسا: أتفهم أنكم تستغربون لعلمانيتنا، فأجبته: نفهم علمانيتكم ولا نستغرب لها لأننا علمانيون بمعنى أننا نعيش حرية التدين، إذ لا إكراه في الدين في الإسلام، فالدين يُمارس على أساس الحرية".

وحسب توضيح الوزير الذي نشره موقع "هسبريس" المغربي، أجاب التوفيق الوزير الفرنسي: "الفرق بيننا وبينكم أمران: الأول أنه ليست لدينا قوانين تفرض الفصل بين الدولة والدين من حيث المؤسسات، كما تنص على ذلك عندكم تشريعات 1905، والثاني أن نظام إمارة المؤمنين عندنا يقوم على الاستجابة لمطالب الناس حسب الالتزام في البيعة بالكليات الخمس".

وأضاف التوفيق: "أول تلك الكليات الخمس، حفظ الدين، فالدين هو الحاجة الأولى قبل الحاجات الأخرى التي تستجيب لها إمارة المؤمنين بكل لوازمها، وحتى من منظور الديمقراطية، فإن واجب الدولة أينما كانت هو أن تنصت للناس وتلبي رغباتهم بحسب الأولويات".

توضيح الوزير وانتقادات بن كيران

بينما اعتقد الوزير المغربي أن التوضيح سيضع حداً للنقاش الذي تسبب فيه "الفهم الخاطئ" لتصريحاته، خرج الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بتصريحات ينتقد فيها ما صدر عن التوفيق الذي كان وزيراً خلال رئاسة بن كيران للحكومة في الفترة ما بين 2012 و2017.

انتقادات عبد الإله بن كيران فتحت الباب لمواجهة نادرة بين وزير يشرف على إحدى "وزارات السيادة" في المغرب، والتي يشرف عليها أحمد التوفيق منذ أكثر من 22 عاماً، ومسؤول حزبي معروف بإثارته للجدل وانتقاداته اللاذعة لخصومه السياسيين.

إذ قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله: "إن المغرب دولة إسلامية وليست دولة علمانية"، وأشار إلى أن المغاربة "متمسكون بدينهم ودولتهم الإسلامية التي يقودها أمير المؤمنين"، وفق ما نقله موقع "صوت المغرب".

بن كيران قال في لقاء مفتوح بإقليم تارودانت (جنوب المغرب) الأحد 1 ديسمبر/كانون الأول 2024: "إننا لن نتنكر لأنفسنا، والمغاربة لن يتنكروا لأنفسهم، فالمغاربة مسلمون ومتمسكون بدينهم ودولتهم الإسلامية وليست العلمانية".

وأشار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى أن "ملك المغرب ليس بملك عادي، بل هو أمير المؤمنين"، وأضاف أن "هذا النعت ليس وليد اللحظة أو الماضي القريب، بل نتاج قرون عديدة، وهذا ما يبين أن المغرب دولة إسلامية".

"شكوى إلى الله" من التوفيق

رد أحمد التوفيق على انتقادات بن كيران لم يتأخر، وفي رسالة مطولة بعنوان "شكوى إلى الله"، عبّر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عن استنكاره لتصريحات بن كيران، حيث نُسب إلى الوزير قوله إن "الدولة المغربية علمانية"، وهو ما اعتبره التوفيق "بهتاناً وتحريفاً لكلامه".

في الرسالة التي نشر تفاصيلها موقع "العمق" المغربي، أشار التوفيق إلى أن بن كيران ذكر كلامه بطريقة فهم منها الجمهور أنه أقر بعلمانية الدولة، نافياً ذلك بشكل قاطع، وقال: "ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خادماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن".

وأوضح التوفيق أن مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تغيّر الحقائق المتعلقة بالدين ومكانته في الدولة المغربية، مشيراً إلى أن إمارة المؤمنين هي الضامن الأساسي لحماية الدين وقيمه القطعية، ومشدداً على أن هذا الدور لا يحتاج إلى "دفاع" في تجمعات حزبية أو أمام الجمهور.

وانتقد الوزير بشكل واضح لجوء بن كيران إلى التصريح العلني دون محاولة التثبت أو استفسار المعني بالأمر، قائلاً: "كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات (عجلى) قيلت في البرلمان، أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وماذا أردت أن أقول".

واعتبر الوزير المغربي أن هذا السلوك يعكس نزوعاً إلى الاتهام دون التثبت، مما يشكل، بحسب تعبيره، نوعاً من "البهتان" الذي يضر بالمصداقية السياسية والأخلاقية.

في رسالته إلى بن كيران، تطرق التوفيق إلى مقارنات بين النظام السياسي المغربي والنظم الغربية، لافتاً إلى أن الأحزاب السياسية العصرية، بما فيها حزب العدالة والتنمية، تعمل في إطار مقتبس من الأنظمة الغربية ذات الطابع العلماني.

وأضاف التوفيق أن بن كيران نفسه، خلال فترة ترؤسه للحكومة، اشتغل على إعداد وتنفيذ قوانين ومشاريع مستوحاة من مرجعيات غربية تخدم المصلحة العامة، مثل تكافؤ الفرص والحريات الفردية والمواطنة، مؤكداً أن ذلك لا يتعارض مع خصوصية النظام المغربي الذي يمزج بين هذه القيم الحديثة وحماية الدين عبر إمارة المؤمنين.

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله بن كيران
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله بن كيران

وقال التوفيق في هذا السياق: "أنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى (طيبة) متأصلة في مطبخ العلمانية".

ودعا التوفيق إلى اعتماد خطاب سياسي أكثر نضجاً ووضوحاً، قائلاً: "الواقع أننا نعيش في أوضاع مركبة ليست لنا لا الثقافة ولا الإرادة الصادقة للتميّز بقصد فهمها. وقع هذا منذ أن دخل حرف جرنا إلى جملة نظام صنعه الغير كما صنع أسلحة الغلبة، وكان بإمكاننا لو استطعنا أن نغزوه بالأخلاق. أما عدم التميّز فهو قصور في النضج السياسي الذي لا يأتينا بالتستر والنفاق".

وذكر التوفيق الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بأن السياسة المغربية قادرة على تقديم نموذج فريد يحل الإشكالات الفكرية المتعلقة بالعلاقة بين الدين والسياسة، شريطة أن تكون النوايا صادقة، وأن يُبتعد عن تحويل الدين إلى أداة للاستقطاب السياسي والشعارات الجوفاء.

واعتبر أن الأخلاق، في جوهرها، هي المعيار الحقيقي لنجاح أي مشروع سياسي أو ديني، مشيراً إلى أن هناك من المسلمين من يعجبون بأخلاق شعوب الدول العلمانية، وهو ما يعكس أهمية التركيز على الأخلاق في المقام الأول.

"عتاب" بن كيران للتوفيق

ساعات بعد رسالة "العتاب" التي وجهها التوفيق، رد بن كيران على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي برسالة أخرى، استمراراً لنقاش العلمانية في المغرب الذي بدأ مع تصريحات الوزير المغربي في مجلس النواب.

وقال بن كيران للوزير التوفيق: "لا أخفيك أن ما صرحت به بالبرلمان ساءني، ولكنني لم أرد عليك ساعتها وأنا لم أرد عليك إطلاقاً، ولكنني لاحظتُ أن جهات معادية ومغرضة أرادت أن تستغل تصريحك لتركب عليه وتقرر في أذهان الناس ما لا تقبله أنت ولا أنا".

واستطرد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في رسالته التي نشرها مساء الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الأول 2024: "فأنا أعرفك جيداً وأعرف قناعاتك المعتدلة والرصينة، ولو كنت أريد أن أرد عليك لفعلت ذلك في نفس اليوم".

وأضاف بن كيران: "لقد تجنبت أن أذكر اسمك، ولستُ أدري هل استمعت لكلمتي أم لا، وإن كنت لا أخفي أن لها صلة بتصريحك، ولكن المقصود بها مباشرة هم المستغلون سيِّئو النوايا الذين يتربصون بالبلد وبمرجعيته وثوابته الدوائر".

وأعرب بن كيران عن اعتذاره للتوفيق قائلاً: "إن كنتُ اليوم أتأسف إن ساءك تصريحي، فإنني أؤكد لك أنك لست المقصود به، وإنما الذين أرادوا استغلاله لأغراض سيئة في أنفسهم. فإني أعلن أنني متمسك بتصريحي ومعتز به، وإن كنت قد شعرتَ بأي إساءةٍ فأنا أعتذر لك علانية ومباشرة، وكلمتك لم تغير موقفي منك قيد أنملة، ولا أشك أن صدرك سيتسع لاستيعاب ما قلته لك".

وبخصوص ما أثاره التوفيق في رسالته من نقاش حول الحوار بين ما هو إسلامي في الدولة المغربية وما يمكن أن ينعت بأنه من خلفية علمانية، رد بن كيران بالقول إن مثل هذا النقاش "موضعه وقت آخر وظرف آخر نرجو أن يجود الزمان به".

ولم يفت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن يعاتب التوفيق، إذ آخذه على عدم الاتصال به قبل الرد على تصريحه المثير للجدل، قائلاً: "بقي فقط أن أشير إلى أنني إن لم أكن قد اتصلت بك، فأنت كذلك لم تتصل بي. وسامحنا الله جميعاً، والسلام".

تحميل المزيد