تمضي الحكومة المصرية للمصادقة على تعديلات جديدة تنص على فرض عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية كبيرة على كل من ثبت تورطه في سرقة التيار الكهربائي في مصر.
وتسلك الحكومة المصرية الردع والتخويف بدلاً من النظر إلى الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى وجود فاقد كبير في استهلاك الكهرباء، دون أن تدخل إلى الوزارة العوائد المالية المنتظرة رغم مضاعفة أسعار الكهرباء مرات عديدة خلال السنوات الماضية.
وكان مجلس الوزراء المصري قد وافق على مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر بالقانون رقم 87 لسنة 2015، وذلك بهدف تغليظ العقوبات بشأن جرائم الاستيلاء على التيار الكهربائي، واستيفاء حقوق الدولة.
وضاعفت الحكومة العقوبة السجنية التي أصبحت لا تقل عن سنة وتضاعفت الغرامة إلى 10 مرات وأصبحت تتراوح بين 100 ، 000 ومليون جنيه مصري.
وتعاني مصر من أزمة طاقة عانت منها البلاد خلال الصيف الماضي نتيجة تراجع الإنتاج المحلي وشح العملة الصعبة التي قادت لتأخر الاستيراد من الخارج قبل أن تُعلن انتهاء إجراءات تخفيف الأحمال.
في هذا التقرير سنرصد بالاعتماد على مصادر "عربي بوست" الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى وجود فارق كبير بين كلفة إنتاج الكهرباء والمداخيل التي يحققها.
لسنا بحاجة لقانون جديد
يقول مصدر مطلع بوزارة الكهرباء، إن التعديلات الأخيرة التي سيقرها البرلمان خلال دور الانعقاد الحالي، وقبل بداية العام الجديد، استهدفت استخدام سلاح الردع سواء كان ذلك بحق السارقين أو الموظفين.
وقال المصدر نفسه لـ"عربي بوست" إن الموظفين يتساهلون مع المواطن السارق مقابل حصوله على رشاوى، مضيفاً أن الوزارة ستشدد إجراءات المتابعة من جانبها في محاولة للحد من السرقة.
وأضاف المصدر ذاته، أن قدرة الوزارة على الحد من السرقات تبدو ضئيلة، لأنها ليس لديها عدد كافي من الموظفين ليرصدوا حالات السرقة.
وأشار إلى أن أغلب حالات السرقة يتم رصدها في الأحياء الشعبية التي يضعف فيها حضور موظفي شركة الكهرباء، ورغم تمتعهم بالضبطية القضائية فهؤلاء الموظفين يتعرضون لاعتداءات.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن الموظفين في العديد من الحالات يتعاطفون مع المواطنين نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر منها البلاد.
وأشار المصدر ذاته إلى أن التعامل مع سرقات الكهرباء ليس بحاجة إلى قوانين جديدة، وأن التعويل يجب أن يكون عبر تعزيز وسائل تطبيق القانون من جانب، وسد ثغرات الفساد داخل وزارة الكهرباء من جهة ثانية.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن فساد الوزارة ووحداتها المحلية في المحافظات تعد سبباً حقيقياً للخسائر المالية الضخمة لشركات الكهرباء بشكل مستمر على الناحية الأخرى.
المواطن يدفع فاتورة الشركات والفنادق الكبرى
وصلت نسبة فقد التيار الكهربائي في مصر ما بين 25-30% بقيمة 30 مليار جنيه، ووفق تصريحات لوزير الكهرباء محمود عصمت، الذي أرجع الأسباب إلى فني بسبب تقادم بعض المعدات والكابلات الموجودة بشركات الكهرباء، والثاني نتيجة سرقة التيار.
وأكد رئيس أحد شركات الكهرباء سابقا، لـ"عربي بوست" أن وزارة الكهرباء تخسر سنويا عشرات المليارات نتيجة ما يُعرف باسم تعاقدات "كبار المشتركين"، وهؤلاء يتمثلون في المصانع والشركات الكبرى وعدد كبير من الفنادق حول الجمهورية.
وأضاف المصدر نفسه أن هذه المؤسسات هذه القطاعات تحصل على تخفيضات بعضها بشكل رسمي لكن الأغلب غير رسمي وهذه الأخيرة تتم عبر رشاوى مقابل عدم إصدار فواتير ضخمة، وهذه المؤسسات لا تدفع ربع قيمة ما تحصل عليه من كهرباء.
وكشف المصدر أن هذه المصانع والشركات والفنادق استفادت بشكل كبير من الطفرة التي حققتها الدولة المصرية على مستوى تشييد محطات الكهرباء العملاقة خلال العشر سنوات الماضية، وأضحت لا تعاني مشكلات في توفير الكهرباء إليها، لكنها في المقابل لا تدفع مقابل ما تحصل عليه.
وأضاف أن هذه يرجع بالأساس إلى حالة الترهل التي يعانيها قطاع التفتيش بوزارة الكهرباء وكذلك داخل شركات التوزيع، وفي المقابل يدفع المواطن البسيط تلك الفاتورة.
وفسر المتحدث أن فاتورة المواطن تُمثل أكثر مما يستهلك وذلك لتخفيف الأحمال أو مع الاستمرار في رفع قيمة فواتير الكهرباء، وهو ما يؤدي في النهاية لزيادة معدلات سرقة التيار من المواطنين غير القادرين على سداد رسوم الكهرباء.
وشدد على أن هناك مدينة مثل المنصورة أثبتت التحقيقات أن بها ستة فنادق تحصل على التيار الكهربائي دون أن يكون لديها عدادات كهرباء وتسرق من التيار العمومي وتكفي بسداد 3000 جنيه شهريا وهو مبلغ يمكن أن تدفعه شقة واحدة الآن في حين أنها تستهلك كهرباء تقدر قيمتها بملايين الجنيهات.
لافتا إلى أن التحقيقات أثبتت أن محصلي الكهرباء والقائمين على عملية المتابعة داخل شركة الكهرباء التابع لها هذه الفنادق حصلوا على رشاوى وسهلوا عملية سرقة الكهرباء طيلة السنوات الماضية.
وقال لـ"عربي بوست" إن غياب الرقابة وعدم خشية الموظفين من وقوفهم أمام القانون يدفع نحو تعزيز عمليات السرقة التي يعد سببها الرئيسي الفساد المنتشر.
فساد داخل شركة الكهرباء
وسرقة الكهرباء تعني الحصول على وصلات غير شرعية، سواء من المصدر الرئيسي للطاقة في الحي أو باستهلاك الكهرباء دون عداد، أو استخدام عداد يتم التلاعب فيه بحيث لا يحسب قيمة الاستهلاك الفعلي.
وكلّف توفير الكهرباء مصر خلال صيف 2024 وفق تصريح سابق لرئيس الوزراء المصري 2.5 مليار دولار، بعدما كان تقدير الحكومة أنه سيحتاج 1.180 مليار دولار.
وأوضح مصدر مطلع بإحدى شركات الكهرباء، أن إجمالي ما تفقده وزارة الكهرباء نتيجة السرقات يضاهي تقريبا ما يتم سرقته جراء تفشي الفساد داخل الكثير من شركات توزيع الكهرباء.
وقال إن الفساد داخل الوزارة يبدأ من لجان التفتيش في الشركة القابضة بهدف كشف كافة أشكال الفساد المالي والإداري بالشركات، إذ يتم استقبالها في فنادق خمس نجوم ويتم ذلك تحت بند "توفير الإقامة اللائقة".
وأشار إلى أن الرحلة الواحدة يمكن أن تكلف أكثر من 300 ألف جنيه ويحدث ذلك بشكل دوري شهرياً داخل 9 شركات لتوزيع الكهرباء على مستوى الجمهورية، وأن وزير الكهرباء الحالي أصدر قراراً الشهر الماضي قضى بأن يكون استقبال هذه اللجان داخل استراحات الشركات لتدبير النفقات.
وذكر أن الجهات الرقابية انتبهت أخيراً لوجود مخالفات مالية بشأن مديونيات إحدى شركات الكهرباء إلى وزارة البترول إذ إن المبلغ الذي ذكرته الشركة لم يتطابق مع القيمة الحقيقية للوقود الذي حصلت عليه وكشفت التحقيقات عن وجود فساد مالي قيمته 400 مليون جنيه.
وأثبتت التحقيقات أن هذه الأموال جرى توجيهها لتقليل فقد الكهرباء ما يشير إلى أن عمليات السرقة تتم من خلال شركة الكهرباء، فيما لا تشكل سرقة المواطنين للتيار نسبة لا تتجاوز 10% من إجمالي السرقات.
وقدر حافظ السلماوي الرئيس التنفيذي الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، أن نسبة الفقد في التيار الكهربائي لشبكة كهرباء مصر، تصل إلى 15% من إجمالي حجم الإنتاج.
وتقسم هذا الفقد بين 7-8% لأسباب فنية، والنسبة المتبقية للفقد التجاري، ويشمل سرقة التيار الكهربائي والوصلات غير الشرعية ودقة العدادات الكهربائية نتيجة تقادمها، ويكلف الفقد التجاري نحو 35 مليار جنيه.
وفي شهر أغسطس/ آب 2024 زادت أسعار الكهرباء للمنازل بما يصل إلى 50%، مع تقليص الحكومة تدريجيا للدعم في إطار خطة إصلاح اقتصادية واتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وشهدت أسعار الكهرباء في مصر تغيُّرات سعرية على مدار السنوات العشر الأخيرة، وصلت إلى 673%، على إثر زيادة أسعار الوقود.
البحث عن العائد المالي
وقال مصدر مطلع بشركة كهرباء شمال القاهرة، إن حالة السرقة من جانب المواطنين تضاعفت خلال العامين الأخيرين نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء، ومع التحول بنسبة كبيرة إلى العدادات مسبوقة الدفع التي يسهل اختراقها تكنولوجيا.
وأضاف المتحدث إن هناك مافيات تتولى مهمة فتح العداد والتلاعب بمكوناته في الدوائر الداخلية لتقليل كمية الكهرباء المسجلة، حيث يتم تركيب مقاومات كهربائية داخل العداد تعمل على تقليل كمية الاستهلاك المسجلة.
وحسب المتحدث يقوم البعض بإتلاف مكونات البوردة الخاصة بالعداد مما يعطل عملية حساب الاستهلاك بدقة، ومن بعض وسائل السرقة أيضا استخدام جهاز تحكم عن بعد لإيقاف العداد عن العمل وإعادة توصيل التيار مباشرة.
وأشار إلى أن الحملات الأمنية التي تشنها مباحث الكهرباء لا تحقق المردود الإيجابي لأن الأمر يتعلق بملايين الوحدات السكنية التي يصعب التأكد من عدم مخالفة أي منها.
وكشف أن الأيام المقبلة ستشهد تكثيف عمل لجان المتابعة الميدانية تزامنا مع مضاعفة العقوبات وتهدف الحكومة للاستفادة ماديا من هذه الجرائم.
وشدد على أن تعليمات وزارة الكهرباء تتضمن أهمية القيام بجولات تفقدية وزيارات مفاجئة للشركات وعقد اجتماعات بصفة دورية مع رؤساء شركات التوزيع والنواب ورؤساء القطاعات للوقوف على مستوى الأداء الفني والتجاري لرفع مستوى الأداء في شركات التوزيع على مستوى الجمهورية.
وتعود سرقات الكهرباء لعشرات السنين والتي شهدت تطورا كبيراً في ظل التقدم التكنولوجي، وتحاول الحكومة الحد منها عبر تركيب العدادات مسبقة الدفع في المدن الجديدة.