عادت أزمة اختفاء بعض الأدوية من رفوف الصيدليات المغربية إلى الواجهة مجدداً، حيث تعاني السوق المحلية من نقص حاد في أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، مثل أدوية القلب والشرايين، علاجات التجلط، وأدوية السرطان، وباتت أزمة الدواء في المغرب تهدد آلاف المرضى.
في العام الماضي، سجل المغرب نقصاً بنحو 400 دواء في الصيدليات، نصفها من إنتاج الشركات الاحتكارية. واستمرت الأزمة خلال 2024، خاصةً في الأشهر الأخيرة، مع غياب عدد كبير من الأدوية الضرورية لمرضى الأمراض المزمنة.
واعترفت الحكومة المغربية بوجود هذه الأزمة، حيث أقرّ الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أمام البرلمان بأن "أسعار بعض الأدوية في المغرب مضاعفة بنحو أربع مرات مقارنة مع دول أخرى".
اضطرابات التوريد وخروقات في القطاع
لم يقتصر نقص الأدوية على تلك المخصصة للأمراض المزمنة، بل شمل أيضاً أدوية أخرى مثل العلاجات المضادة للتجلط وأدوية الأمراض النفسية والنادرة، مما يهدد صحة المرضى الذين يعتمدون عليها بشكل يومي.
وفقاً لهشام الخرمودي، خبير السياسات الدوائية، فإن أزمة الدواء في المغرب تعود إلى اضطرابات سلاسل التوريد العالمية منذ جائحة كورونا، وزادت حدتها بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، التي تسببت في نقص المواد الأولية المستخدمة في تصنيع الأدوية.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات في مارس 2023 رصد اختلالات كبيرة في منظومة الأدوية بالمغرب، أبرزها أن 25% من الأدوية في وضع احتكاري. وأشار إلى هيمنة 15 مختبراً على 70% من سوق الأدوية، مع وجود احتكارات مركزة وثنائية وشبه مهيمنة.
كما أوضح تقرير سابق لمجلس المنافسة أن سوق الأدوية يعاني من غياب الشفافية، وافتقار البلاد لسياسة عمومية فعّالة بشأن الأدوية الجنيسة، بالإضافة إلى ضعف شبكة التوزيع.
وأشار التقرير إلى انخفاض عدد الأدوية المنتجة محلياً لصالح المستوردة، بسبب تعقيدات المساطر الإدارية التي تتطلب ثلاث سنوات للإنتاج المحلي، مقابل تسهيلات لاستيراد الأدوية الجاهزة، التي تُباع بأسعار باهظة تحت حماية الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وبدعم من بعض صناع القرار.
سياسات الدولة في قفص الاتهام
يؤكد الخرمودي أن الدواء الجنيس قد يكون حلاً لتأمين سوق الأدوية بالمغرب. غير أن حصته حالياً لا تتجاوز 34% من إجمالي الأدوية المستهلكة. ويرى أن تعزيز الدواء الجنيس يتطلب التغلب على تحديات مثل تقادم البنية الصناعية، التي لا تلبي معايير تصنيع الأدوية الحديثة.
وأضاف الخرمودي أن المرسوم الوزاري الخاص بتحديد مسطرة أثمان الأدوية، الصادر عام 2013، فشل في معالجة الأزمة، مشدداً على ضرورة مراجعته بشكل تشاركي مع الفاعلين في القطاع لتجنب تكرار الأخطاء السابقة.
ورغم أن المرسوم هدف إلى تخفيض أسعار الأدوية لتحسين وصول المواطنين إلى العلاج، إلا أنه أدى إلى آثار جانبية، مثل غياب العديد من الأدوية عن السوق.
إذ أدى انخفاض هامش الربح للمصنعين والمستثمرين، بعد تخفيض الأسعار، إلى توقف بعض الشركات عن تصنيع أو استيراد الأدوية التي أصبحت غير مربحة، خاصة بالنسبة للأدوية ذات التكلفة العالية، مفضلة التركيز على أدوية أخرى أكثر ربحية.
كما أن الشركات المحلية التي كانت تعتمد على أرباحها لتطوير إنتاجها، وجدت نفسها غير قادرة على التكيف مع هوامش الربح المنخفضة، مما أثر على قدرتها على إنتاج أدوية معينة أو الاستثمار في تصنيع أدوية جديدة، وهو ما وجد معه المغاربة صعوبة في الحصول على بعض الأدوية، مما دفع بعضهم للبحث عنها في الأسواق السوداء أو السفر إلى الخارج.
ومن سلبيات مرسوم 2013 كذلك، غياب رؤية واضحة لضمان التوازن بين تخفيض الأسعار وتوافر الأدوية، وهو ما أثر على استمرارية التوريد، حيث لم تُوضع بدائل أو حوافز للشركات لتعويض خسائرها.
وأكد الخرمودي على أن التشريع الوطني للأدوية والصيدلة في المغرب، من خلال القانون 17.04 الذي ينص صراحة على ضمان تزويد السوق الوطنية بالأدوية بمخزون كافٍ لمدة 3 أشهر على الأقل، يشدد على ضرورة الدولة مراقبة سوق الأدوية بالمغرب، سواء من حيث التصنيع أو المخزون أو الاستيراد.
أزمة الدواء في المغرب وارتفاع الأسعار
طالبت نقابات الصيادلة بالمغرب بالسماح باستخدام الأدوية الجنيسة وتحديث القوانين لتعزيز الإمدادات الدوائية، وكذلك من أجل تعزيز القدرة الشرائية لدى المواطن، عبر تخفيض أسعار الأدوية، خاصة بعد إقرار الحكومة المغربية أخيراً بارتفاع أسعار الأدوية في المغرب من 3 إلى 5 مرات أو أكثر مقارنة بالدول الأخرى.
الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة أكدت أن الحكومة بالرغم من هذا الإقرار تبقى عاجزة أمام لوبي شركات الأدوية التي تحقق أرباحاً خيالية على حساب صحة وحياة المرضى، متسائلة عمن يقوم بحمايتها.
وأوردت الشبكة لـ"عربي بوست" أنه رغم إعفاء الأدوية والمواد الأولية التي تدخل في تركيبها وكذا اللفائف غير المرجعة من الضريبة على القيمة المضافة 7% منذ فاتح يناير 2024، ظلت شركات صناعة الأدوية في المغرب تواصل مراكمة الأرباح على حساب جيوب المواطنين وصحة وحياة المرضى، وظلت تفرض عبئاً ثقيلاً سواء عند شرائها مباشرة من الصيدليات أو من خلال تغطيتها بتعويضات صناديق الحماية الاجتماعية.
كما ظل هامش الربح في المغرب مرتفعاً جداً، ثاني أكبر هامش ربح في شمال أفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط، وهو ما وصفه تقرير الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي وإدارة الجمارك المغربية بـ"جنة الأسعار الباهظة للدواء التي تستفيد منها الشركات المتعددة الجنسيات، وهو ما يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة".
وبقيت بعض الشركات تفرض أسعاراً خيالية لا علاقة لها لا بالتكلفة ولا بأسعار الأدوية أو المواد الأولية التي تُجلب من الهند أو الصين أو مصر بأسعار أقل ثلاث مرات أو أكثر، لتصبح أسعار الأدوية بالمغرب أغلى من نظيرتها في كل من بلجيكا وفرنسا بنسب مرتفعة بـ3 أو 4 مرات، خصوصاً تلك المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة والخطيرة.
وهناك أدوية أعلى من مثيلاتها في دول أخرى، كأدوية السكري والربو وضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والسرطانات، التي تتراوح أرباحها ما بين 30 إلى 250%.
وعلى سبيل المثال، يبلغ سعر دواء التهاب الكبد الفيروسي ما بين 3000 درهم (نحو 300 دولار) و6000 درهم (نحو 600 دولار)، في حين لا يتجاوز سعره 800 درهم (80 دولاراً) في مصر، وهناك اختلاف كبير بين أثمنة نفس الدواء المستورد تحت علامات تجارية مختلفة، بل إن بعض الأدوية الجنيسة سعرها يفوق سعر دواء أصيل في بعض الدول.
سوق الأدوية في المغرب بالأرقام
في إطار تعميم الحماية الاجتماعية والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ارتفع متوسط الاستهلاك الفردي للدواء من 350 درهماً إلى 580 درهماً. يشكل الدواء الجنيس حصة ضعيفة تمثل أقل من 34% من مجموع الأدوية المستهلكة.
وحسب الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، يبلغ إنفاق المغاربة على الأدوية حوالي 21.468.4 مليون درهم، وبالحجم حوالي 12.26 صندوقاً لكل ساكن سنوياً.
وأضافت أن صناعة الأدوية بالمغرب تواصل نموها، حيث بلغ حجم مبيعاتها السنوية 17 مليار درهم سنة 2024، وعلى الرغم من عدم توفر أرقام حقيقية عن أرباح شركات الأدوية، فإنها تحقق أرباحاً كبيرة جداً.
علماً أن حصة الدواء الجنيس تمثل أقل من 40% من مجموع الأدوية المستهلكة، في حين ما زال الدواء الأصلي مهيمناً، مقارنة بالمعدل الدولي الذي يمثل 58% و70% في فرنسا و80% في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. تختم المنظمة.