إسرائيل لم تلتزم باتفاق “منسق” توسطت فيه روسيا.. كواليس الهجوم على إيران واحتمالات الرد

عربي بوست
تم النشر: 2024/10/31 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/10/31 الساعة 12:57 بتوقيت غرينتش
منظومات دفاع جوي إيرانية تحرس محطة نطنز النووية الإيرانية 2006/ Open source photo

سعت طهران خلال الأيام الماضية للتقليل من الهجوم الإسرائيلي على إيران واستهداف منشآت عسكرية حساسة، ردًا على الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، الذي شنته طهران ردًا على اغتيال إسرائيل كل من إسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله، والقائد في فيلق القدس عباس نيلفروشان.

بعد الهجوم مباشرة، دأب المسؤولون الإيرانيون على التقليل من أهمية وخطورة الهجوم الإسرائيلي على إيران، وزعموا أن الدفاعات الجوية الإيرانية قد تصدت لأغلب الهجمات الإسرائيلية، بينما قالت تل أبيب إنها استهدفت عشرين موقعًا عسكريًا داخل الأراضي الإيرانية، باستخدام 100 طائرة حربية.

"عربي بوست" تواصل مع مجموعة من المصادر الأمنية والسياسية الإيرانية المطلعة لمعرفة ما الذي دار في الكواليس قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران وبعده ودور أمريكا وروسيا في ذلك، وما خلفه من خسائر في البنى العسكرية الإيرانية، كما وقف عند احتمالات الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي.

هجوم محدود بضمانات روسية

قال مصدر أمني رفيع المستوى مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه نظرًا لحساسية الموضوع، "كان هناك الكثير من الرسائل التي وصلت لطهران في الفترة التي سبقت الهجوم الإسرائيلي، قام الأمريكان بالتواصل معنا عن طريق وسطاء في المنطقة، وطلبوا قبول هجوم إسرائيلي محدود مقابل وعود أمريكية بتخفيف بعض العقوبات".

لكن وبحسب المصدر ذاته، رفضت طهران في البداية العرض الأمريكي، وقال مصدر دبلوماسي إيراني مقرب من وزير الخارجية عباس عراقتشي، "شكت القيادة الإيرانية في العرض الأمريكي، واعتبرته فخًا لإيران، ومحاولة من واشنطن لتوريط إيران مقابل إغراء حكومة بزشكيان بتخفيف العقوبات، لذلك تم رفض المقترح الأمريكي".

ولكن جاءت الوساطة الروسية لتحل أزمة الثقة بين واشنطن وطهران، وبحسب مسؤول حكومي إيراني رفيع المستوى مطلع على الأمر، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقائه بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أخبره بأن موسكو على استعداد للتوسط بين طهران وتل أبيب، لتوجيه ضربة إسرائيلية محدودة على الحدود الإيرانية، لإنهاء دائرة الرد الانتقامي.

وفي هذا الصدد، قال المسؤول الحكومي الإيراني المطلع لـ"عربي بوست"، "رحب بزشكيان بالوساطة الروسية واعتبرها بادرة على تقليل التصعيد المتبادل، وتم عرض هذا الأمر على المؤسسة السياسية ووافقت، وتمت مناقشة تفاصيل الضربة المنسقة مع الجانب الروسي الذي بدوره قام بإبلاغ الإسرائيليين".

وبحسب المصادر الإيرانية المطلعة والتي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن ما وافقت عليه طهران، هو قيام إسرائيل بضرب أربعة مواقع عسكرية إيرانية، على الحدود الإيرانية العراقية، يستخدمها الجيش الإيراني والحرس الثوري من وقت لآخر لمراقبة الحدود فقط… وأبلغت طهران روسيا بإحداثيات المواقع الأربعة لإرسالها إلى إسرائيل.

بزشكيان مع بوتين قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران
بزشكيان مع بوتين قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران

وقال الدبلوماسي الإيراني المطلع لـ"عربي بوست"، "في نفس الوقت أبلغت حكومة بزشكيان، واشنطن أنها قبلت بعرض الضربة المحدودة المنسقة، ورحبت واشنطن بالموافقة الإيرانية مع الكثير من التعهدات الأمريكية".

وبحسب المصدر ذاته، فإن إدارة جو بايدن، أبلغت طهران بأنها بقبولها "ضربة منسقة محدودة"، وعدم قيام إيران برد على الهجوم الإسرائيلي، أو تأجيل الرد الإيراني لبعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ستقوم إدارة بايدن بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على تصدير النفط الإيراني، والسماح لإيران بتصدير كميات أكبر من نفطها دون قيود أو مضايقات أمريكية.

كما أنه من الممكن أن تعمل إدارة جو بايدن على إلغاء تجميد بعض الأموال الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات الأمريكية، في المرحلة الانتقالية بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأضاف المصدر "كما وعد الأمريكيين بالعمل على وقف إطلاق النار في غزة ولبنان في المقام الأول، إذا وافقت طهران على قبول الضربة الإسرائيلية المحدودة والمنسقة دون رد إيراني".

وحصلت طهران على ضمانات أخرى من موسكو، بمساعدتها في دفاعها وصد أي هجمات إسرائيلية غير المتفق عليها، وفي هذا الصدد، قال مصدر عسكري من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد لأنه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام، "وعد الرئيس بوتين، بزشكيان بأن روسيا ستقوم بتفعيل دفاعاتها الجوية في بحر قزوين في حال قامت إسرائيل باستهداف أماكن أخرى غير المتفق عليها".

وأضاف المصدر ذاته قائلاً "في الحقيقة ساعدتنا موسكو كثيرًا هذه المرة، من خلال الأقمار الصناعية التجسسية الروسية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التحركات الإسرائيلية في المنطقة قبل الهجوم على إيران".

استعداد إيراني لأي مفاجأة إسرائيلية

وبحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، أبلغت موسكو، تل أبيب بالموافقة الإيرانية على ضربة منسقة محدودة، ووافقت إسرائيل.

ويقول المصدر الأمني الإيراني لـ"عربي بوست"، "بعد موافقة إسرائيل، و إبلاغنا بالموعد التقريبي من قبل الروس، أمر خامنئي في اجتماع طارئ مع القادة العسكريين بعدم إعطاء الأمان للوعود الأمريكية والإسرائيلية، وتجهيز الدفاعات الجوية الإيرانية في مختلف أنحاء البلاد".

وكما توقع القادة الإيرانيون، لم تلتزم إسرائيل بالأماكن المحددة التي وافقت طهران على استهدافها، وقامت إسرائيل باستهداف عدد من المواقع العسكرية داخل الأراضي الإيرانية، وفي محافظات عدة مثل طهران، خوزستان، إيلام.

ويقول المصدر الأمني الإيراني لـ"عربي بوست"، "كان سبب موافقتنا على ضربة منسقة هو استهداف أماكن عسكرية خارج الأراضي الإيرانية، وأبلغنا الروس والأمريكان أنه طالما كان الاستهداف على الحدود الإيرانية فإن الرد الإيراني يمكن تأجيله أو تعطيله لوقت طويل، ولكن إذا قامت إسرائيل باستهدافات داخل الأراضي الإيرانية، فسيصبح الجميع في مأزق، وللأسف لم يتم الوفاء بالوعود ولا الأخذ بالتحذيرات الإيرانية".

وأضاف المصدر ذاته قائلًا "لم نتوقع من الأمريكان والإسرائيليين الوفاء بوعودهم، أو أي اتفاقيات مسبقة، وأخبرنا الروس بذلك، ونعلم أن الإسرائيليين وافقوا على الاتفاق المسبق لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيسهل عليهم استهداف أماكن عسكرية هامة، لأننا لن نكون جاهزين، ولكننا استطعنا التصدي لكثير من الصواريخ الإسرائيلية والطائرات بدون طيار التي تحمل المتفجرات".

وبحسب المصدر الأمني الإيراني، لم تكتفِ إسرائيل باستهداف الأماكن العسكرية الإيرانية بالصواريخ الباليستية التي تم إطلاقها جوًا من الطائرات، بل كانت هناك طائرات بدون طيار صغيرة محملة بالمتفجرات تم إطلاقها من داخل البلاد باتجاه مواقع أنظمة الدفاع الجوي لتعطيلها.

وهذا ما أكده المصدر العسكري من الحرس الثوري، والذي قال لـ"عربي بوست"، "عملاء الموساد داخل إيران لعبوا دورًا في هذا الهجوم، التحقيقات أظهرت أن هذه المسّيرات تم إدخالها إلى الأراضي الإيرانية عبر دولة أذربيجان، وتتم الآن ملاحقة عملاء الموساد داخل إيران".

ما هي أضرار الهجوم الإسرائيلي على إيران؟

تعمل كلاً من وسائل الإعلام الإيرانية والمسؤولين الإيرانيين على التقليل من حجم الهجوم الإسرائيلي والأضرار التي ألحقها بإيران، لكن المسؤولين الإسرائيليين خرجوا بعد الهجوم بتصريحات تقول إن إسرائيل استطاعت ضرب قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية بشكل كبير وربما لا يمكنها من إنتاج الصواريخ لفترة زمنية طويلة.

في هذا الصدد، شرح الخبير العسكري الإيراني والذي عمل سابقًا مستشارًا عسكريًا في المؤسسة السياسية الإيرانية والمقرب من دوائر صنع القرار في طهران، لـ"عربي بوست"، بعضًا من الأضرار التي لحقت بالمواقع العسكرية الإيرانية المستهدفة من قبل إسرائيل في يوم 26 أكتوبر، مفضلًا عدم ذكر اسمه.

يقول الخبير العسكري الإيراني "في البداية استهدفت إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي المنتشرة في أنحاء البلاد، بواسطة طائرات تطلق الصواريخ الباليستية، مما جعل من الصعب على الدفاع الإيراني التصدي لها، لأن الصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو أصعب في التصدي لها من الصواريخ الباليستية التي تطلق من الأرض، كما استهدف الإسرائيليون بطاريات الدفاع الجوي لأنظمة إس 300 لأنهم يعلمون أنها الأكثر تقدمًا من بين أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية".

وبحسب الخبير العسكري الإيراني، فإن إيران نشرت أنظمة الدفاع الجوي إس 300 لحماية البنية التحتية النووية ومنشآت الطاقة والعاصمة طهران، لكن الإسرائيليين لم يستهدفوا منشآت نووية كبيرة واكتفوا باستهداف مبنى في مجمع بارشين العسكري بالقرب من العاصمة طهران، "هذا المبنى خاص بالأبحاث النووية، تم استهدافه من قبل وبشكل كبير، ولكن تلك المرة كان الاستهداف محدودًا إلى حد ما، ولم يتضرر المبنى بشكل كامل".

كما أشار الخبير العسكري الإيراني، إلى أن إسرائيل استخدمت المجال الجوي العراقي والسوري لإطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه إيران، بعد ضرب أنظمة الرادارات في العراق وسوريا، لتعطيل عمل الدفاعات الجوية الإيرانية.

وبالإضافة إلى إطلاق الطائرات الحربية الإسرائيلية للصواريخ الباليستية باتجاه المنشآت العسكرية الإيرانية، قال المصدر العسكري من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، "الإسرائيليون استخدموا المجال الجوي لأذربيجان، وأطلقوا منها طائرات بدون طيار خفيفة باتجاه المواقع العسكرية في بارشين، كما أظهرت النتائج الأولية للتحقيقات بأنهم أيضًا أطلقوا صواريخ كروز من فوق بحر قزوين باتجاه بارشين وشاهرود وخوجير".

ويفسر الخبير العسكري حديث المصدر العسكري الإيراني قائلًا "هناك احتمالات بأن الإسرائيليين استخدموا المجال الجوي العراقي وذهبت مجموعة من المقاتلات الإسرائيلية إلى بحر قزوين باتخاذ مسار طويل فوق شمال غرب إيران، وأطلقوا صواريخ كروز من فوق بحر قزوين باتجاه موقع بارشين العسكري على بعد 30 كيلومترًا من طهران، وشاهرود، وخوجير".

ويقول الخبير العسكري الإيراني إن هناك حوالي ثلاثة مبانٍ في مجمع بارشين العسكري قد تعرضت للضرر بشكل كبير، وهي مبانٍ لإنتاج الصواريخ متوسطة المدى.

وفي خوجير وهو موقع عسكري يقع على بعد 20 كيلومترًا من مجمع بارشين العسكري، استهدفت إسرائيل عددًا من المباني داخل الموقع، ويقول الخبير العسكري الإيراني "خوجير مكانًا هامًا في إنتاج الصواريخ البالستية بعيدة المدى، كما أنه يحتوي على مبانٍ التي يوجد بها خلاطات إنتاج الوقود الصلب للصواريخ، وبحسب التحقيقات تعرضت خمس مبانٍ في خوجير للاستهداف، وتم تدمير اثنان منهما بشكل كامل".

تقول إسرائيل إنها دمرت خلاطات إنتاج الوقود الصلب للصواريخ الإيرانية بشكل كامل، لكن أكدت المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، "أن الخلاطات تم نقلها إلى مكان آمن وغير مكشوف للإسرائيليين".

ويقول الخبير العسكري الإيراني في هذا الصدد، "هذه الخلاطات مهمة للغاية ولن تغامر إيران بوضعها هدفًا سهلًا أمام الإسرائيليين، ما أعلمه أنه تم نقلها وتفريغها، وما تضرر من جراء الهجوم الإسرائيلي في بارشين وخوجير، هو مبانٍ خاصة بتكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية".

ويبرهن الخبير العسكري الإيراني على حديثه قائلًا "لقد تعرضت الخلاطات القديمة في نفس الموقع لهجوم كبير في عام 2020، وبعدها قامت طهران بشراء خلاطات جديدة وقد تعلمت الدرس بالتأكيد".

صورة لإطلاق صاروخ إيراني من أصفهان ضمن الهجوم الذي استهدف الاحتلال الإسرائيلي - رويترز
صورة لإطلاق صاروخ إيراني من أصفهان ضمن الهجوم الذي استهدف الاحتلال الإسرائيلي – رويترز

ولم يتسنَ لـ"عربي بوست" التأكد بشكل مستقل من عدم إصابة خلاطات إنتاج الوقود الصلب المستخدمة في صناعة الصواريخ الإيرانية.

أما في موقع شاهرود الذي يقع على بعد حوالي 355 كيلومترًا من شرق طهران، في محافظة سمنان، والذي يضم بحسب المصادر الإيرانية منشآت لإنتاج مكونات الصواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى مركز شاهرود الفضائي، وقالت إسرائيل إنها استهدفت هذا الموقع.

يقول المصدر العسكري الإيراني لـ"عربي بوست"، "في شاهرود أطلقت إسرائيل صواريخ كروز من فوق بحر قزوين بالإضافة إلى طائرات بدون طيار حاملة للمتفجرات لضرب الرادارات الموجودة في الموقع".

وجدير بالذكر أن أربعة من جنود الجيش الإيراني (وليس الحرس الثوري)، ماتوا أثناء هجوم الطائرات بدون طيار في موقع شاهرود العسكري.

وأكد الخبير العسكري الإيراني أن إسرائيل حاولت استهداف الرادارات الموجودة حول مصفاة عبادان النفطية (أكبر مصافي النفط الإيرانية)، لكن نجحت الدفاعات الجوية الإيرانية في اعتراض الصواريخ الإسرائيلية، "أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ للتصدي للهجوم الإسرائيلي، بالإضافة إلى المساعدة الروسية".

كما أشار الخبير العسكري الإيراني، إلى محاولة إسرائيل استهداف معمل بتروكيماويات لكن نجحت الدفاعات الجوية الإيرانية أيضًا في التصدي لهذه الاستهدافات.

وفي إجابته على سؤال هل بالفعل نجحت إسرائيل في تعطيل قدرة إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية؟… قال المصدر العسكري من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، "هناك العديد من الأضرار، ولا أنكر أن هناك منشآت تضررت بشكل كبير، ويلزمنا المزيد من الوقت لحصر الخسائر وإصلاحها، لكن لم يتمكن الإسرائيليون من منعنا من إنتاج الصواريخ الباليستية بالتأكيد".

كما أشار المصدر الأمني الإيراني إلى أنه بعد الهجوم الإسرائيلي عُقد اجتماع طارئ بين المرشد الأعلى الإيراني والقيادات العسكرية والأمنية، لحصر الخسائر والتحقيق في كيفية دخول الطائرات بدون طيار المتفجرة إلى داخل الأراضي الإيرانية.

ويقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، "رأى خامنئي أنه من الضروري في البداية حصر الأضرار ودراسة الهجوم الإسرائيلي والقدرات العسكرية الإسرائيلية، وتشديد الإجراءات الأمنية للقبض على عملاء الموساد داخل إيران".

وكانت إسرائيل قد زعمت أنها استخدمت أكثر من 100 طائرة بما في ذلك طائرات (F-15)، و(F-35) المتطورة. وكانت الموجة الأولى من الهجوم الإسرائيلي على إيران تهدف إلى تفكيك الدفاعات الجوية الإيرانية حيث استهدفت إسرائيل الدفاعات الجوية في العراق وسوريا قبل إطلاق الصواريخ الباليستية في عمق الأراضي الإيرانية. وتبعت الموجة الأولى، موجتان لاحقتان، وقد ركزت الضربات اللاحقة على المواقع العسكرية الخاصة بإنتاج الصواريخ والمنشآت التي تشارك في تصنيع الوقود الصلب.

هل سترد طهران على الهجوم الإسرائيلي؟

انقسمت الآراء داخل المؤسسة السياسية الإيرانية حول ضرورة الرد من عدمه، فهناك من رأى أنه من الضروري على طهران أن ترد على الهجوم الإسرائيلي بهجوم أكبر، خاصة وأن هذا يعتبر الاستهداف الإسرائيلي الأول والمباشر والمعلن للأراضي الإيرانية، وآخرون رأوا أنه لابد من التريث والتفكير مليًا في الحصول على مكاسب دبلوماسية مثل وقف إطلاق النار في غزة ولبنان مقابل تعطيل الرد الإيراني.

وفي هذا الصدد، يقول سياسي إيراني من المعسكر الأصولي المتشدد، ومقرب من المؤسسة السياسية الإيرانية، لـ"عربي بوست"، "لقد استهدف الإسرائيليون العاصمة طهران، وضربوا مواقع في عمق الأراضي الإيرانية، وهذا ما كنا نعمل من أجل منعه منذ الحرب مع العراق، لذلك فإن مسألة تأجيل الرد أو عدم الرد من الأساس على الهجوم الإسرائيلي تعتبر فرصة ذهبية للإسرائيليين لتكرار استهدافهم للأراضي الإيرانية مرة ثانية وثالثة".

وأضاف المصدر ذاته قائلًا لـ"عربي بوست"، "بالأمس استهدف الإسرائيليون مواقع عسكرية لإنتاج الصواريخ فقط، ولكن إذا صمتت طهران أمام هذا الاعتداء فإنهم في الغد سوف يستهدفون منشآت النفط والمنشآت النووية، وبعد غد يستهدفون الشعب الإيراني نفسه، ولابد من الضغط على القيادات الإيرانية لاتخاذ رد يتناسب مع مستوى الهجوم الإسرائيلي".

على الجانب الآخر، يقول دبلوماسي إيراني مقرب من حكومة مسعود پزشكيان، لـ"عربي بوست"، "التسرع في اتخاذ قرار بالرد في هذا الوقت، سيكون من أسوأ الخيارات بالنسبة لإيران. من الممكن أن نجني ثمارًا للدبلوماسية في هذا الوقت، وأن نحصل على وقف إطلاق للنار في غزة ولبنان، وهذا ما تراه حكومة پزشكيان أفضل من التسرع والتورط في حرب شاملة مع إسرائيل".

وأضاف المتحدث ذاته قائلًا "في حقيقة الأمر فإن خيارات إيران في الرد مقيدة للغاية، وعدنا لنفس المأزق، هناك من يعتبر الدبلوماسية وعدم الرد في الوقت الحالي، تنازلًا من جانب إيران، لكن في الواقع أن أي رد في الوقت الحالي، سيكون كارثة على إيران والمنطقة بأسرها".

ويرى خبير السياسة الدولية، والمؤيد للمعسكر الإصلاحي، علي رضا مرتضى، أن أي رد إيراني في الوقت الحالي، وفي الوضع الصعب الذي يمر به حزب الله يعني خسارة فادحة.

خلافات خامنئي والحرس الثوري بشأن الرد على الهجوم الإسرائيلي على إيران - رويترز
خلافات خامنئي والحرس الثوري بشأن الرد على الهجوم الإسرائيلي على إيران – رويترز

وقال مرتضى لـ"عربي بوست"، "أعتقد أن القيادة الإيرانية ترى أنه من الصعب أن ترد في الوقت الحالي على إسرائيل، أولًا نعاني من أضرار الهجوم الإسرائيلي، ثانيًا حزب الله في وضع صعب، وأي قرار برد إيراني سيكون قرار انتحار. وعلى العكس، يمكن أن ترى القيادة الإيرانية أن التوصل إلى حل دبلوماسي بوقف إطلاق النار سيحمي حزب الله من المزيد من التدهور، ويعطي إيران الوقت الكافي لمعالجة أضرار الهجوم الإسرائيلي والاستعداد بشكل أفضل".

لكن يرى السياسي الإيراني من المعسكر الأصولي والمقرب من القيادة الإيرانية، أن حلول وقف إطلاق النار والصفقات الدبلوماسية تعني عدم تعلم إيران لدرس اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله، فيقول لـ"عربي بوست"، "عندما تقاعسنا عن الرد بعد اغتيال هنية داخل إيران، خسرنا حسن نصر الله، ودفعنا بحزب الله في حرب مفتوحة مع الإسرائيليين، والآن بعد أن قام الإسرائيليون باستهداف حلفائنا في المنطقة، يستهدفون البرنامج الصاروخي ودفاعاتنا الجوية وصواريخهم تصل إلى العاصمة"… "التأني في الرد سيكون علامة على ضعف إيران، سيرى الإيرانيون والحلفاء في المنطقة القيادة الإيرانية بمظهر ضعيف".

لكن هناك من يرى أن تأجيل الرد على الهجوم الإسرائيلي هو الأفضل في الوقت الحالي، مع التحضير له في المستقبل القريب.

ويقول المصدر العسكري من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، "القيادات العسكرية في الحرس الثوري ترى أنه لابد من الرد على الهجوم الإسرائيلي، ويوافق خامنئي على الأمر أيضًا، لكن الأهم من ذلك الآن في وجهة نظر القيادة الإيرانية هو الجهوزية والأولويات، مثلًا من الضروري الآن إعادة بناء قدرات حزب الله بشكل أفضل، والعمل على رفع جهوزية باقي الحلفاء في محور المقاومة والتجهيز لعمليات غير مباشرة ضد إسرائيل، وإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لإنتاج الصواريخ".

ويرى المصدر ذاته أن دون هذه التحضيرات سيكون الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي، "فاشلًا"، فيقول لـ"عربي بوست"، "المرشد الأعلى يرى أن الهجوم الإسرائيلي لا يجب الاستهانة به، ولكن في نفس الوقت قال إنه لابد من دراسته ورفع الاستعدادات الإيرانية واستعدادات محور المقاومة، للرد عليه، فالعبرة ليست بالاستعجال، الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي سيحدث لكن متى وكيف، هذه الأمور تحتاج إلى المزيد من الوقت".

تحميل المزيد