في أول زيارة خارجية له منذ انتخابه في 28 يوليو/تموز الماضي، توجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء 11 سبتمبر/أيلول 2024، على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع إلى بغداد، تلبيةً لدعوة نظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئیس الوزراء محمد شياع السوداني.
ووفقاً لجدول أعمال الزيارة المرتقبة، سيلتقي بزشكيان، في بغداد، كبار المسؤولين العراقيين، قبل أن ينتقل إلى أربيل، مركز إقليم كردستان العراق، حيث سيجتمع بـالمسؤولين هناك، وبعدها سيزور مدن البصرة والنجف وكربلاء. ومن المرجح أن الزيارة ستشمل توقيع 30 اتفاقية في الشؤون الأمنية فضلاً عن الاقتصادية، وأخرى تتعلق بالماء والطاقة، كان مقرّراً التوقيع عليها إبان عهد رئيسي.
لماذا اختار بزشكيان العراق لتكون أول زيارة خارجية ؟
و وفقاً لوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قال في حديث إلى قناة "الفرات" العراقیة قبل الزيارة، إن "اختيار الرئيس مسعود بزشكيان العراق، كأول بلد يزوره، يعكس عمق العلاقات الأخوية بيننا". وأضاف أن "العراق، بالنسبة إلى إيران أكثر من مجرّد بلد جار، هو بلد صديق وشقيق وتربطنا مشتركات كثيرة"، مؤكداً أن "أمن العراق واستقراره من أمن إيران، وعدوّنا مشترك، وهو الكيان الصهيوني".
تأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، إلى العراق في فترة تشهد فيها العلاقات بين البلدين كثيرا من التعقيدات. كما أنها تتزامن مع توترات إقليمية عديدة، أبرزها حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة التي تُلقي بظلالها على الأوضاع السياسية في العراق والمنطقة كلها، إذ أن بعض الفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران أبدت دعمها العلني للفصائل الفلسطينية
ويأتي اختيار الرئيس الإيراني العراق وجهته الأولى يدل على الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية المهمة المتشابكة بين البلدين اللذين يشتركان في حدود تمتد لأكثر من مسافة 1400 كم، وأهمية العلاقات بينهما وتنامیها بعد مرور عقدين على الغزو الأميركي.
الملف الأمني
شهدت العلاقات بين العراق وإيران بعد عام 2003 تقلبات كبيرة، تأثرت بالتغيرات السياسية والأمنية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين. تدهورت الأوضاع نتيجة التدخلات الإقليمية، النزاعات الطائفية، والنفوذ السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى التحديات الأمنية المرتبطة بالجماعات المسلحة.
في البداية، رفضت إيران الغزو الأمريكي للعراق، في حين دعم بعض حلفائها العراقيين الإطاحة بنظام حزب البعث. بعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011، زاد النفوذ الإيراني في العراق، ووسعت العلاقات لتشمل مجالات اقتصادية وأمنية، حيث دعمت إيران الفصائل المسلحة التي حظيت بوجود سياسي في البرلمان والحكومة العراقية.
في عام 2014، بعد اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لبعض المحافظات العراقية، طلبت الحكومة العراقية الدعم الأمريكي، ما أثار استياء إيران والفصائل الموالية لها التي رفضت التعاون مع القوات الأمريكية.
استمرت التوترات بسبب بقاء القوات الأمريكية في العراق واستهداف الفصائل المدعومة من إيران للقواعد الأمريكية. العلاقة بين البلدين تميزت بالتعاون أحيانًا والتوترات أحيانًا أخرى.
وفي يناير 2023، تصاعدت الأوضاع بعد هجمات صاروخية إيرانية استهدفت أربيل، بزعم وجود مقر للموساد، وهو ما نفته الحكومة العراقية، بعكس إقليم كردستان الذي اعتبر الهجوم انتهاكًا للسيادة العراقية.
و وفقاً لتقرير الجزيرة، فإن زيارة بزشكيان إلى بغداد تحمل أجندة سياسية واقتصادية، إلا أن القضايا الأمنية تهيمن على جدول أعماله. تشير التقارير إلى أن طهران قلقة بشأن نشاط الموساد ضدها انطلاقاً من إقليم كردستان، وتعتقد أن بعض بنود الاتفاقية الأمنية مع العراق بشأن تفكيك الجماعات الكردية المعارضة في الإقليم لم تُنفذ بالكامل، مما يتطلب تعاونًا أوثق لضبط الحدود المشتركة.
عشية زيارة بزشكيان، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية تقارير حول "إجلاء جماعة كوملة الانفصالية" من منطقة زرجويز الحدودية ونقلها إلى منطقة سوراش قرب مدينة دوكان. كما تم التأكيد على تسليم أحد عناصر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض إلى طهران مؤخرًا.
وفي ظل وجود أطراف عراقية ترغب في استمرار الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، من المتوقع أن يناقش بزشكيان مع المسؤولين العراقيين ملف قانون الانسحاب الأمريكي. فقد أفادت وسائل الإعلام الإيرانية بأن طهران تسعى إلى إخراج القوات الأمريكية من المنطقة كجزء من ردها على مقتل القائد السابق لفيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة جوية أمريكية على طريق مطار بغداد الدولي عام 2020.
الملف السياسي
تأتي الزيارة في ظل تنافس وتدافع أميركي إيراني، بعد انتخاب رئيس جديد ليقود طهران. إذ يقول مدير مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية محمود الهاشمي لبي بي سي، إن الزيارة فيها رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب وبعض دول المنطقة مفادها أن إيران والعراق يتمتعان بعلاقة تتعمق أكثر في ظل الظروف الراهنة. ويضيف أن رئاسة بزشكيان امتداد طبيعي لرئاسة الراحل إبراهيم رئيسي الذي اختار العراق محطة لأولى زياراته الخارجية.
يرى الباحث نجات أن العراق قد لعب دورًا بارزًا في التوسط بين إيران وبعض العواصم العربية خلال السنوات الماضية، وكان أبرز نجاحاته تطبيع العلاقات بين طهران والرياض في مارس/آذار 2023. ويعتقد نجات أن هناك إمكانية لمزيد من الوساطات العراقية، خصوصًا بين إيران من جهة ومصر والأردن من جهة أخرى، والتي قد تُطرح خلال زيارة بزشكيان إلى بغداد و التي تستمر لمدة 3 أيام.
من جهة أخرى، يشير السياسي العراقي المستقل عمر الناصر إلى احتمال مناقشة العلاقة بين إيران والفصائل العراقية خلال زيارة بزشكيان. ويوضح الناصر أن فك ارتباط هذه الفصائل بملف الحرب الإسرائيلية على غزة سيكون صعبًا للغاية، نظرًا لأن تلك الفصائل تتحرك وفق أيديولوجيا عابرة للحدود، وتتمتع بوحدة الرؤية ومركزية القرار. ويضيف الناصر، في حديثه مع الجزيرة نت، أن الحكومة العراقية تسعى إلى اتباع سياسة الاحتواء محليًا وإقليميًا، وتحاول إبقاء العراق بعيدًا عن النزاعات والأجندات الخارجية.
فوفقاً للعديد من المحللين، يبدو أن السياسة الخارجية لإيران في ظل رئاسة بزكشيان تسعى للتواصل مع العالم الخارجي من خلال توجيه رسائل عبر العراق، خصوصاً بعد انتخاب بازكشيان و تحول السلطة من المحافظين إلى الإصلاحيين وما يتبعه من تغييرات في سياسة طهران الخارجية مع الدول التي تعتقد إيران بأهميتها.
فقد تعهد بزشكيان إعطاء "الأولوية" لتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة في إطار سعيه إلى التخفيف من عزلة إيران الدولية وتخفيف تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الإيراني. وقال في أغسطس/ آب الماضي، إن "العلاقات مع الدول المجاورة يمكن أن تحيّد قدراً كبيراً من الضغوط الناجمة عن العقوبات".
كما تعهد بزشكيان خلال حملته الانتخابية السعي لإحياء الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي أتاح رفع عقوبات اقتصادية عن طهران لقاء تقييد أنشطتها النووية. وانسحبت الولايات المتحدة أحادياً من الاتفاق في عام 2018 معيدة فرض عقوبات قاسية خصوصاً على صادرات النفط. فعيّن بزشكيان مهندس اتفاق عام 2015 الدبلوماسي محمد جواد ظريف نائباً له للشؤون الاستراتيجية في إطار سعيه إلى تعزيز انفتاح إيران على الساحة الدولية.
الملف الإقتصادي
تعد إيران واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للعراق، حيث يعتمد العراق على استيراد الكهرباء والغاز من الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، وبسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، يواجه العراق صعوبة في تسديد مستحقاته لإيران، مما جعل قضية كيفية دفع هذه المستحقات من الملفات المهمة في العلاقات بين البلدين. وفقًا لنائب رئيس غرفة تجارة العراق، لدى إيران 11 مليار دولار مجمدة في العراق، وهي أموال مستحقة لطهران. هذه المستحقات تُودع بالدينار في حساب شركة النفط الوطنية الإيرانية لدى المصرف العراقي للتجارة. و حتى منتصف عام 2023، كانت إيران قادرة على استخدام هذه الأموال لشراء السلع غير المشمولة بالعقوبات.
في هذا السياق، أشار الباحث مصطفى حنتوش، في حديثه لبي بي سي، إلى أهمية وضع حلول اقتصادية لتنظيم التجارة مع إيران. واقترح دعم المنتجات التي يمكن للعراق إنتاجها محليًا، أو استيراد السلع من دول أخرى بتكلفة مشابهة. أما السلع التي لا يستطيع العراق إنتاجها أو تغيير وجهة استيرادها، فأفضل حل هو التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على موافقة رسمية لاستيراد هذه السلع من إيران، باستخدام آليات مثل الحوالات أو الذهب، أو من خلال منصات تجارية رسمية على غرار تلك الموجودة في دول مثل الإمارات وتركيا وعمان.
وأضاف حنتوش أن العراق شهد على مدار العامين الماضيين ضغوطًا على سعر الدولار في السوق الموازي بسبب الحظر المفروض على تحويل العملات إلى إيران. ومع استمرار الحركة التجارية والسياحية الكبيرة بين البلدين، ستكون قضية تجاوز العقوبات الأمريكية أحد المواضيع الرئيسية في المباحثات بين العراق وإيران خلال الزيارة.