هل يستطيع مشروع “طريق التنمية” إصلاح الشرق الأوسط؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/27 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/27 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
مشروع طريق التنمية (تعبيرية - عربي بوست)

في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط صراعات متفاقمة ومحاولات متعثرة لإعادة صياغة علاقات الإقليم، يعود العراق إلى الواجهة بمبادرة استراتيجية قد تغيّر موازين الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بحسب تحليل يقدمه موقع "أسباب".

حيث يمثل مشروع طريق التنمية، أو كما يصفه البعض بـ"القناة الجافة"، رهان بغداد على إعادة التموضع كلاعب مركزي في التجارة بين الشرق والغرب، من خلال ربط موانئ الخليج العربي بتركيا وأوروبا عبر شبكة حديثة من الطرق والسكك الحديدية.

ما دام الموقع الجغرافي للعراق ميزة كامنة، لكنها كثيراً ما تحوّلت إلى عبء بسبب التدخلات الإقليمية والصراعات الداخلية. اليوم، تحاول بغداد استثمار هذه الميزة عبر إنشاء ممر لوجستي يمتد من ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي حتى الحدود التركية شمالاً بطول 1200 كيلومتر، متصلاً بخطوط النقل الأوروبية.

  • تُقدَّر كلفة المشروع بنحو 7 مليارات دولار.
  • يهدف إلى نقل ما يقارب 40 مليون طن من البضائع سنوياً.
  • يُولِّد نحو 250 ألف فرصة عمل.
  • تحقيق إيرادات تصل إلى 4 مليارات دولار من رسوم العبور سنوياً.

وبحسب التحليل، فإن هذه الأرقام تكشف أن الرهان ليس اقتصادياً فحسب، بل تنموياً وجيوسياسياً في آنٍ واحد.

ميناء الفاو: حجر الأساس لمشروع طريق التنمية

جوهر هذا المشروع هو ميناء الفاو الكبير، الذي يُبنى على جزيرة اصطناعية عند مصب شط العرب. من المقرر أن يضم الميناء 99 مرسى، بطاقة استيعابية تصل إلى 36 مليون طن من الحاويات سنوياً (ما يعادل 4 ملايين حاوية قياسية)، وهو رقم يقارب قدرة موانئ مثل بورسعيد أو أبوظبي. وبدأت أعمال البناء بالفعل، وتتوقع الحكومة العراقية استكماله بحلول عام 2038.

"طريق التنمية" البري الذي تقترحه تركيا للربط بين الخليج العربي وأوروبا عبر العراق –

ويُعد حاجز الأمواج الذي تم إنشاؤه بطول 15 كيلومتراً – وهو الأطول في العالم – بمثابة إعلان واضح عن التزام بغداد بهذا المشروع. وعلى الصعيد السياسي، يحاول العراق أن يُقدّم نفسه كطرف جامع بدلاً من أن يكون ساحة صراع. ففي أبريل/نيسان 2024، استضافت بغداد قمة تركية – عراقية هي الأولى منذ أكثر من عقد، تُوّجت بتوقيع أكثر من 24 اتفاقية، أبرزها اتفاق لتقاسم المياه بين دجلة والفرات، ومذكرة تفاهم لمكافحة حزب العمال الكردستاني.

لاحقاً، تحرّكت بغداد نحو الخليج، ووقّعت اتفاقات استثمارية مع قطر والإمارات. وقد بدا واضحاً أن العراق يحاول حشد أكبر قدر من الشركاء الإقليميين لدعم المشروع، في خطوة تختلف عن مشاريع موازية مثل الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي الذي يمر عبر إسرائيل، أو الممر الشمالي المدعوم من روسيا، أو الممر الأوسط الصيني. الميزة العراقية تكمن في السعي إلى شمول الجميع، وعدم إقصاء أي طرف، في مقابل مشاريع ذات طابع محوري يُقصي بعض اللاعبين.

منافسة عالمية شرسة

ينافس المشروع العراقي عدة مبادرات طموحة على الساحة الدولية:

  1. الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي: تلقى هذا المشروع دفعة خلال قمة العشرين 2023، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، ويفترض أن يربط مومباي بموانئ الإمارات ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل وصولاً إلى اليونان.
  2. الممر الشمالي – الجنوبي الروسي: تسعى موسكو من خلاله إلى ربط بحر قزوين بالخليج عبر إيران، لتعويض خسائرها من العقوبات الأوروبية.
  3. مبادرة الحزام والطريق الصينية: عبر الممر الأوسط الذي يمر من آسيا الوسطى إلى تركيا.

إلا أن المشروع العراقي يتميز بتركيزه على المصالح المشتركة بين الأطراف الإقليمية، ما يجعله أكثر قابلية للتنفيذ رغم العوائق. ورغم طموحات المشروع، تعترضه العديد من التحديات:

  • الجغرافيا السياسية المعقدة: النزاعات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، والصراعات الحزبية داخل الإقليم نفسه، مثل الانقسام بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
  • الفساد ونقص التمويل: مشاريع كبرى سابقة في العراق تعثرت بسبب الفساد، ما يثير الشكوك حول الإدارة الفعالة لهذا المشروع.
  • التهديدات الإقليمية: إيران ترى أن الممر قد يقلّص من نفوذها اللوجستي في العراق وسوريا.
  • المنافسة البحرية: خصوصاً من الكويت التي أعلنت عن توسيع ميناء مبارك الكبير، ما قد يشكّل تحدياً مباشراً لميناء الفاو.

ولا يقتصر أثر المشروع على البنية التحتية، بل يُعوّل عليه لإعادة توزيع التنمية داخل العراق. فمع مرور الطريق عبر مدن مثل البصرة والنجف وبغداد والموصل، تأمل الحكومة في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة عبر قطاعات النقل، والخدمات، والصناعة، إلى جانب تحريك الاقتصاد الريفي عبر تحسين الخدمات وربط القرى بشبكة الطرق، وتحفيز الاستثمارات المحلية من خلال عقود فرعية. وتشير تقديرات حكومية إلى أن المشروع قد يُحدث سلسلة من العوائد الاقتصادية تتجاوز البنية التحتية، لتشمل النقل والزراعة والتصنيع الخفيف.

سباق الممرات وصراع النفوذ

يأتي المشروع العراقي في خضم "حرب ممرات" عالمية. فالممر الاقتصادي الهندي – الأوروبي تلقى ضربة قوية بفعل الحرب في غزة، لأن مساره يمر عبر إسرائيل والسعودية، أما الممرات الروسية والصينية فتواجه تحديات تتعلق بالعقوبات أو الجغرافيا.

ووسط هذا المشهد، يبدو أن المشروع العراقي، إن اكتمل، قد يقدّم مساراً واقعياً وآمناً، خاصةً في ظل الاضطرابات في البحر الأحمر. ويعوّل المسؤولون العراقيون على أن يؤدي المشروع إلى تحريك الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، وإنعاش الريف، وتخفيف الضغط على المدن. كما يأملون أن يساعد على تعزيز المركزية وتقليص الفجوة بين المركز والأطراف.

في المقابل، يرسل المشروع رسالة إلى الخارج مفادها أن العراق لا يريد أن يبقى حلبة لصراعات الآخرين، بل منصة للتعاون الإقليمي والتنمية. ومشروع طريق التنمية العراقي ليس مجرد بنية تحتية، بل هو اختبار لقدرة الدولة العراقية على الاستقرار، ولرؤية المنطقة لمستقبلها الجماعي.

فهل ينجح العراق في تحويل مركزية موقعه من نقمة إلى نعمة؟ الإجابة لا تزال رهنًا بالتحولات المقبلة، لكن ما هو واضح أن المشروع يُعيد تعريف العراق، لا كعبء، بل كجسر حيوي بين آسيا وأوروبا.

تحميل المزيد