نشر موقع "أسباب" للدراسات الجيواستراتيجية تحليلاً يتناول الأبعاد الميدانية والسياسية لهجمات بورتسودان الأخيرة، في سياق التصعيد المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
فبعدما شنت قوات الدعم السريع خلال الفترة من 4 إلى 8 مايو/أيار 2025 هجمات مكثفة بطائرات مسيرة استهدفت مدينة بورتسودان، أعلن الجيش السوداني يوم الثلاثاء 20 مايو/أيار اكتمال استعادة ولاية الخرطوم و"تطهيرها" من أي وجود لعناصر قوات الدعم السريع، وذلك بعد سيطرته على القصر الجمهوري أواخر مارس/آذار الماضي. جاء هذا التطور بعدما طالت الهجمات معظم المنشآت الحيوية في مدينة بورتسودان، خاصة قاعدة عثمان دقنة الجوية، مطار بورتسودان الدولي، قاعدة فلامينغو البحرية، مقر الكلية الجوية، ومستودعات وقود في كل من بورتسودان ومدينة كوستي، ومحطتي كهرباء ميناء بورتسودان وميناء بشائر 2. واتهم الجيش دولة الإمارات بتزويد الدعم السريع بتلك الطائرات، وأعلن قطع العلاقات معها، فيما أدانت مصر والسعودية الهجمات.
هجمات بورتسودان تظهر إصرار حلفاء الدعم السريع على مواصلة الصراع
يمثل تقدم الجيش في الخرطوم منذ بداية العام الحالي وحتى إعلانه تحرير الولاية بالكامل، تغيرا كبيرا ميدانيا وسياسيا في الحرب الدائرة في السودان، بينما لا يعكس الهجوم على بورتسودان تفوقًا عسكريًا لقوات الدعم السريع بقدر ما هو محاولة ذات طابع "انتقامي" يستهدف إرباك "الخط الخلفي" للجيش وتحقيق مكاسب إعلامية.
ترسل هجمات بورتسودان رسالة تحذير بأن الدعم السريع من خلال تكتيك الحرب المرنة وتنفيذ هجمات سريعة، يمكنه التسبب في خسائر موجعة، لكنّها تظل مكاسب تكتيكية إذ إن هجمات المسيرات لا ينتج عنها تغير السيطرة على الأرض. ومع هذا، لا يجب إغفال الضغط الشديد الناتج عن الهجمات التي تستهدف الخدمات والمرافق الحيوية في بورتسودان وأماكن أخرى، كما في الهجمات المتكررة على سد مروي ومحطة كهرباء عطبرة وغيرها من المدن، مما يمثل عبئا كبيرا على الجيش، نتيجة الضغط على حاضنته الشعبية، وتقيد قدرته على الترويج لتقدمه الميداني على الأرض.
من المرجح أن تواصل الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع بحثا عن تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إليها في السودان، وعلى رأسها إضعاف نفوذ الإسلاميين السودانيين السياسي، وضمان نفوذ دائم لها غرب السودان، وتأمين مصالحها الاقتصادية في مجالات الذهب والموانئ. ومن المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن الهجمات على بورتسودان جاءت عقب استهداف الجيش السوداني لطائرة إماراتية في 3 أبريل/نيسان بمطار نيالا كانت محملة بإمدادات عسكرية لقوات الدعم السريع، ونيالا هي مقر الحكومة الموازية التي أعلنها الدعم السريع في أبريل الماضي.
وتعمل أبوظبي على تكثيف جهودها السياسية والميدانية لتسريع عمل الحكومة الموازية في نيالا، كأداة لإضفاء الشرعية على سيطرة قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، وفرض أمر واقع سياسي تفاوضي لاحقًا يُعيد تشكيل المشهد السوداني بما يضمن مقعدًا دائمًا لحلفائها.
حقق الدعم العسكري الروسي والإيراني، وربما الصيني أيضا، للجيش السوداني تفوقاً نوعيا في القدرات القتالية بالميدان. وفي مقابل إمداد الإمارات لقوات الدعم السريع بالمسيرات الصينية الاستراتيجية، يحاول الجيش الضغط على الصين للتدخل ووقف إمداد الإمارات بهذه المسيرات عبر استدعاء سفيرها وتوجيه الرسائل الرسمية للصين.
في المقابل؛ تتمسك مصر بموقفها الداعم لوحدة الدولة السودانية – والتي تعتقد أنها مرتبطة ببقاء الجيش -لارتباط ذلك بالأمن المائي والحدودي، وترى القاهرة في تمكين كيان انفصالي أو موازٍ في دارفور خطوة نحو تفكيك الدولة المركزية أو إضعافها مما يفتح الباب أمام نزاعات وتهديدات أمنية طويلة الأمد. أما السعودية، فتسعى للحفاظ على استقرار البحر الأحمر، وضمان إبعاد إيران عن تأسيس موقع نفوذ ثابت فيه من سواحل السودان. لذلك؛ ستواصل العمل مع الجيش كي لا يمضي بعيدا في العلاقة مع إيران.