كيف يمكن أن تقهر الصين تايوان دون إطلاق رصاصة واحدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/13 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/13 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش
الأزمة بين الصين وتايوان / عربي بوست

في الوقت الذي تتزايد فيه التحركات العسكرية الصينية حول تايوان، يطرح هذا التقرير الصادر عن موقع "أسباب" لدراسات الجيوسياسية تساؤلاً محورياً: هل تمتلك الصين وسائل غير عسكرية لتحقيق هدفها الاستراتيجي بضم تايوان؟

حيث تعتزم القيادة الصينية إخضاع تايوان لسيطرتها، لكن استخدامها المتزايد للضغط العسكري في السنوات الأخيرة أثار المخاوف من احتمالية غزوها للجزيرة، إذ تعمل السفن الحربية والطائرات الصينية حول تايوان الآن بصفة شبه يومية. وتُعَدّ الصين قوة كبرى ذات نفوذ دبلوماسي وسياسي وعسكري كبير، أي إن بكين تمتلك عدة خيارات أخرى للاستيلاء على الجزيرة دون الحاجة لغزوها.

إدمان التجارة

تعتمد تايوان على التجارة أكثر من الدول الأخرى بسبب محدودية مواردها الطبيعية. يُظهر الرسم البياني في الفيديو في الأسفل مدى ذلك الاعتماد، إذ تشير أحجام الدوائر إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتشير مواقعها إلى قيمة التجارة كنسبة من الناتج المحلي لكل اقتصاد.

  • تمتلك الولايات المتحدة أكثر الاقتصادات مرونة، إذ تُشكّل الواردات والصادرات 13% و8% من ناتجها المحلي الإجمالي على الترتيب.
  • سجلت بريطانيا 26% و17%.
  • تستقر السعودية عند 23% و33% من الناتج المحلي.
  • تايوان تقع في النقطة الأبعد من الرسم، إذ وصلت وارداتها وصادراتها في 2022 إلى 61% و69% من ناتجها المحلي.

ليس هناك اقتصاد آخر أكثر اعتماداً على التجارة، باستثناء هولندا. وبالمقارنة، سنجد أن واردات و صادرات الصين تشكّل 15% و20% فقط من ناتجها المحلي. والأسوأ أن تايوان تستورد 97% على الأقل من طاقتها، وهذا واحد من أعلى المعدلات في العالم، إذ يشكّل النفط والفحم والغاز 44% و29% و20% من إجمالي واردات الطاقة، لكن مخزونها من تلك الموارد منخفض.

إذ تملك تايوان احتياطي نفط خام لـ5 أشهر فقط، بالإضافة إلى احتياطي فحم لشهر واحد، وأقل من أسبوعين من احتياطي الغاز اللازم لتوليد الكهرباء، وهذه كميات قليلة للغاية، والأهم من توفير الكهرباء هو ضمان توافر الطعام الكافي للشعب. لكن تايوان تستورد 70% من طعامها، وقد زاد اعتمادها على الاستيراد في السنوات الأخيرة مع زيادة تنوع الأنظمة الغذائية للشعب، وإذا توقفت الواردات؛ لن يدوم مخزون الطعام التايواني لأكثر من 12 شهراً، أي إن جغرافية البلاد ربما تمنحها دفاعات طبيعية، لكن لها عيوبها أيضاً، وتختلف عن أوكرانيا مثلاً في عدم إمكانية إمدادها بالموارد براً، وهذه نقطة ضعفٍ يجب استغلالها من وجهة نظر ساسة الصين.

ففي 2006، أصدرت جامعة الدفاع الوطني الصينية كتاب علم الحملات، وجادل الكتاب بأن أفضل طريقةٍ لإخضاع تايوان هي حصار الجزيرة بتشكيلات بحرية وجوية كبيرة، وذلك لقطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية للعدو مع العالم الخارجي، وهم يتحدثون هنا عن حصارٍ بحري، حصارٌ بهدف قطع التجارة، والطاقة، والموارد الأخرى اللازمة لبقاء اقتصاد تايوان وشعبها البالغ 24 مليون نسمة، وإذا استطاعت الصين إلحاق الضرر الكافي بتايوان لفترةٍ مُطوَّلة، فمن المحتمل أن تجبر التايوانيين على الاستسلام، فالدولة المعزولة عن البحر هي دولةٌ انقطع الهواء عن رئتيها.

الطريقة السهلة

يتواجد العنف بدرجات مختلفة، بدايةً بالعنف الخفي ووصولاً إلى العنف الواضح. تحتل حروب المنطقة الرمادية الطرف الأبعد من المقارنة، وإذا حدثت واقعةٌ ما بجوار مضيق تايوان مثلاً؛ تستطيع بكين استغلال ذلك لفرض حصار منطقة رمادية، وتحت ذريعة المهمة الإنسانية أو عمليات إنفاذ القانون؛ يمكن للصين فرض منطقة حجرٍ صحي تغطي تايوان لتُملي بذلك شروطها على من يدخل ويخرج من الجزيرة، والهدف هنا هو إكراه الشركات والحكومات على الإذعان لشروط الصين، ما سيقوِّض بدوره مطالب السيادة التايوانية.

علاوةً على أن حصار المنطقة الرمادية يختلف عن الغزو، لأنه لن يُفسَّر كعملٍ حربي بالضرورة، وتُعَدّ هذه النقطة الأخيرة حاسمة، فإذا قاد خفر السواحل الصيني المهمة بدلاً من البحرية، ستواجه الولايات المتحدة صعوبةً أكبر في التدخل عسكرياً، مقارنةً بالغزو المباشر

  • في حالة الحصار؛ ستلعب جهات إنفاذ القانون والسفن المدنية دوراً جوهرياً
  • سيتولى خفر السواحل والميليشيات البحرية الصينية إدارة العملية
  • إذا قررت الصين فرض الحصار ستبدأ بإعلان تفتيش جمركي لجميع سفن الشحن والناقلات التي تدخل تايوان
  • سيحصل خفر السواحل الصيني على تصريحٍ بصعود السفن، والتفتيش الميداني، واستجواب الطواقم
  • ستُحرم الشركات غير الممتثلة من دخول السوق

قد يبدو هذا النهج شديد البراءة ظاهرياً، إذ يجب تقديم الأوراق اللازمة إلى السلطات الصينية مقدماً فحسب؛ وستُفتح أمامك أبواب العمل في تايوان. ليس الأمر جللاً، لكن امتثال تايوان لذلك سيعني خسارتها لسيادتها فعلياً، وانزلاقها في طريق الاستسلام ببطء، لن تحتاج الصين لتطويق الجزيرة بالكامل حتى تحقق أهدافها، بل يكفي تقليص تجارة تايوان بـ50% لإلحاق الضرر بها، خاصةً إذا قررت الصين وقف كل واردات النفط والغاز والفحم، ما قد يؤدي لانقطاع الكهرباء في الجزيرة. ومع ضعف الإمدادات؛ ستضعف الإرادة السياسية والدفاعات التايوانية، فتزيد صعوبة المقاومة، وما يزيد الطين بلة هو قلة عدد موانئ المياه العميقة في تايوان.

ستستهدف القوات الصينية تلك الموانئ أولاً.

  • يُعَدُّ ميناء كاوهسيونغ الأكثر ازدحاماً في تايوان، ودخلته في عام 2022 تجارةٌ بنحو 159 مليار دولار، أي 57% من التجارة البحرية التايوانية.
  • يحتل ميناء كيلونغ المرتبة الثانية بـ67.8 مليار دولار
  • يأتي ميناء تاي شانغ ثالثاً بـ21.7 مليار دولار
  • يحل ميناء تايبيه رابعاً بـ20 مليار دولار
  • يأتي ميناء مايلياو في المرتبة الخامسة بتجارة يبلغ حجمها 9.5 مليار دولار

ستستهدف الصين هذه الموانئ أولاً حال الحصار، وسيشرع خفر السواحل الصيني في تنفيذ دوريات داخل المياه القريبة، وتوقيف السفن غير الممتثلة لنظام الجمارك الجديد. وسيركز الشطر الأكبر من خفر السواحل على كاوهسيونغ لأنه الميناء الأكثر ازدحاماً. وستدخل السفن الصينية المياه المتاخمة لتايوان، التي تمتد لـ24 ميلاً بحرياً، لكنها لن تدخل المياه الإقليمية التي تمتد لـ12 ميلاً بحرياً. ستحمل هذه الخطوة رمزيةً كبيرة، إذ إن دخول المياه المتاخمة يمثل رسالةً من بكين، مفادها أنها لا تعترف بالحدود التي تطالب بها تايوان.

وستُنشَر في الوقت ذاته وحدات أصغر قبالة سواحل كيلونغ، وتاي شانغ، وتايبيه، ومايلياو، وبناءً على مستوى التصعيد؛ قد تنشر الصين سفناً على الساحل الشرقي لتطويق الجزيرة بالكامل، ولدعم خفر سواحلها؛ تستطيع الصين نشر سفن الصيد التابعة لإدارة السلامة البحرية، والتي ستلعب دور الميليشيا البحرية. لكن الفارق يكمن في أنها لن تحمل تصريحاً لصعود أو تفتيش السفن التجارية، بل سيكون هدفها هو سد الفراغات بين وحدات خفر السواحل، وعبر نشر تلك السفن المدنية بالتناوب في منطقة الحجر؛ وستفقد تايوان سيطرتها على مجالها البحري، ما سيزيد صعوبة التصدي للتحركات الصينية.

وفي عمق البحر؛ لن تتولى البحرية الصينية زمام المبادرة في الحصار، لكنها ستنشر رغم ذلك مجموعات حاملات طائرات قتالية ومجموعات اشتباك سطحي حول الجزيرة، سيكون هذا الانتشار البحري ضخماً، وقد تدرّبت البحرية الصينية على هذا السيناريو تحديداً. 

شهدت التدريبات السابقة احتواء كل مجموعة على ما يتراوح بين 3 و6 سفن، تشمل مدمرات وفرقاطات وسفن دعم، وغواصات وبعض حاملات الطائرات. وأثناء الحصار، ستواصل القوات الجوية الصينية إرسال طائرات مأهولة وغير مأهولة إلى محيط تايوان، هذه عملياتٌ تدرب عليها الجيش الصيني مراراً في السنوات الأخيرة، والهدف من هذه التشكيلات البحرية والجوية هو إرهاب القوات التايوانية وردع أي تدخل أجنبي. وفي حال ردت تايـوان على الحصار واستخدمت القوة لاستهداف خفر السواحل الصيني مباشرة، فستمنح بذلك الطرف الآخر ذريعةً لتصعيد التوترات، وسيفتح هذا أبواب تايوان أمام حرب شاملة قد لا تستطيع الانتصار فيها.

يُعد خفر السواحل الصيني هو الأكبر في العالم من حيث عدد سفن المحيطات، ويتفوق على نظيره التايواني كماً وكيفاً بعدة أضعاف، ومن أجل تهدئة الغضب الدولي؛ يمكن لبكين تقليل عدد عمليات التفتيش، أو التركيز على السفن المملوكة لتايوان حصراً، إذ تكون الشروط كلها في يد بكين. وفي حالة الحصار؛ قد يكفي التهديد وحده لإقناع غالبية شركات الشحن بالامتثال للجمارك الجديدة، أو تأجيل شحناتهم إلى تايوان تماماً. وبشكلٍ عام، سيتمثل هدف الصين في إكراه غالبية السفن الأجنبية على الامتثال للوائح الجديدة، لكنها ستفعل ذلك دون إثارة صراع قد يحفز الولايات المتحدة وحلفائها على أن يهبوا لنصرة تايوان.

الطريقة الصعبة

لنفترض أن حصار خفر السواحل لم يكف لإجبار تايوان على الاستسلام. في تلك الحالة، تستطيع بكين زيادة التصعيد بدفع بحريتها لقيادة الحصار، لكن التركيبة لن تتغير بالضرورة، حيث سيرسل خفر السواحل والميليشيات البحرية سفناً إضافية بطول منطقة الحجر التايوانية. بينما ستظل البحرية الصينية خلفهما بمسافةٍ كبيرة، إذ لن يُجدي وضع السفن الحربية الباهظة ضمن مدى صواريخ الساحل التايواني المضادة للسفن، أي إن البحرية الصينية ستتولى إدارة الحصار، لكن سفنها ستظل على بعد نحو 70 ميلاً بحرياً من ساحل تايوان، لتتفادي الهجمات.

  • ستفرض البحرية سيطرتها على المياه
  • ستقدم الدعم في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع
  • ستُصعِّد البحرية الصينية حرب المنطقة الرمادية في أماكن أخرى

إذ تستطيع الغواصات الصينية مثلاً نشر الألغام البحرية سراً، عند مداخل أكبر الموانئ ومنشآت توليد الطاقة التايوانية، حيث تقع منشأة يونغان للغاز المسال بالقرب من كاوهسيونغ، وهي محطة الغاز الرئيسية في البلاد. ستكون المواقع الاستراتيجية كهذه هدفاً مشروعاً للبحرية الصينية، وتستطيع بكين تهديد صناعة الشحن إن دعت الحاجة، إذ ستتلقى سفن وطائرات الشحن غير المصرح لها إنذاراً مع دخولها منطقة الحجر، ومن ثم ستُطلق النيران عليها حال عدم امتثالها.

كيف يمكن أن تقهر الصين تايوان دون إطلاق رصاصة واحدة؟
غواصات تابعة للبحرية الصينية/ رويترز
  • سترتفع رسوم التأمين على الشحن الإقليمي بشدة في هذه الحالة
  • ستُعلِّق شركات الشحن العملاقة رحلاتها إلى تايوان تماماً
  • تستطيع الصين إعلان منطقة حظر طيران غير رسمية فوق منطقة تمييز الدفاع الجوي التايوانية
  • ستحاول القوات الجوية والبحرية الصينية فرض الهيمنة الجوية في المنطقة، وإبعاد الطائرات غير المصرح لها بعد اختراقها منطقة حظر الطيران
  • تستطيع الصين التحالف مع روسيا لتنفيذ دوريات جوية استراتيجية مشتركة فوق بحر الصين الجنوبي
  • ستردع تلك الدوريات تدخُّل اليابان والقوات الأمريكية القريبة
  • تستطيع قوة الصواريخ الصينية استعراض قوتها بتنفيذ مناوراتها الخاصة
  • تمتلك ترسانةً من 1,800 صاروخ تقليدي وتُعد الأكبر في العالم

وتقع تايوان ضمن مدى تلك الصواريخ، لكن في حالة الحصار؛ سيكون دور هذه الصواريخ هو ردع تدخلات القوى الخارجية. في الوقت ذاته، تستطيع الصين شن هجمات سيبرانية من برها الرئيسي، لاستهداف أنظمة الاتصالات والمال التايوانية، وذلك في محاولةٍ لعزل الجزيرة عن بقية العالم، ستأتي تلك الجهود بالتزامن مع حملة تضليل تستهدف إثارة البلبلة والاضطرابات العامة ضد حكومة تايوان، ما قد يقوّض الدعوات المطالبة بتوفير دعم دولي أيضاً.

لا شك أن التحكم في تدفق المعلومات سيُتيح إطالة زمن الحصار، لكن عزل تايـوان رقمياً بشكلٍ فعال سيتطلب من بكين اللجوء إلى قاع البحر. وتعتمد تايوان على أكثر من 10 كابلات بحرية لتوفير غالبية خدمات الإنترنت، وتستطيع الصين تخريب تلك الخطوط لقطع الاتصال عن الجزيرة، بينما قد تعتمد تايـوان حال الطوارئ على إنترنت الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، فقد وقعت مؤخراً عقداً مع شركة الأقمار الصناعية الفرنسية يوتلسات، لتوفير الإنترنت الفضائي حال تخريب شبكة اتصالاتها، لكن سعة النطاق الترددي ستكون أقل بكثير من اللازم للاستخدام المدني المعتاد.

وإجمالاً، تستطيع الصين بمواردها الضخمة أن تحاصر تايوان لشهور متتالية، لكنها ستتوقف مؤقتاً من آن لآخر حتى تُفسح المجال للمفاوضات على الأرجح، أي إن الحصار سيكون أفضل من الحرب بالنسبة لبكين، حتى وإن لم تكن نتائجه مضمونةً بالدرجة نفسها، من حيث رد فعل المجتمع الدولي، لكن لا يجب الاستهانة برد فعل تايوان نفسها. وإذا أثبتت تايوان صمودها وحصلت على الدعم الأمريكي أو غيره بطريقةٍ ما…فقد تواجه الصين صعوبةً في إجبار الجزيرة على الاستسلام، دون احتلالها بالقوة، وربما تتفاقم الأوضاع سريعاً بعدها. تمتلك تايوان أنيابها الخاصة، أي إن الحصار قد يتصاعد إلى غزو لا يعرف أحدٌ كيف سينتهي، ولربما تتحول حرب المضيق إلى طوفانٍ في البر الرئيسي.

تحميل المزيد