قاد وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيا، وفداً كبيراً إلى سوريا في 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بهدف إقامة علاقات دبلوماسية مع القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
وأعلن سيبيا أن أوكرانيا أرسلت 500 طن من دقيق القمح إلى سوريا، وأكد التزام أوكرانيا بدعم الأمن الغذائي في سوريا. وتركزت المناقشات على بناء تعاون استراتيجي في كافة المجالات والقطاعات، بما في ذلك المشاريع المشتركة في الإنتاج الصناعي والغذائي، وتبادل التكنولوجيا، والأمن السيبراني.
ورأى تقرير نشره موقع أسباب للدراسات الاستراتيجية أن تطور العلاقات السورية الأوكرانية قد ينعكس بشكل إيجابي في عدد من الملفات، لكن لا يُتوقع أن تكون تلك العلاقات على حساب قطع العلاقات مع روسيا.
العلاقة مع روسيا
ورجح تقرير أسباب أن يتخذ الشرع والإدارة الجديدة أدواراً متوازنة مع روسيا تهدف إلى إعادة هندسة العلاقة بين البلدين دون قطعها.
وقال التقرير إن أولوية الشرع في الأجل القصير ستكون بناء تفاهمات مع الولايات المتحدة والغرب لرفع العقوبات وتسوية ملف السيطرة الكردية، ووقف الاستهداف الإسرائيلي. لكن، وعلى الرغم من أن ضعف روسيا على المستوى الدولي أصبح ظاهراً، وتجلى بصورة سافرة في سوريا نفسها، تظل موسكو مهمة لتنويع بدائل الإدارة السورية الجديدة.
كانت أوكرانيا قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا عام 2022 بعد اعتراف الأسد بضم روسيا للأراضي الأوكرانية إثر الهجوم الروسي في فبراير/شباط 2022، وهو ما تبعه قطع العلاقات من طرف سوريا في يوليو/تموز من نفس العام. وعملت أوكرانيا على فتح علاقات مع المعارضة في شمال سوريا حينها.
لعب الدعم العسكري الأوكراني دوراً متواضعاً في الإطاحة الفعلية بالأسد، إلا أنه كان مهماً كجزء من جهد أكبر لتحدي الهيمنة الروسية. وبحسب تقارير، زودت أوكرانيا هيئة تحرير الشام بنحو 150 طائرة بدون طيار و20 مشغلاً لطائرات بدون طيار لتعزيز قدراتها لاستهداف وتحييد المشاركة الروسية من قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية ونقاط تمركز قواتها.
أهداف أوكرانيا من الزيارة
تأتي الزيارة الأوكرانية لسوريا كخطوة متوقعة ومتوافقة مع سياسات الدول الغربية كاتجاه عام نحو إنشاء علاقات مع أحمد الشرع والإدارة الجديدة. كما تأتي الزيارة في إطار رغبة أوكرانيا في تقويض النفوذ الروسي في سوريا، وذلك ضمن سياسة عامة تهدف إلى مكافحة النفوذ الروسي في العديد من المناطق. وتوظف كييف خلال هذه السياسة استراتيجيات دبلوماسية وعسكرية وإعلامية لمواجهة مصالح موسكو.
وفي هذا السياق، نشير إلى الدعم الأوكراني للجماعات المسلحة والمتمردة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذي برز بشكل واضح في دعم أوكرانيا للمتمردين في شمال مالي، إذ نُصب كمين لعناصر فاغنر في 27 يوليو/تموز، مما تسبب في مقتل 84 عنصراً من "فاغنر" و47 من القوات المالية.
وبالرغم مما تقدمه الزيارة الأوكرانية من دعم شرعية دولية للنظام الجديد وفتح المجال لتطوير مجالات أخرى كالتعليم والصناعة والتكنولوجيا والغذاء، قد لا تحظى دعوة وزير الخارجية الأوكراني إلى قطع علاقات سوريا الجديدة مع روسيا بقبول من أحمد الشرع والقيادة الجديدة.
دبلوماسية سوريا الجديدة
تشير تصريحات أحمد الشرع عن روسيا قبيل وصول الوفد الأوكراني بيوم إلى براغماتية وفهم عميق للمصالح الاستراتيجية التي يمكن أن تحققها سوريا مع الأطراف الدولية، متجاوزة نسبياً عن تاريخها مع النظام السابق. إذ أكد الشرع أن سوريا لا تريد أن "تغادر روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها الطويلة الأمد" مع البلاد، مما يشير إلى الرغبة في الحفاظ على علاقات مع روسيا، بما يضمن لها دوراً في المشهد المستقبلي في سوريا، ولكن وفق قواعد وأسس مختلفة تلغي نمط التبعية وتؤسس لعلاقات متوازنة.
وتعكس توجهات الشرع فهماً للتعقيدات الجيوسياسية المحيطة بسوريا، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع القوى الإقليمية، مثل تركيا، وإيران، والسعودية، وإسرائيل. وتشير دعوته إلى إقامة علاقات متوازنة إلى إدراك الحاجة إلى التنقل بين هذه التحالفات بعناية مع ضمان بقاء المصالح السورية في مركز الاهتمام. كما تؤكد حرصه على صناعة بدائل وسط ضبابية الدور الأمريكي الذي قد يتضح مع قدوم الإدارة الجديدة برئاسة ترامب، إذ سيكون ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وآليات دمجها في النظام الجديد محل اهتمام الإدارة الأمريكية، وكذلك ملف العلاقات مع إسرائيل.