وقف إطلاق النار في لبنان.. انسحاب متبادل لكنّ حزب الله كان أكثر تراجعاً في مواقفه وهذه هي الأسباب

عربي بوست
تم النشر: 2024/11/30 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/11/30 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
هجمات لحزب الله وحرائق بداخل الاحتلال ، تعبيرية/ رويترز

أثار اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منذ عدة أيام بين حزب الله وإسرائيل، تساؤلات عدة عن سبب تراجع كلا الطرفين، وخاصة حزب الله، عن مواقفهما السابقة بشأن أهدافهما إزاء الصراع قبل أكثر من عام وموافقتهما على اتفاق لا يلبي جميع مطالبهما.

واستعرض تقرير نشره موقع أسباب أهداف كلا الطرفين قبل الاتفاق،  واعتبر أن الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل يشير إلى تراجع واضح من قبل الجانبين عن أهداف سبق التأكيد عليها والتمسك بها. 

غير أن حزب الله يبدو أكثر تراجعاً، خاصة أن الاتفاق يعني نجاح نتنياهو في هدف أساسي وهو فصل الحرب في لبنان عن الحرب في غزة، وهو ما سبق أن رفضه الحزب في أكثر من مناسبة، وقدم ثمناً باهظاً دفاعاً عن هذا الموقف، خاصة اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وفق تقرير أسباب.

كما أن انسحاب الحزب من جنوب الليطاني يعني تحييد جزء رئيسي من منظومة صواريخه التقليدية التي لا يتجاوز مداها عدة كيلومترات، والتي كانت تمثل تهديداً لمستوطنات شمال الاحتلال. 

وفي تفاصيل الاتفاق نفسه، تراجع الحزب عن رفضه رئاسة الولايات المتحدة للجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق، ما يمنح الانتهاكات الإسرائيلية المحتملة غطاءً، كما يضع مزيداً من الضغوط على الجيش اللبناني لتنفيذ التزامات إخلاء جنوب الليطاني من التواجد المسلح لحزب الله، بحسب تقرير أسباب.

وأضاف تقرير أسباب أنه رغم هشاشة الاتفاق ووجود العديد من الثغرات الكفيلة بانهيار الهدنة، فإن رغبة الجانبين في وقف الحرب ستظل هي الضامن الحقيقي لعدم تجدد القتال وليس أي نصوص مكتوبة. ولذلك؛ من المرجح أن يحافظ الطرفان على الهدنة القائمة، والتي ستتحول مع الوقت لتهدئة مفتوحة، إلا إذا اندلعت مواجهة إيرانية إسرائيلية مباشرة، حينها سيكون من المحتمل أكثر أن يعيد حزب الله استهداف إسرائيل.

حزب الله
عناصر من حزب الله اللبناني/رويترز

ماذا يعني تراجع حزب الله؟

أوضح التقرير أنه يتعين وضع هذا التراجع من قبل حزب الله في سياق مغزاه الجيوسياسي الأوسع، والمتمثل في شعور إيران بالتهديد الذي يتعرض له نفوذها الإقليمي الذي بنته طوال العقد الماضي، فضلاً عن التهديد للداخل الإيراني نفسه إذا تعرض لهجوم واسع من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومن ثم فإن طهران تعمل بجدية لاحتواء التصعيد الراهن. أي إن تراجع حزب الله لا تكمن أهميته فقط في معادلة الحرب اللبنانية الإسرائيلية، ولكنّه يشير في الصورة الأوسع للضعف النسبي الذي لحق المحور الإيراني نتيجة الدعم والحماية الأمريكية لإسرائيل وعملياتها العسكرية في عموم المنطقة. 

ولا شك أن فوز ترامب يعزز من اتجاه إيران للتهدئة، والسعي من أجل التوصل لتفاهمات مع الولايات المتحدة بهدف احتواء التصعيد، وهو ما خلص إليه أيضاً تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

ماذا عن إسرائيل؟

على الجانب الآخر، كان التراجع الإسرائيلي الأساسي هو التخلي عن هدف تدمير قدرات حزب الله والحد من قدرته على استهداف العمق الإسرائيلي، وتبني نهج بديل يقوم على محاصرة حزب الله واحتوائه. أي إن نتنياهو اضطر للقبول بنهج تجاه حزب الله سبق أن رفض مثله إزاء التعامل مع حماس في غزة، وهو تعهد خطوات منسقة وطويلة الأجل لمحاصرة الحزب والإبقاء على تهديده في الحد الأدنى وصولاً إلى إضعافه بصورة استراتيجية مع الوقت.

ويشمل ذلك قطع خطوط إمداده المالية والعسكرية، وتضييق الخناق عليه محلياً سياسياً وأمنياً، وزيادة قدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية لإحكام الخناق على المطارات والموانئ والحدود، فضلا عن مراقبة تحركات الحزب وأنشطته وبنيته العسكرية. 

وكانت تقارير نقلت عن وزراء في الحكومة الإسرائيلية قولهم إن "هناك أسباباً معقدة وسرية تدفع إسرائيل لاختيار الاتفاق رغم عيوبه".

صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلاً عن مسؤول أن قرار الترويج لاتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية. 

وشملت الأسباب الثلاثة مخاوف لدى إسرائيل بأنها كانت ستواجه على الأرجح قراراً من مجلس الأمن بوقف الحرب في لبنان، والحاجة لإراحة قوات الاحتياط المستنزفة في لبنان وغزة، وأخيراً فصل جبهتي غزة ولبنان.  

خلاف بين نتنياهو والمفاوضين
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو / رويترز

ماذا بعد؟

وتوقع تقرير اسباب أنه لن يكون من المستبعد أن تواصل إسرائيل استهداف بنية الحزب بضربات نوعية، حتى لو عُدَّ هذا انتهاكاً للاتفاق، إذ تتيح بعض الصياغات الغامضة للجانبين تبرير انتهاك الاتفاق دون أن يؤدي ذلك بالضرورة لانهياره، إذ تضمن الاتفاق نصوصاً تحفظ حق لبنان وإسرائيل في الدفاع عن النفس.

وما يعزز من احتمال تواصل الضربات النوعية، أن الهجمات الإسرائيلية على الحزب ألحقت ضرراً فادحاً بقيادته، وأربكت منظومته الداخلية، لكنّ هذه تظل خسائر مؤقتة سيتمكن الحزب من التعافي منها. أما قدراته العسكرية، فالراجح أن الدعاية الإسرائيلية تتسم بالمبالغة إزاء حجم الضرر الذي نجحت في إلحاقه بحزب الله، ومن المؤكد أن الحزب ما زال يمتلك منظومة صاروخية أكثر تقدماً مما استخدمت بصورة عامة خلال الحرب، ومن ثم فإن قدرته على استهداف العمق الإسرائيلي ما زالت قائمة، رغم انسحابه لشمال الليطاني. 

بالإضافة لذلك، فإن الوعود بأن الحرب ستنهي نفوذ حزب الله السياسي في المعادلة اللبنانية بات واضحاً أنها مجرد أماني لم تتجسد في الواقع بأي قدر معتبر.

لذلك؛ لا يمثل وقف إطلاق النار نهاية استهداف حزب الله؛ فبالإضافة لجهود ملاحقة بنيته العسكرية والمالية في الداخل، ستركز الولايات المتحدة وإسرائيل على إضعاف إيران في سوريا لقطع طريق الإمداد الإيراني، لأنه من دون قطع هذا الطريق اللوجيستي سيكون تعافي حزب الله، بل وتطوير قدراته، مسألة وقت.

ومن المرجح أن تواصل إدارة الرئيس نفس هذه الخطط. ولا شك أن هدف إضعاف إيران في سوريا يتقاطع مع رغبة عربية كبيرة (مصر والسعودية والإمارات والأردن)، فضلاً عن مصلحة تركيا في ذلك. 

ورجح التقرير بشكل كبير أن يسعى الرئيس السوري بشار الأسد لاغتنام الظرف من أجل إعادة تموضع إقليمي وتأهيل سياسي واقتصادي سخي، خاصة وأن لديه مصلحة في الحد من الهيمنة الإيرانية على نظام حكمه، دون أن يعني هذا قدرته على فك الارتباط بصورة كاملة عن إيران.

تحميل المزيد