من يقتنص كنز أفريقيا الثمين؟ تفاصيل الصراع الصيني الأمريكي على المعادن الحرجة بالقارة السمراء

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/30 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/30 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن يلتقي بالرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة أبيك في وودسايد بكاليفورنيا بالولايات المتحدة في 15 نوفمبر/آب 2023.

من السيارات الفاخرة مروراً بالهواتف المحمولة وصولاً إلى أحدث الطائرات الشبحية، باتت المجتمعات، والاقتصادات، والجيوش الحديثة، تعتمد على ما يُعرف باسم "المعادن الحرجة"، والتي تتركز بشكل كبير في القارة الأفريقية، خاصة فيما يُعرف باسم حزام التعدين في جنوب القارة وهي المنطقة المرشحة للتحول لأشد مناطق النزاع الصيني الأمريكي ضراوة.

وتعدّ أفريقيا موطناً لـ30% من إجمالي المعادن الحرجة المعروفة في العالم، وبينما تريد الولايات المتحدة استغلال تلك السوق، تكمُن المشكلة أمام واشنطن في أن الصين سبقت الجميع؛ إذ توقع بكين على الصفقات هنا وهناك منذ عقود، وتُشيِّد البنية التحتية اللازمة لاستخراج تلك الثروات المعدنية، واليوم، تُهيمن بكين على أنشطة استخراج وتكرير ومعالجة الموارد المعدنية عالمياً، حسبما ورد في تقرير لمنصة "أسباب" للدراسات السياسية والاستراتيجية.

أمريكا تضع استراتيجية لمنافسة الصين في سباق المعادن الحرجة بأفريقيا

لكن الأمريكيين وضعوا استراتيجيةً للعودة والاستحواذ على حصةٍ في سوق المعادن الحرجة في أفريقيا من جديد، إذ خصصوا مئات الملايين من الدولارات لإحياء مشروع سكة حديد ضخمة تمتد من الأطلسي وصولاً إلى قلب أفريقيا، فيما تتفاوض الصين للاستحواذ على عمليات خط سكة حديد تزارا الذي يمتد في الاتجاه المقابل من أفريقيا بين زامبيا إلى تنزانيا وصولاً إلى آسيا والمحيط الهادئ، حسبما ورد في تقرير منصة "أسباب".

ويتمحور الخلاف حول موارد المعادن الحرجة المدفونة تحت الأرض، ويعتمد كل شيء في حياتنا المعاصرة تقريباً على تلك الموارد الحرجة، بدايةً بمقاتلات إف-35 وصولاً إلى بطاريات السيارات الكهربائية وعنفات محطات استخراج الطاقة من الرياح، وفقاً لتقرير أسباب.

وتشمل هذه المعادن:

العناصر الأرضية النادرة

البوكسيت

الكروم

الليثيوم

المانغنيز

البلاتين وغيرها

استخراج المعادن الحرجة تعرقله الظروف السياسية والجغرافية

تمتلك أفريقيا كميات وفيرة للغاية من تلك المعادن؛ إذ يمتلئ النصف الجنوبي من القارة بالمعادن التي ترسم شكل الحياة المعاصرة، وتتركّز مواقع التعدين بكثافة في المنطقة الممتدة من الكونغو الديمقراطية إلى جنوب أفريقيا والتي تُعرف باسم حزام التعدين.

 ولا يتعلّق الأمر بكثافة الموارد المعدنية فحسب، بل بالجودة العالية والبنية التحتية التي تحمل الموارد إلى المحيطات المفتوحة للتصدير أيضاً.

المعادن الحرجة
عمال يحملون أكياساً من خام منجم الكولتان في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية/رويترز، أرشيفية

لكن الغابات تملأ المشهد لدرجة أن البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية تُعد نادرة. وحتى عند ربط مواقع التعدين وتجهيزها للتصدير، سنجد أنها نادراً ما تكون متصلةً بالعاصمة الفيدرالية لهذه البلدان.

حيث توجد مثلاً غابة مطيرة بطول نحو 1,600 كلم بين عاصمة الكونغو كينشاسا ومنطقة كاتانغا الغنية بالموارد، وتُعَدُّ هذه التضاريس صعبة الاجتياز بدرجةٍ كبيرة، وليس هناك الكثير من الطرق التي تربط بين جانبي البلاد.

الكونغو لديها نحو 80% من احتياطيات الكوبالت العالمية وزامبيا مشهورة بالنحاس عالي الجودة

ولا عجب في أن وسطاء السلطة المحلية يعيشون بمعزلٍ عن الحكومة الفيدرالية ويتصرفون من تلقاء أنفسهم عادة.

وتتطلع أمريكا الآن إلى إدارة أعمالٍ تجارية في منطقة كاتانغا بالكونغو الديمقراطية، التي تحتوي على أكبر إمدادات الكوبالت في العالم.

وتشير التقديرات إلى أن احتياطات إقليم كاتانغا تتراوح بين 70% و80% من إجمالي الإنتاج العالمي للكوبالت.

وتُعد زامبيا المجاورة مورداً رئيسياً للنحاس؛ إذ تمتلك 6% من احتياطيات النحاس المعروفة عالمياً، ولكن الميزة أن لديها الاحتياطيات الأعلى جودةً على الإطلاق.

وهذا يعني أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا تحتلان محور السباق من أجل المعادن الحرجة.

بايدن يريد إحياء خط سكك حديد قديم لتوجيه موارد القارة نحو أمريكا

ومن أجل الاستفادة بالموارد الكونغولية والزامبية تعهّد الرئيس بايدن بتخصيص 360 مليون دولار لإحياء ممر لوبيتو.

وهذا الممر يضم مجموعة من البنيات التحتية للسكك الحديدية والموانئ والمطارات والطرق التي تربط الجزء الجنوبي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والجزء الشمالي الغربي من زامبيا، بأسواق التجارة الإقليمية والعالمية عبر ميناء لوبيتو في أنغولا على ساحل المحيط الأطلسي.

وقد أنشأت بلجيكا والبرتغال هذا الخط في الأصل عام 1905، لكن جزءاً من الخط تعرض للتدمير أثناء الحرب الأهلية الأنغولية وأصابه الإهمال، كما ظهر تعهّدٌ من ائتلاف تجاري لمستثمري القطاع الخاص باستثمار أكثر من 450 مليون دولار في مشروعات البنية التحتية.

وساعد البنك الأفريقي للتنمية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023 بجمع تمويل بقيمة 1.6 مليار دولار، ساهم بنفسه بمبلغ يصل إلى نحو 500 مليون دولار.

المعادن الحرجة
منجم ومصنع معالجة الليثيوم في جورومونزي بزيمبابوي في 5 يوليو/تموز 2023-رويترز

وسيتجاوز طول السكة الحديد النهائية أكثر من 1,300 كلم، وتستهدف الولايات المتحدة اليوم ترميم وتجديد السكة الحديد، خاصة الجزء الممتد من ندولا وشينغولا بزامبيا إلى معبر جيمبي الحدودي، وسيسمح هذا للشركات الأمريكية متعددة الجنسيات بنقل المعادن الحرجة إلى ميناء لوبيتو في أنغولا، ثم شحن المعادن من هناك عبر المحيط الأطلسي.

تُقدر الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على النيكل والكوبالت سيزداد بـ20 ضعفاً بين عامي 2020 و2040، وسيزداد الطلب على الغرافيت بـ25 ضعفاً، وسيزداد الطلب على الليثيوم بأكثر من 40 ضعفاً.

أي أن الهدف هو أن يساعد ممر لوبيتو في استيعاب زيادة حجم حركة المرور على خط السكة الحديد، لكن الخطة أكبر من مجرد خط سكة حديدية في الواقع؛ إذ يجب أن يزيد الإنتاج من أجل استغلال حزام التعدين بشكلٍ كامل وخفض التكاليف بفعالية.

ولهذا تريد الولايات المتحدة ترقية خط السكة الحديد وتحويله إلى سلسلة قيمة بحيث لا يقتصر دوره على تصدير المعادن الحرجة، بل سيرعى تنمية الأعمال والأنشطة التجارية أيضاً، وتأكيداً على هذه النقطة، خصص البنك الدولي 300 مليون دولار لتمويل خطة تنويع اقتصادي في أنغولا.

وسيساهم هذا المشروع، الذي مُرِّرَ في مايو/أيار عام 2023، مساهمةً مباشرة في تحويل ممر لوبيتو إلى سلسلة قيمة، وقد يستضيف المشروع بعض مصانع التكرير والمعالجة في المرحلة المبكرة منه، لكن مع حركة الناس وزيادة الأنشطة التجارية، ستظهر بلدات جديدة وستكتسب حياةً خاصة بها.

 ربما يستغرق حدوث ذلك عدة عقود، لكن الحياة الحضرية تتطور بهذه الطريقة.

لماذا صعدت فرص تعزيز أمريكا لنفوذها بالمنطقة؟ استثمارات الصين تتراجع

يأمل بايدن في تقوية العلاقات مع الدول الأفريقية عبر تحويل ممر لوبيتو إلى سلسلة قيمة. ويأتي هذا في وقتٍ بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الصين أدنى مستوياتها منذ عقود.

وتُعد هذه فرصة سانحة أمام الولايات المتحدة لإزاحة الصين عن عرش أفريقيا، وضمن خطوات حملة الاستمالة، زارت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، ثلاث دول أفريقية على الأقل في 2023.

كيف ترد بكين على التحركات الأمريكية؟ تريد إحياء خط منافس

تتمتع الصين بالسبق في أفريقيا؛ إذ تُعد أكبر شريك تجاري للقارة لمدة 15 عاماً على التوالي، وهي لا تقف مكتوفة الأيدي وهي تشاهد الجهود الأمريكية لإحياء ممر لوبيتو وتوجيه الصادرات نحو المحيط الأطلسي.

إذ تتفاوض الصين في تنزانيا وزامبيا للاستحواذ على عمليات هيئة سكة حديد تنزانيا-زامبيا (المعروفة اختصاراً باسم تزارا).

يمتد خط السكة الحديد هذا من وسط زامبيا وصولاً إلى ميناء دار السلام في تنزانيا على المحيط الهندي، وجرى تمويله وتشييده بواسطة الصين نفسها في البداية عام 1975، ولم يكن لدى الصين حينها حجم الإيرادات الذي تتمتع به اليوم. لكن المسؤولين الصينيين أدركوا أهمية المعادن الحرجة آنذاك.

والمفارقة أن خط سكة حديد تازارا المدعوم من الصين يحظى بنفس طول خط لوبيتو المدعوم من الغرب تقريباً.

وسقط خط تازارا فريسةً للتآكل والتدهور في الآونة الأخيرة على غرار الخط المقابل في جهة الغرب.

وتريد الصين إحياء خط تازارا مثل الولايات المتحدة التي تتطلع إلى إحياء خط لوبيتو؛ إذ تتفاوض من أجل الاستحواذ على خط السكة الحديد منذ سنوات، وجاءت آخر محاولاتها في فبراير/شباط عام 2024، عندما عرضت مليار دولار لتجديد البنية التحتية للخط وتولِّي عملياته.

وربما تفكر الصين مستقبلاً في ربط خط تازارا بمدينة لوبومباشي، عاصمة مقاطعة كاتانغا الغنية بالكوبالت في الكونغو الديمقراطية، وسيؤدي ذلك إلى نقل الكوبالت الكونغولي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ فضلاً عن تأمين نهج الصين المتبع مع التقنيات المبتكرة في الوقت ذاته، ولا شك أن مبلغ المليار دولار قد لا يبدو ضخماً عند مقارنته بالاستثمارات الصينية السابقة في أفريقيا.

بكين تمر بركود وتنأى بنفسها عن المشروعات الضخمة بأفريقيا ولكن باتت أكثر انتقائية

ولكن بكين ابتعدت عن تنفيذ مشروعات البنية التحتية الضخمة في أفريقيا منذ 2023.

فلقد تغيّرت الصين وصارت أكثر حذراً في الإنفاق، حسب تقرير منصة أسباب.

ولم تعد تنفذ مشروعات بمليارات الدولارات، ولم تُعلن عن أي مشروعات عملاقة منذ ذلك الحين، بعد تقارير عن تضخم ديون العديد من دول العالم الثالث لديها واحتمال تعثرها بما في ذلك دول أفريقية.

أي إن قرار الصين باستثمار مليار دولار في خط سكة حديد تازارا يمنحنا سياقاً مهماً هنا؛ إذ يُشير ضمنياً إلى خطة جغرافية اقتصادية طويلة الأمد.

وعند النظر إلى العقد المقبل، من المحتمل أن تقتبس الصين أسلوب اللعب الأمريكي وتُحوِّل خط تازارا إلى سلسلة قيمة.

لمن ستنحاز دول أفريقيا المعنية: الصين أم أمريكا؟

ويُمكن القول إن الجغرافية السياسية للمنطقة تُعد عبارة عن خيارٍ واضح بين الغرب والشرق، وبالنظر إلى الحقائق الراهنة على الأرض قد تُفضل الدول الأفريقية التي تمر عبرها تلك الخطوط استغلال المصالح الأمريكية بدلاً من الصينية، أو العكس.

وربما تقدم بكين شروطاً أفضل في الصفقات وقدرات مُحسَّنة، لكن أنغولا وزامبيا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية تستطيع التحوط للخروج بأفضل صفقات ممكنة، وتُعَدُّ قوة التفاوض المحتملة للصين أكثر إقناعاً بفضل مذكرات التفاهم التي وقعتها مع غالبية دول أفريقيا منذ عقدٍ مضى.

وتوسعت الصين داخل القارة منذ ذلك الحين عبر مبادرة الحزام والطريق، واستثمرت الشركات الحكومية الصينية نحو 170 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية العملاقة بطول القارة.

وتضمنت تلك المشروعات الموانئ والمطارات والسكك الحديد والطرق السريعة وشبكات الاتصالات وغيرها، وسمحت هذه الاستثمارات للشركات الصينية ببناء شراكات إقليمية لاستخراج المعادن الحرجة وشحنها إلى الصين.

والصين تتفوق في السيارات الكهربائية

وربما توقفت بكين عن الاستثمار في مشروعات بمليارات الدولارات داخل أفريقيا، لكن استثماراتها السابقة لا تزال تحظى بثقلٍ في القارة، علاوةً على أن الأمريكيين والأوروبيين لا يقودون الركب في مجال تكنولوجيا السيارات الكهربائية، حيث يجري تصنيع نحو 90% من مكونات الخلايا في آسيا، وتتمتع الصين بقدرات مذهلة في مجال السيارات الكهربائية.

وقد تفوّقت أكبر شركة صينية تصنع السيارات الكهربائية BYD على شركة تسلا من حيث حجم الإنتاج في الربع الرابع من السنة المالية 2023.

وتقدم بكين شروطاً تجاريةً أفضل بالنسبة للدول الأفريقية لكنهم قد يرحبون بالمستثمرين الأمريكيين رغم ذلك لتقليل اعتمادهم على الصين؛ إذ تنمو العلاقات بين أنغولا والغرب بمعدلٍ ثابت منذ انضمام الأولى إلى منظمة التجارة العالمية عام 1996، وتتمتع أنغولا باحتياطيات هيدروكربونية ضخمة وتقع بين وسط وجنوب أفريقيا.

والأهم من ذلك هو أن أنغولا لديها ميزة فريدة من نوعها بين دول المنطقة، حيث تتميز بامتلاك نهر قابل للملاحة تستطيع البضائع اجتيازه لبلوغ قلب البلاد، ولهذا لا تتطلع أنغولا إلى ربط نفسها بالصين، بل ربما تفضل إبقاء خياراتها مفتوحة، وينطبق المبدأ ذاته على زامبيا التي تمتلك احتياطيات النحاس الأعلى جودةً في الكوكب.

كما أن خطي السكة الحديد لوبيتو وتازارا ينطلقان من أراضيها. وإذا حافظت زامبيا على التوازن بين الممرين الشرقي والغربي، فستحظى في النهاية بعلاقات قوية مع أمريكا والصين على حدٍ سواء، ولن تكون هناك حاجة لتنفير واحدٍ من أكبر اقتصادين في العالم على حساب الآخر.

الكونغو تبدو أقرب للصين

ولكن في المقابل، هناك مخاطر مختلفة بالنسبة للكونغو الديمقراطية إذ تُعد دولةً فاشلة منذ عام 2006 وبلا سبيل إصلاح ممكن في القريب العاجل، وتنتشر عشرات حالات التمرد في مقاطعاتها النائية كما أن هناك صراعاً واسعاً بالوكالة لدى جيرانها حالياً، ولا تتدخل الولايات المتحدة إلا نادراً، وعندما يأتي التدخل، تركز واشنطن على إحلال الاستقرار وتوفير المساعدات الإنسانية فقط، ويصل حجم التجارة بين الكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة إلى 332 مليون دولار فقط.

وتتمتع الصين بأفضليةٍ في تحمل المخاطر مقارنةً بالولايات المتحدة، حسب تقرير أسباب؛ إذ تمتلك علاقات تجارية عميقة مع الكونغو الديمقراطية وتحظى بنفوذٍ أكبر عليها، أي إن الكونغو الديمقراطية ستظل أقرب إلى بكين في المستقبل القريب على الأرجح.

تحميل المزيد