حقق حزب العمال البريطاني فوزاً كبيراً على حزب المحافظين في انتخابات البلدية في بريطانيا والتي أجريت مطلع مايو/أيار 2024؛ إذ بلغ عدد المقاعد التي فاز بها 2675 مقعداً بارتفاع 537 عن الانتخابات السابقة، غير 71 مجلس بلدية، مرتفعاً بـ 22 مجلساً عن الانتخابات السابقة.
أما حزب المحافظين فقد خسر 1063 مقعداً عن الانتخابات السابقة ليصل عدد مقاعده إلى 2269 مقعداً، في حين بلغ عدد المجالس التي فاز بها 33 مجلساً بعد خسارة 48 مجلساً عن الانتخابات السابقة، وهي الخسارة الأكبر لحزب المحافظين منذ انتخابات 1998. وقد طالب زعيم حزب العمال كير ستارمر، رئيس الوزراء ريشي سوناك، بإجراء انتخابات عامة مبكرة.
كيف ستؤثر نتائج الانتخابات البلدية في بريطانيا على الاتجاهات السياسة الخارجية؟
يقول موقع أسباب للشؤون الاستراتيجية إن الملف الاقتصادي خاصة يؤثر ارتفاع تكاليف المعيشة وغياب الدعم الكافي من الدولة خلال أزمة كورونا باتجاه تفضيل الناخب البريطاني حزب العمال على حزب المحافظين.
وبالرغم من تحقيق حزب العمال نتائج كبيرة إلا أن أداءه لم يكن الأفضل في عدد من المناطق ولم تصب خسارة المحافظين كاملة في مصلحته؛ إذ حققت الأحزاب الأخرى خاصة الديمقراطيين الأحرار والخضر، نتائج إيجابية على حساب الحزبين الكبيرين، وهو مؤشر على نقمة الناخبين على الحزبين. ويرجع هذا لأسباب متداخلة، من بينها حرب غزة التي تبنت قيادة العمال فيها موقفاً مشابهاً لموقف المحافظين، وتداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي التي يتقاسمها الحزبان، والفشل في التعامل مع مسألة المهاجرين الذي يمتد أيضاً إلى سنوات حكم حزب العمال قبل 2010.
وحقق المرشحون المستقلون أيضاً حضوراً معتبراً، خاصة الذين وضعوا حرب غزة على قائمة أجندتهم، حيث أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة YouGov، تأييداً كبيراً لوقف فوري لإطلاق النار في غزة بنسبة بلغت 71%. فعلى سبيل المثال؛ مثل فوز جورج غالوي في مقاطعة روتشديل، والذي قامت حملته على دعم القضية الفلسطينية، وانتزع من حزب العمال المقعد بعد أن احتفظوا به منذ 2010، كما واجه حزب العـمال انشقاقات من أعضاء بالمجالس، رافضين دعم قيادة الحزب لإسرائيل، ما أدى إلى خسائر في مجالس مثل أولدهام وبيندل، لمصلحة مستقلين داعمين لفلسطين.
وفي 58 منطقة تابعة للمجالس المحلية إذ يعتبر أكثر من خمس السكان مسلمين، انخفضت حصة حزب العمال في التصويت بنسبة 21٪ مقارنة بالعام السابق. وكان هذا التراجع عاملاً رئيسياً في نتائج الانتخابات البلدية في بريطانيا، حيث حقق المرشحون المستقلون والأحزاب البديلة مكاسب في المناطق التي فقد فيها حزب العـمال الدعم. وحقق حزب الخضر الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ارتفاعاً في حصته من الأصوات، ما يشير إلى تأثير حرب غزة على قرارات الناخبين. هذا التأثير قد يقود لتشكل مشهد سياسي داخلي، تبرز فيه كتلة المسلمين ككتلة فاعلة "مستقلة" عن حزبي العمال والمحافظين.
الأجيال تقلب التوقعات والنتائج
الجيل Z كان له تأثير كبير في نتائج الانتخابات البلدية في بريطانيا، وعلى ما يبدو سيكون اللاعب الحاسم في الانتخابات التشريعية القادمة، إذ تظهر استطلاعات الرأي انقساماً كبيراً بين الأجيال في التصويت، ومن المرجح أن يدعم جيل الألفية والجيل Z حزب العـمال مقارنة بالأجيال الأكبر سناً التي تفضل المحافظين. فبينما يفضل حوالي ثلثي الناخبين تحت 40 عاماً حزب العـمال، يقتصر دعم حزب المحافظين داخل نفس الفئة على حوالي 10٪، أما الفئات العمرية بين 60 – 69 عاماً فهي تفضل حزب المحافظين بنسبة 37٪ مقابل 36.1٪ لحزب العمال.
ويمثل هذا مؤشراً هاماً في مستقبل السياسة الخارجية البريطانية، ليس فقط في الانتخابات القادمة، ولكن لفترة زمنية أطول. إذ يتبنى الجيل صفر في بريطانيا: (1) اتجاهاً مناقضاً للرأسمالية متأثراً بالسياسات الاقتصادية التي تبنتها حكومات حزب المحافظين، (2) وهم أقل قومية من الأجيال الكبيرة، (3) لا يتبنون خطاباً سلبياً مناهضاً للهجرة بالمقارنة مع الأجيال الكبيرة، (4) وأخيراً، يميلون إلى الوحدة مع الاتحاد الأوروبي.
في ضوء هذه النتائج، بات من المرجح أن يفوز حزب العمال بالانتخابات التشريعية القادمة، وهو ما سيؤثر في عدد من الملفات في السياسة الخارجية:
وتشير تقديرات إلى أن حزب العمال سيتبنى سياسة إيجابية مع الاتحاد الأوروبي بهدف حل عدد من القضايا الخلافية بين الجانبين وتطوير التجارة والتعاون الأمني مع الاتحاد، وكذلك توثيق العلاقات مع أمريكا وحلف الناتو والمساهمة بشكل فعال أكثر في الساحة الدولية، وسيركز على نهج مركب تجاه الصين يشمل التنافس ومواجهة التحدي الدولي الذي تمثله بالتعاون مع حلفاء بريطانيا، دون أن يغلق باب التعاون مع بكين في قضايا مثل التجارة والمناخ والصحة العالمية. ومن المتوقع أن تحافظ حكومة حزب العـمال على دعم قوي لأوكرانيا ضد الغزو الروسي.
يتوقع ألا يتبنى الحزب حال فوزه الاعتراف بفلسطين كدولة، بالرغم من موقف حزب العمال على مر السنين بالالتزام بمبدأ حل الدولتين. وعلى الرغم من تبني السياسة الرسمية لحزب العـمال موقفاً أكثر انتقاداً للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن القيادة الحالية للحزب تميل لدعم "إسرائيل" في حرب غزة بشكل واسع. وقد صرح مستشار الظل العمالي، بات ماكفادين، بأنه لا توجد مقاطعة لبيع الأسلحة لإسرائيل وشدد على أهمية التزام إسرائيل بالقانون الإنساني الدولي. يميل حزب العـمال لإعادة الاهتمام بالشرق الأوسط بعد سنوات من إهماله من قبل حكومات المحافظين، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيكون هذا الاهتمام مؤثراً.