- تركيا تبرم اتفاقية مع الصومال وأخرى مع جيبوتي
- يصعب على القوى المناوئة تعطيل دور البحرية التركية أمام سواحل إقليم أرض الصومال الانفصالي
- إقليم أرض الصومال الانفصالي يراهن على الاتفاق مع إثيوبيا
- التحالفات في منطقة القرن الأفريقي يُعاد تشكيلها بعد الاتفاقية الإثيوبية
- التحدي الأكبر في طموح آبي أحمد المعلن بحاجة إثيوبيا للوصول للبحر
جاءت مزاعم إقليم أرض الصومال الانفصالي بأن اتفاقية الأمن البحري الموقعة بين الصومال وتركيا لا تمنح السفن التركية الحق في دخول مياه الإقليم، لتنذر بمحاولة من الإقليم الانفصالي للتصدي لجهود مقديشو المدعومة بأنقرة للحفاظ على وحدة البلاد، كما تسلط هذه التصريحات الضوء على دور القوى الخارجية الداعمة للانفصاليين.
وجاء هذا التصريح على لسان وزير خارجية إقليم أرض الصومال الانفصالي، وذلك تعقيباً منه على زيارة السفينة الحربية التركية TCG KINALIADA إلى ميناء مقديشو في نهاية أبريل/نيسان 2024، في إطار اتفاقية التعاون الدفاعي بين تركيا والصومال.
ولكن تقريراً لمنصة "أسباب" للدراسات السياسية والاستراتيجية يرى أن: تحذير أرض الصومال لن يعطل الدور التركي في القرن الأفريقي.
تركيا تبرم اتفاقية مع الصومال وأخرى مع جيبوتي
وكانت تركيا قد وقعت اتفاقية إطارية مع الصومال للتعاون الدفاعي والاقتصادي في 8 فبراير/شباط، خلال اجتماع وزيري الدفاع التركي يشار غولر، والصومالي عبد القادر محمد نور، في أنقرة. لاحقاً؛ أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود موافقة مجلس الوزراء الصومالي على "الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، بين تركيا والصومال، لمدة عشر سنوات، وجاءت موافقة البرلمان الاتحادي الصومالي على الاتفاقية بأغلبية 213 صوتاً مقابل 3 أصوات، في 21 فبراير/شباط.
وبموجب هذا الاتفاق الدفاعي، ستساعد تركيا، (العضو في حلف شمال الأطلسي) في الدفاع عن المياه الإقليمية للصومال، وإعادة تنظيم القوات البحرية للبلد المضطرب في القرن الأفريقي، وفق ما أوضح الرئيس حسن شيخ محمود، عقب جلسة مشتركة للبرلمان.
وبعد ذلك بأيام، وتحديداً، في يوم الإثنين 19 فبراير/شباط، وقّع وزير الدفاع التركي ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، اشتملت على التعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية، وذلك خلال استضافته نظيره الجيبوتي حسن عمر محمد في العاصمة أنقرة.
وحتى قبل الاتفاقية بين تركيا والصومال، تستضيف العاصمة الصومالية مقديشو أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، والتي افتتحت عام 2017، وتُعرف باسم معسكر توركصوم (TURKSOM)، وهي قاعدة عسكرية وكلية حربية لتدريب وتأهيل جنود جيش الصومـال، وتخرج سنوياً نحو 1500 جندي، ويصل إجمالي من تخرج منها نحو 10 آلاف جندي.
يصعب على القوى المناوئة تعطيل دور البحرية التركية أمام سواحل إقليم أرض الصومال الانفصالي
من الناحية العسكرية، يمكن لتركيا فرض هيمنتها البحرية على سواحل إقليم أرض الصومال الانفصالي دون معوقات تذكر؛ حيث يفتقر الإقليم الانفصالي إلى قدرات عسكرية مؤهلة لإعاقة البحرية التركية، كما أن حليفيه، الإمارات وإثيوبيا، ليس من المرجح أن يتورطا في مواجهة بحرية مع تركيا التي يستند تواجدها لاتفاق مع الحكومة المعترف بها دولياً وإقليميا، حسب أسباب.
ومع هذا؛ فإن أنقرة على الأرجح ستميل لتجنب تصعيد الموقف في الصومال والاستفادة من علاقاتها مع جميع الأطراف لمنع تدهور الموقف، خاصة أن التصعيد في الصومال سيجذب المزيد من الفاعلين الدوليين والإقليميين.
وبينما ستحرص أنقرة على تجنب الصدام مع الإمارات أو إثيوبيا، والعمل على التوصل لتفاهمات مشتركة، فإنها ستواصل أيضاً على الضغط على أرض الصومال ومنع أي إجراءات انفصالية لفرض أمر واقع، لأن تخلي أنقرة عن التزامات اتفاقها العسكري مع مقديشو يمس مصداقية تركيا كشريك أمني موثوق للحكومات الأفريقية.
وتمنح اتفاقية التعاون الدفاعي التركي مع الصومال، التي وقعها وزيرا دفاع البلدين في فبراير/شباط الماضي، "سلطة شاملة" لأنقرة تضمن حماية البحر الصومالي وحدوده المائية من أي تهديد خارجي، وتنص على بناء وتأهيل تركيا للقوات البحرية الصومالية ومساعدتها في تأمين سواحل البلاد، كما تمنح السفن التركية حق تنفيذ دوريات في المنطقة الاقتصادية البحرية للصومال ومياهه الإقليمية، وهو ما يعمق النفوذ التركي بالبلاد.
إقليم أرض الصومال الانفصالي يراهن على الاتفاق مع إثيوبيا
في المقابل، يراهن إقليم أرض الصومال الانفصالي على تحالفه مع إثيوبيا، ومع الإمارات أيضاً، والذي توج بعقد الجانبين لمذكرة تفاهم في يناير/كانون الثاني 2024 تقضي بسماح "أرض الصومال" لإثيوبيا ببناء قاعدة بحرية عسكرية على سواحله بامتداد 20 كيلومتراً مقابل اعتراف إثيوبيا به كدولة ذات سيادة، وحصوله على حصة من ملكية الخطوط الجوية الإثيوبية، وهي الاتفاقية التي أثارت انتقادات إقليمية ودولية.
وتنص مذكرة التفاهم بين إثيوبيا إقليم أرض الصومال الانفصالي على أن تتمكن أديس أبابا التي لا تمتلك سواحل منذ انفصال إريتريا عنها من الوصول إلى مضيق باب المندب في خليج عدن عبر ممر ستستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عاماً. ويمكن لإثيوبيا إنشاء قاعدة عسكرية ومنشآت تجارية هناك. وفي المقابل، ستحصل أرض الصومال على حصة لم تحدد من الخطوط الجوية الإثيوبية.
وتهدد الخلافات بين أرض الصومال ومقديشو بجر أطراف أخرى إلى الصراع، وبالأخص في ظل إعلان حكومة مقديشو استعدادها للحرب من أجل منع تنفيذ اتفاق أرض الصومال وإثيوبيا، وهو ما تزامن مع قيام رئيس الصومال، حسن شيخ محمود، بجولة زيارات إلى إريتريا ومصر وقطر لحشد الدعم الدبلوماسي لموقفه.
وأبدت أبوظبي عملياً تحفظها على تقارب مقديشو وأنقرة، حيث أوقفت تمويلها الشهري لخمسة ألوية من الجيش الصومالي متمركزة خارج مقديشو تضم 9000 جندي، فيما أبقت على تمويل لواءين فقط يحرسان العاصمة بجوار لواء قوات خاصة مسؤول عن حماية المنشآت الحيوية.
ويُعزى تخفيض التمويل الإماراتي إلى أسباب متعددة من بينها توتر العلاقات الثنائية؛ إثر توقيع مقديشو وأنقرة لاتفاقية التعاون العسكري واتفاقية اقتصادية للتنقيب عن النفط والغاز أمام السواحل الصومالية، فضلاً عن تداعيات مقتل أربعة ضباط إماراتيين على يد جندي صومالي في قاعدة "الجنرال جوردون العسكرية" التي تديرها الإمارات، وكذلك رداً على تخفيض الرئيس الصومالي لرواتب قوات بلاده الممولة إماراتياً من نحو 330 دولاراً شهرياً في المتوسط لتصبح 200 دولار بما يتماشى مع أجور بقية جنود الجيش الصومالي.
ويولد تخفيض الدعم الإماراتي تحديات أمام الحكومة الصومالية للبحث عن مصادر تمويل بديلة أو دمج القوات الممولة إماراتياً في وحدات أخرى، وهو ما قد يعرقل الخطط الحكومية لزيادة حجم الجيش إلى 30 ألف جندي كي يحل محل "بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال"، والتي من المفترض أن تنسحب من البلاد نهاية عام 2024، وبالتالي قد يحدث فراغ أمني يفاقم معضلات الصومال، ويتيح لحركة الشباب التقاط أنفاسها، وشن هجوم مضاد تستعيد فيه المناطق التي فقدت سيطرتها عليها خلال العامين الماضيين.
كما انعكس التوتر بين أبوظبي ومقديشو على إعلان حاكم إقليم بونتلاند، سعيد دني، المقرب من الإمارات وإثيوبيا، عدم اعترافه بسلطة الحكومة الفيدرالية الصومالية في مارس/آذار 2024، بحجة اعتراضه على اعتماد قانون جديد يتيح حق الاقتراع العام المباشر، وهو ما ردت عليه حكومة مقديشو بإصدار قرار بإغلاق القنصليات الإثيوبية في أرض الصومال وبونتلاند.
التحالفات في منطقة القرن الأفريقي يُعاد تشكيلها بعد الاتفاقية الإثيوبية
ولقد أعادت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، وما تبعها من اتفاق تركي صومالي، تشكيل التحالفات في المنطقة، حيث برزت كتلة محتملة تضم إثيوبيا والإمارات وإقليمي أرض الصومال وبونتلاند، في مقابل كتلة أخرى تتشكل تضم الصومال -ممثلة في الحكومة المركزية- وتركيا وجيبوتي، وربما تنضم لهم مصر والسعودية اللتان أعلنتا دعمها لوحدة أراضي الصومال.
لكنّ هذه الأطراف الخارجية تربطها علاقات ومصالح متبادلة معقدة، وهو ما يجعل من المبكر الجزم بأن الصومال سيتحول لساحة مواجهة جديدة بينهم.
ورغم سرعة تطبيع العلاقات وتطورها، لا يبدو أن تركيا والإمارات نجحتا في تحقيق مستوى كامل من التنسيق بين البلدين في الملفات الخارجية؛ إذ يبرز الصومال كمنطقة تنافس جيوسياسي، تتعارض مصالح البلدين فيه، حسب تقرير منصة "أسباب".
فمن جهة، تشرف الأكاديمية التركية للتدريب العسكري "تركسوم" على تدريب قوات صومالية، كما تشرف شركات تركية على إدارة ميناء مقديشو، وصولاً إلى تطور الشراكة إلى الاتفاق التعاون العسكري.
من جهة أخرى، تشرف شركة موانئ دبي على إدارة ميناء بربرة المجاور في أرض الصومال، وتعزز الإمارات من مساعي انفصال الإقليم عن الصومال، حسب تقرير منصة أسباب.
التحدي الأكبر في طموح آبي أحمد المعلن بحاجة إثيوبيا للوصول للبحر
ولكن يظل التحدي الأبرز في منطقة القرن الأفريقي، والذي يهدد بتفجير المنطقة وتحويلها إلى بؤرة صراعات قومية ودينية، هو طموحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والذي صرح في خطاب متلفز أمام البرلمان الإثيوبي في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بأن وصول بلاده الحبيسة إلى الموانئ البحرية مسألة وجود.
حيث قال آبي أحمد في خطابه الشهير والخطير أمام برلمان بلاده في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن الإثيوبيين البالغ عددهم 150 مليوناً لا يمكنهم العيش في سجن جغرافي، وإن لديهم حقوقاً طبيعية في الوصول إلى البحر الأحمر، وبدون ذلك لن يكون هناك إنصاف وعدالة، وبالتالي ستكون مسألة وقت حتى تقاتل بلاده لتحقيق هدفها، وهو ما يهدد الوضع الأمني الهش في القرن الأفريقي.