الأول من نوعه منذ أكثر من 3 عقود.. ما دلالات هجوم إيران المباشر على إسرائيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/15 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/15 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
من هجوم إيران الجوي الأخير ضد إسرائيل / رويترز

الهجوم الجوي الذي شنته إيران على إسرائيل هو الأول من نوعه منذ عام 1991، وهو أول هجوم إيراني مباشر يستهدف الداخل الإسرائيلي، فما دلالات هذا الحدث؟

منصة أسباب المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي رصدت دلالات هذا الهجوم الإيراني المباشر في تحليل يلقي الضوء على التغيير الواضح في قواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران من جهة، وتداعيات ذلك على باقي الأطراف في المنطقة وحول العالم من جهة أخرى.

من "حرب الظل" إلى المواجهة المباشرة

كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد شنت هجوماً بالمسيرات والصواريخ الباليستية تجاه أهداف في الداخل الإسرائيلي منتصف ليل السبت – الأحد 14 أبريل/نيسان. وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن إيران أطلقت ما يزيد عن 200 طائرة مسيرة وصاروخ مجنح وبالستي تجاه إسرائيل.

 ومن جانبه، شدد اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية، على انتهاء هجوم إيران وعدم الرغبة في مواصلته، لكنه هدد بشن هجوم آخر أكثر حدة حال استهداف إسرائيل مجدداً للمصالح الإيرانية.

تصعيد إسرائيل ضد إيران

كانت تل أبيب قد صعّدت في استهداف المصالح الإيرانية في الساحتين السورية واللبنانية، وذلك عندما قامت بقصف مبنى رسمي تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال العميد محمد رضا زاهدي، القائد الكبير في فيلق القدس.

مثّل هذا من طرف إسرائيل كسراً للخطوط الحمراء، وبالتالي أصبحت طهران ملزمة برد يعيد رسم معادلات الصراع ويضبط توازن الردع بينها وبين الاحتلال، دون أن يورطها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، أو حتى في حرب مفتوحة مع إسرائيل، وهو ما يظهره حجم الهجوم الإيراني، والرسائل المسبقة المتبادلة بين طهران وواشنطن بخصوصه.

إسرائيليون يتهافتون على المتاجر خوفاً من هجوم إيراني محتمل
أعضاء الدفاع المدني يزيلون الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية المتاخمة لمبنى السفارة الإيرانية الرئيسي/رويترز

إذ إن حرب الظل بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل مشتعلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط طيلة عقود من الزمن على أساس قاعدةٍ أضمرَ الطرفان التوافقَ عليها، وهي أنه إذا هاجم أيُّ طرف منهما الآخر، فإن الطرف الآخر سيرد عليه، وبالقوة ذاتها على الأقل.

معادلة جديدة في الشرق الأوسط

كما فرضت ظروف الحرب على غزة معادلة جديدة على المنطقة، جعلت الرد الإيراني يحدث بطريقة لم تكن متوقعة لو تم الاستهداف قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خاصة عند مقارنة هذا الرد مع الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني.

كان سليماني قد اغتيل مطلع عام 2020 بضربة جوية أمريكية أمر بها الرئيس السابق دونالد ترامب، وتم تنفيذها على الأراضي العراقية. وردت إيران بتوجيه ضربة صاروخية لقاعدة أمريكية على الأراضي العراقية، ولكن بعد تحذير الجانب الأمريكي مسبقاً.

لكن هذه المرة، قررت إيران للمرة الأولى قصف إسرائيل انطلاقاً من أراضيها وليس عبر جماعات حليفة، كما أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لضربات من طرف دولة أخرى منذ إطلاق العراق صواريخ بالستية تجاهها أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991، حيث كان نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد وجه ضربات صاروخية تجاه إسرائيل.

أول هجوم إيراني مباشر ضد إسرائيل

وللمرة الأولى أيضاً يقبل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أن يكون الرد الإيراني على إسرائيل هو باستهداف أراضيها وليس استهداف مصالحها في الخارج، وهو تحول بارز بغض النظر عن أي ترتيبات مصاحبة أو حجم وشكل الرد.

فاستهداف الداخل "الإسرائيلي" كان خطاً أحمر غير مقبول، ودونه كانت معادلات ردع إسرائيلية وأمريكية لإيران، لكنّها تهاوت في ظل الحرب على غزة، وبات العمق الإسرائيلي ساحة معركة أو هدفاً ممكناً في ظل الجبهات المفتوحة على الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويتفق الرد الإيراني مع استراتيجية طهران للتعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث وضعت حرب غزة إيران أمام منعطف جوهري، فإما أن تثبت صلابة نفوذها وتعزز من مكتسباتها من معركة طوفان الأقصى، وإما أن تتلقى خسائر استراتيجية، قد تفتح الباب لاحقاً لاستهداف المشروع النووي الإيراني نفسه.

إيران
المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي / رويترز

ومن ثم؛ فإن الهدف الإيراني من الهجوم ليس متعلقاً بتغيير معادلة الحرب على غزة نفسها أو التأثير الميداني على عمليات وخطط جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل القطاع، وإنما تدافع إيران عن موقعها كقوة إقليمية لها مشروع، فضلاً عن استعادة ثقة الرأي العام الإيراني الداخلي في قدرة بلاده عسكرياً على التصدي لسلسلة الاعتداءات الإسرائيلية.

كما تخفف الضربة الإيرانية المباشرة لإسرائيل من أثر الصورة الذهنية التي تركتها إيران وحلفاؤها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لدى شعوب المنطقة خلال العقد الماضي.

الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة

الرد الإيراني، رغم هامشية أثره الميداني، يجعل إيران الدولة الثانية بعد نظام صدام حسين في اتخاذ قرار ضرب العمق الإسرائيلي من أراضيه مباشرة، خاصة أنه يأتي بعد انتقادات لتفاعل إيران العسكري مع معركة طوفان الأقصى، والذي اقتصر على تحريك أدواتها في اليمن ولبنان للرد ضمن انضباط لمواجهة محدودة، دون أن يشمل أبداً تدخلاً إيرانياً مباشراً.

إن مشاركة قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية، فضلاً عن أنظمة دفاع صاروخي في دول إقليمية في التصدي للهجوم الإيراني، يشدد على أن أي مواجهة إيرانية-إسرائيلية لن تقتصر عليهما فقط، إنما ستقود نحو مواجهة بين إيران من جهة وتحالف غربي داعم للاحتلال في الجهة الأخرى.

كما يظهر اعتماد إسرائيل بشكل كبير على حلفائها في صد هجوم إيران حدود قدرات دولة الاحتلال الذاتية في الدفاع الصاروخي دون إسناد من القواعد الأمريكية والغربية في دول الطوق المحيطة، خاصة في ظل الثغرات التي كشفتها المقاومة الفلسطينية في منظومات القبة الحديدية والدفاعات الجوية الإسرائيلية.

وفي هذا السياق، رصد تحليل لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، عنوانه "إسرائيل صدت هجوماً إيرانياً ضخماً، لكن بمساعدة من أمريكا وشركائها"، رصد الدور الرئيسي الذي لعبه حلفاء إسرائيل في الدفاع عنها، إضافة إلى التحذيرات المسبقة من جانب إيران بشأن الهجوم نفسه، وتساءل تحليل الصحيفة عن مدى قدرة إسرائيل وحلفائها على تكرار النجاح في التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية في حالة الحرب.

التأثير الأمريكي على القرار الإسرائيلي

بالإضافة لذلك؛ فإن اعتماد إسرائيل والولايات المتحدة على دول عربية (مثل الأردن) في التصدي للرد الإيراني يمكن أن يزيد من جرأة إيران في استهداف تلك الدول في أي رد على استهداف إسرائيلي أو غربي لها في أي موجة تصعيد محتملة، وربما لا يشمل ذلك القواعد الأمريكية في تلك الدول بقدر ما تكون رسالة موجهة لأنظمتها نتيجة انحيازها العسكري الإجرائي المباشر ضد إيران.

ظهرت الولايات المتحدة باعتبارها المايسترو للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية، بما يشير لمستوى انخراطها في شؤون المنطقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ فمن جهة لعبت قواتها دوراً محورياً في إسقاط أغلب الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية خارج حدود إسرائيل، ومن جهة أخرى يمكنها لجم حكومة بنيامين نتنياهو عن الرد وإجباره على تقبل الرد الإيراني.

جو بايدن إسرائيل
الرئيس الأمريكي جو بايدن / getty

وكشفت تقارير عبرية وأمريكية بالفعل عن أن الرئيس جو بايدن تمكن من إقناع نتنياهو بعدم مهاجمة إيران، وقالت صحيفة "معاريف" وهيئة البث الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أمر بعودة طائرات حربية كانت قد أقلعت بالفعل استعداداً لتوجيه ضربة إلى أهداف في العمق الإيراني. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمر نفسه عن مصادر في إدارة بايدن.

على أية حال، باتت الكرة حالياً في ملعب تل أبيب؛ فطبيعة الرد الإسرائيلي ستحدد اتجاه الأحداث. إذ إنه من شأن رد عنيف على هجوم إيران أن يدفع المنطقة لمزيد من التصعيد، حيث ستضطر طهران دون شك لرد مقابل، قد يفتح الباب أمام دائرة الردود المتبادلة. لكن ما زال من الصعب ترجيح أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة؛ في ظل الانضباط الذي أظهرته طهران والتزمت به منذ بدء الحرب، والحرص الأمريكي على تجنب هذا السيناريو.

علامات:
تحميل المزيد