يفتح قرار العراق تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة محظورة صفحة جديدة من العلاقات مع تركيا، فما ملامح تلك الصفحة وإلى أين تتجه الأمور؟
منصة أسباب المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي رصدت تبعات التحرك العراقي لحظر حزب العمال الكردستاني والتحضيرات للزيارة المرتقبة للرئيس التركي إلى بغداد وتأثيرات ذلك على العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة.
العراق وحظر حزب العمال الكردستاني
كان مجلس الأمن القومي العراقي قد صنّف رسمياً حزب العمال الكردستاني (PKK) كمنظمة محظورة في العراق، وذلك خلال اجتماع رفيع المستوى بين تركيا والعراق، شارك فيه وزراء الخارجية والدفاع والاستخبارات لكلا البلدين، بجانب مسؤولين أمنيين كبار.
وجاء ذلك الاجتماع قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر أبريل/نيسان القادم إلى بغداد. كان أردوغان قد صرح في الرابع من مارس/آذار الجاري بأن تركيا "بصدد إتمام الطوق الأمني لتأمين الحدود التركية مع العراق"، وقال: "أوشكنا على إتمامه، وخلال الصيف القادم سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم".
مآلات الحظر على علاقات تركيا والعراق
تعكس الخطوة العراقية نجاح مقاربة تركيا الشاملة تجاه تطوير العلاقات مع بغداد؛ حيث عززت تركيا في الأشهر الأخيرة التواصل مع كافة المكونات العراقية، بمن في ذلك قادة الحشد الشعبي الموالون لإيران، ويظهر ذلك في مشاركة قائد هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، في جولات المفاوضات العراقية التركية التي تكررت خلال الأسابيع الأخيرة وصولاً إلى هذا الاجتماع الأخير.
يرجح أن تؤدي التفاهمات الأمنية بين أنقرة وبغداد إلى إجراءات عسكرية مشتركة شمال العراق، تشمل مناطق تقع بعمق 30-40 كم داخل الأراضي العراقية ضمن الحزام الأمني الذي تستهدفه تركيا لإحباط هجمات حزب العمال الكردستاني. ويأتي هذا التعاون بعد إعلان تركيا في يناير/كانون الأول عزمها شن عملية عسكرية شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني بعد مقتل 9 جنود أتراك نتيجة هجوم للحزب على قاعدة عسكرية تركية في شمال العراق.
تفاهمات أمنية بين بغداد وأنقرة
التفاهمات الأمنية بين تركيا والعراق ستسهم في حل العقبات الأمنية التي تواجه تنفيذ مشروع طريق التنمية، الذي يبدأ من ميناء الفاو الكبير في العراق، ثم يمتد عبر شبكة شاملة تشمل مدناً جديدة وبنية تحتية وطريقاً تجارياً دولياً، حتى الأراضي التركية، كبديل أسرع للنقل الدولي بين آسيا وأوروبا مقارنة بقناة السويس.
حيث تعيق التهديدات الأمنية في شمال العراق تدفق الاستثمارات الخليجية إلى المشروع، نظراً لأن الطريق البري سيكون مهدداً بهجمات من قبل حزب العمال الكردستاني. لذلك؛ فإن التصدي لأنشطة عناصر الحزب شمال العراق بات يمثل مصلحة مشتركة لكل من بغداد وأنقرة.
من المحتمل أن تفضي التفاهمات التركية العراقية المتصاعدة إلى توقيع البلدين اتفاقية أمنية شاملة، تشمل أيضاً الأمن المائي بما يسهم في تنظيم عملية تدفق المياه من الجانب التركي وتغلب العراق على التحديات المائية التي تواجه البلاد، خاصة بعد توقيع مذكرة تفاهم ثنائية عام 2019، والتي يمكن أن تنشئ نظاماً مائياً جديداً بين البلدين.
بالإضافة لذلك؛ فإن توقيع اتفاقية أمنية سيسمح للعراق بالاستفادة من الخبرات الاستخبارية التركية في مواجهة تنظيم داعش الذي ما زال يمثل تهديداً أمنياً للعراق.
مقاربة تركية شاملة
المقاربة التركية الشاملة لتطوير العلاقات مع العراق، وزيارة الرئيس التركي المرتقبة لبغداد، تزيد التوقعات أيضاً بقرب استئناف شحن النفط العراقي عبر تركيا (بتدفقات 450 ألف برميل يومياً)، والذي توقف منذ 25 مارس/آذار 2023 إثر صدور حكم من غرفة التجارة الدولية، يطالب أنقرة بدفع تعويضات لبغداد تبلغ 1.5 مليار دولار عن الصادرات غير المصرح بها من قبل حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2018.
التفاهمات الأمنية العراقية التركية لا تزال تتطلب وقتاً لاختبار مصداقيتها وفاعليتها التنفيذية، خاصة وأن تعاون بغداد الأمني مع أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني من المرجح أن يكون محل انقسام بين القوى الكردية العراقية، في ظل التحالف بين الحزب وبين الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية.
بالإضافة لذلك؛ فإن التفاهمات العراقية التركية تتطلب ممارسة الجيش العراقي دوراً أوسع في تأمين الحدود وهو الأمر الذي سيؤدي لزيادة نفوذ بغداد الأمني في إقليم كردستان، حيث لا تتمتع قوات البيشمركة الكردية بالموارد والقدرات الكافية لتأمين الحدود مع تركيا، وسيكون دور الجيش أساسياً في هذا الصدد، ما يهدد بإثارة جدل السيادة مجدداً بين أربيل وبغداد.
ماذا عن الموقف الإيراني؟
تنظر إيران للعراق كساحة نفوذ يجب أن تظل بعيدة عن القوى الأخرى المنافسة. لذلك؛ من المتوقع أن إعادة رسم العلاقات التركية العراقية يثير شكوك إيران، خاصة وأن تطور العلاقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في مشروع طريق التنمية يضر بمصالح إيران الجيوسياسية المتعلقة بطرق النقل الدولية.
وقد حاولت إيران تعطيل المشروع عبر الضغط على بغداد، لكنّ الصين بدورها وفرت الدعم السياسي اللازم لبغداد لتجاوز الضغوط الإيرانية؛ لأن المشروع يتكامل مع المصالح التجارية الصينية.
من جهة أخرى، فإن ثمة مؤشرات على توظيف إيران أنشطة حزب العمال الكردستاني في العمل ضد تركيا في سوريا، وفي تقديم الدعم للحزب في شمال العراق عبر جهات عراقية موالية لإيران بهدف الاستفادة من التنظيم ضد تركيا.
لذلك؛ سيظل لدى طهران مصلحة في مواصلة علاقاتها المعقدة والغامضة مع حزب العمال الكردستاني ضمن مقاربة مصالحها الواسعة في سوريا، وفي إدارة التنافس مع النفوذ التركي في العراق، على الرغم من تصعيد إيران مؤخراً ضد التنظيمات الإيرانية الكردية في شمال العراق، وإلزامها بغداد باتفاقية أمنية شملت إبعاد مقراتهم عن الحدود بعد اتهامهم من قبل طهران بتأجيج الاحتجاجات في إيران، وتنسيقهم مع الموساد الإسرائيلي لشن هجمات داخل إيران.