- الاتفاقية بين تركيا والصومال لا ترتبط بشكل مباشر بالتوتر مع إثيوبيا
- أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج موجودة في الصومال
- تركيا ستساهم في بناء بحرية الصومال ليتمكن من الاستفادة من ثرواته
- ماذا عن الاتفاقية التركية مع جيبوتي؟
- كيف ستنظر إثيوبيا للاتفاقية بين تركيا والصومال؟ وكيف ستتعامل أنقرة معها؟
- الاتفاقيتان تفرضان وجود تركيا كلاعب رئيسي في باب المندب
- الصومال يسعى لتشكيل شبكة علاقات دولية لمواجهة إثيوبيا
- الاتفاقية مع الصومال مهمة لجهود مكافحة الإرهاب والقرصنة
مثلت اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، والاتفاقية المشابهة بين أنقرة وجيبوتي، حدثين مهمين بالنسبة لمنطقة القرن الأفريقي الحيوية والتي تشهد توترات متعددة، وأثار توقيت توقيع الاتفاقيتين تساؤلات حول شكل التحالفات بالمنطقة وطبيعة الدور التركي بها في المرحلة القادمة.
ووقعت تركيا والصومال اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي يوم الخميس 8 فبراير/شباط، خلال اجتماع وزيري الدفاع التركي يشار غولر، والصومالي عبد القادر محمد نور، في أنقرة. لاحقاً؛ أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود موافقة مجلس الوزراء الصومالي على "الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، بين تركيا والصومال، لمدة عشر سنوات، وجاءت موافقة البرلمان الاتحادي الصومـالي على الاتفاقية بأغلبية 213 صوتاً مقابل 3 أصوات، يوم الأربعاء 21 فبراير/شباط.
وبعد ذلك بأيام، وتحديداً، في يوم الإثنين 19 فبراير/شباط، وقّع وزير الدفاع التركي ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، اشتملت على التعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية، وذلك خلال استضافته نظيره الجيبوتي حسن عمر محمد في العاصمة أنقرة.
الاتفاقية بين تركيا والصومال لا ترتبط بشكل مباشر بالتوتر مع إثيوبيا
على الرغم من أن توقيت هذه الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، يتزامن مع التوترات الجيوسياسية الأخيرة التي تشهدها المنطقة، خاصة الاتفاقية بين إثيوبيا وبين جمهورية أرض الصومال الانفصالية لاستئجار ميناء بربرة، وشريط ساحلي لبناء قاعدة عسكرية لمدة 50 عاماً، فإن حجر الأساس لهذه الاتفاقية بين البلدين قد تم وضعه خطوة بخطوة منذ عام 2011.
ويشير تزامن التوقيع على الاتفاقيتين مع الصومال وجيبوتي إلى أن الخطوة التركية لا ترتبط مباشرة بالتوتر بين إثيوبيا والصومـال، ولكنها ترتبط برؤية تركيا الاستراتيجية بالانتشار العسكري خارج أراضيها لتأمين مصالحها، وتكامل نفوذها في مناطق الخليج العربي وخليج عدن والبحر الأحمر وانتهاءً بشرق المتوسط، حسب ما ورد في تقرير لمنصة "أسباب" المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي.
أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج موجودة في الصومال
وحتى قبل الاتفاقية بين تركيا والصومال، تستضيف العاصمة الصومالية مقديشو أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، والتي افتتحت عام 2017، وتُعرف باسم معسكر توركصوم (TURKSOM)، وهي قاعدة عسكرية وكلية حربية لتدريب وتأهيل جنود جيش الصومـال، وتخرج سنوياً نحو 1500 جندي، ويصل إجمالي من تخرج منها نحو 10 آلاف جندي.
وتأسست القاعدة في سياق رؤية تركية واسعة للانتشار العسكري الاستراتيجي خارج حدودها، تشمل العراق وقطر وقبرص التركية. ويوفر الوجود في الصومـال الذي يتمتع بأطول خط ساحلي وطني في أفريقيا، (3025 كم)، حضوراً تركياً في القرن الأفريقي الذي يتحكم في باب المندب أحد أهم المضايق الاستراتيجية في العالم.
تركيا ستساهم في بناء بحرية الصومال ليتمكن من الاستفادة من ثرواته
والآن؛ وبموجب الاتفاقية الدفاعية والاقتصادية بين تركيا والصومال، ستوفر أنقرة أيضاً بناء وتدريب وتجهيز القوات البحرية الصومـالية وتطوير قدراتها؛ كما تمنح الاتفاقية تركيا "سلطة شاملة" تضمن حماية البحر الصومـالي وحدوده المائية من أي تهديد خارجي، وستساعد تركيا الصومـال في الاستفادة من خيرات بحرها وتطوير ما يطلق عليه الاقتصاد الأزرق، حيث يقدر حجم ما تخسره الصومـال ما بين 100 مليون و450 مليون دولار سنوياً بسبب أنشطة الصيد غير المشروعة التي تقوم بها السفن الأجنبية على طول سواحله.
في مقابل تلك الخدمات الأمنية والبحرية؛ ستحصل أنقرة على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال. كما يرجح أن تساهم الاتفاقية في فتح الطريق أمام شركات البترول التركية في الحصول على امتياز التنقيب واستخراج البترول والغاز في سواحل الصومـال، حيث يمتلك الصومـال نحو 200 مليار قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وتشير التقديرات إلى أن الحوض الصومالي قد يحتوي على حوالي 30 مليار برميل من النفط الخام.
ماذا عن الاتفاقية التركية مع جيبوتي؟
أما الاتفاقية مع جيبوتي، فمن المتوقع أنها تؤسس لقيام الجيش التركي بتدريب وتأهيل القوات الجيبوتية، ومن المحتمل أن تمهد لافتتاح قاعدة عسكرية لوجستية لتركيا في جيبوتي التي تتمتع بموقع حيوي على مضيق باب المندب.
وتعتمد جيبوتي على عائدات تأجير مواقع لقواعد عسكرية بنسبة تصل إلى 18٪ من إجمالي دخلها السنوي.
ففي عام 2020، بلغت إيرادات تأجير مواقع لقواعد عسكرية 129 مليون دولار، تساهم أمريكا بنحو 63 مليون دولار، فيما تدفع فرنسا 40 مليون دولار، والصين 20 مليون دولار، واليابان 3.5 مليون دولار، وإيطاليا 2.5 مليون دولار.
كيف ستنظر إثيوبيا للاتفاقية بين تركيا والصومال؟ وكيف ستتعامل أنقرة معها؟
من المرجح أن تنظر إثيوبيا إلى الاتفاق بين تركيا والصومال بقلق؛ لأنه يضعها في مواجهة محتملة مع البحرية التركية، ويهدد بإجهاض خططها للحصول على منفذ بحري تجاري وعسكري دائم على خليج عدن والقرن الأفريقي في منطقة أرض الصومـال (الانفصالية).
إذ تأتي الاتفاقية بين تركيا والصومال، بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي تمنح أديس أبابا ميناءً بحرياً مقابل الاعتراف باستقلال أرض الصومال. التي أعربت الحكومة التركية عن قلقها الشديد بشأنها.
وفي هذا السياق، قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن الاتفاق مع أنقرة "يتعلق فقط بالتعاون بين الصومال وتركيا في مجال الدفاع البحري والمسائل الاقتصادية، ولا يهدف بأي حال إلى إثارة الكراهية أو نزاع مع أي دولة أو حكومة أخرى".
وعقب إبرام الاتفاقية بين تركيا والصومال، قال مسؤول بوزارة الدفاع التركية، لوكالة روتيرز إن تركيا ستقدم دعماً أمنياً بحرياً للصومال لمساعدة الدولة الأفريقية في الدفاع عن مياهها الإقليمية، مشيراً إلى أن أنقرة، توفر التدريب للجيش الصومالي منذ أكثر من 10 سنوات.
ويرجح تقرير منصة أسباب أنه بعد الاتفاق بين تركيا والصومال، ستعمل أنقرة على احتواء إثيوبيا من خلال توظيف علاقاتها العسكرية وحجم استثماراتها في الضغط على أديس أبابا ودفعها نحو التعاون بدل الصراع.
فقد دعمت أنقرة الجيش الإثيوبي بطائرات مسيرة خلال المعارك مع متمردي تيغراي، كما تستثمر تركيا حوالي 3 مليارات دولار في مشاريع بنية تحتية استراتيجية، أهمها مشروع سكك حديد يابي مركزي بطول 400 كم، الذي يربط شمال ووسط وشرق إثيوبيا بميناء جيبوتي، وتبلغ قيمته نحو 1.7 مليار دولار. كما توجد أكثر من 130 شركة تركية تستثمر في مجالات مختلفة توفر أكثر من 30 ألف فرصة عمل.
بالإضافة لذلك؛ يخوض الصومـال مع كينيا نزاعاً حدودياً بحرياً مستمراً منذ عدة سنوات، يشمل مثلثاً مساحته 38 ألف ميل مربع (100 ألف كم مربع) في المحيط الهندي يرجح احتواؤه على كميات كبيرة من البترول. وفي عام 2014، نقل الصومال النزاع إلى محكمة العدل الدولية، وحصل على حكم يميل إلى صالحه بنسبة كبيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021. لذلك؛ تضع الاتفاقية التركية الصومالية أنقرة في قلب النزاع بين الصومـال وكينيا.
وبينما ترغب أنقرة في توسيع علاقتها مع نيروبي، فمن المرجح أن تعمل بعد توقيع الاتفاق بين تركيا والصومال على الوساطة في حل النزاع الصومالي الكيني، حيث تمتلك أنقرة استثمارات كبيرة في كينيا أهمها المجمع الصناعي الذي تقوم ببنائه بقيمة 760 مليون دولار، والذي يشمل 6 مصانع للبناء والغابات والأثاث ومنتجات التنظيف.
الاتفاقيتان تفرضان وجود تركيا كلاعب رئيسي في باب المندب
الوجود العسكري البحري لتركيا في خليج عدن وباب المندب يفرض تركيا كلاعب مؤثر في عدة ملفات، أهمها الخطط الدولية المرتبطة بتأمين الملاحة في ظل نشاط جماعة الحوثي والمرتبط بالنفوذ الإيراني، والتطورات في القرن الأفريقي خاصة في الصومال والسودان.
كما يضع أنقرة في مواجهة محتملة مع الوجود الإماراتي في المنطقة، حسب تقرير منصة أسباب، حيث الأخيرة تمتلك قاعدة عسكرية في جمهورية أرض الصومـال الانفصالية بجانب قواعد أخرى في اليمن بجزيرتي سقطرى وبريم وفي مدينة عصب الساحلية في إريتريا، ضمن طموحات أبوظبي الأوسع للتأثير في السياسة الإقليمية وتأمين مصالح اقتصادية وأمنية استراتيجية.
الصومال يسعى لتشكيل شبكة علاقات دولية لمواجهة إثيوبيا
من جهة أخرى؛ يشير الاتفاق مع تركيا إلى أن الصومـال يعمل على إنشاء شبكات مصالح دولية وإقليمية مضادة للتهديد الإثيوبي؛ حيث وقع وزير الدفاع الصومالي والقائم بالأعمال الأمريكي مذكرة تفاهم يوم الخميس 15 فبراير/شباط، لبناء 5 قواعد عسكرية للجيش الصومـالي، ستكون مرتبطة بـ"لواء داناب" الذي أنشئ عام 2017 بعد اتفاق بين أمريكا والصومال لتجنيد وتدريب 3000 جندي لتعزيز قدرات المشاة داخل الجيش الصومالي.
وتتزامن تحركات مقديشو مع تقليص وجود بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومـال (ATMIS)، حيث نقلت 7 قواعد وأغلقت قاعدتين، وسحبت 3000 جندي، ليبقى نحو 17500 جندي تابعين لها في الصومال، ويتوقع انسحاب كامل لقواتها نهاية العام الجاري.
الاتفاقية مع الصومال مهمة لجهود مكافحة الإرهاب والقرصنة
إن إحدى المجالات المهمة في الاتفاقية بين تركيا والصومال والذي يهم المجتمع الدولي بأكمله هو إعادة تنشيط القوات البحرية الصومالية من خلال الدعم التركي.
ففي إطار الاتفاقية بين تركيا والصومال، سيتم العمل على إنشاء قوات بحرية صومالية مختصة ومكتفية ذاتياً بدعم من تركيا. هذه العملية سوف تُحدث تأثير الدومينو، حسب تقرير نشر في وكالة الأناضول التركية من مقديشيو.
يقول التقرير إنه في وقت محدود سوف تستعيد القوات البحرية الصومالية قدراتها التي فقدتها بعد الحرب الأهلية في البحار الصومالية، عبر تلقي التدريب من قوات البحرية التركية، والتي تحظى بالاحترام على الصعيد الدولي.
وبالتالي سوف تقوم البحرية الصومالية بدورها بإحكام سيطرتها على المنافذ المائية للصومال ومياهه الإقليمية. كما ستقوم بالقضاء على جميع أنواع الأنشطة غير القانونية سواء المحلية منها أم الخارجية في المياه الإقليمية للصومال.
إن استعادة البحرية الصومالية السيطرة البحرية على مياه البلاد هو أمر ذو أهمية قصوى للمجتمع الدولي برمته؛ لأن من شأنه أن يمكّن مقديشو من مواجهة الصيد الجائر والقرصنة البحرية وما إلى ذلك.
ولتحقيق هذه الأهداف وقبل كل شيء، من الضروري استعادة السيادة على المياه الإقليمية للبلاد للقضاء على حركة الشباب الصومالية الإرهابية.
فلقد تمكن تنظيم حركة الشباب من فتح طرق لوجستية بفضل هذه المنافذ البحرية الخارجة عن سيطرة الدولة الصومالية. فكل الذخائر يتم الحصول عليها من هذه المنافذ اللوجستية البحرية.
ومن شأن تقوية البحرية الصومالية بدعم دولة إسلامية وليست غربية أن تؤدي لتعزيز قدرات الجيش والبحرية الصومالية دون استفزاز للمشاعر الوطنية والدينية لسكان البلاد.