غيرت روسيا اسم فاغنر إلى "فيلق أفريقيا"، في إطار إعادة هيكلة المجموعة العسكرية والشركات التابعة لها بعد تمرد زعيمها الراحل بريغوجين، فما تداعيات ذلك على نفوذ موسكو في القارة السمراء؟
منصة "أسباب" المختصة بالتحليل الاستراتيجي والسياسي نشرت تحليلاً يرصد التداعيات المحتملة للخطوات التي اتخذها الرئيس فلاديمير بوتين لإعادة هيكلة المجموعة العسكرية، التي توصف غربياً بأنها مرتزقة روس، سواء على عمليات المجموعة والشركات التابعة لها أو على النفوذ الروسي في أفريقيا، وهو النفوذ الذي وطَّدته فاغنر خلال العقد الماضي.
من فاغنر إلى "فيلق أفريقيا"
ويواصل الرئيس الروسي حالياً، مع قادة عسكريين، العمل على إجراء تغييرات هيكلية وشكلية لمجموعة فاغنر العسكرية والشركات التابعة لها. حيث استبدل اسم شركة فاغنر بـ"فيلق أفريقيا Africa Corps"، وهو اسم قد يكون مستوحى من الكتائب الألمانية التي قاتلت في شمال أفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية.
كان اسم "فيلق أفريقيا" قد تم استخدامه للمرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على منصة تلغرام، من جانب المدون العسكري المقرب من وزارة الدفاع الروسية "تو ميجورز"، حيث أشار إلى توصل مجلس قادة الشركات العسكرية الخاصة في أفريقيا إلى اتفاق من حيث المبدأ مع قيادة الحرس الروسي، وأن تلك الاتفاقية سيجري توسيعها لتشمل جميع الجنود العاملين بالشركة، من أجل "ضمان أن الشركات العسكرية الخاصة لن تتمزق أو تتمرد، وذلك من خلال تعزيز الإشراف المركزي" عليها.
تأتي هذه الهيكلة بعد 8 أشهر من محاولة فاغنر الفاشلة الزحف إلى موسكو، وبعد 6 أشهر من استهداف كبار قادتها، وأبرزهم مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين، الذي انتهت مغامرته الدرامية بمقتله في حادث تحطم طائرة غامض ألقي فيه اللوم على الكرملين.
كيف يؤثر ذلك على فاغنر ونفوذ روسيا؟
تستهدف إعادة هيكلة فاغنر بصورة رئيسية ضبط علاقة تبعية المجموعة مع وزارة الدفاع الروسية، لضمان عدم تكرار تمرد جديد في المستقبل. قد ينتج عن عملية إعادة الهيكلة التي تتعهدها وزارة الدفاع والمخابرات الروسية تباطؤوا في أنشطة فاغنر في أفريقيا في الأجل القريب، لكن من المتوقع أن تواصل المجموعة تحت مسماها الجديد "فيلق أفريقيا" عملياتها في القارة السمراء، بما يخدم مصالح روسيا الجيوسياسية، خاصة أن تنامي الاحتياجات الأمنية والعسكرية لدول الساحل الأفريقي يمثل فرصة ذهبية لروسيا، وقد يعزز من توسع نفوذ الشركة وانتشارها تحت اسمها الجديد.
وفي هذا الإطار، كان قرار مالي والنيجر وبوركينا فاسو الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، وهو تكتل تتمتع فيه فرنسا والغرب بنفوذ كبير، يصب في مصلحة روسيا، التي يُتوقع أن تغتنم هذا الانقسام المتزايد لتعزيز دعمها الأمني وأشكال الدعم الأخرى، بما في ذلك الاقتصادي، لهذه الدول المنسحبة من "إيكواس". كما تُظهر المؤشرات أن تشاد وغينيا قد تتجهان نحو تعزيز علاقاتهما بروسيا، ما ينذر بتغير محتمل في الحلفاء الإقليميين والحسابات الجيوسياسية.
ورغم أنه من المرجح أن يكون تمرد فاغنر قد هز ثقة الأنظمة الأفريقية فيها كشريك أمني موثوق به، إلا أنه يبدو أن ذلك لن يؤثر على حاجة تلك الأنظمة للتعاون معها، خاصة أنها أظهرت قدرات عالية في شن تمرد عسكري أمام الجيش الروسي.
كما أن إعادة الهيكلة تستهدف توسيع نطاق عملياتها في أفريقيا وإعادة تقديمها بشكل جذاب للقادة والشعوب الأفريقية تحت الاسم الجديد. وقد تشمل إعادة الهيكلة أيضاً جذب مجندين جدد من روسيا وأفريقيا، خاصة أن إعادة الهيكلة قد تنتج عنها تحديات في دمج عناصر فاغنر الحاليين.
تفكيك فاغنر لإحكام السيطرة عليها
من جانب آخر، تعطي التسمية الجديدة دلالة هيكلية مهمة، وهي أن وزارة الدفاع الروسية ستعمل على تجزئة الإدارات المركزية للشركات العسكرية وفق نطاقات جغرافية، تراعي خصوصية كل إقليم جغرافي وتَحُد من وجود قادة عسكريين وأمنيين لهم نفوذ واسع موازٍ للمؤسسات العسكرية الروسية الرسمية. ومن المرجح أن يقود الفيلق الأفريقي عسكريون روس، بما يضمن تبعية المجموعة بشكل مباشر لوزارة الدفاع الروسية.
ولا تزال فاغنر نشطة في سوريا وأوكرانيا وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق، وتسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي من خلال التعاون مع المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
حيث توفر المجموعة خدمات أمنية، وتشارك الشركات التابعة لفاغنر في التعدين والتجارة وفي عمليات الدعاية والتأثير، وتستخدم تلك الأنشطة والسيطرة على الموارد الطبيعية، مثل الذهب، لتمويل عملياتها العسكرية. وتدعم موسكو تلك الشركات كإحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها في أفريقيا لتحدي النفوذ الغربي بتكلفة منخفضة.
وتستغل فاغنر نقاط الضعف وطموحات القادة الأفارقة، كما تلعب دوراً كبيراً في تأجيج وإثارة المظالم المحلية داخل الدول الأفريقية المدفوعة بالاستياء من نفوذ وسطوة القوى الاستعمارية السابقة، خاصة فرنسا.
كما تواجه أنظمة أفريقيا العسكرية تحديات أمنية وعسكرية تجعلها في حاجة دائمة للعمل مع مجموعات مثل فاغنر لحمايتها من التهديدات الداخلية والانقلابات المحتملة المدعومة من الدول الغربية، وكذلك في إخماد التمردات العسكرية التي قد تقودها مجموعات عِرقية أو تنظيمات أيديولوجية أخرى.
وليس من المتوقع أن ينتج عن تغيير اسم فاغنر أو إعادة هيكلتها تغيّر في الموقف الغربي من أنشطتها. وستواجه روسيا المزيد من مقاومة الدول الغربية لتوسع نفوذ موسكو في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا.
فقد صنفت إدارة بايدن في أوائل عام 2023 شركة فاغنر كمنظمة إجرامية عابرة للحدود. وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على المجموعة لدورها في استهداف المدنيين، واستغلال الموارد الطبيعية في دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي. وقد اُتهمت المجموعة بالمشاركة في مخطط لشراء أسلحة لعملياتها في أوكرانيا باستخدام شهادات استخدام نهائي مزورة في مالي. وبالرغم من العقوبات الغربية فإنها ما زالت غير مؤثرة على توسع نشاط المجموعة في أفريقيا.