الاغتيال الثاني لقاسم سليماني.. من الجاني الحقيقي وراء تفجيرات كرمان بإيران؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/15 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/15 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش
صور من تفجيرات كرمان بالقرب من ضريح قاسم سلبماني في إيران - الأناضول

على الرغم من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مسؤولية تفجيرات إيران، خلال إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليماني، إلا أن الجاني الحقيقي قد يكون طرفاً آخر، فمن هو؟

منصة أسباب، المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي، نشرت تحليلاً يرصد ملابسات التفجيرات في إيران وإعلان المسؤولية ومؤشرات وجود فاعل أصيل يعمل من وراء الكواليس.

تفجيرات ذكرى اغتيال سليماني

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مسؤوليته عن تفجيرين في 3 يناير/كانون الثاني 2024، استهدفا احتفالاً بذكرى اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بالقرب من ضريحه في مدينة كرمان؛ ما أسفر عن مقتل 95 شخصاً وإصابة 150 آخرين، فيما كشف وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، أن أحد الانتحاريين طاجيكي الجنسية يُدعى "أمان الله بازيروف"، ورجّح أن المهاجم الآخر طاجيكي أيضاً.

كما أعلن الادعاء العام إلقاء القبض على 32 شخصاً في 6 محافظات بشبهة التورط في تنفيذ الهجوم، فضلاً عن العثور على 16 عبوة ناسفة في محافظة كرمان. ويعد هجوم كرمان هو الأضخم من حيث عدد الضحايا داخل الأراضي الإيرانية خلال 4 عقود، ولم يتمكن التنظيم في أوج قوته بالعراق وسوريا من تنفيذ هجوم بهذا الحجم في إيران.

"وراء كواليس" تفجيرات إيران

يحمل تكتيك شن هجمات دموية على مدنيين لقتل عدد كبير من الضحايا، مع استهداف أماكن تحمل رمزية دينية أو سياسية، بصمة تنظيم داعش، وبالأخص فرعه في خراسان، والذي نفذ عدة هجمات داخل إيران خلال السنوات الماضية، من آخرها اقتحام مهاجم طاجيكي لضريح شاه جِراغ في مدينة شيراز بمحافظة فارس في 13 آب/أغسطس 2023؛ ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثمانية آخرين، وذلك في ثاني هجوم على الضريح بعد أن تعرض لهجوم كبير في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أسفر عن مقتل نحو 15 شخصاً وإصابة 20 آخرين. كما يشبه الهجوم تفجيراً قرب ضريح قائد الثورة آية الله الخميني في حزيران/يونيو 2017، والذي أسفر عن مقتل سبعة عشر شخصاً.

تشير التحقيقات إلى تسلل خبير متفجرات طاجيكي عبر الحدود إلى إيران في 28 كانون الأول/ديسمبر ليشرف على تصنيع السترات المتفجرة، ثم مغادرته البلاد قبل تنفيذ الهجوم، فيما انتقل الانتحاري الأول من فان التركية إلى أفغانستان ثم دخل إيران تهريباً، فيما لا زالت تفاصيل دخول الانتحاري الثاني مجهولة.

يركز تنظيم داعش في أفغانستان على تجنيد عناصر من طاجيكستان وأوزبكستان لتنفيذ هجماته في إيران وأفغانستان؛ حيث يستفيد من وجود جالية أفغانية كبيرة في إيران تُقدر بنحو 3 ملايين شخص في بناء شبكة دعم لوجستي وجمع معلومات استخبارية. وهو ما دفع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في كانون الأول/ديسمبر 2023 لحظر تواجد وإقامة وتوظيف الأفغان في 16 محافظة إيرانية.

قاسم سليماني إيران أمريكا
قاسم سليماني كان يعتبر أبرز قادة الحرس الثوري الإيراني، وقاد عمليات طهران في أنحاء الشرق الأوسط/رويترز

يتزامن الهجوم مع حملة إسرائيلية واسعة ضد أهداف إيرانية بداية من اغتيال أحد أبرز قادة فيلق القدس بسوريا؛ العميد رضي موسوي، وصولاً إلى شن هجمات مكثفة على خطوط الإمداد ومواقع إيرانية في سوريا والعراق، وهو ما يلبي توجهات تل أبيب الراغبة في الانتقام لخسائرها الكبيرة في طوفان الأقصى، وتحميلها لإيران مسؤولية إمداد المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والخبرات.

وكانت إسرائيل قد شنَّت، منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية، يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة، تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.

و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر ذلك اليوم، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنَّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر؛ حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

هل لإسرائيل يد خفية داخل "داعش"؟

لذلك؛ فإن تبني "داعش" للهجوم لا ينفي فرضية وجود أيادٍ إسرائيلية محركة له، ولا يعني هذا أن تنظيم داعش صناعة إسرائيلية وأمريكية، مثلما تردد الدعاية الإيرانية، ولكنّ الفرضية تستند إلى ما يحدث داخل صفوف التنظيم، بالأخص فرعه الأفغاني؛ حيث تؤكد التقارير الأممية خلال الفترة من 2015 حتى 2021 أن المئات من عناصر التنظيم استسلموا لقوات الحكومة الأفغانية في عهد أشرف غني بعد أن خاضت طالبان ضدهم معارك شرسة، واتهمت طالبان جهاز المخابرات الأفغاني السابق بالإشراف على نشاط عناصر التنظيم، وإمداده بالسلاح، بل وقصفت الحكومة السابقة قوات طالبان في شرق أفغانستان خلال هجومها على معاقل التنظيم، قبل أن تسيطر عام 2021 على كامل البلاد.

يعمل تنظيم داعش على تقويض حكومة طالبان؛ حيث استهدف عام 2022 سفارتي روسيا وباكستان في كابول، وفندق لوغان الذي يقيم به مواطنون صينيون، ثم اغتال عام 2023 والي بلخ محمد مزمل، وحاول اغتيال وزيري الداخلية والدفاع؛ سراج حقاني والملا محمد يعقوب، فضلاً عن استهدافه لمعبد للسيخ وأماكن تجمع للشيعة الهزارة.

تشير المصادر الأمنية في كابول إلى أن أجهزة أمنية إقليمية تلعب دوراً في تحريك التنظيم بالتعاون مع مسؤولين أمنيين سابقين. وخلال العامين الماضيين أسّس رئيس المخابرات السابق رحمة الله نبيل في ألمانيا "حزب التحرير الوطني الأفغاني"، وأسس خلفه معصوم ستانكزاي، رفقة مستشار الأمن القومي السابق حنيف أتمر "حركة السلام والعدالة الوطنية"، بينما يعمل القادة الأفغان من جماعة القائد الطاجيكي أحمد شاه مسعود عبر "المجلس الأعلى للمقاومة" على إسقاط حكم طالبان، ويتردد العديد منهم على الإمارات التي يتواجد فيها أيضاً الرئيس السابق أشرف غني، كما احتفظوا باتصالاتهم مع الهند، ويوجد تنسيق أمني رفيع المستوى بين الهند والإمارات وتل أبيب، فضلاً عن تحالف I2U2، والذي يضم الهند والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن احتمال ضلوع إسرائيل في تنفيذ هجوم كرمان عبر اختراق شبكات تنظيم داعش في أفغانستان يظل غير مستبعد، وقد سبق للأجهزة الأمنية الإسرائيلية اغتيال القيادي الحمساوي "مازن فقها" في غزة عام 2017 على يد عناصر داعشية ظنت أنها تتلقى أوامر من قيادة التنظيم، بينما كان ضباط الشاباك هم من يشرفون على تشغيلها.

إسرائيل الموساد
رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنياع / رويترز

ومن المرجح أن تعمل الأجهزة الأمنية الإيرانية على تطوير التنسيق الأمني مع طالبان، والذي سبق أن تمخض في 5 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن إلقاء القبض في عملية مشتركة على ثلاثة عملاء إيرانيين للموساد خلال تجهيزهم لإطلاق طائرات مسيرة انتحارية من الحدود الأفغانية باتجاه أهداف في إيران. وضمن هذا السياق، اجتمع بعد هجمات كرمان، المبعوث الرئاسي الإيراني الخاص لشؤون أفغانستان "حسن كاظمي قمي" مع نائب رئيس الوزراء الأفغاني "مولوي عبد الكبير" لمناقشة التصدي للتهديدات الأمنية المشتركة.

ليس من المرجح أن تتغاضى طهران عن احتمال ضلوع تل أبيب من خلف الستار في تنشيط هجمات تنظيم داعش داخل الأراضي الإيرانية، للانتقام وإحراج السلطات والأجهزة الأمنية أمام الشعب، وإبراز إخفاقها في تأمين البلاد. وهو ما يُفهم من تصريح المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي شدد فيه على الأجهزة الأمنية في بلاده بضرورة الكشف عن "الأسباب الحقيقية" لهجمات كرمان، وتوعد بمعاقبة "مرتكبي الحادث الإرهابي الحقيقيين في كرمان، من هم خلف الكواليس". ويتوقع أن ترد إيران بشكل مباشر عبر تصعيد حملاتها ضد أنصار تنظيم داعش والأجانب داخل البلاد، فضلاً عن احتمال استهداف مصالح إسرائيلية في المنطقة بشكل غير مباشر.

تحميل المزيد