جاء نفي إسبانيا لانضمامها للتحالف البحري الدولي الذي أسسته أمريكا للتصدي لهجمات الحوثيين ضد السفن المرتبطة بإسرائيل ليشكل إحراجاً بالغاً لواشنطن وضربة للتحالف قبل أن يبدأ، كما أنه يجدد التساؤلات حول موقف القانون الدولي من الهجمات البحرية الحوثية وهل يمكن اعتبارها قرصنة أم أنها تمثل رداً مقبول من الناحية القانونية على جرائم إسرائيل بحق غزة وفقاً لما يعرف في القانون الدولي بمفهوم"التدابير المضادة".
وبعد أن أعلنت البنتاغون مساء الإثنين أن 10 دول ستكون جزءاً من هذا التحالف: المملكة المتحدة والبحرين وكندا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشيل، وفرنسا وبالطبع الولايات المتحدة، وأطلق على العملية التي سينفذها هذا التحالف اسم "عملية حارس الازدهار"، أعلنت الحكومة الإسبانية أنها لم تنضم للتحالف، بشكل بدا وكأنها تتهم واشنطن بمحاولة توريطها، بل إن مسؤولة بالحزب الحاكم بإسبانيا وصفت محاولة منع هجمات الحوثيين وترك العدوان على غزة بأنه نفاق.
"إنه نفاق".. توتر بين أمريكا وإسبانيا بسبب التحالف البحري ضد الحوثيين
وحدث توتر غير متوقع بين إسبانيا والولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير للنسخة الإنجليزية من Elpais الإسبانية.
إذ شعرت الحكومة الإسبانية بالاستياء يوم الإثنين الماضي عندما قام وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بإدراج إسبانيا ضمن الدول العشر التي ستشارك في عملية حارس الرخاء، بقيادة الولايات المتحدة، دون إشعار مسبق. واضطرت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، بيلار أليجريا، إلى نفي تورط إسبانيا. وقالت إن البلاد لن تشارك "من جانب واحد" في التحالف، على الرغم من أن وزارة الدفاع الإسبانية أوضحت أنها يمكن أن تفعل ذلك "في إطار حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي".
ويبدو أن الأمر قد تم توضيحه في اليوم التالي، عندما تم الاتفاق، في اجتماع استثنائي للجنة السياسية والأمنية الأوروبية، بين السفراء، على أن يشارك الاتحاد الأوروبي في مراقبة البحر الأحمر من خلال عملية "أتالانتا"، التي تكافح القرصنة في المحيط الهندي منذ عام 2008. وأعلن المفوض السامي للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، هذا القرار وذكر أن أوروبا ستكثف تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة وتعزز وجودها البحري بموارد إضافية، وقال إن"هذا يوضح دور الاتحاد الأوروبي كموفر للأمن البحري". واختتم كلامه قائلاً: "نحن نطابق أقوالنا بالأفعال".
ومع ذلك، في اليوم التالي، في اجتماع فني، استخدمت إسبانيا حق النقض ضد تغيير تفويض عملية أتالانتا لتشمل حماية الأمن البحري في البحر الأحمر، وفقاً لصحيفة إل كونفيدنسيال الإسبانية.
وشكل هذا الفيتو الإسباني مفاجأة كبيرة، وفقاً لمصادر دبلوماسية، كان هذا الموقف هو السبب وراء تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يوم الجمعة – في أول مكالمة بينهما منذ تولي سانشيز السلطة.
وفي يوم الجمعة نفسه، بعد لقائه مع بيدرو سانشيز في البرلمان الإسباني، كشف زعيم الحزب الشعبي، ألبرتو نونيز فيجو، أنه أخبره أن "قرار إسبانيا في الوقت الحالي هو عدم التدخل؛ أو على الأقل عدم التدخل بموجب الشروط التي طلبتها الولايات المتحدة".
وقالت نائبة رئيس الوزراء الإسباني، يولاندا دياز، يوم الخميس الماضي، في تصريحات لمحطة كادينا سير الإذاعية، إنه "من النفاق الشديد" أن يسارع المجتمع الدولي لحماية المصالح التجارية في البحر الأحمر، لكنه يظل سلبياً عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن السكان المدنيين.
وتلعب إسبانيا دوراً رئيسياً في عملية أتالانتا، حيث يقع مقرها الرئيسي في قاعدة روتا في مدينة قادس الإسبانية، ويشرف عليها نائب الأميرال الإسباني إجناسيو فيلانويفا سانشيز. علاوة على ذلك، فإن الفرقاطة الإسبانية فيكتوريا هي السفينة الوحيدة التي تمتلكها العملية الأوروبية حالياً، بعد انسحاب الفرقاطة الإيطالية.
هل هناك انسحابات أخرى؟
وأفادت تقارير لمنافذ إعلامية أغلبها مقرب من إيران بأن فرنسا وإيطاليا قد انسحبتا أيضاً من التحالف، ولكنه لم يتم التأكد من ذلك.
ولكن اللافت أن حليفاً كبيراً لأمريكا هو ألمانيا لم تشارك بالتحالف رغم دعمها لإسرائيل، كما لم تشارك به أي دولة عربية باستثناء البحرين، بينما غابت عنه دول مهمة ومعنية بشدة بالملاحة في البحر الأحمر مثل السعودية ومصر والإمارات، كما لم يشارك به حليفا واشنطن الآسيويان الكبيران اليابان وكوريا الجنوبية رغم أنهما أيضاً معنيان بالملاحة بالبحر الأحمر، فيما تحدثت واشنطن أن هناك دولاً ستنضم للتحالف بشكل سري.
ويؤشر كل ذلك لتحرج كثير من حلفاء واشنطن من الانضمام لتحالف دولي يحاول تحويل قضية مرتبطة بإسرائيل لقضية دولية وادعاء واشنطن وتل أبيب أن هجمات الحوثيين تستهدف الملاحة الدولية رغم تأكيد الجماعة اليمنية الموالية لإيران، بأنها لن تستهدف إلا السفن المملوكة لإسرائيليين أو تلك الذاهبة من أو إلى إسرائيل، وربطها ذلك الموقف بإيصال الغذاء والدواء لغزة.
ما موقف القانون الدولي من هجمات الحوثيين ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، وما هي قاعدة التدابير المضادة؟
وبينما تحاول واشنطن تقديم هجمات الحوثيين أنها قرصنة، فإنها لم تستطع اتخاذ قرار دولي بذلك، كما أن الكثيرين يرون أن ما يفعله الحوثيون له سند في القانون الدولي عبر ما يعرف بالتدابير المضادة الضرورية باعتبار أن ذلك رد فعل طبيعي على جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة.
في القانون الدولي، "التدابير المضادة" هي التدابير التي تتخذها دولة ما رداً على فعل غير مشروع دولياً ترتكبه دولة أخرى وتهدف إلى حث الدولة الأخيرة على الامتثال لالتزاماتها القانونية.
ويقول أستاذ القانون الدولي محمد الموسى في "برنامج صفر بودكاست" إن إسرائيل ترتكب جرائم إبادة وجرائم حرب ضد الإنسانية من حصار وتجويع.
وأضاف أن القانون يرتب نوعين من القواعد، قواعد ترتب التزامات شخصية (ثنائية) بين الدول، مثل العقود، وهناك قواعد تهم المجتمع الدولي، هذه الجرائم التي تقوم بها إسرائيل تمس مصالح المجتمع الدولي وليس دولاً بعينها، ومن هنا فإن الحوثيين استخدموا نظرية التدابير المضادة وفرضوا حصاراً بحرياً اقتصادياً على إسرائيل.
وأضاف: "الأمريكيون عندما يستخدمون العقوبات الاقتصادية ضد دول تخرق حقوق الإنسان استخدموا هذه النظرية".
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل فرضت حصاراً بحرياً ضد غزة منذ عقود، وأنها هاجمت السفينة التركية مافي مرمرة التي كانت تحمل متطوعين حاولوا كسر هذا الحصار.
كما أن الأمريكيين فرضوا عقوبات على العديد من الدول وآخرها إيران، وسبق لهم أن احتجزوا أو طلبوا من حلفائهم احتجاز سفن إيرانية، إضافة لقيامهم في كثير من الأحيان بتفتيش أو منع سفن تمر لخصومهم دون وجود قرارات دولية.
كما أن الاتحاد الأوروبي حاول فرض حظر الأسلحة الذي أقرته الأمم المتحدة على ليبيا عبر قيامه بإرسال سفن لمنع نقل الأسلحة من البحر إلى حكومة الوفاق الوطني في طرابلس من قبل تركيا، رغم أن القرار لم يفوض الاتحاد الأوروبي بذلك، ورغم أن السلاح كان يصل للجنرال خليفة حفتر عبر حدود ليبيا البرية، الأمر الذي دفع تركيا لتحدي التحرك الأوروبي وإرسال السفن المحملة بالأسلحة لحكومة الوفاق محمية بسفنهم الحربية.
على الرغم من ميل النظام القانوني الدولي إلى منح نفسه بيئة مؤسسية، فإن التدابير المضادة لا تزال تمثل آلية الإنفاذ الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، المتاحة للدول الفردية لضمان حقوقهم ومصالحهم وتنفيذ أحكام القانون الدولي، حسبما ورد في تقرير لموقع Oxford Bibliographies.
والقانون الدولي لا يحصن إسرائيل، ولكن مشكلته أنه ليس هناك له جهة مركزية لتنفيذه بل من خلال سلطة الدول، والدول الغربية والولايات المتحدة تمنح إسرائيل فرص تفادي أحكام القانون الدولي.
والتدابير المضادة تُعتبر في الأغلب الأعم أداة للمساعدة الذاتية، تهدف إلى إلحاق تكلفة نتيجة للأفعال غير المشروعة. واتساقاً مع هذه الرؤية، تميل وجهة النظر الأكاديمية الكلاسيكية إلى اعتبار التدابير المضادة موضوعاً لحق الدول المتضررة في إنزال العقوبة، وواجب على مرتكب الجريمة قبولها.
أما في أحدث وجهات النظر للقانون الدولي، والتي يُنظر إليها على أنها مجموعة متطورة من القواعد الأولية والثانوية، يُنظر إلى التدابير المضادة عادة على أنها أداة إنفاذ، تهدف بشكل أساسي، إن لم يكن حصرياً، إلى ضمان الامتثال للقانون.
ورغم أن مفهوم التدابير المضادة يفترض أن يصدر من قبل الطرف المتضرر، ولكن فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية بشكل خاص، فإن القانون الدولي يعتبرها مسألة ليست مرتبطة فقط بالمتضرر، ففي الجرائم بحق المسلمين الروهينغا فمن رفع جريمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية في رواندا، من رفع القضية هي غامبيا.
ويميل القانونيون إلى رؤية التدابير المضادة ليس كحق، بل كسلطة يمنحها النظام القانوني الدولي للدولة المتضررة للجوء إلى إجراء انفرادي لاستعادة الامتثال للقانون.
أما فيما يتعلق بهل الحوثيون يمثلون دولة أم لا، تجدر الإشارة إلى أن الحوثيين الذي يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء يعتبرون أنفسهم الحكومة الشرعية لليمن، ولكن هذا الوضع لا تعترف به أي دولة ما عد إيران، إلا أن هناك شكوكاً حول حصرية تنفيذ بعض أحكام القانون الدولي من قبل الدول والحكومات باعتبار أن حق مقاومة الاستعمار حق من حقوق الشعوب الذي لا يمكن أن تقوم به الدول لأنها في الأصل تكون محتلة,
ويشترط لكي يتم اللجوء إلى التدابير المضادة، استنفاد الوسائل الودية الأولية لتسوية المنازعات، وبالفعل إسرائيل رفضت كل دعوات وقف إطلاق النار، وقرارات أممية في هذا الشأن.
ويشترط أيضاً في القيود الموضوعية المفروضة على التدابير المضادة، التناسب، وبالفعل يظل استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل أقل في تأثيره من الحرب العدوانية على غزة والحصار والتجويع الذي يتعرض له سكان القطاع.