رصاص الاحتلال لا يفرِّق بين أحد.. كيف حاولت إسرائيل تقسيم الفلسطينيين على مدار 7 عقود وفشلت بذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/18 الساعة 10:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/18 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
استثمار ضخم بتمزيق الفلسطينيين.. كيف حاولت إسرائيل تقسيم الفلسطينيين على مدار 7 عقود وفشلت بذلك؟ / تعبيرية

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحاول وسائل الإعلام الغربية والسياسيون الغربيون الإشارة إلى حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة باسم "الحرب بين إسرائيل وحماس". متبنين بذلك وجهة النظر الإسرائيلية التي تشير إلى أن "الحرب ضد حماس" بشكل صارم.

مع ذلك، وعلى مدار أكثر من شهرين، فإن القصف الإسرائيلي لجميع جوانب الحياة الفلسطينية في غزة، بما في ذلك المدارس والجامعات والمخابز والمستشفيات ومنشآت الأمم المتحدة والأحياء السكنية والمساجد، قد أبطل مزاعمها بأنها تستهدف حماس فقط بل تستهدف الشعب الفلسطيني نفسه وكل بنيته التحتية.

حيث ارتكبت إسرائيل كذبة مفادها أن حماس هي المسؤولة عن جرائم الحرب التي ترتكبها ضد المدنيين الفلسطينيين، في حين يتحدث القادة الإسرائيليون علناً عن العقاب الجماعي للكل الفلسطيني.

كما حاولت الحكومة الإسرائيلية إقناع الفلسطينيين بالنأي بأنفسهم عن الانضمام إلى المقاومة؛ من خلال استخدام مختلف مبدأ "فرق تسد" ضدهم، لكنها فشلت في ذلك كما فشلت على مدار 7 عقود من الاحتلال، كما يقول فريد طعم الله الصحفي والباحث الفلسطيني بموقع MEE البريطاني.

كيف حاولت "إسرائيل" تقسيم الفلسطينيين على مدار 7 عقود وفشلت في ذلك؟

إحدى السياسات القديمة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هي تصنيف الفلسطينيين لتقسيمهم وخلق المنافسة بينهم على مبدأ "فرِّق تسُد". ويقول الكاتب الفلسطيني فريد طعم الله إنه لعقود من الزمن، قسمت الحكومة الإسرائيلية الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية إلى فئات مختلفة، وأخضعتهم لنظام الأمن الإسرائيلي للسيطرة، ومزقت النسيج الاجتماعي الذي يمكن أن يوحدهم كشعب واحد له هدف سياسي مشترك وهو التخلص من الاحتلال والعيش بكرامة وحرية على أرضهم.

ومؤخراً، أعرب القادة الإسرائيليون عن مخاوفهم بشأن تحقيق الفلسطينيين الوحدة بعد "القضاء على حماس". وقد رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أدام الانقسام منذ فترة طويلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مراراً وتكراراً أي سلطة فلسطينية موحدة بين المنطقتين. إلا أن هذه التصنيفات تم تفكيكها خلال حرب إسرائيل الحالية.

وحتى صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي بادلت فيها الحكومة الإسرائيلية أسرى فلسطينيين من الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني (أراضي عام 1948) بأسرى إسرائيليين لدى حماس، أثبتت أنه لا يوجد أي تمييز بين الفلسطينيين من خلفيات وفصائل ومناطق مختلفة. وفي الواقع، جميع الفلسطينيين هم مستهدفون من العدوان الإسرائيلي ويوحّدهم تنكيل الاحتلال بهم.

ما آليات السيطرة والتفريق التي استخدمتها إسرائيل ضد الفلسطينيين؟

لقد استثمرت إسرائيل موارد كبيرة في تقسيم الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية إلى "أنواع" أو فئات مختلفة؛ أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويشار إليهم بفلسطينيي 1948، والفلسطينيين في القدس الشرقية؛ فلسطينيو الضفة الغربية؛ وسكان قطاع غزة. وهناك فئة منسية هم اللاجئون خارج فلسطين الذين سقطت قضيتهم من أجندة السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو (حوالي 5 ملايين فلسطيني).

الفلسطينيون في الداخل المحتل

ويحمل أكثر من مليوني فلسطيني الجنسية الإسرائيلية الذين بقوا في أراضيهم خلال نكبة عام 1948. ومنذ عام 2003، أصدرت الحكومة الإسرائيلية "أمراً مؤقتاً" يحظر لمَّ شمل الأسرة إذا كان أحد الزوجين مواطناً إسرائيلياً والآخر مقيماً في الأراضي المحتلة (باستثناء المستوطنين اليهود). وقد تم ذلك لمنع أي علاقة اجتماعية وسياسية بين المواطنين الفلسطينيين في الكيان الإسرائيلي وأولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وحتى قبل عام 2003، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "كان الحصول على الإقامة الإسرائيلية الدائمة والمواطنة للفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة المتزوجين من إسرائيليات عملية شاقة وطويلة". كان متوسط ​​وقت معالجة الطلب خمس سنوات حتى يحصل المتقدمون على نتيجة إما بالموافقة أو الرفض. أولئك الذين تقدموا سيقضون عدة سنوات أخرى في أوضاع قانونية مختلفة؛ حتى تتم الموافقة على حصولهم على وضع قانوني دائم.

المقدسيون

المقدسيون هم فلسطينيو القدس الذين عاشوا فيها قبل أن تحتلها إسرائيل عام 1967. وبحسب القانون الإسرائيلي، فإنهم "مقيمون" في القدس ولكنهم ليسوا مواطنين. وهم يحملون بطاقة هوية مقدسية زرقاء تسمح لهم بالإقامة في القدس والسفر داخل إسرائيل والضفة الغربية. وهم يحملون جواز سفر أردنياً ووثيقة سفر إسرائيلية تسمى "جواز مرور"، والتي تسمح لهم بالسفر إلى الخارج. ويمنعون من حمل أي وثائق فلسطينية.

وبما أنهم "مقيمون" في المدينة، فإنهم يفقدون هذا الحق إذا سافروا إلى الخارج لفترة أطول من فترة محددة أو إذا كانوا يعيشون في أي مكان خارج مدينة القدس. ولا يُسمح للمقدسيين الذين يتزوجون من فلسطينيين من مناطق أخرى بالاستقرار مع أزواجهم في القدس. ويقول الكاتب "طعم الله" إنه يعرف حالات كثيرة لأشخاص حُرموا من إقاماتهم لمثل هذه الأسباب.

فلسطينيو الضفة الغربية

ويحمل الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة بطاقة هوية خضراء صادرة عن السلطة الفلسطينية، ويُمنعون من الإقامة أو الدخول إلى أراضي عام 1948 خارج الخط الأخضر، بما فيها القدس، إلا بموجب تصاريح خاصة ومؤقتة صادرة عن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية.

كما لا يسمح لهم بالدخول إلى قطاع غزة إلا بتصاريح محدودة للغاية وبشروط مشددة. وأدى ذلك بشكل مباشر إلى انقسامات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. ولا يستطيع فلسطينيو الضفة الغربية السفر إلى الخارج عبر المطارات الإسرائيلية، بل يتعين عليهم السفر عبر جسر اللنبي، وهو المعبر الحدودي مع الأردن، الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.

فلسطينيو غزة

أخيراً، ومن بين "المجموعات" الفلسطينية المختلفة، فإن 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة يخضعون لأشد القيود. ومنذ عام 2007، واجهوا حصاراً خانقاً وحروباً متعددة من قبل الاحتلال أودت بحياة عشرات الآلاف من الشهداء.

ويحمل سكان غزة بطاقة هوية فلسطينية وجواز سفر فلسطينياً صادراً عن السلطة الفلسطينية. ويُمنعون من السفر إلى ما وراء الخط الأخضر أو ​​إلى الضفة الغربية، مع استثناءات قليلة جداً وتصاريح محدودة. وهم مرتبطون بالعالم الخارجي من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر، والذي ظلت السلطات المصرية تغلقه بانتظام منذ بداية الحصار في عام 2007.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فإن أسوأ فترة للإغلاق كانت بين عامي 2015 و2017، عندما كان المعبر مفتوحاً بمعدل ثلاثة أيام فقط شهرياً. وكان مفتوحاً في الغالب في السنوات الخمس التي سبقت ذلك، في حين بلغ متوسط ​​الإغلاق كل يومين تقريباً منذ عام 2018.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه الفلسطينيون في غزة قيوداً عديدة على الدخول والخروج من هذا الجيب الصغير. تؤدي عمليات إغلاق المعبر العديدة أو تقليل ساعات العمل إلى حدوث اكتظاظ؛ مما يؤدي إلى تأخير السفر لفترة طويلة. ولذلك يجب على المسافرين التسجيل للمغادرة قبل أيام، إن لم يكن أسابيع، فقط لتأمين الفرصة.

وعلى الرغم من عدم وجود قيود قانونية رسمية، لا يستطيع سكان غزة عملياً الزواج من فلسطينيين من الضفة الغربية لأنهم ببساطة لا يستطيعون الذهاب إلى هناك. وفي الوقت نفسه، لا يُسمح لسكان الضفة الغربية بالدخول إلى غزة. هناك حالات قليلة حدث فيها هذا.

الوحدة الفلسطينية الديموغرافية والجغرافية ممنوعة

وتهدف هذه التصنيفات الجغرافية إلى منع أي تواصل اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي بين الفلسطينيين بحسب إقامتهم ووضعهم القانوني. وتصنف الإدارة المدنية الإسرائيلية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة حسب سلوكهم السياسي والأمني ​​ووضعهم الاقتصادي، من خلال ما يسمى "نظام التصاريح".

لا يُسمح للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية أو غزة بدخول إسرائيل أو القدس، ويُحرمون من حرية التنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلا في حالة إصدار تصريح من قبل السلطات الإسرائيلية.

ولإصدار مثل هذا التصريح، يجب على الفلسطينيين أولاً الحصول على بطاقة ممغنطة صادرة عن الإدارة المدنية للاحتلال والتي تستلزم تقديم المعلومات البيومترية الخاصة بهم إلى الجيش الإسرائيلي. ومن المؤكد أن مثل هذه المعلومات الحساسة ستستخدم لاحقاً لأغراض أمنية تديم الاحتلال والسيطرة على حياة ملايين الفلسطينيين.

بمجرد حصولهم على البطاقة الممغنطة، والتي يجب تجديدها بشكل دوري، يحق للفلسطينيين التقدم بطلب للحصول على تصريح. ولا يمكن إصدار التصاريح إلا بموافقة المخابرات الإسرائيلية. ويُمنع أي شخص يشتبه في قيامه بأي عمل تعتبره السلطات الإسرائيلية "عدائياً أو إرهابياً أو قد يهدد الأمن" . لا يكفي أن يكون لدى المتقدمين أنفسهم سجلات نظيفة؛ وتمتد الشروط الصارمة إلى أفراد أسرهم.

ووفقاً لـ"جيشا"، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان مكرسة لحماية حق الفلسطينيين في حرية التنقل، يتم وضع الآلاف من المتقدمين للحصول على تصاريح تحت "حواجز أمنية". تكثر القصص حول كيفية تعامل سلطات المخابرات الإسرائيلية مع الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى تصريح. وكثيراً ما يطلبون منهم تقديم معلومات أو التعاون مع إسرائيل مقابل الحصول على التصريح.

الإمعان في التقسيم.. تصنيفات داخل التصنيفات

التصنيفات الإسرائيلية مفرطة إلى درجة أن هناك "تصنيفات ضمن تصنيفات". ومن الأمثلة على ذلك استهداف الحكومة لمدن محددة في الضفة الغربية، مثل جنين ونابلس، حيث تشكلت جيوب المقاومة. وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بمداهمات وتوغلات عسكرية عنيفة في تلك المدن، وأخضعت كافة سكانها للعقاب الجماعي والحصار.

ومن ناحية أخرى، تقدم إسرائيل بعض الامتيازات لعدد محدود من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حسب وضعهم السياسي والأمني ​​والاجتماعي والاقتصادي. ويتم إصدار بطاقات "VIP" للمسؤولين الفلسطينيين في السلطة، تمكِّنهم من دخول إسرائيل والسفر عبر مطار بن غوريون. وهم يتمتعون بمعاملة خاصة ويتنقلون عبر خط منفصل عن بقية السكان الفلسطينيين عند نقاط التفتيش والمعابر عند سفرهم.

وبالمثل، تصدر إسرائيل "BMC" أو "بطاقات رجل الأعمال" لكبار المستثمرين ورجال الأعمال الفلسطينيين، وتسمح لهم أيضاً بالدخول إلى إسرائيل والسفر عبر مطار تل أبيب. ويتمتع حاملو بطاقة "BMC" بأعلى الامتيازات في نظام التصنيف، بما في ذلك، على سبيل المثال، حق الدخول إلى إسرائيل بمركباتهم الشخصية.

وقبل سنوات قليلة، أنشأت أطراف إسرائيلية فلسطينية أردنية مشتركة شركة نقل "Border VIP Service" في معبر اللنبي أو "جسر الملك حسين". توفر خدمة نقل سريعة؛ ليتمكن المسافرون الفلسطينيون من الاستمتاع بالمعاملة المخصصة للأجانب وكبار الشخصيات مقابل رسوم عالية. فهي تمكِّنهم من تجنب الازدحام وتأخير السفر والاتصال بالجمهور أثناء عبور الحدود، خاصة خلال موسم الذروة.

إسرائيل استثمرت كثيراً في تمزيق الفلسطينيين

لقد استثمرت إسرائيل، في سياسة التصنيفات الواسعة التي تنتهجها، موارد هائلة لتمزيق النسيج الاجتماعي في فلسطين وإبقاء شعبها منقسماً. ولكن من خلال قتلها الوحشي للأطفال والنساء الفلسطينيين، وتدميرها لأسس المجتمع في غزة والضفة، تظهر إسرائيل لونها الحقيقي.

وهي تواصل شن حرب إبادة جماعية، لا تفرق بين فلسطيني وآخر، سواء في الضفة الغربية أو غزة، أو من فصيل أو آخر. وكان نتنياهو واضحاً جداً عندما قال إنه لا يرى فرقاً بين حماس وفتح، مشيراً إلى أن غزة "لن تكون (حماس ستان) ولا (فتح ستان)".

بالنسبة للفلسطينيين، حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يتزعزع الشعور بأنهم شعب واحد ذو مصير مشترك، بل أصبح أكثر رسوخاً خلال الحروب والأزمات، كما هو الحال الآن.

ويتجلى ذلك من خلال التظاهرات وروح التضامن والمقاومة الشديدة ضد الاحتلال، سواء في القدس أو في جنين – التي أصبحت تسمى "غزة الصغيرة" – أو في نابلس أو في جباليا وخان يونس؛ لأنه في النهاية الدم الفلسطيني واحد ورصاص الاحتلال لا يفرق بين أحد.

تحميل المزيد