في 29 أكتوبر/تشرين الأول، و7 نوفمبر/تشرين الثاني، ومن 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 2 ديسمبر/كانون الأول، أدلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بمزيد من التصريحات وقدَّم للمراقبين فهماً أعمق لكيفية تعامله مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عما كان عليه في العامين ونصف الماضيين تقريباً من منصبه.
ما يلي هو تحليل للوجهة التي من المرجح أن تتخذها تصريحاته، تليه مراجعة لبعض القضايا المتطورة ذات الصلة التي يهتم بها كبار المسؤولين الإسرائيليين، ويمكن أن تعكس أيضاً الصورة الأوسع للعلاقات بين المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل.
كيف ترى المحكمة الجنائية الدولية الجيش الإسرائيلي؟
وأجرت صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية اتصالاتٍ مكثفة مع مكتب خان، ومسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، وكبار المسؤولين الإسرائيليين بشأن مجموعة متنوعة من القضايا. ربما تكون القضيتان الأكثر أهمية هما ما إذا كان خان يعتبر نظام الاستهداف الإسرائيلي شرعياً ونظامها القانوني للمحاكمة الذاتية لجنودها شرعياً.
في تحليل هذه القضية، سيكون من المهم معرفة ما إذا كان خان يحكم بأن هجمات الجيش الإسرائيلي على المستشفيات والمساجد والمدارس كانت:
1) مبررة
2) غير مبررة، لأن الجيش الإسرائيلي فشل في إثبات الضرورة العسكرية والتناسب.
3) مبرر أحياناً وأحياناً لا.
زعمت إسرائيل أن حماس تستخدم المستشفيات للقيام بأنشطتها الشائنة، مثل تخزين الأسلحة، وعلاج الأسرى الإسرائيليين فيها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وكقواعد قيادة وسيطرة لتنسيق الهجمات لكن يحتاج ذلك إلى تقديم إثباتات كافية.
لذا، إذا كان معيار المحكمة الجنائية الدولية للاعتراف بتغيير وضع موقع مدني إلى هدف عسكري مشروع، يستند إلى تقديم أدلة تثبت أن حماس استخدمت هذه المواقع لأغراض عسكرية، عندها يجب على إسرائيل أن تقدم ما لديها من الأدلة المزعومة التي تقول إنها لديها.
لكن ماذا لو رفضت المحكمة الجنائية هذه الأدلة المزعومة؟
تشير التصريحات العامة لخان والاتصالات مع صحيفة Jerusalem Post إلى أن مكتب خان سيستمر في إلقاء عبء الإثبات على إسرائيل.
عندما يقول خان، أشياء مثل أنه لن يسمح بتجويف القوانين إلى درجة تُستخدَم فيها الاستثناءات لتبرير الأضرار الجانبية التي تلحق بالمدنيين الفلسطينيين على نطاق واسع، يبدو أنه يشير إلى أنه يشكك في المزاعم الإسرائيلية بأن "حماس تسيء استخدام المواقع المدنية وتستخدمها منهجياً كدروع بشرية. في المقابل، سيطلب دليلاً محدداً بدقة في كل مرة".
ماذا لو ذهبت المحكمة الجنائية الدولية إلى حد اشتراط أن تكون حماس قد شاركت في هجوم وشيك على قوات الجيش الإسرائيلي أو المدنيين الإسرائيليين حتى يكون مسموحاً للجيش الإسرائيلي بشن هجوم عليها في موقع مدني؟ يمكن أن ينطبق الشيء نفسه على المنازل والمواقع المدنية الأخرى.
أوضحت مصادر إسرائيلية للصحيفة أن بعض الدول الأخرى تقول أيضاً إنه إذا أطلق مقاتلٌ صاروخاً أو كان ينوي إطلاقه، فقد يتعرض للهجوم قبل أو بعد إطلاق الصاروخ على موقع مدني.
لكن بعض تفسيرات قوانين الحرب أضيق. لا تسمح هذه القوانين بمهاجمة ذلك المقاتل إلا إذا ثبت أنه كان على وشك الاستعداد لإطلاق الصاروخ، وليس إطلاق النار أو إطلاق النار السابق في الساعات أو الأيام التالية.
لكن ماذا لو قبلت المحكمة الجنائية الدولية الأدلة التي قدمتها إسرائيل كزعم إخفاء مقاتليها في مواقع مدنية باعتبارها كافية لإثبات أن الموقع من الممكن أن يصبح من الناحية النظرية هدفاً عسكرياً، ولكنها تحكم بأن الهجمات لم تكن متناسبة بسبب الأضرار الجانبية المحتملة التي تلحق بالمدنيين؟ كانت هناك تلميحات مهمة من خان ومسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على مر السنين بأنهم قد يرسمون خط التناسب بشكل مختلف عن إسرائيل.
وبين تلك السيناريوهات -حيث كان على الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان أن يختار الهجوم أو السماح لمقاتلي حماس بالهروب والاستمرار إما في نصب كمائن لقوات الجيش الإسرائيلي وإما إطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين- تتكشَّف الكثير منها في غزة٬ كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
هل ستتهم المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بسبب منع المساعدات عن القطاع؟
كان خان مصراً على تصريحاته العلنية في ما يتعلق بهذه النقطة، بل هو يعتبر أن مجرد تأخير المساعدات الإنسانية لأغراض أمنية -فحص المساعدات ومعرفة إلى أين تذهب- جريمة حرب.
قد يكون هذا مربكاً إلى حد ما. فهل سيسعى خان إلى التوفيق بين هذه التناقضات والوقوف لصالح إسرائيل، أم أنه سيدينها وربما يدين أطرافاً أخرى مثل مصر؟
ماذا عن جرائم إسرائيل في الضفة؟
في السياق٬ تقف إسرائيل على الأرض الأضعف في ما يتعلق بالعنف والإرهاب الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين٬ فقبل كل شيء ستتهم المحكمة الجنائية الدولية الإسرائيليين بالتورط في مشروع الاستيطان نفسه بالضفة.
وقد اعترف الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الأخرى بأن سيطرتهم ضعيفة على هذه القضية، على الأقل منذ فبراير/شباط من هذا العام، عندما وقع هجوم جماعي على الفلسطينيين في بلدة حوارة.
وستتهم المحكمة اليهود الذين يستهدفون الفلسطينيين بهجمات مميتة، بجرائم حرب. وسيحظى خان في ذلك بدعمٍ من الولايات المتحدة، التي قالت إنها ستبدأ في حرمان أي إسرائيلي يهودي من حقوق السفر؛ للاشتباه في تورطه في مثل هذه الهجمات.
ولإتمام ذلك٬ فإن المحكمة الجنائية الدولية يجب عليها تحديد هوية الأفراد أو حتى توجيه الاتهام إلى مسؤولي الأمن الإسرائيليين الذين لم يلقوا القبض على هؤلاء الأفراد.
"الذكاء الاصطناعي" وبنك أهداف الجيش الإسرائيلي
نشرت صحيفة Jerusalem Post تقريراً موسعاً حول بنك الأهداف الذي يقوده الذكاء الاصطناعي التابع للجيش الإسرائيلي. من ناحية، تعني العملية التي يقودها الذكاء الاصطناعي أن المبادئ القانونية تلعب تلقائياً دوراً أكثر بروزاً في عملية اختيار الهدف وجمع المعلومات الاستخباراتية من أي وقت مضى.
وقالت مصادر إسرائيلية إن معلومات الجيش الإسرائيلي، وبنك الأهداف باستخدام الذكاء الاصطناعي -وضمن ذلك جوانب المبادئ القانونية- لا تزال هناك أشياء معينة يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى القدرة والرؤية لفهمها. وبهذا المعنى، يقولون إنه لا يوجد هدف للذكاء الاصطناعي للموافقة على الهجمات دون إشراك العامل البشري للموازنة بين "الشرعية والأخلاق". وتقول مصادر إسرائيلية إن عملية بنك الأهداف الجديدة تضمن حصول كل هدف على موافقة قانونية فردية أكثر حرصاً مما كان عليه في الماضي.
لكن المحكمة الجنائية الدولية قد تنظر إلى هذه القضية بشكل مختلف. وقد تحاول جمع تصريحات مختلفة لمسؤولين إسرائيليين حول سرعة الهجمات والموافقات، إلى جانب الانتقادات الخارجية، لمحاولة استنتاج أن الجيش الإسرائيلي يسمح بهجمات قاتلة يقودها الذكاء الاصطناعي دون موافقات قانونية كافية.
أو قد تحاول المحكمة الجنائية الدولية وضع عبء الإثبات في هذه القضية على عاتق الجيش الإسرائيلي، مما يجبره إما على الكشف عن عمليات استخباراتية سرية وإما الفشل في إثبات أن لديه دفاعاً. ومثل هذا النهج المتمثل في الضغط على الجيش الإسرائيلي للكشف عن المعلومات الاستخباراتية، والذي أشارت إليه بعض مصادر المحكمة الجنائية الدولية على مر السنين، سيكون غير مسبوق.