يبدو أن إيلون ماسك بدأ يرضخ للضغوط لينحاز إلى إسرائيل في صراعها مع حماس بعد أن كانت تصريحاته تحمل تلميحاً إلى انتقاد محاولة إسرائيل القضاء على حماس وقتل أهل غزة، لكن يبدو أن الحملة التي تستهدفه والتي تهدد بخسارة منصة "إكس" التي يمتلكها للملايين تدفعه إلى تغيير مواقفه ولو قليلاً.
واستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤخراً، الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، وأخذه في جولة بمستوطنة تعرضت للهجوم في أثناء عملية طوفان الأقصى، وظهر ماسك في مقطع فيديو نشره مكتب نتنياهو، وهو يرتدي سترة واقية، ويلتقط صوراً أو مقاطع فيديو للدمار في المستوطنة، حسب مزاعمهم.
وقال ماسك لاحقاً في محادثة أجراها مع نتنياهو: "كان من المثير للصدمة رؤية مشهد المذبحة"، موضحاً أنه انزعج من مقاطع الفيديو والصور التي أظهرها له رئيس الوزراء عن مقتل الإسرائيليين المدنيين، ومن ضمنهم الأطفال، حسب زعمه.
وعند سماع نتنياهو يشير إلى حماس، قال رجل الأعمال: "يجب تحييد أولئك الذين يعتزمون القتل.. يجب أن تتوقف الدعاية التي تدرب الناس على أن يكونوا قتلة في المستقبل.. وبعد ذلك، جعل غزة مزدهرة، وإذا حدث ذلك، فأعتقد أنه سيكون مستقبلاً جيداً"، وردّ نتنياهو: "أعتقد أن حقيقة مجيئك إلى هنا تؤكد التزامك بمحاولة تأمين مستقبل أفضل".
كيف ردّ إيلون ماسك على دعوة حماس له لزيارة غزة؟
جاءت زيارة ماسك لإسرائيل في أثناء الهدنة التي جرت خلالها عملية تبادل للأسرى.
وردّت حركة حماس بدعوة إيلون ماسك لزيارة غزة؛ لرؤية "مدى الدمار" الذي سببته الضربات الإسرائيلية.
وقال أسامة حمدان، القيادي بحركة حماس، في مؤتمر صحفي ببيروت: "ندعوه إلى زيارة غزة؛ للاطلاع على حجم المجازر والدمار الذي ارتُكب بحق أهل غزة، وذلك التزاماً بمعايير الموضوعية والمصداقية".
وقال حمدان: "خلال 50 يوماً، أسقطت إسرائيل أكثر من 40 ألف طن من المتفجرات على منازل سكان غزة العزل". وأضاف: "أدعو الرئيس الأمريكي بايدن إلى مراجعة العلاقات الأمريكية مع إسرائيل، والتوقف عن تزويدها بالأسلحة".
وردّ ماسك على دعوة حركة حماس إياه إلى زيارة غزة في أعقاب زيارته لإسرائيل، حيث قال في تغريدة له على منصة إكس رداً على مغرد أحال إليه دعوة حماس إياه لزيارة غزة: "يبدو الوضع خطيراً بعض الشيء حالياً، لكنني أعتقد أن ازدهار غزة على المدى الطويل سيكون جيداً لكل الأطراف".
ومنذ بداية الحرب على غزة أظهر ماسك خطاباً مختلفاً عن الخطاب الغربي الداعم للعدوان الإسرائيلي، ولمح مخاطباً إسرائيل إلى أنه من غير العقلاني محاولة قتل مؤيدي حماس، لأنها لن تستطيع قتلهم جميعاً ومن يبقون سوف ينتقمون، إضافة إلى كون الأمر غير مقبول أخلاقياً.
يتعرض لضغوط واسعة للانحياز لإسرائيل
وتعرض موقع إكس لضغوط غربية ليتبنى رواية منحازة ضد فلسطين والمقاومة، وحذر الاتحاد الأوروبي، إيلون ماسك، في بداية الحرب، من أن منصة "إكس" قد تُستخدم لنشر "معلومات مضللة" مرتبطة بالهجمات.
وكان لافتاً نشر ماسك لتغريدة، قال فيها إن الأربعين مليار دولار (في إشارة إلى ثمن صفقة شراء تويتر) لم تكن ثمن تويتر بل ثمن الحرية.
كما أعلن إيلون ماسك، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن نظام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية الخاص به، "ستارلينك"، سيدعم الاتصال بالإتنرنت لمنظمات الإغاثة المعترف بها دولياً في غزة.
وأصدر "ماسك" هذا الإعلان على منصة X (تويتر سابقاً)، رداً على بيان النائبة الأمريكية ألكساندريا أوكازيو كورتيز بأنّ قطع الاتصالات في غزة "غير مقبول".
وتقول جماعات الإغاثة إنها غير قادرة على التواصل مع فرقها في قطاع غزة بعد انهيار خدمات الهاتف والإنترنت خلال القصف الإسرائيلي المكثف.
ولكن بعد زيارة ماسك لإسرائيل، قال وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي، إن إيلون ماسك وافق على عدم تفعيل خدمة "ستارلينك" أو الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية في غزة دون موافقة إسرائيل.
ويبدو أن البيان الصادر بهذا الشأن عن وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي، يمثل تراجعاً عن معارضته الشهر الماضي اقتراح ماسك تقديم دعم "ستارلينك" إلى "منظمات الإغاثة المعترف بها دولياً" في غزة، وفقاً لوكالة "رويترز" للأنباء.
لماذا يغير موقفه؟
وهذا التغير اللافت في نهج ماسك جاء بعد تصاعد حملة لسحب إعلانات من تويتر بسبب اتهامات لماسك بمعاداة السامية.
ففي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، قام ماسك بتأييد منشور على "X" يتهم اليهود بـ"الكراهية ضد البيض"، وفي اليوم التالي أيد منشوراً جاء فيه: "يحق للجميع أن يفخروا بعرقهم، باستثناء البيض".
بعد ذلك أبدى ماسك ندماً على تغريدته وقال إنها ربما كانت أسوأ منشوراته في تاريخ رسائله التي تضمنت العديد من الرسائل المثيرة للجدل، وضمن ذلك تغريدةٌ عام 2018 كلفته غرامات بقيمة 40 مليون دولار من هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية.
على الرغم من أن زيارة ماسك لإسرائيل (التي صدمت المعجبين به في العالم العربي والعالم الثالث) نُظر إليها على أنها محاولة لدحض الاتهامات بمعاداة السامية، فإن الملياردير الأمريكي قال إن الرحلة تم التخطيط لها قبل تغريدته وإنها "مستقلة" عن القضية.
خلال المحادثة مع نتنياهو، والتي جرت بعد وقت قصير من مهاجمة ماسك لرابطة مكافحة التشهير، حث نتنياهو المليارديرَ على تحقيق التوازن بين حماية حرية التعبير عبر الإنترنت ومحاربة خطاب الكراهية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ماسك يقر بتراجع الإعلانات ويشتم المعلنين المنسحبين بألفاظ نابية
وجاءت زيارة ماسك لإسرائيل بعد أن أقر بتعرض "إكس" لخسائر بسبب حملة سحب الإعلانات من الموقع (رغم المؤشرات على تزايد متابعته).
وردَّ إيلون ماسك بتحدي المعلنين الذين غادروا موقع "X"، وسط مزاعم بتصاعد خطاب الكراهية على المنصة، فيما بات واضحاً أن الغرب يخلط بشكل فج بين تأييد القضية الفلسطينية والمقاومة وادعاءات خطاب الكراهية.
وأظهر مقطع فيديو مقابلة لماسك، تم تداوله على نطاق واسع، وهو يقول: "لا تعلن"، "إذا كان شخص ما سيحاول ابتزازي بالإعلانات، أو ابتزازي بالمال، فاذهب.."، ثم قال لفظاً نابياً.
وقال: "اللعنة عليك" عدة مرات، وخلال المقابلة قال: "مرحباً بوب"، في إشارة واضحة إلى روبرت إيجر، الرئيس التنفيذي لشركة والت ديزني، التي سحبت الإعلانات على X.
كما قامت Apple وIBM وCoca-Cola أيضاً بإزالة الإعلانات المدفوعة من X، في اتجاه مستمر قد يؤدي إلى خسائر في الإيرادات تصل إلى 75 مليون دولار، حسب الصحيفة البريطانية.
بدأت هجرة المعلنين بعد أن نشرت مؤسسة Media Matters غير الربحية تقريراً أظهر إعلانات من شركات كبرى موجودة بجانب منشورات مؤيدة للنازية (رفع "ماسك" دعوى قضائية ضد المنظمة). وتصاعدت حدة الأمر بعد أن وافق ماسك علناً على تغريدة قيل إنها تتهم الشعب اليهودي بـ"الكراهية ضد البيض".
ويعترف بأن الشركة قد تتعرض لكارثة
تأتي تعليقات ماسك الحادة مع المعلنين حتى مع اعترافه بأن نزوحهم قد يؤدي إلى كارثة لشركة X، التي اشتراها مقابل 44 مليار دولار في عام 2022.
وقال يوم الأربعاء: "ما ستفعله مقاطعة الإعلانات هذه هو أنها ستقتل الشركة"، "وسيعرف العالم كله أن هؤلاء المعلنين قتلوا الشركة".
لاحقاً، وصفت ليندا ياكارينو، الرئيس التنفيذي لشركة X، مقابلة ماسك بأنها "واسعة النطاق وصريحة"، وقدمت عرضاً للمعلنين. وكتبت على المنصة: "يقف X عند تقاطع فريد ومذهل بين حرية التعبير والشارع الرئيسي، ومجتمع X قوي وهو هنا للترحيب بكم".
يقول تقرير الصحيفة البريطانية: "إن تصرفات ماسك الغريبة هي الأحدث في سلسلة مستمرة من القرارات الخاطئة التي اتخذها منذ توليه رئاسة تويتر، والتي أثار كثير منها قلق المعلنين، الذين شكلوا منذ فترة طويلةٍ جوهر أعمال المنصة.
ولكن الصحيفة البريطانية التي توصف باليسارية، لم تقارن بين موقف منصة X وفيسبوك التي تمارس تقييداً فجاً بحق المحتوى المؤيد للشعب الفلسطيني، وليس حتى المؤيد للمقاومة.
وبينما يتعرض ماسك لهذه الحملة، فإن المنابر التي يفترض أن تدافع عن حرية الإعلام لا تتطرق إلى ما يمكن وصفه بعملية القتل البطيء للمحتوى الفلسطيني على فيسبوك إضافة إلى التغطية المنحازة لوسائل الإعلام الغربية الرئيسية، وأن "X" في المقابل توفر بعض التوازن لصالح قضية تهم ملياراً ونصف مليون مسلم ومليارات البشر في الجنوب.
رغم محاولة الحملة ضد إيلون ماسك التركيز على فكرة معاداة السامية، وتبنّيه نظريات العرق الأبيض، فإن الواقع أنها بدأت في الأصل من أجل موقفه الأقل انحيازاً إلى إسرائيل والذي عرى بقية الصحف والمنصات الغربية، خاصةً أن هناك مؤشرات على أن "إكس" اجتذب أعداداً كبيرة من المتابعين خلال حرب غزة، خاصة في العالَمين العربي والإسلامي.
في المقابل، يبدو أن ماسك ورغم هجومه على المعلنين الذين انسحبوا من المنصة، قد اضطر إلى مهادنة إسرائيل عبر زيارته غلاف غزة، ولكن تعليقه على دعوة حماس لزيارة القطاع يؤشر إلى أنه ما زال متعاطفاً مع أهل القطاع، وأنه ليست لديه رغبة في الانصياع أكثر للضغط الإسرائيلي للهجوم على حماس حتى لو فعلها مرة أمام نتنياهو.