على عكس عمليات التسليم السابقة التي تمت في جنوب قطاع غزة، فاجأت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- مساء الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إسرائيل خلال تسليمها الدفعة الثالثة من الأسرى الإسرائيليين المدنيين وعددهم 13، من شمال القطاع وتحديداً في قلب مدينة غزة، حيث تم نقلهم إلى الصليب الأحمر في ميدان فلسطين المعروف محلياً بـ"الساحة" في شارع عمر المختار، وسط حضور حشد من الفلسطينيين المدنيين وعشرات العناصر الملثمين من كتائب القسام الذين انتشروا في المكان. فما دلالات هذا المشهد؟ وما الرسائل التي أرادتها حماس منه؟
1- "نحن المسيطرون هنا".. حماس تفاجئ الاحتلال في شمال قطاع غزة
تعد المنطقة التي انتشرت فيها كتائب القسام وقامت بشبه استعراض عسكري فيها خلال تسليم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر، منطقة عمليات عسكرية برية للجيش الإسرائيلي وتم التوغل فيها.
ووفقاً للجيش الإسرائيلي، فإن "حركة حماس لم تعد تسيطر على هذه المنطقة، بحسب ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت"؛ مما يوصل رسالة قوية إلى جيش الاحتلال والجمهور الإسرائيلي أن حركة حماس وكتائبها القسام لا تزال متواجدة في المناطق الشمالية من القطاع وقادرة على المناورة والتحرك بأريحية كبيرة في تلك المنطقة، بعد 50 يوماً من الحرب.
وفي هذه المناطق وطئت الدبابات والآليات العسكرية للاحتلال عدة مرات، إلا أنّه في كل مرة كان تتقدم فيها، كانت تتكبد خسائر على يد مقاتلي القسام كما أظهرت العديد من مقاطع الفيديو التي نشرتها كتائب القسام.
2- رسالة تحدٍّ شخصية لنتنياهو
في الوقت نفسه، انتظر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو دخول الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة، كي يزور قواته المتمركزة في بعض المناطق شمال القطاع يوم الأحد، حيث ظن الجيش الإسرائيلي أن حماس فقدت السيطرة على هذا الجزء من القطاع، أو هكذا كان يخيل لقادة الاحتلال.
لذلك، أرادت حماس الرد سريعاً على نتنياهو وتسليم الأسرى الإسرائيليين من شمال القطاع وفي منطقة وقعت بها معارك وجهاً لوجه بين جيش الاحتلال وكتائب القسام قبل أيام، بالتالي هي رسالة قوية إلى نتنياهو شخصياً مفادها أن حماس لا تزال تسيطر على الوضع هنا وليس كما تعتقد أنت وقادة جيشك.
3- "جنودكم لا يزالون في قبضتنا"
رسالة أخرى أرادت القسام إيصالها، اختارت كتائب القسام تسليم الأسرى الإسرائيليين بالقرب من نصب تذكاري يسمى "قبضة المقاومة"، يظهر فيه قبضة يد تلتف حول سلسلة، تمسك بقلائد لجنود إسرائيليين أسرتهم المقاومة الفلسطينية خلال الهجوم الإسرائيلي على القطاع في عام 2014. وتشير إحدى القلائد إلى اسم الجندي الإسرائيلي "شاؤول أرون" ورقمه العسكري، بينما تحمل البقية علامات استفهام.
وقد أقامت كتائب القسام، هذا النصب في عام 2015، أي بعد عام من الحرب، وذلك في إشارة إلى إنجازات الفصيل الفلسطيني في أسر ومبادلة المحتجزين الإسرائيليين لديها مقابل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وشاؤول آرون جندي أسرته كتائب القسام من داخل دبابته في حي الشجاعية شمال شرق القطاع خلال حرب "العصف المأكول" عام 2014، خلال تلك العملية استدرجت القسام عدداً من جنود الاحتلال، وقتل فيها أيضاً 14 جندياً إسرائيلياً، في ضربة وصفها الجيش الإسرائيلي حينها بالقاسية.
وتحتفظ حركة حماس قبل معركة "طوفان الأقصى" بـ4 أسرى إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على قطاع غزة صيف عام 2014، أما الآخران فقد دخلا القطاع في ظروف غير واضحة، وكانا خدما في جيش الاحتلال سابقاً قبل أن يتم تسريحهما، ولا تفصح الحركة عن مصير المحتجزين الأربعة ولا يعرف مكان احتجازهم.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول زادت كتائب القسام غلتها من الأسرى العسكريين الإسرائيليين، حيث كشفت أن بين عشرات المأسورين لديها يوجد ضباط كبار من فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، حيث تسعى حماس لتبييض السجون الإسرائيلية ومبادلة هؤلاء بآلاف الأسرى الفلسطينيين.
4- الحاضنة الشعبية في غزة لا تزال تلتف حول المقاومة
كتائب القسام سلمت الدفعة الثالثة من الأسرى الإسرائيليين والمحتجزين الأجانب للجنة الدولية للصليب الأحمر، في مشهد جماهيري حاشد ولافت تحول إلى احتفاء بالمقاومة كما أظهرت مقاطع فيديو نشرها إعلام القسام.
حجم الاحتشاد الشعبي والهتاف للمقاومة والتلويح للمقاتلين وتقبيلهم في "ساحة فلسطين" في رسالة أخرى للاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، تؤكد أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتحديداً مناطق الشمال حاضرون صامدون في أرضهم ويلتفون حول المقاومة ويدعمونها، على عكس ما أراد إعلام الاحتلال ترويجه خلال الأسابيع الماضية.
وحاول نتنياهو الترويج إلى أن حماس فقدت السيطرة على مدينة غزة وشمال القطاع حيث نزح سكانه بشكل كبير نحو وادي غزة بدفع من جيش الاحتلال خلال عمليات التوغل البري في الأسابيع الماضية. فيما تحاول واشنطن بناء على هذه المزاعم الترويج والاستعداد لما قالت إنها "مرحلة ما بعد حماس في غزة"، حيث لم تتوقف زيارات وزير خارجيتها أنتوني بلينكن للمنطقة للتخطيط لتلك المرحلة و"ترتيب إدارة غزة بعد نزعها من حماس".
5- حرب نفسية ضد الجمهور الإسرائيلي وتشكيك برواية قادته
وسائل الإعلام العبرية علقت على الاستعراض العسكري لكتائب القسام، بينما كانت تفرج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الإسرائيليين وتحدثت عن هذه الرسائل، حيث قالت صحيفة "يديعوت أحرنوت" إنه من المفترض أن المنطقة التي سلمت حماس فيها الرهائن تخضع لسيطرة الجيش وتم إخراج مقاتلي القسام منها، لكن هذه المشاهد تكشف غير ذلك.
وعلقت القناة 13 الإسرائيلية، بالقول إنه بينما يتم تسليم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر، شوهد العشرات من مقاتلي حماس المسلحين الملثمين وهم يرتدون الزي الرسمي والأسلحة، بينما يتجمع الحشد حولهم ويهتفون "الله أكبر"، في رسالة تحدٍّ للحكومة الإسرائيلية.
وعلق إسرائيليون على منصات التواصل بغضب على المشاهد التي بثها القسام، حيث طالب بعضهم خلال تعليقهم على المشاهد التي بثها القسام والتي القنوات الإخبارية العبرية على تطبيق تليغرام بقتل الفلسطينيين المدنيين (حتى الأطفال والنساء منهم) وكل أولئك الذين يحيون المقاتلين خلال تسليمهم الرهائن الإسرائيليين للصليب الأحمر وسط غزة، فيما شكك آخرون بمزاعم جيش الاحتلال أنه يسيطر على شمال غزة وقلبها، وتساءلوا عن من يسيطر على هذه المناطق وكيف تنتشر القسام عسكرياً في الأحياء التي يقول الجيش الإسرائيلي إنها تحت سيطرته؟!
من جهته، نشر أمير بوخبوط المراسل العسكري لموقع "والا" العبري تغريدة على موقع X قال فيها: "كتائب القسام أمام المئات من أنصارها ووسط الهتافات للمقاومة، تم إطلاق سراح المختطفين الليلة الماضية قرب "نصب قبضة المقاومة" في مدينة غزة. إنه تمثال ليد تحمل قلائد جنود الجيش الإسرائيلي، في إشارة إلى الجنديين هدار غولدين وأورون شاؤول، من المُسيطر الحقيقي في غزة؟!"
صحيفة "معاريف" علقت بالقول على هذه المشاهد إنه "على الرغم من الضربات التي تلقتها حماس في الجزء الشمالي من قطاع غزة، فإنها تمكنت من الظهور وفرض وقف إطلاق النار حتى في المناطق التي يقول الجيش إنه يسيطر عليها بشكل شبه كامل، ونجحت حماس في إجراء المفاوضات وتنفيذها في جداول زمنية ضيقة، مما يشير إلى أن الحركة لا تزال بعيدة عن نقطة الانهيار".
وتقول الصحيفة إنه "بالرغم من الضرر الذي لحق بحماس في شمال قطاع غزة وتصفية العديد من قياداتها العسكرية هناك، ومهاجمة أنفاقها تحت الأرض، إلا أن حماس ما زالت بعيدة كل البعد عن التلويح بالعلم الأبيض".