كان تأجيل حماس المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى في اللحظة الأخيرة لبضع ساعات مساء السبت 25 نوفمبر/تشرين الثاني، مؤشراً على قوة موقف حماس التفاوضي، وأنها سوف تسعى لتحقيق أهدافها في المراحل القادمة عبر العمل على فرض وقف إطلاق نار دائم وتحرير أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين.
واعتبر تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية أن هذا التأجيل لا ينبغي أن يفاجئ أحداً. فقد كان من الواضح مسبقاً أنَّ زعيم التنظيم في غزة، يحيى السنوار، سيحاول استخدام الحرب النفسية ضد إسرائيل لتعظيم النفوذ والضغط على دولة الاحتلال.
ويبدو أنَّ إثارة حالة من القلق الشديد لدى الرأي العام الإسرائيلي كانت أحد الأهداف الرئيسية لعملية طوفان الأقصى (وحققت حماس هذا الهدف بالكامل). وبالنسبة للسنوار، لا يوجد سبب لعدم الاستمرار في فعل ذلك، حسبما ورد في تقرير Haaretz.
تفاصيل تأجيل المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، وكيف تم تدارك الأزمة؟
وقد تأخرت عودة 13 أسيراً إضافياً، إلى جانب سبعة أجانب (بعد تسليم 13 إسرائيلياً و11 أجنبياً يوم الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني) لبضع ساعات؛ بسبب استياء حماس من الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة المؤقتة.
وضغطت قطر ومصر والولايات المتحدة أيضاً، وإن كان بشكل غير مباشر، على حركة حماس لتنفيذ الاتفاق وتسليم الأسرى كما وعدت. لكن في هذه الأثناء، كانت أعصاب العائلات والجمهور الإسرائيلي عامةً متوترة إلى أقصى حد. وينبغي النظر إلى سلوك حماس على أنه إشارة تحذير للمستقبل، وضمن ذلك الأيام المقبلة، إذ ما زال من المقرر تحرير 24 رهينة إسرائيلية أخرى.
وجاءت الصور المؤثرة للأسرى من النساء والأطفال، الذين أُطلِق سراحهم مساء الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني، بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس من أهوال الحرب في قطاع غزة، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
لكن حتى مع اكتمال المرحلة الثانية، من بين المراحل الأربع المُخطَّط لها ضمن هذه الصفقة مع حماس، فإنها ستكون بعيدة كل البعد عن نهاية الأمر، حسب الصحيفة.
إذ يبدو أنه لن تكون هناك نهاية لأحداث الحرب. والعديد من المفرج عنهم يأتون دون بعض أقاربهم الذين قُتِلوا في الهجمات. ولا يزال كثيرون آخرون محتجزين، ولا يوجد حتى الآن أي ترتيب يضمن إطلاق سراح مزيد من الأسرى أو وقف إطلاق النار مرة أخرى، بعد الأيام الأربعة التي حددها الطرفان.
حماس تريد وقفاً دائماً لإطلاق النار وتبييض السجون
وفي المفاوضات التي سبقت الاتفاق، وعدت إسرائيل بيوم إضافي من وقف القتال، بعد الأيام الأربعة الأولى، مقابل كل 10 أسرى إضافيين يُطلَق سراحهم. ومن المرجح أن تحاول حماس تلبية هذا الشرط، لأسبابها الخاصة، لكنها لا تستطيع مواصلة تنفيذ هذه العملية إلى الأبد.
وهناك مجموعة كبيرة من الأسرى– على ما يبدو أكثر من 100 شخص– سيحاول التنظيم والفصائل الفلسطينية الأخرى الاحتفاظ بهم كأوراق تفاوض لصفقة مستقبلية أكبر.
وقال زعيم حركة حماس في الخارج إسماعيل هنية، في كلمة ألقاها يوم الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ حركته تسعى إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار. وفي هذه الأثناء، سارع رئيسا وزراء بلجيكا وإسبانيا، اللذان وصلا إلى معبر رفح الحدودي في أثناء استكمال المرحلة الأولى من إطلاق سراح الأسرى، إلى المطالبة بوقف طويل الأمد لإطلاق النار.
وإلى جانب أملها في التوصل إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، فإنَّ نية حماس واضحة: الإفراج النهائي عن جميع الأسرى والجثث التي بحوزتها في غزة يوم الهجوم، مقابل إطلاق سراح أكثر من 6000 سجين فلسطيني محتجزين في إسرائيل.
وسيكون ذلك بمثابة انتهاك للمحرمات التي لم تجرؤ أية حكومة إسرائيلية على انتهاكها. وفي الوقت الحالي، من الصعب معرفة ما إذا كانت مثل هذه الخطوة ستحظى بدعم شعبي إسرائيلي، على الرغم من التعاطف الهائل مع معاناة عائلات الأسرى.
هل يتم تمديد الهدنة أم توسع إسرائيل الحرب لجنوب غزة؟
ولذلك، وفي غضون أسبوع واحد تقريباً، سيكون على إسرائيل أن تتخذ قراراً بشأن استمرار القتال في حالة عدم التوصل إلى اتفاق آخر. ويتعلق القرار بشمال قطاع غزة، وسرعان ما سيسري على العمليات في جنوب القطاع أيضاً.
وستسمح التهدئة لحركة حماس بإعادة تنظيم صفوفها والاستعداد لمواصلة القتال بمناطق الشمال، في وقت تزعم فيه إسرائيل أن قوات حماس تلقت ضربات موجعة. ولكن لا يزال ثمّة أشواط طويلة لقطعها، خاصةً أن التقارير الأكثر مصداقية تفيد بأن نسبة ليست كبيرة من بنية حماس العسكرية هي التي قد تضررت.
بعض المدنيين الفلسطينيين عادوا إلى منازلهم بشمال قطاع غزة
وإضافة إلى ذلك، هناك أيضاً عودة للمدنيين الفلسطينيين إلى الجزء الشمالي من قطاع غزة. فقد خرج بعضهم من الملاجئ التي كانوا يختبئون فيها؛ وغادر آخرون الجنوب واتجهوا شمالاً، على الرغم من الحظر الذي فرضه الجيش الإسرائيلي.
وقد أعلنت إسرائيل بالفعل عن نيتها تنفيذ عمليات عسكرية في جنوب القطاع أيضاً، وبالتأكيد في منطقة خان يونس، التي تُعتبَر مركز الثقل الرئيسي لـ"حماس". وتضم هذه المنطقة كتائب وألوية تابعة لـ"حماس" لم تلحق بها سوى أضرار طفيفة، وستحاول تنظيم خطة دفاع على أساس الدروس المستفادة خلال القتال في الشمال.
وتدعي صحيفة Haaretz أن المشكلة الرئيسية بالنسبة للجيش الإسرائيلي تتمثل في وجود المدنيين الفلسطينيين، رغم أن حجم الدمار والخسائر في أوساط المدنيين والبنى التحتية يؤشر إلى أن الواقع يفيد بالعكس وهو أن إسرائيل تستهدف المدنيين بالأساس.
ويتركز جميع سكان قطاع غزة تقريباً في النصف الجنوبي من القطاع، بعدما أبعدت إسرائيل المدنيين قسراً من النصف الشمالي.
علاوة على ذلك، من المحتمل أن يكون باقي الأسرى الإسرائيليين محتجزين في جنوب غزة، وهو ما يمثل عائقاً أمام عملية الاحتلال العسكرية في جنوب القطاع؛ وهي المعضلة التي لمح إليها الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أثناء الترحيب باتفاق تبادل الأسرى يوم الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني.
فقد زعم بايدن أن إسرائيل تحتاج إلى القضاء على حكم حماس في غزة، لكنه طلب التقليل من قتل المدنيين غير المتورطين. وفي ظل الظروف التي تطورت بجنوب القطاع، فليس من الواضح أنَّ هذين الجزأين من تصريحه متطابقان مع بعضهما البعض.
شعبية حماس ترتفع في الضفة الغربية
وفي الضفة الغربية، صاحب إطلاق سراح العشرات من النساء والقاصرين الفلسطينيين الذين كانوا مسجونين في إسرائيل، ضمن الصفقة، احتفالات حاشدة قادتها حماس، على الرغم من أنَّ معظم السجناء صغار، وغير مرتبطين بـ"حماس". واستخدمت حماس المدن والقرى في مختلف أنحاء الضفة الغربية لتنظيم مسيرات النصر، مع رفرفة أعلام الحركة الخضراء، وفيما امتنعت السلطة الفلسطينية عن التدخل، حاولت سلطات الاحتلال قمع الاحتفالات.
والأخطر من ذلك حسب الصحيفة الإسرائيلية، يُزعَم أنَّ مسلحين من حماس أعدموا فلسطينيين اثنين في طولكرم، ليلة الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني؛ للاشتباه في أنهما ساعدا جهاز الأمن (الشاباك) في تحديد مكان ثلاثة أعضاء من حماس وقتلهم. واعتُقِل الاثنان قبل بضعة أيام وأُعدِما على ما يبدو بعد بدء تنفيذ الاتفاق مع إسرائيل.
وحزب الله يستهدف طائرة تابعة لإسرائيل ويرسل مسيّرة إلى أجوائها
وهناك تطوران آخران في الساحات الثانوية للحرب يستحقان الاهتمام. ففي لبنان، وعلى الرغم من التقديرات بأنَّ وقف إطلاق النار سيُحترَم هناك أيضاً، أطلق حزب الله صاروخاً أرض/جو على طائرة إسرائيلية بدون طيار.
ويبدو أنَّ تنظيم حزب الله يحاول إعادة فرض معادلة تعتبر الطيران الإسرائيلي فوق لبنان هدفاً مشروعاً. واعتُرِض الصاروخ ليلة الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم في اليوم التالي وقع حادثان آخران حاولت خلالهما طائرات يعتقد أنها تابعة للحزب العبور إلى أجواء إسرائيل.
والحوثيون يطاردون سفن رجال الأعمال الإسرائيليين في البحر
وفي بحر العرب، أُسقِطَت طائرة انتحارية بدون طيار في وقت مبكر من صباح الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني، في أثناء توجهها نحو سفينة تجارية كبيرة يملكها الملياردير الإسرائيلي عيدان عوفر. وتعرضت السفينة لبعض الأضرار، لكن لم يُصَب أحد بأذى. وكانت هذه هي المرة الثانية التي يضايق فيها الإيرانيون ووكلاؤهم السفن الإسرائيلية التجارية في المنطقة.
وفي الأسبوع الماضي، اختطف الحوثيون في اليمن سفينة تجارية مملوكة ملكية غير مباشرة لإسرائيلي في البحر الأحمر. ولا يزال الطاقم، الذي لم يكن يضم أي إسرائيليين، محتجزاً لدى الحوثيين. وتنتشر الأذرع المسلحة التي تديرها إيران، لدعم المقاومة الفلسطينية، في جميع أنحاء المنطقة ويمكن أن تشعل حريقاً أكبر، على الرغم من التحذيرات الأمريكية لطهران.