فرح ممزوج بالألم.. الأسرى الفلسطينيون يعانقون الحرية لكنهم يعودون إلى سجن كبير أكثر تنكيلاً بفعل الاحتلال

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/26 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/26 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
الأسيرة المحررة أسيل الطيطي في نابلس بعيد الافراج عنها/ تويتر

استُقبل الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم خلال المرحلة الأولى من صفقة التبادل بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي استقبال الأبطال. فلُفَّت أجساد الشبان المراهقين بعلم حركة حماس الأخضر وحُملوا عالياً على الأكتاف وسط الحشود المبتهجة الهاتفة للمقاومة ومحمد الضيف و"القسام".

بالنسبة للأسيرة الفلسطينية أسيل الطيطي، التي كانت تجلس فوق سيارة، والعلم الفلسطيني بألوانه الأحمر والأسود والأبيض والأخضر يلتف حول ظهرها، كانت السعادة تغمرها في الساعات الأولى من نيلها حريتها.

ولكن حين وصلت الفتاة البالغة من العمر 23 عاماً، إلى منزلها يوم الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد عام وثلاثة أشهر تقريباً من سجنها لدى الاحتلال، واجهت صعوبة شديدة في النوم. كان شعورها بالنشوة يتبدد؛ وفجأة بدا لها الليل موحشاً. وفي منازل مخيم بلاطة للاجئين، كانت أجهزة التلفزيون تبث صوراً لسفك الدماء في غزة الذي مهد الطريق لإطلاق سراحها.

الأسرى الفلسطينيون.. فرحة التحرير ممزوجة بالألم 

تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية صفقة تبادل الأسرى كانت تقضي بالإفراج عن ثلاثة أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقابل كل أسير إسرائيلي يفرج عنه مقاتلو كتائب القسام في غزة".

وقالت أسيل يوم السبت 25 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما تستقبل الزوار الذين يهنئونها بعودتها: "فجأة راودتني مشاعر معقدة أعجز عن وصفها. لكن شيئاً واحداً فقط كنت أعرفه حين كنت في السجن: أن المقاومة لن تتخلى عن الأسيرات".

وانتشرت أخبار الإفراج عن الأسرى يوم الجمعة بين الفلسطينيين لتمنحهم لحظة ارتياح وسعادة ممزوجة بالألم وسط ما وصفه السكان بأنها الحرب الأشد تدميراً على غزة منذ عام 1948.

كانت أسيل، شاحبة الوجه والمحرومة من النوم، ترتدي معطفاً سميكاً أثناء استقبالها الزوار بمنزل عائلتها الكائن في زقاق ضيق بمخيم اللاجئين المكتظ. وكانت جدران غرفة المعيشة مغطاة بصور رجال من العائلة اعتقلتهم أو قتلتهم القوات الإسرائيلية خلال جولات سابقة من الصراع. وكان خلفها على الحائط علم حماس أيضاً.

وقالت نسرين، شقيقة أسيل: "كانت قوية دوماً، لكنها تبدو أقوى الآن، كأن المقاومة صارت بداخلها فجأة".

ويعد مخيم بلاطة، بأسلاكه المتدلية بين المباني الخرسانية وجدرانه المغطاة بصور مقاتلين شهداء، شاهداً حياً على تاريخه المضطرب. وقد شيد لإيواء نحو 5000 فلسطيني طُردوا من منازلهم خلال الحرب عام 1948، ويسكنه الآن قرابة 30.000 شخص، معظمهم من الشباب والفقراء، العالقين بين مطرقة السلطة الفلسطينية الفاسدة التي تحكمهم وسندان الاحتلال الإسرائيلي العنصري الوحشي٬ كما تقول الصحيفة الأمريكية.

وكانت أسيل اعتقلت في أثناء زيارتها شقيقها بالسجن. وهناك تشاجرت مع حارس قالت عائلتها إنه أراد إخضاعها لتفتيش جسدي مهين. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنها حاولت طعن الحارس بمقص، فيما قالت عائلتها إنها دفعت الحارس فقط وحاولت الدفاع عن نفسها.

صفقة التبادل كانت قادمة لا محالة

وتقول أسيل إنها كانت تعلم أن صفقة تبادل الأسرى قادمة لا محالة. وحين صادر حراس السجن الهواتف وأجهزة التلفاز بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح مذياع كان الأسرى يخفونه هو وسيلتهم الوحيدة لمعرفة ما يدور في العالم الخارجي. وقالت إن الأسرى علموا بهجمات حماس والعدوان الدامي والمدمر في غزة.

وحين وصلتها أنباء عن مداهمات إسرائيلية لتحديد مواقع المسلحين الشباب داخل المخيم، شعرت بالرعب. وقالت: "عقلي أصيب بالجنون، كنت أفكر، من أصيب؟ أحد معارفي؟ أحد أفراد عائلتي؟".

وأحست بوجود خطب ما حين كانت زميلاتها في الزنزانة، ومعظمهن معتقلات باتهامات تافهة، يغلقن المذياع حين تقترب منهن، فعمها استشهد٬ وكان عضواً في إحدى المجموعات المقاومة في نابلس. وقالت إن سماعها هذه العبارة من داخل زنزانة سجن "كاد يحطمني".

وفي مخيم بلاطة، كان لانقطاع الاتصال التام مع أسيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول تأثيراً مماثلاً على والدتها "ختام"، التي ذهبت مبكراً يوم الجمعة إلى بلدية بيتونيا لتنتظر أخباراً عن  ابنتها. كانت تشعر بقلق بالغ تعجز معه عن الوقوف ساكنة. وقالت إن قلبها هدأ أخيراً صباح يوم السبت. وقالت: "ابنتي معي في المنزل، هذا كل ما يهمني".

"صعبٌ أن تشعر بالسعادة في هذا المخيم"

ولكن في شوارع المخيم الخلفية، وصف الناس الإفراج عن المعتقلين بأنه مجرد انقشاع مؤقت للغيوم قبل أن تهب العاصفة التي يرون أنها ستعود لا محالة. وقال عماد، وهو حلاق تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه الأخير لأسباب أمنية: "صعبٌ أن تشعر بالسعادة. في هذا المخيم، يعتقلون البعض، ويفرجون عن البعض، وهكذا حلقة لا تنتهي".

وفي مكان قريب، قتلت غارة جوية إسرائيلية هذا الشهر خمسة مقاتلين فلسطينيين وأصابت اثنين، وكان المخيم لا يزال في صدمة بعد هذه الضربة. فقد تحول المبنى الذي كانوا يتجمعون فيه إلى أنقاض. وكان الأصدقاء والأقارب لا يزالون في حالة حداد.

وكان من بين القتلى الصبي محمد البالغ من العمر 16 عاماً، والذي كان منبهراً بالمقاتلين الأكبر سناً، مثلما قالت عمته رانيا، وقد شعر بالحرج حين وبخته قريباته، لأنه يمضي بعض الوقت معهم. وكان شقيقه أحمد (15 عاماً)، ضمن قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم. وقالت رانيا إنه اعتُقل قبل أسابيع بتهمة رشق الحجارة على الجيش الإسرائيلي.

ويوم السبت، كانت تعد الدقائق إلى أن نُشرت القائمة. لكنها كانت تخشى مما ستقوله لأحمد حين تراه. وقالت: "لم يعلم بعد. لا يعلم أن شقيقه استشهد، وعمه يجهز نفسه، وسيجد طريقة لإخباره".

ويقول أولاد عمومتهما إن الصبيَّين كانا يفعلان كل شيء معاً. يذهبان للسباحة ويشتريان ملابس متشابهة ويزوران الحديقة. ولا تعرف رانيا كيف سيكون رد فعل أحمد على وفاة شقيقه، لكنها تشعر بالقلق، وقالت: "كيف سنخبره؟".

تحميل المزيد