ضغوطات شعبية أمام دعم غربي للحكومات.. هل تغير الحرب على غزة السياسة الخارجية للدول العربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/11/25 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/11/25 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
القمة العربية الإسلامية الطارئة بالرياض/الأناضول

أثارت الحرب الإسرائيلية على غزة تساؤلات جدية حول مستقبل الشرق الأوسط، والطريقة التي يتفاعل بها مع القوى العالمية. ففي الوقت الذي ألقت فيه الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية دعمها غير المشروط خلف إسرائيل، وجدت بعض الدول العربية نفسها تحاول حماية مصالحها وتهدئة الغضب الشعبي في الوقت نفسه.

وأعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، السبت 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أن وفداً من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة، التي عُقدت في الرياض مطلع الشهر الجاري، سيتوجه إلى عدة عواصم عالمية للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة. وكانت الصين هي الوجهة الأولى لتلك الجولة، ثم تلتها روسيا، وهو ما أثار تساؤلات حول إمكانية تحول الدول العربية نحو الشرق.

الدول العربية المطبِّعة مع إسرائيل ترفض المخاطرة بعلاقاتها معها

ويمارس عدد من الدول العربية الرئيسية "ألعاباً دبلوماسية" حذرة منذ اندلاع الحرب الأخيرة، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، ففي حين أصدرت جميع الدول العربية بيانات تدين الحرب الإسرائيلية في غزة، تبدو الدول التي وقّعت معاهدات السلام الأخيرة مع إسرائيل مهتمة إلى حد كبير بتأمين علاقاتها الجديدة معها.

إذ توسطت الولايات المتحدة في اتفاقيات أبراهام، التي نتج عنها إقامة إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان يُنظر إلى السعودية على أنها الدولة التالية، وربما الأهم، في مسار تطبيع العلاقات.

وقالت إلهام فخرو، الباحثة المساعدة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، لموقع Middle East Eye: "السعودية اتخذت موقفاً قوياً نسبياً بتعليقها محادثات التطبيع مع إسرائيل". وأضافت: "لكن الدول العربية التي تربطها بالفعل علاقات مع إسرائيل رفضت، في الغالب، المخاطرة بهذه العلاقات".

وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني، قال البرلمان البحريني في بيان له إن المنامة استدعت سفيرها لدى إسرائيل، لكن تقارير إعلامية أخرى دحضت هذا الادعاء، ولم تُدلِ وزارة الخارجية في البلاد بأي تعليق.

ولم تتخذ الدول الأخرى التي شاركت في اتفاقيات أبراهام أي تحركات مماثلة. يقول طارق كيني الشوَّا، الباحث في السياسات الأمريكية في شبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة"، إن هذا التقاعس النسبي لم يفاجئ الفلسطينيين كثيراً.

وقال لموقع Middle East Eye: "معظم الفلسطينيين يشعرون بخيبة أمل كبيرة إزاء استجابة، أو عدم استجابة، القادة العرب في المنطقة. ففي النهاية، يعرف الفلسطينيون أن الشعوب العربية تدعم قضيتهم بكل قوة، لكن القادة يكتفون بالحديث دون أن يتحركوا".

دول التطبيع لا تزال تفضّل الحفاظ على الدعم الذي تتلقاه من الغرب

مارست مصر والأردن، الدولتان المعروفتان بتطبيعهما مع إسرائيل قبل عقود من اتفاقيات إبراهام، ضغوطاً نسبية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صراحة أنه يعارض أي محاولات لتهجير سكان غزة إلى سيناء. لكن القاهرة تعرضت لانتقادات بسبب إحجامها عن فتح معبر رفح مع غزة بصورة طبيعية.

وفي المقابل، طرد الأردن السفير الإسرائيلي في عمّان، واستدعى سفيره. وانسحب أيضاً من اتفاق الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل، جرّاء ضغوط داخلية.

وقال كيني الشوّا: "القادة العرب مثل السيسي والملك عبد الله ومحمد بن سلمان لديهم ورقة يمكنهم استخدامها للضغط على إسرائيل، مثل التهديد بالانسحاب من اتفاقيات التطبيع أو المفاوضات".

وأضاف أن هذه الدول لا تزال تفضّل الحفاظ على الدعم الذي تتلقاه من الدول الغربية، إلى جانب الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية التي تفيد منها. وتتفق إلهام فخرو مع  ذلك بقولها إن الدول العربية لا تزال منقسمة حول المسار المناسب.

وأضافت: "هذا بالتأكيد بعيد كل البعد عن الوحدة التاريخية التي شهدناها خلال الحظر النفطي عام 1973 مثلاً".

فخلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، رداً على دعم الدول الغربية لإسرائيل، فرضت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بقيادة الملك السعودي آنذاك فيصل، حظراً نفطياً على العديد من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وهولندا وروديسيا، ودول أخرى.

وتضاعف سعر برميل النفط الواحد 4 مرات خلال فترة الحظر، وشهدت الولايات المتحدة نقصاً في الوقود على مستوى البلاد.

إلى متى يستمر هذا الوضع؟

والآن، في ظل استمرار حرب إسرائيل في غزة مع مجرد هدنة مؤقتة بوساطة قطرية، توحد العرب في المطالبة بوقف إطلاق النار، ودعت السعودية إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. لكن الخبراء يرون أن الدعم الأمريكي المستمر لحليفتها قد يؤثر في النهاية حتى على أقرب القادة العرب إليها.

ووفقاً لكيني الشوّا، فهذا من شأنه أن يوسّع الفجوة العالمية بين الشرق والغرب قليلاً. وقال: "الشعب العربي وقادته يرون مدى حماسة الولايات المتحدة في دعم القتل الجماعي لإخوانهم العرب، وهذا سيدفعهم نحو تعميق العلاقات مع القوى الأخرى مثل الصين".

ورغم أنه من غير المتوقع، بأي حال من الأحوال، أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في المنطقة، فنهجها البنّاء نسبياً في التعامل مع صراعات الشرق الأوسط، الذي تعززه وساطتها في المصالحة السعودية الإيرانية، قد يزيد من أهمية دورها.

وترى إلهام فخرو أن "دول الخليج تعتبر دولاً مثل روسيا والصين شريكين مفيدين". ولو بات لدى دول الخليج بدلاء منافسون للولايات المتحدة، فقد يوفر لها ذلك نفوذاً متزايداً في واشنطن، خاصة إذا سلكت الأخيرة طريقاً غير مرغوب فيه.

على أن هذه المواقف تظل من منطلق المصلحة الشخصية، وليس الدعم الحقيقي للقضية الفلسطينية. ويقول كيني الشوا إن هذا هو العامل الرئيسي الذي يحدد المواقف الرسمية العربية من إسرائيل وفلسطين.

وقال: "ما دام العالم العربي يقوده مستبدون لا يبالون إلا بمصلحتهم الشخصية ومصممون على الحفاظ على سلطتهم مهما كان الثمن، فلا يتوقع منهم الفلسطينيون ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل".

تحميل المزيد