في مشهد درامي، ومحاولة لاستعطاف العالم بعد تصويت في الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار في غزة، حظي بدعم كبير وغير مسبوق، وضع أعضاء الوفد الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة نجمة داوود الصفراء على صدورهم، متعهدين بعدم نزعها قبل إدانة مجلس الأمن الدولي لحركة حماس.
ويلخص هذا المشهد حالة "المظلومية" التي باتت تعيشها إسرائيل اليوم، ومحاولات استجداء العالم للوقوف معها ودعمها في حربها ضد الفلسطينيين، وذلك بعد انقلاب الرأي العام العالمي ضدها منذ 7 أكتوبر 2023، حيث لا تكاد تجد مدينة في الشرق أو الغرب إلا وقد خرجت بها مسيرات وتظاهرات لدعم الفلسطينيين وإدانة جرائم الاحتلال في قطاع غزة.
"إسرائيل" العاجزة إذ تعيش دور الضحية
أصبحت إسرائيل تواجه حالة من العجز والفشل الدعائي أمام الحراك العالمي الذي يدينها حتى في قلب الدول التي تدعمها، حيث رأى العالم التظاهرات الجارفة التي خرجت في لندن وواشنطن ونيويورك وكاليفورنيا وباريس وأوتاوا وبرلين وغيرها من المدن الغربية.
ويبدو أن غضب الشارع العالمي انعكس على تصويت الأمم المتحدة في 28 أكتوبر/تشرين الأول، بأغلبية كبيرة لوقف إطلاق النار في غزة، وهو ما ترفضه إسرائيل والولايات المتحدة، حيث أثار هذا الحراك الدبلوماسي حالة من الغضب الإسرائيلية غير المسبوقة. إذ قال السفير الإسرائيلي جلعاد أردان: "اليوم هو يوم مشين. شهدنا جميعاً أن الأمم المتحدة لم تعد تتمتع ولو بذرّة واحدة من الشرعية أو الأهمية"، مضيفاً "هذا عار عليكم".
وكشف مشهد النجمة الصفراء حالة الهشاشة واستجداء التعاطف التي وصلت إليها إسرائيل، رغم أنه أثار جدلاً واسعاً في دولة الاحتلال. إذ قال "داني ديان" رئيس مؤسسة "ياد فاشيم" لأبحاث "الهولوكوست": "لقد أسفنا لرؤية أعضاء وفد الكيان لدى الأمم المتحدة يرتدون رقعة صفراء. إن هذا العمل يسيء إلى ضحايا المحرقة ودولة الكيان"، مضيفاً أن "الرقعة الصفراء ترمز إلى عجز الشعب اليهودي وتسيء لصورة إسرائيل".
ويعود تاريخ النجمة الصفراء إلى ألمانيا، وتحديداً إلى الحقبة النازية بين عامي 1939 ولغاية 1945، حيث كان اليهود زمن أدولف هتلر مجبرين على ارتداء هذه النجمة لتمييزهم عن باقي أطياف المجتمع الألماني، كوصمة عار كونهم يهوداً.
الدعاية الإسرائيلية تنهار أمام ضغط الرأي العالمي
ينعكس هذا الانهيار النفسي والمعنوي بسبب عدم تحقيق إنجاز ملموس على الأرض وبسبب ازدياد التخلي عن رواية الاحتلال وإدانة إسرائيل عالمياً، على الخطاب الرسمي الإسرائيلي، حيث يعترف نتنياهو في خطاباته الأخيرة بمدى القلق الذي يساوره من هذه الحرب على مستقبل إسرائيل ووجودها، مستجدياً بذلك استعطاف المنطقة والعالم، وأن إسرائيل تخوض اليوم حرباً بالنيابة عن العالم ضد ما يسميه الإرهاب.
ويبحث نتنياهو الذي يواجه غضباً إسرائيلياً شديداً وانقساماً داخل الدول، بيأس عن دعم غربي وعالمي مماثل للدعم الذي حصلت عليه أوكرانيا بعد غزوها من قبل روسيا في 24 فبراير/شباط 2021، خصيصاً الحصول على غطاء دبلوماسي كامل، ودعم مالي وعسكري مفتوح.
ولا شك أن إسرائيل تخسر يوماً بعد يوم رصيد التعاطف الغربي والعالمي الذي حصلت عليه في بداية معركة "طوفان الأقصى"، الذي سرعان ما تبخر بعد انكشاف الحقائق وانهيار الدعاية الإسرائيلية وانكشاف الكذبات، واحدة تلو الأخرى، ولم يكن هذا ليحدث لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي كسرت الحصار على الرواية التي صنعتها وسائل الإعلام الغربية المنحازة بقوة لإسرائيل.
وبعد مشاهد الدمار والمجازر بحق الأطفال المدنيين الفلسطينيين ومشاهد القصف الجنونية جواً وبحراً وبراً، بدعم أمريكي وغربي كامل سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، انهارت الدعاية الإسرائيلية مثل قصر من ورق، وبدأت إسرائيل بخسارة الكثير من حجم التأييد لها، وعمّت الاعتصامات والمظاهرات العالم الداعمة للشعب الفلسطيني وحقه بالمقاومة والحرية.
لماذا تخسر إسرائيل هذه المعركة؟
في السياق، سلطت مقالة في صحيفة "كالكاليست" العبرية الضوء على انهيار الرواية الإسرائيلية، تحت عنوان "لماذا تخسر إسرائيل الحرب في ساحة الرأي العام العالمي؟"، حيث يقول الكاتب إن هناك ضعفاً كبيراً في دعم إسرائيل عالمياً، حيث أصبح العالم ينظر إلينا على أننا دولة محتلة تقاتل ضد السكان الأصليين المدنيين الضعفاء".
وبحسب الكاتب الإسرائيلي آلان فيلد، "لقد بدأ الأمر منذ أكثر من 40 عاماً، ومنذ ذلك الحين بتنا نخسر روايتنا، ولم تفعل أية حكومة أي شيء لإيصال ما يجب إيصاله للجمهور العالمي. ذلك لأن العمل الدعائي للحكومة في هذه الحرب يتراوح بين الضعيف والمعدوم".
ويقول فيلد "إن قدرتنا على الاستمرار في كسب دعم الزعماء الغربيين، تعتمد على قدرتنا على جلب استمالة ناخبيهم في الوقت نفسه. وكما يشكّل الدعم الجوي جزءاً أساسياً من الفوز في الحرب، فإن إيصال الرسالة بفعالية يشكّل جزءاً أساسياً من تلقي الدعم السياسي والعسكري العالمي".
ويكشف هذا المقال الطريقة التي يفكر بها الاحتلال، الذي يرتكب المجازر ويسعى لتبريرها وتوسيعها، في الوقت نفسه لعب دور الضحية على المستوى العالمي، بالاعتماد على أن هذا الشعب لا يستحق الحياة، وبوصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية" ويستحقون كل ما يحدث لهم.
"شوارع العالم تمتلئ بالمتظاهرين الذين يطالبون بتحرير فلسطين وتدمير إسرائيل"
من أكبر المفاجآت الصادمة لإسرائيل ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة الأسبوع الماضي: إن هجوم حماس في7 أكتوبر لم يأتِ من فراغ، وإن الشعب الفلسطيني يتعرض لاحتلال مستمر منذ أكثر من 75 عاماً. وقال غوتيريش: "من المهم أن ندرك أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، لقد تعرض الشعب الفلسطيني لاحتلال خانق على مدار 56 عاماً، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات وتعاني العنف، خُنِقَ اقتصادُهم، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدمت منازلهم، وتلاشت آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم".
أثارت هذه التصريحات حالة من الغضب والجنون على المستويين الرسمي والشعبي في إسرائيل، التي شنّت هجوماً لاذعاً على غوتيريش، وأنه يجب عليه الاستقالة على الفور، بعد وصف تصريحاته بأنها "معيبة"، والقول إنه تكلم كذلك بسبب "كبر سنّه" وبسبب "خلفيته الاشتراكية المحابية للفلسطينيين"، كما نعتته بذلك صحيفة "معاريف". التي أضافت: "نقول لجميع ولأولئك الذين لم تُسمع أصواتهم بعد ضدنا: أمة إسرائيل ستبقى حية". وهو ما ينم عن حالة صدمة لم تكن تتوقعها إسرائيل عالمياً.
وفي تقرير آخر يكشف عن دور "المظلومية" التي تحاول إسرائيل أن تعيشه هذه الفترة، قالت صحيفة "معاريف" التي هاجمت ردود الأفعال ضدها أن هناك "معاداة للسامية من نوع جديد بتنا نتعرض له، لم نعد نناضل من أجل تفسير دولة إسرائيل، ولكن من أجل حقها في الدفاع عن النفس، وبالتالي حقها في الوجود".
وأضافت الصحيفة: "في المجتمع الإسرائيلي الذي اعتاد على انتقادات داخلية مشروعة، كان من الصعب استيعاب أن الخطاب في العالم ليس بالضرورة ضد سياسات الحكومات الإسرائيلية، ولكن ضد وجود دولة إسرائيل نفسها. وللأسف، تغير كل ذلك في 7 أكتوبر/تشرين الأول عندما تعرضنا للهجوم في بيتنا، وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول عندما تم الاحتفال بالهجوم في جميع أنحاء العالم.. شوارع العالم تمتلئ بالمتظاهرين الذين يطالبون بـ"تحرير فلسطين"، وفي نفس الوقت أيضاً بتدمير إسرائيل".