على مدار عقود من الزمن، عمل حكام إيران، الذين وصلوا إلى السلطة في أعقاب الثورة الإسلامية 1979، على بناء قوس من القوى الوكيلة ذات التفكير المماثل أو المعادي لأمريكا وإسرائيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كان تدريب وتسليح هذه الميليشيات غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة من ركائز السياسة الخارجية والأمنية لإيران.
وما تسميه الجمهورية الإسلامية "محور المقاومة"، غالباً ما يصفه آخرون بأنه "هلال شيعي" يمتد من اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية عبر العراق وسوريا ولبنان، ويقدم دعماً لفصائل المقاومة الفلسطينية، والذي يستنفر اليوم لتصعيد محتمل بين إيران وإسرائيل بسبب ما يحدث في غزة.
غزة تستنفر القوى المعادية لأمريكا في المنطقة
تقول صحيفة New York Times الأمريكية، إن حركة حماس، أعادت إيران وحلفاءها إلى الرادار العالمي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بهجومها على قواعد الجيش الإسرائيلي فيما يعرف بغلاف غزة. ورداً على ذلك، فرضت إسرائيل حصاراً شنت وحملة قصف جنونية متواصلة دمرت غزة، فضلاً عن الاستعدادات لغزو بري محتمل، مما أثار مخاوف من تصاعد حريق إقليمي تهدد به طهران واشنطن التي تدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية بالسلاح والتخطيط والمال وغير ذلك.
وفي ما يلي ملخَّص لأهم القوات المدعومة من إيران ومواقعها في المنطقة.
حزب الله في لبنان
ظهر حزب الله في الثمانينيات من فوضى الحرب الأهلية الطويلة في لبنان ليصبح إحدى أقوى الحركات في المنطقة. وعندما انسحبت إسرائيل من معظم لبنان المجاور بعد ثلاث سنوات من غزوها عام 1982، بقي جيشها على طول شريط حدودي رفيع. لكن حصيلة الاشتباكات المستمرة مع حزب الله أدت إلى الانسحاب في عام 2000. وخاض حزب الله حرباً استمرت 33 يوماً مع إسرائيل مرة أخرى في عام 2006، وكان هناك تبادل يومي تقريباً لإطلاق النار منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ويُعتقد أن إيران زودت حزب الله بصواريخ قوية يمكنها ضرب معظم المدن الإسرائيلية، وسوف تجد إسرائيل نفسها تحت ضغط شديد للقتال في كل من غزة وفي الشمال إذا شن حزب الله حملة كبيرة. وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعواقب مدمرة لأي جهد من هذا القبيل.
وبصرف النظر عن كونه ميليشيا شيعية، فإن حزب الله هو أيضاً حزب سياسي يسعى إلى الحصول على جاذبية شعبية بين الطوائف اللبنانية الأخرى. لذا، رغم خطاب حزب الله المناهض لإسرائيل، فإن الحرب الجديدة من شأنها أن تعيث فساداً في بلد يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية وأزمة بنية تحتية غير مسبوقتين.
الميليشيات الإيرانية في سوريا
لطالما عززت عائلة الأسد الحاكمة، التي تنتمي إلى الأقلية العلوية، المنشقة عن المذهب الشيعي، قبضتها في الداخل من خلال التحالف مع إيران. وقد أثبت هذا التحالف فائدته بشكل خاص بعد عام 2011، عندما واجه بشار الأسد انتفاضة مناهضة للنظام، وفي نهاية المطاف حرباً مع القوى الإسلامية السنية بدعم من الحرس الثوري الإيراني.
وزودت إيران سوريا بميليشيات -إسرائيل تتهمها بنشر ما يصل إلى 80 ألف مقاتل- لدعم القوات البرية السورية، في حين قدمت روسيا القوة الجوية. وأرسل حزب الله مقاتلين من لبنان.
ظل خط وقف إطلاق النار لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل هادئاً لعقود من الزمن، رغم إطلاق النار بين الحين والآخر منذ بدء الانتفاضة. في الأيام الأخيرة، شنت إسرائيل غارات جوية رداً على نيران المدفعية من سوريا، والتي قال محللو المعارضة إنها على الأرجح من حزب الله.
لطالما دعم نظام الأسد الفصائل الفلسطينية، لكن حماس انفصلت عن دمشق في عام 2012 بسبب الجرائم ضد المدنيين السنة في سوريا. ومن غير المرجح أن يرغب الأسد في فتح جبهة أخرى لمساعدة حماس، خاصة أنه يواصل المحاولات لأجل السيطرة على سوريا.
في الوقت نفسه، ألقت إدارة بايدن باللوم على القوات الوكيلة لإيران في سوريا والعراق في شن هجمات ضد أهداف عسكرية أمريكية. وفي وقت مبكر من يوم الجمعة، أعلنت الولايات المتحدة، التي نشرت مجموعتين من حاملات الطائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط، أنها نفذت غارتين جويتين على منشآت عسكرية يستخدمها الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في سوريا.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الغارات الجوية كانت تهدف إلى إرسال إشارة إلى طهران بضرورة كبح جماح الهجمات ضد المنشآت العسكرية الأمريكية.
الميليشيات العراقية
كانت إحدى النتائج للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 هي أن إيران تمكنت من بسط نفوذها في عمق عدوها السابق، وإنشاء ميليشيات موالية لها، واكتساب نفوذ سياسي واسع وجني فوائد اقتصادية.
العراق وإيران هما أكبر دولتين في الشرق الأوسط ذات أغلبية مسلمة شيعية، وقد خرجا أيضاً من الحرب بتعزيز قوتهما في مختلف أنحاء المنطقة على نحو أثار غضب منافسيهما الطائفيين القدامى، المسلمين السنة، الذين يقودون أغلب الدول العربية.
وقد سمحت الجهود المبذولة لطرد القوات الأمريكية أولاً ومن ثم تنظيم الدولة الإسلامية لإيران وحلفائها بصقل استخدام الميليشيات والعنف لتحقيق أهدافهم.
وقال البنتاغون هذا الأسبوع إنه بعد الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة التي شنها مسلحون مدعومون من إيران الأسبوع الماضي، أُصيبَ 19 جندياً أمريكياً متمركزين في العراق وسوريا.
الحوثيون في اليمن
في الخليج، اتهمت الأنظمة الملكية في المملكة السعودية والبحرين إيران بمحاولة تعزيز عدم الاستقرار من خلال تشجيع الانتفاضات بين الأغلبية الشيعية في جزيرة البحرين الصغيرة والأقلية الشيعية المتمركزة على طول الساحل الشرقي الغني بالنفط في المملكة السعودية. وفي كلا البلدين، قُمِعَت المعارضة بوحشية.
ومع ذلك، نجحت إيران في اليمن، حيث أصبحت حركة الحوثيين الشيعية المسلحة التي سلحتها طهران تهيمن على البلاد في حرب موسعة بالوكالة، وضعت إيران في مواجهة المملكة السعودية والإمارات.
وبرزت الحركة بقوة بعد عام 2014 كمنظمة سياسية ومسلحة تأتي قيادتها من قبيلة الحوثي، الحكام السابقين لشمال اليمن الذين ينتمون إلى فرع شيعي يعرف باسم المذهب الزيدي. وقد بلورت الحركة وجودها على غرار حزب الله في لبنان.
وقدَّر معهد بروكينغز أن الحرب -التي خلقت واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم- تكلف طهران بضعة ملايين من الدولارات شهرياً، في حين تكلف الرياض 6 مليارات دولار شهرياً.
فصائل المقاومة في قطاع غزة
تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إنه لا توجد أدلة على أن إيران ساعدت حماس على تنفيذ الهجوم الأخير على إسرائيل. ويعتقد محللو الاستخبارات في واشنطن وتل أبيب أن طهران وفرت الوسائل على الأقل على مدار سنوات.
وقد أشاد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين، بحماس، وهددت إيران بتوسيع هجمات الكر والفر المعتادة إلى حرب فعلية ما لم توقف إسرائيل هجماتها الانتقامية على غزة.
وكان من الممكن أن يكون أحد أهداف هجوم حماس والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1400 إسرائيلي، واحتجاز ما لا يقل عن 229 رهينة، هو تعطيل اتفاق السلام الذي كان يختمر بين إسرائيل والمملكة السعودية، وهو ما كان ليترك إيران معزولة في المنطقة.
وأثارت حصيلة الشهداء في غزة، والتي يقدرها مسؤولو الصحة الفلسطينيون بأكثر من 8000، احتجاجات في الشوارع في جميع أنحاء العالم العربي وإذا تصاعدت، فإنها يمكن أن تهدد استقرار الحكام المستبدين في مصر والأردن ودول أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يخدم مصالح إيران.
وفي يوم الجمعة، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية المصرية أن ستة أشخاص على الأقل أصيبوا بجروح جراء طائرتين مسيَّرتين حلَّقتا من الجزء الجنوبي من البحر الأحمر إلى الشمال، وضربتا طابا ونويبع، وهما منتجعان في سيناء ليسا بعيدين عن إسرائيل.
ولم تحدد مصر المكان الذي أُطلِقَت منه الطائرتان، لكن الولايات المتحدة قالت الأسبوع الماضي إن سفينة حربية تابعة للبحرية في شمال البحر الأحمر اعترضت مقذوفات ربما أطلقتها جماعة الحوثي المسلحة في اليمن باتجاه إسرائيل.