لماذا يُعد تحطيم شعور إسرائيل بالأمن من أهم أهداف الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/17 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/17 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
مقاتلون من كتائب القسام خلال اقتحامهم لموقع فجة العسكري في غلاف قطاع غزة/ الإعلام العسكري للقسام

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، استيقظ الإسرائيليون على الرعب الذي خلفه المقاومون الفلسطينيون الذين اجتاحوا مدن غلاف غزة وهم يطلقون النار ويسحبون الأسرى الجنود وغيرهم إلى غزة، وفي أثناء ذلك أصدر محمد الضيف، القائد العام للجناح العسكري لحركة حماس، والرجل الأكثر غموضاً بالشرق الأوسط، رسالةً بارك فيها الهجوم، ودعا لتوحيد الصفوف والرايات ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وفي الرسالة الصوتية التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وصف الضيف الهجوم بأنه انفجار الغضب من معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وقال لقواته إنها خطوة أولى نحو تدمير إسرائيل: "قررنا وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب، ونعلن عن عملية طوفان الأقصى، حيث استهدفنا الاحتلال بالضربة الأولى وخلال 20 دقيقة 5 آلاف صاروخ".

تحطيم شعور إسرائيل بالأمن من أبرز أهداف معركة "طوفان الأقصى"

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية إن المظالم المتصاعدة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني بالعموم غذت قرار حماس بالهجوم، إلا أن طبيعة ذلك الهجوم تشكلت على أيدي التعطش العميق للثأر، الذي تراكم على مدى عقود من الصراع، والرغبة في إنزاف إسرائيل.

وبناء على ذلك، نقلت حماس القتال إلى داخل المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية؛ لتحطِّم ما تصورته إسرائيل من قدرة لديها على إبقاء صراعها مع الفلسطينيين خارج مناطقها، وأنها تعيش في مأمن بينما الفلسطينيون لا.

وقال طارق بقعوني، رئيس مجلس إدارة "شبكة السياسات الفلسطينية" ومؤلف كتاب عن حماس، إن "ما تفعله حماس هو محاولة لقلب الطاولة مرة أخرى على الإسرائيليين، والقول إنكم لا يمكنكم أن تنسوا القضية الفلسطينية، وإننا يمكننا تقويض أسطورة أنكم لا تُقهرون"، و"هذا في حد ذاته تحول هائل في المخيلة الفلسطينية، ولا أظن أننا نستطيع أن نرى أو نستوعب تداعياته بعدُ".

على مدى 14 عاماً، اندلع الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة على هيئة نوبات من المعارك الهائلة، إلا أن هجوم حماس الكبير، الذي أطلقت عليه اسم "طوفان الأقصى"، واحتجازها من 200 إلى 205 أسرى إسرائيليين، زادا من مخاطر النزاع هذه المرة إلى حد بعيد، ما أصاب إسرائيل وحلفاءها بالذهول.

فلسفة حماس قائمة على تدمير "إسرائيل"

توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتدمير حماس، وشن حملات قصف جنوني على القطاع، وشرعت القوات الإسرائيلية في حشد قواتها على حدود غزة؛ استعداداً لغزو بري محتمل. وتعهد قادة الحركة بمواصلة القتال، وحثوا القوى الأخرى المناهضة للاحتلال على الانضمام إليهم، وهو ما يُنذر باندلاع حرب إقليمية.

في غضون ذلك، فإن استيعاب دوافع حماس يتطلب فهم الكيفية التي ترى بها الحركة الإسلامية نفسها في التاريخ الفلسطيني. فقد تأسست الحركة في أواخر الثمانينيات خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكرَّست نفسها لتدمير إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية مع التأكيد على حق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن قادة حماس أبدوا في السنوات الأخيرة قدراً من القبول لإمكانية التوصل إلى اتفاق يقوم على حل الدولتين -وهو الحل الذي استندت إليه نظرياً مساعي السلام في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، وتنبذه إسرائيل وتواصل استيطانها في الضفة والقدس- فإن الحركة لم تسعَ قط إلى إجراء مفاوضات مع إسرائيل، خلافاً لغيرها من الفصائل الفلسطينية. وتمسكت حماس برؤيتها لإسرائيل على أنها كيان غير شرعي، ووصفت الدولة اليهودية بأنها مشروع استعماري، وأنها حركة مقاومة مناهضة للاستعمار.

واجهت حماس إدانة غربية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت عام 2000، وقد صنَّفتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول غربية أخرى "منظمةً إرهابية". وأصبحت الحركة الحاكمَ الفعلي لقطاع غزة منذ عام 2007، بعد فوزها بالانتخابات باكتساح، وقد فرضت إسرائيل في أعقاب ذلك حصاراً صارماً على القطاع، وهو ما فعلته مصر في الوقت ذاته تقريباً.

يقيم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، في الخارج منذ بضع سنوات. ويقيم بعض مسؤوليها الكبار في بيروت، ولديهم علاقات وثيقة مع حزب الله. ونادراً ما يظهر قادة حماس في غزة علناً، وغالب الظن أنهم يتحركون في أنحاء القطاع عبر الأنفاق.

وقد سجنت إسرائيل يحيى السنوار، القائد الحالي لحماس في غزة، عقدين من الزمن في السجن بتهمة قتل جنود إسرائيليين. ثم أُطلق سراحه عام 2011 في صفقة تبادل أسرى وعاد إلى غزة.

ولم يظهر محمد الضيف، رئيس الجناح العسكري لحركة حماس، علناً منذ 20 عاماً على الأقل. وحاولت إسرائيل اغتياله مراراً، وقتلت زوجته وابنه الرضيع وعدداً آخر من أفراد عائلته في قصف على منزله في عام 2014.

حماس لا ترى سوى الكفاح المسلح طريقاً للخلاص من الاحتلال

وتختلف حماس عن السلطة الفلسطينية المنبثقة عن حركة فتح في تمسكها بالكفاح المسلح، فالسلطة تأسست أثناء مفاوضات السلام في تسعينيات القرن الماضي لتكون الحكومة المنتظرة للفلسطينيين، غير أنها ليس لديها الآن إلا سيطرة محدودة على مناطق من الضفة الغربية. ويقول مسؤولو حماس إن مفاوضات السلام خذلت الفلسطينيين، ولم تترك إلا الكفاح المسلح أو المقاومة خياراً وحيداً للشعب الفلسطيني.

وقالت دانا الكرد، من جامعة ريتشموند الأمريكية: "لقد تخلت السلطة الفلسطينية تماماً عن تمثيل الفلسطينيين في أي نوع من أنواع المقاومة، سواء كانت سلمية أم مسلحة، لذا حملت حماس هذا اللواء عنها"، وتسعى حماس بهذا الهجوم الجريء إلى البرهنة للفلسطينيين على أنها "حصن المقاومة" الذي يدافع عن الشعب ويحميه من جرائم الاحتلال والمستوطنين.

بُذكر أن كثيراً من أهالي غزة يدعمون بشكل كبير هجوم حماس على مستوطنات إسرائيل؛ لأنهم فقدوا الأمل في رفع الحصار المستمر عليهم منذ 17 عاماً. ومعظم سكان غزة (البالغ عددهم مليوني نسمة) هم من اللاجئين الذين فروا أو طردوا من أراضيهم التي سيطرت عليها إسرائيل إبان قيامها عام 1948، أو من أبناء هؤلاء اللاجئين وأحفادهم. وتعود جذور بعض سكان غزة إلى القرى والبلدات التي وقع فيها هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

"لن تتمكن إسرائيل من تدمير حماس"

تقول "نيويورك تايمز" إن إسرائيل قصفت غزة مراراً وتكراراً على مدى السنوات الماضية، واغتالت العشرات من قادة حماس وعائلاتهم وقتلت آلاف المدنيين، إلا أنها أخفقت في تقويض الحركة أو تركيعها. ويرى بقعوني، من شبكة السياسات الفلسطينية، أنه من المستبعد أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من تدمير حماس لأن كثيراً من الفلسطينيين متمسكون بدعم نضال الحركة في مواجهة إسرائيل، "فهي ليست مجرد منظمة، إنها أيضاً أيديولوجية، وهذه الأيديولوجية لن تذهب إلى أي مكان".

وقال مسؤولو الصحة في غزة يوم الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إن أكثر من 2778 فلسطينياً استُشهدوا وجُرح نحو 10 آلاف آخرين معظمهم من الأطفال والنساء. ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد ارتفاعاً كبيراً إذا استمرت إسرائيل في قصف القطاع، وشنت هجوماً برياً عليه.

وقال عماد الصوص، الباحث من غزة في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية في ألمانيا: "ما أسمعه من سكان غزة أن الحرب صارت أمراً متكرراً. والجملة التي كثيراً ما يرددها لي أصدقائي وأفراد عائلتي هناك: "ليس لدينا ما نخسره".

تحميل المزيد