لليوم العاشر على التوالي، لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف الطواقم الطبية في قطاع غزة وطواقم الدفاع المدني، بل يبدو أنها تتعمد القضاء على الأطباء في القطاع من خلال قصف بيوتهم وقتل عائلاتهم.
وكان آخر هذه الجرائم التي ارتكبها الاحتلال، فجر الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بقصف مقرات الدفاع المدني في غزة، مما أدى إلى استشهاد 7 مسعفين وإصابة عدد آخر من طواقم الدفاع المدني.
ويتزامن ذلك مع انهيار القطاع الصحي في غزة، حيث تشن "إسرائيل" أعنف ضرباتها الجوية على الإطلاق، ومن المتوقع أن تشن هجوماً برياً على غزة، وهي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، إذ يبلغ عدد سكانها 2.3 مليون نسمة.
كيف تتعمد "إسرائيل" استهداف الطواقم الطبية في غزة وعائلاتهم؟
في ظل الضغوط التي تتعرض لها هذه الطواقم وضعف قدرتها الاستيعابية في التعامل مع آلاف الإصابات بسبب القصف الجنوني على قطاع غزة، أكدت وزارة الصحة في القطاع أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد بشكل مباشر وواضح، استهداف الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف وإضعاف قدراتها.
وقال أشرف القدرة الناطق باسم الوزارة في تصريحات صحفية، إن الطواقم الطبية في غزة تعمل في ظروف خطرة وغير آمنة، وتصر على أداء واجبها تجاه شعبها، مطالباً الجهات الدولية باتخاذ خطوات فاعلة لحماية الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف.
ورصدت تقارير وناشطون استهدافاً متعمداً للأطباء الفلسطينيين وعائلاتهم في قطاع غزة، حيث اغتال طيران الاحتلال بشكل مباشر كلاً من الأطباء سائد درابيه، وعمر فروانة وابنته الطبيبة آية فروانة، وصلاح زنون، ومدحت صيدم مع كامل أفراد عائلاتهم خلال اليومين الماضيين، في حين قصف طيران الاحتلال، يوم الأحد، منزلي الطبيبين فادي الخضري وحميد أبو موسى! في محاولة لاغتيالهما، ليفاجأ الطبيبان بوصول أفراد عائلاتهما شهداء ومصابين إلى المستشفى وهما على رأس عملهما.
إسرائيل لا تكتفي باغتيال الأطباء فحسب، فمنذ بداية الحرب استهدفت قوات الاحتلال أكثر من 20 سيارة إسعاف بشكل مباشر، وأصيب نحو 27 مسعفاً فلسطينياً، فيما ارتقى 10 شهداء خلال تقديمهم الخدمة الإسعافية والإنقاذ، منذ بدء العدوان على قطاع غزة، بحسب الناطق باسم وزارة الصحة.
من جهته، أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني، الإثنين، عن 17 حالة انتهاك ارتكبت بحق طواقمه الطبية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وقال الهلال الأحمر في بيان: "بخصوص الانتهاكات بحق طواقم ومقرات الجمعية، فقد سجلت الجمعية 17 حالة انتهاك منذ بدء العدوان على غزة". وكان الهلال الأحمر طالب بضمان الحماية والسلامة الكاملة لمرافق الجمعية، وفرقها وبعثاتها وفقاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف.
استهداف المستشفيات ومحاولات الاحتلال إخلاءها
يبلغ عدد المستشفيات في قطاع غزة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، 35 مستشفى ومركزاً صحياً، بعضها عامة وأخرى متخصصة، ومجمل عدد الأسرّة في جميع هذه المستشفيات يبلغ 3412، من بينها 2011 سرير مبيتٍ.
ومنذ بداية الحرب يهدد جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف المستشفيات، وطالب إداراتها بإخلائها على الفور تمهيداً لقصفها، لكن جميع المستشفيات رفضت هذه التهديدات برغم القصف المحيط بها وقصف المرافق الصحية وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، في ظل امتلائها بآلاف الجثث والمصابين نتيجة القصف الإسرائيلي.
وتتركز الغارات الإسرائيلية على محيط مستشفى الشفاء ومستشفى القدس، وغيرها من المستشفيات في القطاع، حيث تحاول قوات الاحتلال منع وصول المصابين لهذه المشافي تحت ضربات النار، وهو ما يعد جريمة حرب في القانون الدولي.
فيما أصبحت بعض المشافي خارج الخدمة الصحية منذ بداية العدوان، مثل مستشفى بيت حانون ومستشفى الدرة الذي تعرض للقصف بالفسفور الأبيض المحرم دولياً، كما تقول وزارة الصحة الفلسطينية.
ورفض مدير مستشفى الكويت التخصصي في رفح الدكتور صهيب الهمص، تهديدات الاحتلال الإسرائيلي، بإخلاء المستشفى. وقال الهمص عبر قناة "الجزيرة" مساء الأحد إن "كل الموجودين في المستشفى هم مدنيون عزل، ولن نخرج منها إلا إلى الجنة"، مضيفاً: "العالم كله خذلنا ولن نترك أهلنا وحدهم". وتابع الهمص أن "المستشفى هو الوحيد الموجود في رفح ويعمل بإمكانات بسيطة، ونرفض الإنذار الإسرائيلي بإخلاء المستشفى ولن نغادره ولن نتخلى عن مرضانا، فهم لا يريدون إلا الإبادة الجماعية لأهل غزة".
من جهتها، طالبت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة يوم الأحد، المجتمع الدولي بتحرك فوري لحماية المستشفيات والكوادر الطبية في قطاع غزة، والضغط على سلطات الاحتلال لإدخال الأدوية والمستلزمات الصحية. وحذرت الكيلة خلال مؤتمر صحفي عقدته بمقر الوزارة مساء الأحد، بمدينة رام الله، من إمكانية انتشار الأوبئة والأمراض نتيجة نقص المياه والاكتظاظ السكاني الكبير.
ولفتت الكيلة إلى أن هناك 1400 مريض بحاجة إلى غسيل كلى، وللظرف الراهن يتعذر عليهم الوصول إلى المستشفيات التي تعاني هي الأخرى من نقص في أدوية هؤلاء المرضى، إضافة إلى افتقار مرضى السرطان إلى الحصول على العلاج، في حين معظمهم يتلقَّون العلاج في مستشفيات الضفة، واستمرار العدوان يعني تفاقم وضعهم الصحي.
معاناة المرضى في القطاع.. "عذاب فوق العذاب"
يرقد سعيد العبد الله على سرير في مستشفى موصولاً بجهاز لغسيل الكُلى، ونجا من القصف الذي استهدف منزله في خان يونس، وقال لوكالة رويترز: "بغسل كلى، وبنتعذب في الكلى، غسلها عذاب مر وبنعاني معاناة صعبة في المواصلات وفي الروحة وفي الجاية واتهجرنا".
أضاف العبد الله: "احنا بنعاني واحنا حاليا في حرب والحرب دمار وموت وعذاب واتشردنا.. وهذا الشيء صعب علينا".
في مستشفى ناصر في خان يونس بجنوب قطاع غزة، وبينما تستمر سيارات الإسعاف في الوصول إليه بمصابين، يواجه المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة احتمال تعطل الأجهزة الطبية.
الطبيب محمد زقوت، قال إن "لدينا 220 مريضاً (بالكُلى). نص الأجهزة تقريباً ستخرج عن الخدمة الليلة، هذا يعني كارثة حقيقية لأن المرضى لن نستطيع إجراء الغسيل لهم، وبالتالي بعضهم سنضطر إلى اختصار الغسيل له ليومين أو يوم واحد فقط".
في حين قال مريض كُلى يدعى ناهض الخازندار، اضطر إلى الفرار مع عائلته من مدينة غزة إلى خان يونس: "أنا مريض فشل كلوي وأنا باغسل في الجمعة ثلاث مرات، لي أسبوع ما غسلتش".
وأضاف في تصريح لوكالة رويترز، بينما كان ينتظر خارج قسم الكلى في مستشفى خان يونس؛ حيث وصل عشرات الجرحى إضافة إلى جثث: "بدني منفخ وجيت ع المستشفى عشان أغسل ومخنوق، لازم أغسل كلية ضروري".
من جانبها، تقول الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، إن جميع هذه الجرائم التي ترقى لجرائم حرب وعقاب جماعي، هي استهتار إسرائيلي بكل المواثيق الدولية التي تكفل حماية المسعفين والمستشفيات وطواقم الإنقاذ والدفاع المدني، ما يتطلّب موقفاً دولياً فوريّاً وعاجلاً، لإدانتها.