لليوم السادس على التوالي يواصل جيش الاحتلال قصف قطاع غزة بشكل جنوني وغير مسبوق، حيث وصل عدد الشهداء حتى صباح الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكثر من 1200 شهيد وجرح 5700 آخرين من المدنيين العزل.
في وقت سابق، أعلنت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية أن جميع الخروقات التي ترتكبها إسرائيل في القطاع ترقى إلى جرائم حرب وعقاب جماعي وفقاً للقانون الدولي. ويُطلق مصطلح جريمة دولية عادة على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتعتبر جرائم الحرب من أخطر الجرائم على الإطلاق، فهي لا تسقط بالتقادم، مما يعني أنه يمكن محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكابها من الرجال والنساء حتى بعد مرور عقود من الزمن.
وقد صنفت هذه الجرائم بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية، في قوانين المحاكم العسكرية الدولية التي أقامها الحلفاء في نورمبرغ وطوكيو؛ وفي اتفاقيات جنيف عام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين عام 1977 (تحت توصيف الانتهاكات الجسيمة لهذه الاتّفاقيات). وكذلك فإن قانون المحكمة الجنائية الدولية الدائمة الصادر في تموز/ يوليو 1998، يوضح قائمة شاملة بالجرائم التي تخضع للعقوبة من قبل هيئة قضائية دولية.
فما هي الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة وتصنف دولياً بجرائم حرب منذ بدء العدوان على القطاع؟
1- استهداف الأطفال والنساء والمدنيين
منذ بداية الحرب، وككل حرب أيضاً، حولت قوات الاحتلال، الأطفال الفلسطينيين في غزة والنساء إلى بنك أهداف مستباح، في وقت حرص فيه المقاومون الفلسطينيون على تجنب استهداف أطفال المستوطنين خلال معركة "طوفان الأقصى" .
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد نحو 326 طفلاً و230 امرأة بين أكثر من 1200 شهيد ارتقوا جراء عدوان الاحتلال منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى. ووفقً للوزارة، فإن 60 % من إصابات غزة البالغ عددهم أكثر من 5500 إصابة هم من الأطفال والنساء.
وبهذا الأسلوب من الانتقام الممنهج، تنتهك قوات الاحتلال قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المدنيين وقتلهم وبشكل أساسي الأطفال والنساء.
2- قصف الأبراج والتجمعات السكانية ومراكز الإيواء
شنت إسرائيل عمليات قصف عشوائي استهدفت بشكل رئيسي، الأبراج السكنية العالية في قطاع غزة والتي لا تزال عائلات فلسطينية بأكملها محاصرة تحت أنقاضها، في ظل عجز كبير من قبل طواقم الدفاع المدني عن العمل، بسبب استمرار القصف الذي لا يتوقف وارتفاع أعداد الضحايا بشكل مطرد، إضافة إلى قصف المنازل والتجمعات السكانية والأسواق وحتى مراكز الإيواء مثل مدارس وكالة الأونروا.
هذه السياسة الإسرائيلية التي تتعمد إحداث أكبر قدر من الضرر، أدت إلى محو أجزاء من الأحياء التي تعرضت للقصف، حيث قصفت قوات الاحتلال "برج فلسطين" الذي يعد أكبر برج سكني في القطاع، لحقه تدمير 10 أبراج سكنية وتجارية أخرى.
وفي ظل سياسة "الانتقام الإسرائيلي" التي تغيب عن الإعلام الغربي، اعتاد الاحتلال قصف الأبراج السكنية التي تضم مئات الأسر في كل حرب، ففي حرب 2021 على سبيل المثال، قصفت قوات الاحتلال أبراج الهنادي والجلاء وبعضها تضم مكاتب إعلامية وصحفية، وكذلك أبراج الجوهرة والشروق وأنس بن مالك، حيث نقلت حينها القناة 12 العبرية عن طيار إسرائيلي، قوله إن "سياسة تدمير الأبراج السكنية طريقة لامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي تجاه جيشه".
ويصنف قصف الأبراج السكنية التي لا تشكل أهدافاً عسكرية وتشريد عشرات الأُسر، كجريمة حرب في القانون الدولي يجب محاسبة مرتكبيها على أفعالهم.
3- سياسة تهجير السكان
تنتهج قوات الاحتلال أيضاً سياسة متعمدة في تهجير السكان عن منازلهم والتي تصنف كجريمة حرب في القانون الدولي، حيث اعتادت قوات الاحتلال في بعض الأحيان الاتصال بالعائلات الفلسطينية وإبلاغها بالخروج من منازلها مع إعطائهم مهلة قصيرة ومحددة من الوقت قبل تدمير منازلهم.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن أكثر من 264 ألف شخص في غزة فروا من منازلهم على الأقل، وهو عدد مرشح للارتفاع مع استمرار القصف الجنوني.
ولجأ قرابة 175 ألفاً من أولئك النازحين إلى 88 مدرسة تديرها "الأونروا"، وأكثر من 14 ألفاً آخرين إلى 12 مدرسة حكومية، فيما يعتقد أن نحو 74 ألفاً يقيمون مع أقارب وجيران، أو لجأوا إلى كنائس أو مساجد أو مرافق أخرى.
4- قصف المستشفيات والمراكز الطبية والمساجد والجامعات
في كل جولة من جولات الصراع بين قوات الاحتلال وقطاع غزة، يتعمد الجيش الإسرائيلي قصف المساجد التي تمثل مراكز إيواء للنازحين، والأخطر هو قصف المستشفيات واستهداف الطواقم الطبية بقطاع غزة، في الوقت الذي يكون فيه العبء الأكبر على القطاع الصحي، الذي يتحمل فوق طاقته وقدرته المحدودة في الأساس، بسبب استقبال مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
وتواصل المشافي الطبية تقديم خدماتها وسط انقطاع للتيار الكهربائي عن القطاع المحاصر. وناشدت الطواقم الطبية والمستشفيات في قطاع غزة المجتمع الدولي التحرك العاجل للجم العدوان على مراكز العلاج ومركبات وطواقم الإسعاف في قطاع غزة، فيما أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن الاحتلال يتعمد قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف وقتل وإصابة الطواقم، ما يعد خرقاً كبيراً وواضحاً لكل القوانين والأعراف الدولية ويمثل جريمة حرب.
في الوقت نفسه، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلية يوم الأربعاء، الجامعة الإسلامية في مدينة غزة مما أسفر عن تدمير عدد من مبانيها، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أحمد عرابي المسؤول في إدارة الجامعة قوله إن الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة دمرت كليا مباني في المنشأة التعليمية.
كما استهدفت قوات الاحتلال مبنى برنامج الفاخورة للمنح الدراسية، صباح اليوم ذاته ودمرته كلياً، فيما أعربت مؤسسة "التعليم فوق الجميع القطرية" عن حزنها العميق من استهداف هذه المنشأة التابعة لها والتي كانت "منارة أمل منذ 2010، حيث مكن الشباب الفلسطيني من خلال التعليم ضد الشدائد"، وأكدت وجوب حماية التعليم بأي ثمن.
5- استهداف الصحفيين وأطقم الإسعاف
منذ بداية الحرب، تعمدت قوات الاحتلال استهداف الصحفيين بشكل مباشر، حيث استشهد حوالي ثمانية صحفيين منذ بداية القصف على غزة وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" وهم: إبراهيم لافي، ومحمد جرغون، ومحمد الصالحي، وأسعد شملخ، ومحمد صبح، وسعيد الطويل، سلام ميمة، وهشام النواجحة.
وبحسب توثيق نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فإن معظم هؤلاء الشهداء كانوا يرتدون زياً يميزهم كصحفيين وبعضهم يحملون معدات وآلات تصوير، مما يشير إلى تعمد قوات الاحتلال استهدافهم وقتلهم، كما في جرائم سابقة عديدة كان الصحفيون ضحيتها ما بين شهيد وجريح.
ويعد الاستهداف الإسرائيلي المتعمد ضد الصحفيين ومنازلهم ومؤسساتهم بأنه "جريمة حرب"، حيث ينص القانون الدولي وكل القرارات الأممية والمواثيق الدولية على توفير الحماية للصحفيين، واستهدافهم المتعمد هو جريمة حرب تستدعي المحاسبة.
الأمر ذاته ينطبق على طواقم الإسعاف التي تتحرك في الميدان، حيث أعلنت وحدة الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة في قطاع غزة اليوم الأربعاء 11 أكتوبر 2023 عن استشهاد 6 وإصابة 15 من أفراد الكوادر الطبية جراء القصف الإسرائيلي على القطاع.
حيث واتهم أشرف القدرة، المتحدث باسم الوحدة، إسرائيل بمخافة الأعراف الدولية عبر استهداف الطواقم الطبية. وأضاف أن القصف الإسرائيلي استهدف ودمر 20 مركبة إسعاف في كافة محافظات قطاع غزة.
6- قطع الماء والغذاء والكهرباء
منذ بداية الحرب، أعلنت إسرائيل قطع الإمدادات الأساسية عن قطاع غزة من كهرباء وماء ووقود ومواد غذائية، في إطار سياسة العقاب الجماعي لجميع سكان القطاع الذي تديره حركة حماس.
وأعلن وزير "الدفاع" الإسرائيلي، يوآف غالانت، الإجراءات العقابية قائلاً: "لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق"، مضيفاً: "نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك"، حسب تعبيره.
من جهته، أمر وزير البنية التحتية الإسرائيلي، في وقت لاحق، بالقطع الفوري لإمدادات المياه عن قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه نحو 2.2 مليون نسمة.
ويرقى العقاب الجماعي للسكان المدنيين إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي. وقال مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان: "إنّ فرض حصار يعرّض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية للبقاء على قيد الحياة محظور بموجب القانون الدولي الإنساني".
وقال تورك: "القانون الإنساني الدولي واضح: الالتزام بالعناية المستمرة لتجنب إيقاع خسائر في أرواح السكان المدنيين".
من جهتها، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تصريحات غالانت حول فرض الحصار على غزة، واصفةً إياها بأنها "مروعة مقززة" وقالت إنها تمثل "دعوة إلى ارتكاب جرائم حرب".
ونقلت المنظمة عن مدير شؤون إسرائيل وفلسطين فيها، عمر شاكر، في منشور له على منصة إكس، قوله: "حرمان السكان في أراضٍ محتلة من الغذاء والكهرباء يشكل عقاباً جماعياً وهو جريمة حرب، مثله مثل استخدام التجويع سلاحاً". وأضاف المنشور: "على المحكمة الجنائية الدولية أخذ العلم بهذه الدعوة إلى ارتكاب جريمة حرب".
وبحسب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن المدنيين الصادرة في العام 1949، تحت بند "المسؤولية الفردية والعقوبات الجماعية والنهب والانتقام"، "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على جريمة لم يرتكبها هو شخصياً. وتُحظر العقوبات الجماعية، وكذلك جميع تدابير الترهيب والإرهاب. وتُحظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص المحميِّين وممتلكاتهم".
7- منع المساعدات الإنسانية والتهديد بقصفها
قصفت إسرائيل معبر رفح الفلسطيني أكثر من مرة، وهددت باستهداف أية مساعدات قادمة من مصر باتجاه القطاع، في مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف والبروتوكول الأول الإضافي لها.
وتنص الاتفاقية على السماح بمرور قوافل المساعدات الإنسانية وحمايتها وتسهيل وصولها إلى المدنيين؛ لضمان بقائهم على قيد الحياة.
ويحظر البروتوكول الثاني من الاتفاقية إجبار المدنيين على النزوح القسري لأسباب تتعلق بالنزاع، وهو ما تقوم به إسرائيل حالياً من خلال قصفها العشوائي للمناطق السكنية في غزة؛ لإجبار أهلها على الفرار من بيوتهم أو الموت تحت أنقاضها.
وينص القانون الدولي الذي تستند إليه الأمم المتحدة في رفض الحصار الإسرائيلي، على حق السكان المدنيين بالحماية الكاملة في ظل العمليات العسكرية، ويحظر أو يقيد الإجراءات القتالية التي قد تسبب لهم المعاناة.
ويحظر القانون الدولي أيضاً استهداف المدنيين مباشرة أو بشكل عشوائي أو الاقتصاص منهم، كما يحظر تجويعهم كواحد من أساليب الحرب، وهو ما فعلته إسرائيل ضد قطاع غزة مؤخراً.
كما يحظر القانون مهاجمة أو تدمير أو تعطيل أمور لا غنى للمدنيين عنها مثل المواد الغذائية والزراعات والماشية، وتحديداً مرافق مياه الشرب، وهو أيضاً أمر أقرته إسرائيل ضد القطاع.
8- استخدام الأسلحة المحرمة دولياً
هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الاحتلال أسلحة محرمة دولياً ضد الفلسطينيين، حيث اتهمت الخارجية الفلسطينية إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض في قصف مناطق مكتظة بالسكان في قطاع غزة.
وقالت الوزارة في بيان إن "الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الفوسفور الأبيض المحرم دوليا ضد الفلسطينيين، في منطقة الكرامة شمال غزة".
كما نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فيديو يظهر استخدام القوات الإسرائيلية أسلحة الفوسفور الأبيض السام على المناطق المكتظة بالسكان شمال غرب مدينة غزة.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد ذكرت في تقارير سابقة أن إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض في حروب عدة وخاصة في قطاع غزة.
ووفقا للمنظمة فإن "الفوسفور الأبيض مادة كيميائية يتم نشرها بواسطة قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ وقذائف الهاون، وتستخدم بالأساس في التمويه على العمليات العسكرية البرية".
وأوضحت أن "استخدامه في المناطق المفتوحة مسموح به بموجب القانون الدولي، لكن الفوسفور الأبيض المتفجر جواً فوق مناطق مأهولة، غير قانوني بما أنه يعرض المدنيين لمخاطر".