الفوضى سيدة الموقف.. ماذا يعني عزل رئيس مجلس النواب للمرة الأولى؟ وما علاقة ترامب بالقصة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/04 الساعة 10:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/04 الساعة 13:03 بتوقيت غرينتش
أصبح مكارثي أول رئيس لمجلس النواب في تاريخ أمريكا كله تتم إقالته/ رويترز

في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، أقال مجلس النواب الأمريكي رئيسه كيفين مكارثي في استمرار لمسلسل الفوضى الذي يعصف بأروقة السياسة في واشنطن، فماذا يعني ذلك؟ وما علاقة دونالد ترامب بالقصة؟ وما تأثيرها المحتمل على أمريكا والعالم؟

مجلس النواب، الذي يحظى فيه الحزب الجمهوري بأغلبية ضئيلة، صوَّت مساء الثلاثاء 3 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لصالح إقالة رئيس المجلس، الجمهوري كيفين مكارثي، الذي أعلن أنه لن يترشح مرةً أخرى للمنصب هذه الدورة على الأقل، فكيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة غير المسبوقة في تاريخ الكونغرس الأمريكي الممتد لأكثر من قرنين؟

لماذا أطاح الجمهوريون بزميلهم مكارثي؟

إذا ما حاولنا تتبع جذور هذه القصة الدالة على مدى عمق الفوضى التي تعصف بالسياسة الأمريكية، وليس فقط الانقسام أو الاستقطاب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، سنجد صعوبة في الوصول إلى نقطة البداية الفعلية، لكن يمكن سرد الحكاية من لحظة فوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

يتشكّل مجلس النواب من 435 نائباً، وخلال الانتخابات الماضية فاز الجمهوريون بأغلبية ضئيلة ما أعطاهم الحق في اختيار رئيس المجلس خلفاً لنانسي بيلوسي رئيسة المجلس السابقة (ديمقراطية). وشهدت عملية اختيار كيفين مكارثي بوادر الانقسام الحاد في صفوف الحزب الجمهوري، حيث استمرت المفاوضات بينه وبين مجموعة صغيرة من نواب حزبه، يطلق عليهم غلاة المحافظين، فترة طويلة حتى نال تأييدهم في نهاية المطاف.

ويسيطر الجمهوريون على المجلس بأغلبية بسيطة بواقع 221 مقعداً مقابل 212، ما يعني أنهم لا يستطيعون خسارة ما يزيد على خمسة أصوات إذا اتحد الديمقراطيون ضدهم.

وشهدت الفترة التي رأس فيها مكارثي مجلس النواب مناوشات عديدة بينه وبين هؤلاء النواب أنفسهم، كان آخرها ما شهدته كواليس إقرار الموازنة الأمريكية الجديدة، والتي استمرت حتى الساعات الأخيرة من يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي وهو اليوم الأخير قبل انتهاء الموازنة القديمة والعمل بالموازنة الجديدة بدءاً من أول أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

توصل مكارثي إلى اتفاق مع الديمقراطيين لإقرار موازنة مؤقتة مدتها 45 يوماً لتفادي الإغلاق الحكومي، شهدت اعتراضات من النواب الموصوفين بأنهم غلاة المحافظين وعلى رأسهم النائب مات غيتس، وهو جمهوري من اليمين المتطرف عن ولاية فلوريدا.

مجلس النواب
مجلس النواب الأمريكي، أرشيفية/ رويترز

أعلن غيتس أنه سيطيح بمكارثي من رئاسة مجلس النواب في أعقاب تمرير مشروع قانون الموازنة المؤقت، وقبل مكارثي التحدي. غيتس يتهم مكارثي بعدم بذل ما يكفي من جهد لخفض الإنفاق الحكومي الفيدرالي، وكان يريد ألا يقدم الجمهوريون أي تنازلات لإدارة جو بايدن الديمقراطية حتى وإن أدى ذلك إلى "الإغلاق الحكومي" أي تأخر واشنطن في سداد ديونها الفيدرالية وعدم دفع رواتب موظفي الحكومة نتيجة لعدم وجود موازنة عامة معتمدة من الكونغرس.

تقدم غيتس بطلب للتصويت على إقالة مكارثي من منصبه وحظي الطلب بالأغلبية اللازمة لمناقشته في جلسة عامة في مجلس النواب ثم التصويت عليه. وحتى هذه اللحظة، لم يكن أحد يتصور أو يتوقع أن ينال طلب "إخلاء منصب رئيس مجلس النواب" الأصوات اللازمة لتمريره، ففي نهاية المطاف لم يحدث هذا الأمر على الإطلاق في تاريخ الكونغرس الأمريكي.

لكن المفاجأة وقعت بالفعل، وجاء التصويت بواقع 216 مقابل 210 لصالح إقالة مكارثي، حيث صوّت 8 نواب جمهوريين لصالح القرار، إضافة إلى 208 نواب ديمقراطيين (جميع النواب الديمقراطيين الحاضرين في جلسة التصويت)، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.

ما الخطوة التالية في مجلس النواب؟

سيظل مجلس النواب بلا رئيس لمدة أسبوع على الأقل، إذ قال العديد من الجمهوريين إنهم يعتزمون الاجتماع في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول لمناقشة المرشحين المحتملين لخلافة مكارثي، مع تحديد موعد التصويت لاختيار الرئيس الجديد للمجلس في 11 أكتوبر/تشرين الأول.

ويتولى النائب الجمهوري باتريك ماكهنري رئاسة مجلس النواب بصفة مؤقتة حتى يتم انتخاب رئيس جديد خلفاً لمكارثي، ولا يحق للرئيس المؤقت أن يمارس أياً من مهام رئيس المجلس، فمهمته محصورة في رئاسة جلسة انتخاب الرئيس الجديد.

هل يمكن أن يترشح مكارثي مرة أخرى للمنصب؟ من الناحية الدستورية لا يوجد ما يمنعه، ولكنه قرر ألا يفعل، إذ قال مكارثي للصحفيين بعد صدمة إقالته إنه لن يترشح مرة أخرى للمنصب، مضيفاً: "لقد ناضلت من أجل ما أؤمن به.. أعتقد أن بوسعي مواصلة القتال، ولكن ربما بطريقة مختلفة".

لكن الإطاحة بمكارثي تؤدي تلقائياً إلى توقف النشاط التشريعي في مجلس النواب، بينما يلوح في الأفق موعد نهائي آخر لإغلاق الحكومة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني إذا لم يمدد الكونغرس التمويل. وقال البيت الأبيض إنه يأمل بأن يتحرك المجلس بسرعة لاختيار رئيس بديل، وهو المنصب الثالث في ترتيب الرئاسة بعد نائب الرئيس.

أما غيتس فقد قال للصحفيين بعد التصويت: "كيفن مكارثي.. وصل إلى السلطة من خلال جمع أموال منافع خاصة وإعادة توزيع تلك الأموال مقابل خدمات".

لماذا "الفوضى" هي العنوان الأبرز؟

عملية اختيار خليفة لمكارثي لا تبدو بسيطة، حيث لا يوجد شخص آخر من قيادات الحزب الجمهوري يحظى بدعم جميع النواب، وهو ما عبر عنه كثير من الجمهوريين أنفسهم عندما وصفوا الإطاحة بمكارثي بأنها "فوضى عارمة"، وتحدى كثير منهم غيتس وزملاءه أن يكون لديهم أدنى فكرة عن "بديل مكارثي" عندما صوتوا لإقالته، بحسب تقرير لموقع Vox الإخباري الأمريكي.

إذ تركت عملية الإطاحة بمكارثي الكونغرس في حالة من الضبابية، بينما يسعى جاهداً لتحديث برامج دعم المزارع والتغذية، وتمرير مشاريع قوانين التمويل الحكومي، والنظر في تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا.

بايدن
الرئيس الامريكي جو بايدن /الأناضول

وكان بوسع الديمقراطيين إنقاذ مكارثي، ولكنهم قالوا بعد دراسة الأمر إنهم لن يساعدوا الجمهوريين على حل مشاكلهم. كما يقول الديمقراطيون إنهم يعتبرون مكارثي غير جدير بالثقة بعد أن خرق اتفاقاً بشأن الإنفاق أبرم مع بايدن في مايو/أيار الماضي.

وقد يكون قادة جمهوريون آخرون، مثل ستيف سكاليس وتوم إيمير، مرشحين لكن لم يبد أي منهم اهتمامه بالمنصب علانية. وتم تعيين عضو آخر في فريق القيادة، هو النائب باتريك مكهنري، في المنصب بشكل مؤقت. وقد تنحى آخر رئيسين جمهوريين للمجلس، وهما بول رايان وجون بينر، من الكونغرس بعد خلافات مع اليمين.

وخلال نقاش دار في قاعة مجلس النواب، انتقد غيتس وبعض حلفائه مكارثي لاعتماده على أصوات الديمقراطيين لتمرير التمويل المؤقت الذي أدى إلى تفادي الإغلاق الجزئي للحكومة. أما أنصار مكارثي، وبينهم عدد من المحافظين البارزين، فقد قالوا إنه نجح في الحد من الإنفاق والدفع بأولويات أخرى لدى المحافظين على الرغم من سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. وحذروا من أن مكاسبهم التي تحققت ستكون في خطر إذا عزلوا زعيمهم.

ما علاقة ترامب بإقالة مكارثي؟

في تحليلها لإقالة مكارثي، اختارت شبكة CNN الأمريكية عنوان "مكارثي الضحية الأحدث في ثورة التطرف الجمهوري بقيادة ترامب"، ورصدت تأثير الرئيس السابق على الحزب الجمهوري وكيف أن دعمه لمكارثي كلف الأخير منصبه، وربما يكلف أمريكا والعالم ما هو أكثر.

فعدم الاستقرار في الكونغرس ربما يؤدي إلى الفشل في التوصل لاتفاق بشأن الموازنة عندما يحين موعده منتصف نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يعني تخلف واشنطن عن سداد ديونها البالغة أكثر من 31 مليار دولار، وهو الأمر الذي ستتخطى آثاره السلبية الحدود الأمريكية لتضرب الاقتصاد العالمي بشدة، بحسب تحليل الشبكة الأمريكية.

ترامب
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – رويترز

ورغم المدة القصيرة التي تولى خلالها مكارثي رئاسة مجلس النواب، إلا أن هذه الفترة أكدت مدى هيمنة ترامب على الحزب الجمهوري وقدرته على تحويل الكونغرس إلى "أحد أبرز عوامل عدم الاستقرار" في الحياة الأمريكية وربما العالم أجمع، علماً بأن ترامب يتصدر سباق الجمهوريين للترشح إلى الانتخابات الرئاسية في 2024 ولا يبدو أن المحاكمات المتعددة التي يواجهها تؤثر سلباً على تصدره للسباق المحموم.

يواجه الرئيس السابق حالياً محاكمة في ولاية نيويورك بتهم "الاحتيال المالي"، وبدأت جلساتها الثلاثاء 3 أكتوبر/تشرين الأول وتستمر الأربعاء أيضاً وليس معروفاً متى تنتهي أو ما قد ينتج عنها من أحكام، سواء بالغرامة المالية أو الحرمان من ممارسة أعماله التجارية في الولاية أو السجن، وإن كانت احتمالات الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحريات تبدو ضعيفة للغاية في هذه المحاكمة، التي يخضع فيها أبناؤه أيضاً للمحاكمة بنفس التهم. في حين يقول ترامب إن المحاكمة "تضليل" للرأي العام وإنها تندرج تحت "الاضطهاد السياسي" الذي يزعم أنه يتعرض له من خصومه السياسيين.

تحميل المزيد