رفض الكونغرس إدراج المساعدات لأوكرانيا في مشروع قانون التمويل المؤقت، وفاز حزب مقرب من روسيا في الانتخابات بسلوفاكيا، فهل يؤدي فقدان الدعم لكييف إلى الاتجاه نحو الحل السلمي وإنهاء الحرب أم يصبح الجمود سيد الموقف؟
كان الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي قد توصلوا لاتفاق مؤقت بشأن الموازنة الفيدرالية لتفادي الإغلاق الحكومي، وذلك قبل ساعات من الموعد النهائي وهو بداية أكتوبر تشرين الأول 2023، أسقطوا منه حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا أراد الرئيس جو بايدن ضمان إدراجها في موازنة 2024.
وفي الوقت نفسه، فاز حزب اتجاه-الديمقراطية الاجتماعية، وهو حزب المعارضة بزعامة رئيس الوزراء السابق روبرت فيتسو، الذي ركز حملته الانتخابية على إنهاء المساعدات لأوكرانيا، بالانتخابات العامة وأصبح في طريقه إلى تشكيل الحكومة، وهو خبر آخر سيئ للغاية بالنسبة لكييف.
قلق أوكراني من غياب "الدعم"
كانت أروقة السياسة الأمريكية قد شهدت أسبوعاً عاصفاً، في ظل محادثات إقرار الموازنة الجديدة والانقسام الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأنها، خصوصاً أن عدم التوصل لاتفاق قبل منتصف ليل السبت 30 سبتمبر/أيلول، كان يعني ببساطة "إغلاقاً حكومياً".
صحيح أن هذا الموقف المشحون أصبح يتكرر كل عام تقريباً، وأحياناً مرتين في العام الواحد بعد أن توصل الطرفان إلى اتفاق مؤقت مدته 45 يوماً فقط، إلا أن هذه الانقسامات الداخلية في واشنطن كان لها تأثير زلزالي عبر المحيط الأطلنطي، وبالتحديد هناك في أوكرانيا، حيث تدور الحرب الطاحنة منذ 24 فبراير/شباط 2022.
"لا يمكننا أن نحارب وحدنا: هكذا جاء رد فعل الأوكرانيين على غياب الدعم الإضافي الأمريكي"، هكذا جاء عنوان تقرير لشبكة CNN الأمريكية، يرصد ردود الفعل في كييف حول قانون الموازنة الأمريكية المؤقت، وما قد يعنيه غياب الدعم الأمريكي بالنسبة لمسار الحرب، التي يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر" بينما تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة".
وأعلنت أوكرانيا الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول أنها تتواصل مع مسؤولين في الولايات المتحدة لضمان حصولها على مساعدات جديدة، بعد أن تبنى مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان مساء السبت إجراء طارئاً يتيح مواصلة تمويل الإدارة الفيدرالية مؤقتاً لمدة 45 يوماً، تم إسقاط 24 مليار دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا أراد بايدن إدراجها في الميزانية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، أوليغ نيكولنكو، قال إن "الحكومة الأوكرانية تعمل الآن بفاعلية مع شركائها الأمريكيين لضمان أن يشمل القرار الجديد بشأن الميزانية الأمريكية الذي سيتم صوغه خلال الأيام الـ45 المقبلة، موارد جديدة لدعم أوكرانيا".
ولاحقاً قال وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف إنه أجرى محادثة مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، بحثا خلالها في تقديم مزيد من المساعدات العسكرية لكييف بعد القرار، وقال أوميروف على شبكة للتواصل الاجتماعي إن "الوزير أوستن أكد لي أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيستمر. المحاربون الأوكرانيون سيحظون باستمرار بدعم قوي في ساحة المعركة".
لكن تصريحات المسؤولين الأوكرانيين المشوبة بالتفاؤل لا تعكس حالة القلق في الشارع الأوكراني، بحسب تقرير CNN، حيث أعرب عدد من المواطنين عن قلقهم من وقوع كييف "ضحية لألاعيب السياسة الداخلية الأمريكية". "هذه ألعاب أمريكية داخلية وأوكرانيا رهينة هذه السجالات أو هذه الحرب الداخلية"، بحسب ما قاله فولوديمير كوستياك، أحد الضباط الأوكرانيين، للشبكة الأمريكية، مضيفاً: "المصالح الاستراتيجية الأمريكية كبيرة جداً، وأوكرانيا ليست سوى جزء واحد من تلك المصالح. وأعتقد أن الصراع السياسي الداخلي في واشنطن لا يمكنه المساس بالمساعدات لأوكرانيا بشكل مؤثر. نعم ستكون هناك نواقص لكنها لن تكون حيوية".
لكن آخرين في أوكرانيا كانوا أقل تفاؤلاً بكثير من كوتسياك، خصوصاً أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تراجعاً واضحاً في التعاطف الشعبي الأمريكي مع قضية تقديم مساعدات لأوكرانيا، ويعبر كثير من الأمريكيين عن رأيهم بأن واشنطن قدمت "دعماً كافياً بالفعل لكييف"، وأنه حان الوقت لوقف هذا الدعم.
آنا سوفسون، برلمانية أوكرانية، قالت للشبكة الأمريكية: "بالطبع نشعر بالقلق الشديد (من قرار الكونغرس وقف المساعدات)، لأنه بالنسبة إلينا الحرب حقيقة مريرة ويومية ولن تتوقف انتظاراً لسجالات الكونغرس. أفهم أن هناك وقائع سياسية خاصة بأمريكا وهناك انتخابات قادمة أصبحت جزءاً من العملية السياسية هناك. لكنني أريد أن تتذكر الولايات المتحدة أن هناك تكلفة بشرية وأن أي تأخير في توفير المساعدات له تكلفة بشرية مرتفعة".
عام الانتخابات الأمريكية
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية ما يوصف بأنه عام الانتخابات الرئاسية، المقررة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وما حدث في اتفاق الموازنة المؤقت يعتبر مؤشراً على أن الدعم لأوكرانيا أصبح قضية جدلية بامتياز ومرشحة للتصعيد أكثر في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وحتى تكون الصورة واضحة، أمريكا هي الداعم الأكبر لأوكرانيا، حيث قدمت إدارة بايدن أكثر من 40 مليار دولار لكييف خلال العام الحالي فقط، وبدون الدعم الأمريكي ستجد أوكرانيا نفسها في موقف هش للغاية أمام روسيا الأقوى والأكثر تسليحاً، خصوصاً أن القوات الأوكرانية هي التي تسعى للهجوم وإجبار القوات الروسية على الانسحاب من الأقاليم الأوكرانية التي تسيطر عليها.
وهناك تيار جمهوري قوي ومؤثر يرفض تقديم الدعم لأوكرانيا، في ظل التضخم غير المسبوق الذي يعاني منه الأمريكيون وحالة الاقتصاد الأمريكي المتراجعة، وبالتالي يرفع قادة هذا التيار الجمهوري، وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب، شعار "الأمريكيون أولى بتلك الأموال"، خصوصاً أن ترامب وغيره من قادة الحزب الجمهوري يرون أن الحرب لم تكن لتندلع من الأساس إذا ما كان الرئيس الأمريكي أكثر "قدرة" على ممارسة نفوذه، فالحرب نتاج أزمة جيوسياسية بين روسيا وحلف الناتو، كان يمكن تفادي انفجارها، بحسب أصحاب هذا التوجه.
وفي هذا الإطار، من المرجح أن يواجه بايدن وإدارته صعوبات أكثر في تمرير حزم الدعم التي يريدون إرسالها لأوكرانيا عبر الكونغرس المنقسم بشدة بين الحزبين، كما أن القلق من خسارة الانتخابات قد يكون عاملاً في "إصرار" بايدن على خوض معركة مواصلة الدعم لأوكرانيا كلما اقتربت الانتخابات، خصوصاً إذا ما أصبح ترامب مرشح الحزب الجمهوري بالفعل في تلك الانتخابات.
وإذا كان الموقف على هذه الصورة في واشنطن، فقد شهد الاتحاد الأوروبي أيضاً تحولاً لافتاً في موقف أحد أعضائه، وهي سلوفاكيا، التي فاز فيها حزب يجاهر بالعداء لأوكرانيا والرفض لتقديم مساعدات لها، مما يشير إلى أن الموقف الأوروبي، المنقسم أيضاً، قد يصبح أكثر تعقيداً، بعيداً عن التصريحات السياسية الساعية لطمأنة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
كان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد أعلن الأحد، أن التكتل سيزيد دعمه العسكري لأوكرانيا، وقال بوريل في مؤتمر صحفي خلال زيارة إلى العاصمة الأوكرانية إنه في مواجهة "تهديد وجودي لأوروبا"، فإن "الاقتراح المطروح على الطاولة" يظهر أن الاتحاد الأوروبي يريد زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بحسب رويترز.
وقال بوريل رداً على سؤال عن التصويت في واشنطن: "دعونا نرَ ما سيحدث في الولايات المتحدة، ولكننا سنواصل دعمنا وزيادة مساعداتنا"، وأضاف "الأوكرانيون يقاتلون بكل ما أوتوا من شجاعة وقدرة". وأضاف أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد لهم أن يكونوا أكثر نجاحاً، "علينا أن نزوِّدهم بأسلحة أفضل وأكبر".
وقال في بيان نُشر على منصة إكس، تويتر سابقاً: "نُعد التزامات أمنية طويلة الأمد لأوكرانيا". وقال في المؤتمر الصحفي إنه يأمل أن تتوصل الدول الأعضاء إلى قرار بشأن زيادة المساعدات "قبل نهاية العام".
ماذا يعني ذلك للحرب بين أوكرانيا وروسيا؟
الآن ومع اقتراب فصل الشتاء، الذي يشهد تجميداً للعمليات العسكرية الكبرى في ساحة الحرب، ومع فشل الهجوم الأوكراني المضاد الكبير في تحقيق اختراقات رئيسية على طول الجبهة الممتد لأكثر من 1200 كلم، لا شك أن فقدان كييف للدعم الأمريكي تحديداً ستكون له تداعيات كبيرة على مسار الحرب.
حاول زيلينسكي، في خطاب صدر الأحد، التقليل من تأثير الأحداث في واشنطن تحديداً، وقال إنه لا يوجد شيء من شأنه أن يضعف معركة بلاده ضد روسيا، وأضاف أنه لا يمكن لأحد أن "يوقف" استقرار أوكرانيا وقدرتها على التحمل وقوتها وشجاعتها، متابعاً أن أوكرانيا لن تتوقف عن المقاومة والقتال إلا في يوم النصر. "ومع اقترابنا منه كل يوم، نقول: سنقاتل مهما كلف الأمر".
لكن حقيقة الأمر هي أن كييف تعول بشكل أساسي على المساعدات الغربية لمواجهة الهجوم الروسي، وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول التي تقدم مساعدات لأوكرانيا مع دعم عسكري فقط تجاوزت قيمته 40 مليار دولار.
وبالتالي فإن هذه التطورات تطرح سؤالاً من الصعب التغاضي عنه الآن: هل تقترب الحرب في أوكرانيا من أن تضع أوزارها أم أن "الجمود" سيصبح سيد الموقف خلال عام 2024؟
صحيح أن وضع إجابة مؤكدة عن هذا السؤال يبدو أمراً شبه مستحيل، لكن المؤشرات الحالية لا تصب في صالح أوكرانيا ميدانياً، وهو ما قد يفتح باب التفاوض مجدداً، حتى وإن أصر زيلينسكي على تحقيق "النصر"، الذي يبدو مستحيلاً من الناحية العملية. والواضح الآن هو أن الشقاق داخل التحالف الغربي بدأ يتسع. فها هي أوكرانيا تتقدم بشكوى ضد بولندا والمجر وسلوفاكيا بسبب حظر الحبوب الأوكرانية، حيث تخشى الدول الثلاث من التأثير السلبي على مزارعيها.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الغرب بدأ يفقد الأمل في أن تتمكن القوات الأوكرانية من تحقيق انتصار عسكري حاسم، ومع استمرار الأزمة الاقتصادية الحادة، سيصبح من الصعب أكثر مواصلة تقديم عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات عسكرية لكييف.
هل روسيا مستعدة للتفاوض؟ كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أكد مجدداً، قبل أيام في حوار مع وكالة تاس الروسية، أن موسكو مستعدة للتفاوض حول أوكرانيا: "ما زال موقفنا ساريا،: نحن مستعدون للتفاوض، ولكن التفاوض مع الأخذ في الاعتبار الحقائق التي تطورت الآن على الأرض، وموقفنا معروف للجميع، مع الأخذ في الاعتبار مصالحنا، ومصالح أمننا، ومصالح منع إنشاء نظام نازي معادٍ على حدود روسيا، الذي أعلن صراحة هدف إبادة كل شيء روسي على أراضي كل من شبه جزيرة القرم ونوفوروسيا والتي طورها الشعب الروسي واستقر وعاش بها لعدة قرون". والموقف نفسه عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
الخلاصة هنا هي أن التفاوض يبدو الحل الأكثر منطقية لإنهاء الحرب، أما البديل أو الاحتمال الآخر هو أن تسعى إدارة بايدن وحلفاؤها الغربيون إلى "تجميد" الموقف العسكري والتفرغ لعام الانتخابات، مما يعني أن الحرب قد تستمر أعواماً أخرى.