أثارت التدابير الجديدة التي اتخذتها ألمانيا للحد من الهجرة غير النظامية جدلاً وانتقادات حادة من اللاجئين ونشطاء حقوق الإنسان، متهمين الحكومة الألمانية بالنفاق السياسي.
فالأسبوع الجاري، أطلقت الحكومة الألمانية عمليات تفتيش مؤقتة على الحدود عند المعابر مع بولندا والتشيك، كما أوقفت القبول الطوعي للاجئين القادمين من إيطاليا، وأعلنت عن خطط لتشديد قوانين الترحيل، ما قد يؤدي إلى سجن المهاجرين بشكل غير نظامي.
ونقلت وكالة Reuters عن مصادر قولها إن الحكومة الألمانية ستخفض المساعدات الفيدرالية للاجئين إلى النصف العام المقبل.
50 ألف لاجئ مهددون بالطرد
يأتي ذلك في ظل الخلاف الدائر بين ألمانيا وإيطاليا بشأن عمليات إنقاذ المهاجرين من البحر، بسبب عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، الممولة من برلين.
ووفق السلطات، يقيم حالياً ما يقدّر بنحو 280 ألف مواطن أجنبي في ألمانيا دون تصريح إقامة ساري المفعول، ويضطرون إلى مغادرة البلاد، وسُمح لنحو 80% منهم بالبقاء حتى الآن؛ لأن السلطات لم تتمكن من ترحيلهم لأسباب قانونية أو متعلقة بوضعهم.
فيما يبلغ عدد المهاجرين الذين يمكن ترحيلهم بشكل فوري نحو 54 ألفاً، بحسب الأرقام الرسمية.
استراتيجية تؤدي إلى تخويف الرأي العام من الهجرة
الناشط في مجال حقوق الإنسان سونكينغ تيغوفو، أشار في حديث لوكالة الأناضول إلى أن وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر "أعلنت عن كل هذه الخطط المثيرة للجدل قبل الانتخابات الإقليمية الرئيسية المقرر إجراؤها الأسبوع المقبل".
وتابع: "اقترحت (فيزر) تشديد قوانين الترحيل، هذه استراتيجية لتشويش الرأي العام، لجعل قضية الهجرة تبدو كأنها المشكلة الرئيسية لألمانيا"، مؤكداً أن السياسيين يحاولون "استغلال قلق المواطنين بشأن ملف الهجرة".
القانون قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ويمثل نهجاً عنصرياً
وأضاف تيغوفو، الخبير في مجلس اللاجئين في ولاية براندنبورغ شرقي ألمانيا، أن "مشروع الحكومة لقواعد الترحيل الجديدة الذي يهدف إلى التشدد بشأن الهجرة، يتضمن إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
وأوضح أنه "يمكن للشرطة القبض على اللاجئ والتحكم بهاتفه وجمع المعلومات عنه، في بلد تعتبر فيه قوانين الخصوصية المتعلقة بالبيانات الشخصية غاية في الأهمية، لكن عندما تكون مهاجراً ليس لديك أي حقوق، هذا نهج عنصري".
تعد فيزر أفضل مرشحة للحزب الديمقراطي الاشتراكي في الانتخابات الإقليمية الأسبوع المقبل عن ولاية هيسن (وسط)، ومع ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا البلاد في الشهرين الماضيين، أصبحت الهجرة واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل خلال الحملة الانتخابية.
وقال تيغوفو، إن "معظم اللاجئين فرّوا من الحرب والاضطهاد في بلدانهم، ويرغبون في أن يصبحوا جزءاً من المجتمع الألماني والمساهمة في خدمة البلاد"، لكنه أردف أن "العنصرية واستغلال السياسيين لقضية الهجرة أصبحت عقبة كبيرة أمام اندماجهم بنجاح".
وأضاف: "من ناحية، هناك سياسيون لديهم وجهة نظر عنصرية تجاه المهاجرين، وعلى الجانب الآخر، لديك اقتصاد يحتاج إلى أشخاص للعمل، والأمران متناقضان، يجب التوقف عن استغلال المهاجرين كأداة انتخابية".
يجب أن تُستقبل كإنسان
قبل الانتخابات الإقليمية المرتقبة في ولايتي هيسن وبافاريا في 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف نسبة تأييد قياسية بلغت 23%، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة "يوغوف".
ولطالما دعا الحزب الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الهجرة غير الشرعية، والضغط من أجل ترحيل جميع الأجانب الذين تم رفض طلبات لجوئهم بسرعة.
وأعرب عبد القادر إيساكا الذي وصل إلى ألمانيا كلاجئ قبل 8 سنوات، عن "أسفه إزاء الجدل السياسي الحالي في البلاد"، مشدداً على أن هذا "غير مناسب لدولة تصوّر نفسها كمدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
وقال إيساكا للأناضول: "بالنسبة لي، لا يوجد أحد غير قانوني، يجب أن يكون الجميع أحراراً أينما كانوا، سمعت أن ألمانيا توقفت عن استقبال المهاجرين (من إيطاليا)، أعتقد أن هذا أمر مخالف لحقوق الإنسان".
وأردف: "ألمانيا بلد رائد في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وليس هذا ما يفترض أن يكون، عليها أن ترحّب بالجميع، بغض النظر عن المكان الذي أتوا منه أو هويتهم، يجب أن تستقبلك كإنسان".
الحكومة الألمانية رفضت الانتقادات، وقالت إن إجراءاتها الأخيرة تهدف إلى مكافحة تهريب المهاجرين على الحدود.
كما تدعو برلين بقية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، إلى تطوير سياسة أوروبية مشتركة للجوء، وضمان تقاسم الأعباء بشكل عادل بين الدول.
ألمانيا تمتنع عن استقبال اللاجئين القادمين من إيطاليا
ولا تزال ألمانيا، التي تمثل أكبر اقتصاد في أوروبا، الوجهة الأولى للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء الذين يصلون إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وذكرت وسائل إعلام محلية الأسبوع الماضي، أن برلين أوقفت مؤقتاً الاستقبال الطوعي للاجئين من إيطاليا، بسبب التوترات السياسية والخلافات الأخيرة بين البلدين.
وبموجب اتفاقية دبلن للاتحاد الأوروبي (1990)، يجب على طالبي اللجوء التقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ في أول دولة أوروبية يدخلونها.
وفي حين أن معظم اللاجئين يدخلون أوروبا عبر إيطاليا أو اليونان، فإن العديد منهم يسافرون إلى ألمانيا، حيث تتاح لهم المزيد من الفرص.
شولتز يواجه ضغوطاً جراء تزايد طالبي اللجوء
وبين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2023، تقدم حوالي 205 آلاف مهاجر بطلب لجوء في ألمانيا، ما يمثل زيادة بنسبة 77% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022.
ويواجه المستشار الألماني أولاف شولتز ضغوطاً متزايدة في الداخل بسبب الارتفاع الكبير في أعداد اللاجئين، حيث تشكو السلطات المحلية من أزمة في توفير السكن والدعم الاجتماعي لطالبي اللجوء الوافدين حديثاً.
وقال شولتز، السبت، في حوار مع شبكة التحرير الألمانية "RND"، إن أكثر من 70% من المهاجرين الواصلين إلى ألمانيا يأتون عبر دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لم يتم تسجيلهم سابقاً في تلك الدول، وإن الأمر لا يمكن أن يستمر على هذا النحو.
وأضاف أن "عدد المهاجرين غير النظاميين الراغبين في الوصول إلى ألمانيا مرتفع للغاية. ولهذا السبب ندعم منذ مدة طويلة حماية الحدود الخارجية لأوروبا".
وذكر شولتز أن بلاده ستواصل تدابيرها الأمنية الحدودية الإضافية مع النمسا، وأنها اتفقت على تنفيذ عمليات مراقبة حدودية مشتركة مع سويسرا وجمهورية التشيك.
ولفت شولتز إلى أن الأشخاص الذين يتم رفض طلبات لجوئهم يجب أن يغادروا ألمانيا، مضيفاً: "علينا أن نضمن ذلك".
برلين متهمة بممارسة النفاق السياسي
كانغني كوكو لوكوه العاملة في منظمة مؤيدة للاجئين في برلين قالت للأناضول، إن "الإجراءات القاسية التي اتخذتها ألمانيا للحد من أعداد اللاجئين غير مقبولة".
ورأت أنه "يتعيّن على السلطات أن تتصرف وفقاً لالتزاماتها القانونية الدولية، وأن تحترم اتفاقية جنيف للأمم المتحدة بشأن اللاجئين (أربع اتفاقيات دولية تمت الأولى منها في 1864 وآخرها في عام 1949).
وقالت: "بالنسبة لي هذا نفاق، لأنه عندما تدافع عن شيء ما، عليك أن تفعله حتى النهاية، لا يمكنك القول الآن إننا لا نحب هذا ولن نفعل ذلك، قبل التوقيع على هذه الاتفاقيات، عليهم أن يعلموا أن عليهم الدفاع عن ذلك، لذلك أقول إنه نفاق".
وأضافت لوكوه وهي لاجئة سياسية من توغو، أن "الآلاف من طالبي اللجوء في ألمانيا يضطرون إلى الانتظار لسنوات عديدة حتى تتم معالجة طلباتهم".
وأردفت أن "الكثيرين يعيشون اليوم في خوف من الترحيل إلى بلدانهم الأصلية، لأنهم قد يواجهون الاضطهاد السياسي أو الملاحقة القضائية أو المعاملة اللاإنسانية".
وتابعت لوكوه: "هناك أشخاص موجودون هنا منذ 10 سنوات أو 20 سنة، وليس لديهم تصاريح عمل، كيف يمكنهم البقاء على قيد الحياة".
وتساءلت: "كبشر علينا أن نحاول مساعدة بعضنا بعضاً، لكن هذه الطريقة في محاولة ترحيل الناس، أعتقد أنها إجرامية".