بعد زيارة الأسد للصين.. هل تفتح بكين خزائنها أمام الاقتصاد السوري المتداعي أم تكتفي بالدعم المعنوي؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/09/21 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/21 الساعة 18:05 بتوقيت غرينتش
رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء لدى وصولهما إلى مطار هانغتشو بالصين في 21 سبتمبر/أيلول 2023- رويترز

تمثل زيارة الأسد للصين تحولاً مهماً في سياسة بكين التي كانت تفضل الابتعاد عن الاشتباك مع الملفات الشائكة للمنطقة، ولكن يبدو أن خليطاً من التطبيع العربي مع نظام الأسد ورغبة بكين في تعزيز دورها بالشرق الأوسط، أفضى إلى هذه الزيارة، ولكن يبقى السؤال: هل تؤدي زيارة الأسد للصين إلى تعويم النظام السوري الذي يعاني من أزمة مالية خانقة دفعت حتى مؤيديه إلى التذمر؟

ووصل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى الصين يوم الخميس 21 سبتمبر/أيلول، ضمن جهوده لجمع الدعم المالي من أجل إعادة إعمار بلاده وتحسين صورته الدولية، بعد أن نبذه العالم بسبب الفظائع المرتكبة في أثناء الحرب الأهلية السورية الدائرة.

وتأتي زيارته بالتزامن مع سعي الصين لتقديم نفسها كدولةٍ صاحبة نفوذ مهيمن في الشرق الأوسط، وشريكة للدول التي نبذتها الولايات المتحدة والدول الغربية. ومن المتوقع أن يلتقي الأسد بالزعيم الصيني شي جينبينغ خلال الزيارة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

زيارة الأسد للصين هي الأولى منذ قرابة عقدين

تُعَدُّ رحلة الأسد الحالية هي أولى زياراته للصين منذ قرابة العقدين، فهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية.

وتأتي زيارة الأسد للصين بالتزامن مع ضغطه من أجل تحسين صورة سوريا عالمياً. إذ احتفظت الصين بعلاقاتها الدبلوماسية مع سوريا حتى أثناء العزلة التي فرضتها بقية الدول على الأسد، وذلك على خلفية قمعه الوحشي لانتفاضة الربيع العربي عام 2011 وما أسفر عنه القمع من حرب أهلية ما تزال جارية.

ومع وصول الحرب الأهلية إلى حالة من الجمود شبه الكامل، يبحث الأسد اليوم عن استثمارات لمساعدته في إعادة إعمار البلاد. حيث لم يشهد البلد الذي مزقته الحرب جهود إعادة إعمار كبيرة نتيجة العقوبات الغربية واسعة النطاق. إذ رفضت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية تمويل أي جهود لإعادة إعمار سوريا قبل التوصل إلى تسوية سياسية، وذلك على النحو الوارد في قرار الأمم المتحدة.

زيارة الأسد للصين
التطبيع العربي مع الأسد ساعد على الأرجح على إتمام زيارته للصين/رويترز

ومن المستبعد أن تفرض الصين أي شروط سياسية من أجل المشاركة في إعادة إعمار سوريا. إذ دعمت الصين موقف الأسد -إلى جانب روسيا- منذ اندلاع الحرب الأهلية، واستغلت سلطة الفيتو في الأمم المتحدة لمنع صدور القرارات المتعلقة بسوريا عدة مرات، كان آخرها في عام 2020.

وقد استعاد الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد بدعم من روسيا وإيران، لكنه صار يرأس اليوم دولة فقيرة ومحطمة تواجه أزمةً اقتصادية، فضلاً عن تجدُّد الاحتجاجات المطالبة بالإطاحة به.

يُذكر أن عام 2022 شهد إعلان الأسد أن سوريا ستنضم إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية. كما احتفى الأسد بدور الوساطة الصينية في الاتفاق بين إيران والسعودية على إحياء العلاقات، وذلك في شهر مارس/آذار.

ويرى المحللون أن ذلك الاتفاق يمثل دلالةً على رغبة شي في توسيع نفوذ الصين داخل منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت الولايات المتحدة تمثل القوة الأجنبية المهيمنة هناك تاريخياً.

الأسد وصل الصين محملاً بآمال عريضة

حطّت طائرة الأسد في مدينة هانغتشو بالصين، وسوف يحضر الفعاليات المرتبطة بدورة الألعاب الآسيوية التي ستنطلق يوم السبت 23 سبتمبر/أيلول في المدينة الواقعة شرق البلاد. وقد وصل إلى الصين محملاً بآمال عريضة -إن لم تكن توقعات استثنائية- لما قد تقدمه الصين لبلاده، بحسب المحللين.

إذ قالت جوليا غورول-هالر، باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة فرايبورغ الألمانية: "يأمل الأسد أن تستغل الصين دورها الوسيط ثانيةً حتى تتوسط بين سوريا وتركيا وإيران وروسيا، وذلك من أجل إعادة سيطرة حكومة الأسد على البلاد".

والصين عينها على ميناء اللاذقية التي يتركز فيها النفوذ الروسي

وعلى المدى البعيد، تقول جوليا إن الصين ترى في ميناء اللاذقية السوري موقعاً له أهمية استراتيجية في طموحاتها الرامية إلى الحصول على موطئ قدم داخل البحر المتوسط. لكن الصين تتحرك بحذر وتحتفظ باستثمارات متواضعة في البلاد حتى الآن.

كما يجب ملاحظة أن اللاذقية تقع في منطقة النفوذ الروسي في سوريا، وهي تكاد تكون محصورة لها، عكس مناطق أخرى تتنافس فيها مع إيران.

وتريد استعراض قدراتها الدبلوماسية

تمثل زيارة الأسد فرصةً لبكين من أجل استعراض قوتها الدبلوماسية، في وقتٍ تواجه خلاله الصين منافسة متزايدة مع الولايات المتحدة على النفوذ الجيوسياسي، وهذا يشمل منطقة الشرق الأوسط.

فعندما زار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بكين في يونيو/حزيران؛ عرضت عليه الصين الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن المتوقع تقديم عرض وساطة مماثل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عندما يزور الصين في وقتٍ لاحق من العام الجاري.

لكن قدرة الصين على الوساطة في الاتفاقيات بين الدول المتنازعة داخل المنطقة تُعتبر محدودةً بسبب قلة خبراتها ومعارفها، وفقاً لما أفاد به الزميل الأقدم غير المقيم في مركز Atlantic Council جوناثان فولتون.

الأسد يريد أموالاً من الصين لإنقاذ اقتصاد نظامه، ولكن ردها قد يصدمه

لطالما كانت هناك تكهنات بأن سوريا ستطلب دعم بكين في مهمة إعادة إعمار الدولة التي مزقتها الحرب، والتي ستحتاج لعدة مليارات من الدولارات. ولهذا من المتوقع إثارة هذه المسألة عندما يلتقي الأسد نظيره شي.

وقال أليساندرو أردوينو، المحاضر المنتسب في معهد لاو الصيني بكلية كينجز لندن، إن موضوع إعادة الإعمار سيكون مطروحاً على الطاولة عند لقاء الأسد بتشي. لكنه أردف أن هذا الموضوع لن يكون جذاباً للصين بقدر ما يظنه العديدون، خاصةً في ظل تأثر الشركات الصينية بأعباء التباطؤ الاقتصادي في سوقها المحلي، حسبما نقلت عنه صحيفة Financial Times البريطانية.

وبدلاً من ذلك، ستكون زيارة الأسد بمثابة فرصة أمام بكين لتعزيز ملفها الدبلوماسي داخل الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تعتمد عليها الصين للحصول على كثير من واردات النفط والغاز الطبيعي، بحسب أردوينو.

الأسد وصل إلى الصثن على متن طائرة للخطوط الجوية الصينية/رويترز

وأردف أردوينو: "يتمثّل الأمر الأهم بالنسبة لبكين في السردية التي تقول إن الصين ليست مجرد قوةٍ اقتصادية هائلة، بل هي قوة دبلوماسية هائلة أيضاً. ومن الممكن تكرار ما حدث في الاتفاق السعودي الإيراني مرةً أخرى".

لم يسافر الأسد إلى الخارج كثيراً منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضده عام 2011 وتحوُّلها إلى حرب أهلية.

ولكن في مايو/أيار، سافر الأسد إلى السعودية للمرة الأولى منذ بدء الصراع. إذ تزعمت الرياض حملةً دبلوماسية إقليمية لإعادة ضم سوريا إلى الجامعة العربية، بعد أن كانت تدعم المعارضة السورية في السابق.

ولا يمكن استبعاد أن سماح الصين للأسد بزيارتها لأول مرة منذ سنوات، نتيجة للتطبيع العربي مع سوريا الذي قادته السعودية وأن ذلك جعل بكين غير قلقة من إغضاب دول الخليج باستقبالها الأسد أو بمعنى أدق جرى رفع الفيتو الخليجي على زيارة الأسد للصين، بالنظر إلى أن دول الخليج الغنية بالنفط هي أكثر ما يهم بكين في الشرق الأوسط.

لكن النظام السوري ما يزال يعاني من أجل جذب الاستثمارات اللازمة لإعادة الإعمار، ويرجع السبب إلى العقوبات الغربية القائمة بشكلٍ جزئي. ومع ازدياد الضائقة المالية سوءاً؛ يقول المحللون إن دمشق زادت اعتمادها على تصدير الكبتاغون الذي يُعد نوعاً من مركبات الأمفيتامين المسببة للإدمان الشديد، وذلك من أجل توفير العملة الصعبة للبلاد. في حين هبط سعر الليرة السورية إلى أدنى مستوياته التاريخية في أغسطس/آب.

بينما قال إميل الحكيم، مدير الأمن الإقليمي في مركز International Institute for Strategic Studies بلندن، إن الأسد "سيسافر بحماسة إلى بكين من أجل دمج سوريا مع المحور الصاعد الذي يضم الدول المستبدة المناهضة للغرب"، ومن أجل الاستفادة بمشروعات الربط التي تقودها الصين.

وأردف الحكيم أن الرئيس السوري سيرغب في تنويع علاقاته الدولية بسبب اعتماده الشديد على روسيا وإيران، اللتين ترعيانه لكنهما لم تقدما له أي مساعدة في الاقتصاد أو إعادة الإعمار.

ثم قال الحكيم: "ستُقيِّم الصين بكل حرصٍ مزايا المشاركة في دولة مخدرات مدمرة مزقتها الحرب، ولديها حكومة مختلة وظيفياً"، مضيفاً أن بكين ستكون سعيدةً "بتوجيه ضربةٍ إلى الولايات المتحدة في ساحة معركةٍ أخرى داخل منطقة الشرق الأوسط".

تحميل المزيد