منافسة شديدة بدأت في الظهور بين نجلي اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر- الصديق وصدام- عقب الإعصار الذي دمر مدينة درنة الليبية الأسبوع الماضي وخلفت آلاف الضحايا ودمرت مثلها من المنازل.
وحين بدأت العاصفة دانيال تضرب الشواطئ الليبية في 11 سبتمبر/أيلول، كان الصديق حفتر في باريس يُطلق حملة ترشحه للرئاسة، وقال للصحفيين: "أعتقد أن لدي كل الوسائل اللازمة لتهدئة الأوضاع في ليبيا وترسيخ الاستقرار فيها، وتحقيق تماسك الليبيين ووحدتهم"، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
صدام يدخل على الخط
لكن الابن الأكبر لخليفة حفتر، قائد ميليشيات "الجيش الوطني الليبي" التي تسيطر على شرق ليبيا وجنوبها، ما لبث أن عاد إلى بلده ليجد الكارثة الطبيعية المدمرة وقد حلَّت بها. فقد لقي أكثر من 11300 شخص حتفهم، وما زال أكثر من 10 آلاف في عداد المفقودين بعد أن اجتاحت العاصفة دانيال شرق ليبيا، وأدى انهيار سدين في مدينة درنة إلى غرق أحياء بأكملها في البحر.
ولدى عودته، قال الصديق إن والده "استشعر" الكارثة قبل وقوعها، وأمر بالإخلاء. إلا أن المراقبين لشؤون ليبيا أنكروا هذه الادعاءات بشدة، وزعموا أن الناس طُلب منهم في واقع الأمر أن يبقوا في منازلهم.
وسرعان ما دخل شقيق الصديق، صدَّام حفتر، إلى دوائر الأخبار الدولية أيضاً. إذ قال لشبكة Sky News، وهو يقود سيارته في قافلة إلى درنة، يوم الإثنين 18 سبتمبر/أيلول: "نعم، نحن بحاجة إلى المساعدة، ولكن فرق الإنقاذ تؤدي عملها".
ولما سًئل صدَّام هل كان يمكن للسلطات أن تتخذ خطوات تحول دون وقوع الكارثة، مثل تحديث السدود المنهارة مثلاً، قال إن "كل شيء كان على ما يرام"، ولم يكن لدينا "أي شكاوى".
زاد الصديق وصدام من ظهورهما في شرق ليبيا منذ كارثة الفيضانات. ولكل منهما طموحات سياسية في تولي مناصب بالبلاد، إلا أن كلاً منهما وصل إلى هذا المنعطف الحرج من طريق مختلفة عن طريق الآخر إلى حد بعيد.
الصديق: المدني الذي يشبه والده
ولد الصديق -مثل العديد من إخوته، ومنهم صدَّام- ونشأ في بنغازي خلال حكم معمر القذافي. وحين كان الإخوة في غمار سنوات النشأة، نُفي والدهما إلى الولايات المتحدة (من عام 1991 حتى عام 2011)، بعد أن تبرأ القذافي من العقيد السابق في أعقاب حملة عسكرية فاشلة في تشاد.
وقال جلال حرشاوي، الخبير في الشؤون الليبية والزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن "[أبناء حفتر] كانوا معروفين لدى القذافي، وكانت علاقاته بهم على ما يرام"، و"لم يكن حفتر معارضاً شرساً للقذافي في المنفى… فهو ليس مثل آية الله الخميني".
ولما عاد خليفة حفتر إلى ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي عام 2011، وتزعم القوات التي سيطرت على مساحات شاسعة من شرق ليبيا، ظلَّ الصديق بعيداً عن الأنظار.
ثم شن الجيش الوطني الليبي (المعروف الآن باسم القوات المسلحة العربية الليبية) حرباً على الفصائل المسلحة في غرب البلاد بعد الانقسام في عام 2014، وتضمن ذلك حملة وحشية استمرت 14 شهراً للسيطرة على طرابلس، إلا أن الحملة فشلت في النهاية. ولم يكن الصديق مشاركاً فيها، و"لم يرتبط قط بأي جماعة مسلحة ولا بالمسائل الأمنية، فهو "مدني بالكلية"، و"هذا هو السبب الذي أكسبه قدراً من الأهمية بعد ذلك".
بناء على هذا الدور المدني للصديق، فإنه صار يشارك في الفعاليات الاحتفالية مثل افتتاح مراكز الشرطة والملاعب. وساعد التشابه المذهل بينه وبين والده الأسرةَ في إبراز مكانتها على أرض الواقع. وقال حرشاوي: "إنه يوفر لوالده وسيلة لإبراز النفوذ والحضور"، و"طريقة للقول… إننا عازمون على المضي في مشروع إعمار للبلاد. ولدينا رؤية مدنية".
ولم يكن الصديق يُعد من الشخصيات القوية في محيط والده من قبل، لكن يبدو أن هذا قد تغير في الأشهر الأخيرة.
انهارت الانتخابات الليبية قبل انعقادها في عام 2021 لعدةِ أسباب، منها الخلافات بشأن أهلية المسؤولين العسكريين ومزدوجي الجنسية للترشح. ولم يكن الصديق المدني الذي نشأ في بنغازي ليواجه هذه المشكلة، وهذا خلافاً لوالده وبعض إخوته الذين يحملون جنسية أخرى أو خلفية عسكرية.
وقال حرشاوي: "إنه مثل المرشح البديل لعائلة حفتر"، بحيث أنه "إذا لم يتمكن صدَّام وخالد [أخ آخر لهما] ووالدهما من الترشح لأنهما عسكريان، فإن العائلة يمكنها أن تلجأ إلى أفضل خيار متاح لها بعدهما".
كان الصديق خامل الحضور في الشأن العام، إلا أنه أنشأ في فبراير/شباط مجموعة من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي حسابه الشخصي على تويتر، كتب في خانة الوظيفة: "مفكِّر"، ومن الغريب أن حساباته على إنستغرام وفيسبوك تُدار من لبنان.
وفي وقت سابق من هذا العام، أصبح الصديق الرئيس الفخري لنادي المريخ، أحد أنجح أندية كرة القدم السودانية، والذي واجه مؤخراً صعوبات مالية. وقد ورد أن عائلة حفتر تبرعت بمليوني دولار للنادي المتعثر، ونزل الصديق ضيفاً على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي) قبيل تمرده على المجلس العسكري في السودان. إلا أنه أكد أن الاجتماع لم يكن سياسياً.
ومع ذلك، يشكك عماد الدين بادي، وهو زميل كبير غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي الأمريكي، في مزاعم الصديق عن نفسه. وقال بادي لموقع MEE: "بكل صراحة، إنه يُرى كمزحة"، "فعلى الرغم من كونه الابن الأكبر لحفتر وأنه أعلن عن طموحاته السياسية، فإنه ليس لديه قدر يُذكر من المصداقية".
صدام: "مستبدٌ في طور التكوين"
وعلى خلاف أخيه الأكبر، فإن صدَّام حفتر شخصية مشهورة، ويشارك في كثير من الشؤون.
ولد صدَّام ونشأ أيضاً في بنغازي، وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، وأصغر أبناء حفتر، وقد سُمي بهذا الاسم تيمناً باسم صدَّام حسين، الرئيس العراقي السابق. ويزعم مراقبون أنه يتمتع بشخصية الحاكم القوي مثله.
وقال بادي: "صدام مستبدٌ في طور التكوين"، وهو "يحاول السيطرة على ركن بارز من مشروع العائلة، وهو القوات المسلحة العربية الليبية، والتوسع في مشروعات جديدة، تشمل الكثير من الأنشطة غير المشروعة".
وشارك صدَّام مقاتلاً في حملات والده منذ عام 2014، مثل حملة الاستيلاء على برقة والمحاولة الفاشلة للسيطرة على طرابلس. ويميل معظم المراقبين إلى كونه الخليفة الأرجح لوالده، لأنه المرشح الأقرب لقيادة القوات المسلحة العربية الليبية في المستقبل.
يقود صدَّام كتيبةَ طارق بن زياد، أحد أكثر الفصائل المسلحة نفوذاً في القوات المسلحة العربية الليبية. وقد اتهمت منظمة العفو الدولية هذه الكتيبة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات خطيرة ضمن مساعيها لـ"سحق أي تحدٍّ" لسيطرة خليفة حفتر.
وقال بادي: "إنه يعتمد على القمع الشديد مستعيناً في ذلك بقوات تشبه الحرس الشخصي الإمبراطوري، وغالب الظن أن هذه ستكون استراتيجيته للمطالبة بعرش والده حين يجد الجد" ويحل موعد الصراع على السلطة.
وزعم تقرير لمجلة Africa Report الفرنسية أن صدَّام يشارك في أنشطة اتجار غير مشروعة، منها تجارة المخدرات والوقود المهرَّب والذهب والخردة المعدنية من المصانع المُصادرة. وله ارتباط كذلك بأعمال تهريب البشر، واتهمه الناجون من حادثة غرق سفينة المهاجرين قبالة سواحل اليونان في يوليو/تموز بـ "الإشراف" على قوارب تبحر من شرق ليبيا إلى أوروبا.
أما على الساحة الدولية، فإن صدَّام لديه علاقات وثيقة مع محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وروسيا ومجموعة فاغنر التابعة لها، والتي كان لها إسهام كبير في مساعدة حفتر في السيطرة على مناطق نفوذه في ليبيا.
وقال بادي: "إن قربه المتزايد من روسيا قرينة أخرى على ملامح العصر الجيوسياسي المعاصر"، "ويستند هذا التصور إلى أن الولايات المتحدة تنسحب من بعض المناطق لتقليل النفقات، ما أدى إلى تقليص مكانتها العالمية، ومن ثم بات كثير من الزعماء الاستبداديين يوازنون تحالفاتهم على هذا الأساس".
قبل عامين، زار صدَّام إسرائيل، على الرغم من عدم وجود علاقات لبلاده مع دولة الاحتلال. وذكرت التقارير أن الزيارة تتعلق بمناقشة التطبيع مقابل الدعم العسكري والدبلوماسي لوالده.
من يخلف حفتر؟
يرى حرشاوي أن امتناع الحكومات الغربية عن ذكر اسم صدَّام في الاتهامات العديدة الموجهة لقواته، زاد من جرأته، "إنهم لا يذكرونه. لذلك سيقول لنفسه: ما احتمال أن يُفرض عليَّ للعقوبات؟"، وأوضح حرشاوي أن الاحتمال منخفض.
وأشار حرشاوي إلى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد -على سبيل المثال- متهم أيضاً بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة النطاق، ومع ذلك فقد أُعيد تأهيله للانضمام إلى المجتمع الدولي، بمساعدةٍ من الإمارات وغيرها.
وقال حرشاوي: "إنه يتمتع بغطاء دبلوماسي وأيديولوجي"، و"ما دام الدبلوماسيون البريطانيون والفرنسيون لا يتعرضون له بعقوبات أو شيء من هذا القبيل، فإن الطريق مفتوحة أمامه على كثير من الاحتمالات".
ويتوقف الأمر كذلك على من الذي سيحظى بمساندة الوالد خليفة حفتر -البالغ من العمر 79 عاماً- من بين الشقيقين.
وقال حرشاوي: "سواء أحببته أم كرهته، فإن لحفتر إسهاماً مؤثراً في تاريخ ليبيا"، فقد "سيطر على بنغازي في وقت كانت تعاني فيه أزمة أمنية حقيقية، وكان الخوف مهيمناً على سكانها".
ويرى بادي أن استيلاء حفتر على المدينة الكبرى من أيدي الجماعات المتشددة المسلحة أعطاه شكلاً من أشكال الشرعية لدى قطاع من السكان، إلا أنه "ما إن يموت، فإننا لا نعرف كيف ستتصرف القبائل حينئذ"، وشكك في قدرة أبناء حفتر على حيازة الدعم من أنصاره.
وقال بادي: "[صدام] ليس لديه أي مشروعية إلا كونه أكثر أبناء والده قسوة، وميلاً إلى الإجرام" في الدفاع عنه، و"يتوقف نجاحه في بلوغ مطامعه على قبول القوى الغربية للأمر".