تملكها روسيا والصين لكن ليس أمريكا.. كيف تقلب الصواريخ الفرط صوتية موازين القوى عالمياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/17 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/17 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش
الصواريخ الفرط صوتية، تعبيرية / Getty Images

سافر الصاروخ الفرط صوتي الذي أطلقته بكين فوق بحر الصين الجنوبي بسرعة تزيد على 15 ألف ميل في الساعة أثناء دورانه حول الكرة الأرضية. يطير هذا الصاروخ بسرعة تفوق سرعة الصوت بعشرين مرة على الأقل، ويمكنه الوصول إلى أي مكان على الأرض في أقل من ساعة. 

انتهت الرحلة التجريبية لصيف 2021 بضرب الصاروخ بالقرب من هدف في الصين، لكنها تسببت في صدمة بواشنطن. وخلص مسؤولو الأمن القومي الأمريكي إلى أن بكين أطلقت سلاحاً تفوق سرعته سرعة الصوت، وهو مقذوف قادر على السفر بسرعة تبلغ خمسة أضعاف سرعة الصوت على الأقل.

ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟

تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية، وتمتلك روسيا والصين صواريخ فرط صوتية، فيما تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير نماذج أولية منها. كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ بهدف صنع جيل جديد من أنظمة الردع النووي.

يمكن لمثل هذه الأسلحة الهجوم بسرعة كبيرة، ويمكن إطلاقها من مسافات كبيرة والتهرب من معظم الدفاعات الجوية. ويمكنها حمل متفجرات تقليدية أو رؤوس حربية نووية. ولدى الصين وروسيا هذه الصواريخ جاهزةً للإطلاق، لكن ليس الولايات المتحدة. 

كيف تقلب الصواريخ الفرط صوتية الموازين عالمياً؟

يمثل نشر هذه الأسلحة المتقدمة مصدراً مهماً للمكانة الدولية والنفوذ الدبلوماسي. على المسرح العالمي تُترك معظم الدول مضطرة إلى افتراض أنَّ هذه الأنظمة يمكن أن تعمل كما هو معلن عنها، من أجل التخطيط وفقاً لذلك في حالة تشغيلها حسبما قيل.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، متباهياً: "لقد قلت دائماً، ويمكنني أن أكرر ذلك الآن، إنَّ الدول العسكرية الرائدة في العالم ستمتلك بالطبع الأسلحة نفسها التي تمتلكها روسيا اليوم. أعني الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، لكن منذ عام 2018 [عندما كشفت روسيا النقاب عن أسلحتها الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت]، لم تطور أية دولة أخرى هذا السلاح حتى الآن. وستفعل ذلك في النهاية، لكنني أعتقد أننا سنكون قادرين على إقناع شركائنا بحقيقة أنه عندما يحصلون على هذا السلاح، سيكون لدينا على الأرجح وسائل لمواجهته".

تقول صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، والتي تملكها قوى مثل الصين أو روسيا، لديها القدرة على تغيير التوازن الاستراتيجي الذي لطالما دعم سياسة الدفاع الأمريكية. 

وفي حين أن الجيش الأمريكي ربما لا يزال هو الأقوى في العالم، فإن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يمكن أن تساعد الخصم في تحدي هذا التفوق من خلال التهرب من أنظمة الإنذار المبكر الأمريكية المصممة لاكتشاف الهجمات على أمريكا الشمالية، أو ضرب الأصول البحرية الأمريكية، وضمن ذلك حاملات الطائرات، وكذلك القواعد الرئيسية في الخارج. 

وحتى السفن الحربية الأمريكية الأكثر تقدماً في بحر الصين الجنوبي يمكن أن تعجز عن الدفاع ضد أي هجوم يفوق سرعة الصوت. 

ويمكن للصواريخ الباليستية أن تسافر بسرعات تفوق سرعة الصوت، لكنها تتبع مسار طيران يمكن التنبؤ به، مما يسهل اعتراضها قبل إصابة الهدف. ويمكن لصواريخ كروز، مثل صواريخ توماهوك الأمريكية، المناورة، لكن معظمها يتحرك ببطء أكبر، تحت سرعة الصوت. 

لماذا فشلت أمريكا في هذا السباق مع روسيا والصين؟

على مدار أكثر من 60 عاماً، استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات في عشرات البرامج لتطوير نسختها الخاصة من هذه التكنولوجيا. وقد انتهت تلك الجهود إما بالفشل وإما أنها أُلغِيَت قبل أن تُتاح لها فرصة النجاح.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر حول الأسلحة الفرط صوتية الروسية، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة "ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية".

ويقول خبراء عسكريون لمجلة Newsweek الأمريكية إن صاروخ تسيركون الروسي الأخير يقلب الميزان النووي مع الولايات المتحدة. وباعتباره صاروخاً مضاداً للسفن، فإنَّه قد يسحق نظام الدرع القتالي (أيغيس) الأمريكي.

ويقول برنت إيستوود، محرر الشؤون الدفاعية بالمجلة، إن "نظام أيغيس يحتاج من 8 إلى 10 ثوان لرد الفعل من أجل اعتراض الصواريخ القادمة. لكن خلال ذلك الوقت سيكون صاروخ تسيركون قد قطع بالفعل مسافة 12 ميلاً (حوالي 19 كم) على الأقل، ولا بد أن نشعر بالقلق حيال إمكانية إطلاق تسيركون عن غير قصد بما قد يشعل تبادل إطلاق نار نووي".

لكن بعد أن أمضت العقود الأخيرة في التركيز على حروبها الخارجية، تقوم واشنطن مرة أخرى بضخ الموارد في مجال الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت. 

وبحسب صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، تتضمن ميزانية البنتاغون لعام 2023 أكثر من 5 مليارات دولار للأسلحة. وتستفيد الولايات المتحدة أيضاً من القطاع الخاص -وضمن ذلك أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في وادي السيليكون- للمساعدة في تطوير هذه الأسلحة التي نادراً ما جُرِّبَت في الماضي. 

يُعَد هذا الإنفاق جزءاً من كفاح أمريكا لإعادة الهيمنة على التقنيات العسكرية الرئيسية مع دخولها حقبة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى. وتسعى الولايات المتحدة جاهدة لمواكبة الصين في مجموعة من التقنيات العسكرية، بدءاً من الذكاء الاصطناعي إلى التكنولوجيا الحيوية.

روسيا طورت أسلحة فرط صوتية يمكن أن تهدد أوروبا وأمريكا

ويمثل عمل موسكو في مجال الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت مصدر قلق أيضاً للبنتاغون، حتى لو كانت الأسلحة الروسية تعتمد في الغالب على أبحاث الحرب الباردة وقد لا تكون متطورة مثل تلك التي تطورها الصين الآن. وقد طورت موسكو أسلحة يمكن أن تهدد قوات حلف الناتو في أوروبا، وقد روَّج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسلاح أفانغارد، وهو صاروخ يفوق سرعة الصوت ويمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة.

لكن مشاكل البنتاغون في تطوير الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت تمتد عبر سلسلة اتخاذ القرار، بدءاً من اختبارات الطيران الفاشلة وعدم كفاية البنية التحتية للاختبار إلى الافتقار إلى خطة واضحة وشاملة لنشر الأسلحة. ويثير هذا الوضع مخاوف لدى بعض المسؤولين السابقين. 

"الدفاع الأمريكي في خطر"

تجمع الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت بين السرعة والقدرة على الطيران على ارتفاعات منخفضة والمناورة أثناء الطيران، مما يزيد من صعوبة اكتشافها بواسطة الرادار أو الأقمار الصناعية. وهذا يجعل من المستحيل تقريباً اعتراضها بواسطة الأنظمة الحالية.

في معركة في بحر الصين الجنوبي، يمكن لبكين استخدام الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت لمضاعفة مدى وصولها، مما يجعل السفن الأمريكية في المنطقة بلا دفاع تقريباً، وحتى ضرب جزيرة غوام، موطن الآلاف من الجنود الأمريكيين والمنشآت العسكرية الرئيسية. 

بدأت الولايات المتحدة الاستثمار في أنظمة الدفاع الصاروخي المصممة لتدمير الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، وضمن ذلك جهد جديد سيُطوَّر بالاشتراك مع اليابان. ومع ذلك، لا تزال هذه الأنظمة ناشئة، ومن غير المُتوقع أن تدخل الخدمة قبل 10 سنوات أخرى على الأقل.

على مدى العقد الماضي، أجرت الصين مئات اختبارات الطيران لهذا الجيل الجديد من الأسلحة. تمتلك بكين بالفعل أسلحةً تفوق سرعة الصوت، وهي جاهزةٌ في ترسانتها، تماماً مثل موسكو، التي استخدمت هذه الصواريخ ضد أوكرانيا. 

لم يصدر مسؤولو البنتاغون والاستخبارات تقديرات حول العدد الذي يعتقدون أنه لدى الصين وروسيا. ولم تنشر الولايات المتحدة، التي أجرت فقط جزءاً صغيراً من عدد الاختبارات التي أجرتها الصين، أي صواريخ فعلية تفوق سرعة الصوت. 

كان المهندسون الأمريكيون لسنوات في طليعة الأبحاث المتعلقة بالسرعات التي تفوق الصوت، حيث عملوا على الصواريخ والطائرات. 

حروب أمريكا أشغلتها عن تطوير الصواريخ الفرط صوتية

يعود تاريخ البحث في هذا المجال إلى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، عندما طار الجيش الأمريكي بطائرة إكس-15، وهي طائرة اختبارية مأهولة تفوق سرعة الصوت. ورغم نجاح البرنامج، فقد أُلغِيَ في العام 1968 عندما شاركت الولايات المتحدة في حرب فيتنام. ولا يبدو أن الطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يمكن أن تفيد في القتال بالغابات. 

أعاد الرئيس رونالد ريغان إثارة الاهتمام بالطائرات التي تفوق سرعة الصوت في الثمانينيات عندما أعلن عن خطط لطائرة تفوق سرعة الصوت يمكنها الطيران من واشنطن إلى طوكيو في ساعتين. أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 1.7 مليار دولار على تطوير نموذج أولي للطائرة، التي لم تحلق مطلقاً وأُلغِيَت بعد نهاية الحرب الباردة. 

لا توجد دولةٌ اليوم تطير بطائرة مأهولة تفوق سرعة الصوت بدرجة كبيرة. تستخدم الجيوش الأمريكية وغيرها طائرات نفاثة أسرع من الصوت، مما يعني أنها يمكن أن تطير بسرعة أكبر من سرعة الصوت، أو 1 ماخ، ولكن لا يمكن لأي منها أن يصل إلى 5 ماخ. 

بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، تحول انتباه الولايات المتحدة إلى نوع مختلف من الحرب. وعلى مدى العقدين التاليين، قامت واشنطن بتمويل تقنيات مثل الطائرات المسيَّرة المسلحة، وأجهزة الكشف عن القنابل وأجهزة الاستشعار التي يمكنها تعقب الإرهابيين والمتمردين. ورغم أن البعض جادل في صالح الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت في ضرب "زعماء الإرهابيين"، قال آخرون إن "الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت لم تقدم سوى فائدة قليلة في هذه المعارك". 

في الوقت نفسه، قامت الصين بتسريع جهودها لتطوير أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت من خلال اختبارات الطيران المتكررة، كما مضت روسيا، التي استثمرت لفترة طويلة في هذا المجال، قدماً في هذا المسار. وغالباً ما استخدمت بكين الأبحاث الأمريكية حول سرعة الصوت -المنشورة علناً في المجلات العلمية- والتي مولتها الحكومة الأمريكية لعقود من الزمن. 

ومن بين أبحاثٍ كثيرة، نشر باحثون أمريكيون موضوعاً عن ديناميكيات الموائع الحسابية، التي تساعد في تصميم نموذج طيران يفوق سرعة الصوت، لكنهم شهدوا الصين على الفور تطوِّر رموزاً تستخدم بوضوحٍ تلك التي طُوِّرَت في الولايات المتحدة. 

في غضون ذلك، استأنفت روسيا، التي تابعت أيضاً التطورات الأمريكية عن كثب، العمل على البرامج التي تفوق سرعة الصوت والتي نفذتها خلال الحرب الباردة.

أجراس الإنذار تدق داخل وزارة الدفاع الأمريكية

في عام 2016، حذرت لجنة رفيعة المستوى من الأكاديميات الوطنية، وهي مجموعة علمية مستقلة تقدم المشورة للحكومة الفيدرالية، من أن الخصوم الأجانب، وضمنهم الصين، يقومون بإعداد جيل جديد من الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، وفي حين أن تفاصيل الدراسة سرية، فإن استنتاجاتها دقَّت أجراس الإنذار داخل وزارة الدفاع. 

يناقش مسؤولو البنتاغون الآن أفضل السبل للرد. ويرى البعض أن الولايات المتحدة يجب أن تركز أكثر على الأنظمة الدفاعية، بدلاً من الصواريخ. ويقول آخرون إنه حتى لو كان لدى خصوم الولايات المتحدة مزيد من الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، فإن حالة الأسلحة الأمريكية التي تفوق سرعة الصوت -حتى وإن لم تُنشَر بعد- ستكون في نهاية المطاف أكثر تقدماً. ولا يتفق الجميع على أن سباق الأسلحة الفائقة لسرعة الصوت يقتصر على عدد الصواريخ. 

في العام الماضي، منحت القوات الجوية شركة RTX، عقداً بقيمة مليار دولار تقريباً لتطوير صاروخ كروز يفوق سرعة الصوت، والذي سيُطلَق من طائرة، وهو مُصمم لضرب السفن المعادية. 

لقد توقف التقدم جزئياً بسبب صعوبة تطوير الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت. والسفر بسرعة تزيد على ميل في الثانية يولد حرارة تتجاوز 2000 فهرنهايت (1093 درجة مئوية)، وهي درجة تتجاوز الحد المسموح به لمعظم المواد. قال ويس كريمر، رئيس شركة RTX: "التحدي الأكبر الذي يواجه الأنظمة التي تفوق سرعة الصوت كان هو دائماً التحكم في مسألة الحرارة". 

التكلفة أيضاً تمثل مشكلة. تُعَد الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، والتي يصعب تطويرها وتتطلب مواد متخصصة، أغلى من الصواريخ التقليدية، وتبلغ تكلفتها نحو الثلث أكثر من الصواريخ الباليستية ذات القدرات المماثلة، وفقاً لمكتب الميزانية التابع للكونغرس. 

استخدامات الصين وروسيا 

أطلقت بكين في أواخر فبراير/شباط صاروخها دي إف-27، الذي يفوق سرعة الصوت، لمدة 12 دقيقة عبر أكثر من 1300 ميل، وفقاً لوثيقة استخباراتية أمريكية سرية للغاية سُرِّبَت على منصة Discord. والصاروخ مصمم للوصول إلى ما يسمى بسلسلة الجزر الثانية، والتي تشمل جزيرة غوام. 

وقالت الوثيقة إن الصاروخ من المحتمل أن يخترق أنظمة الدفاع الأمريكية، وإن الصين أعدت عدداً صغيراً من هذه الصواريخ العام الماضي. 

وقد روَّجت موسكو لصاروخ كينجال القوي الذي يفوق سرعة الصوت، والذي استُخدِمَ لضرب أهداف في أوكرانيا. ونظراً إلى أن صاروخ كينجال هو صاروخ باليستي يُطلق من الجو، فقد تساءل النقاد عما إذا كان سلاحاً حقيقياً يفوق سرعة الصوت، ويقولون إنه عرضةٌ للاعتراض. تدعي روسيا أيضاً أنها قامت بتجهيز صاروخ أفانغارد، الذي يفوق سرعة الصوت بـ27 مرة ويتمتع بقدرات نووية. 

في العام الماضي، منح مختبر أبحاث القوات الجوية الأمريكية عقداً بقيمة 334 مليون دولار لشركة لايدوس، وهي شركة دفاع كبرى، للعمل على التكنولوجيا لمشروع طائرات تفوق سرعة الصوت يطلق عليه اسم مايهيم. وعملت شركة لوكهيد مارتن أيضاً، على مر السنين، على تطوير طائرة تفوق سرعة الصوت، لتكون خليفةً لطائرة إس آر-71 بلاك بيرد الشهيرة، وهي طائرة تجسس متقاعدةٌ الآن سافرت بسرعة تزيد عن ثلاثة أضعاف سرعة الصوت. 

تحميل المزيد